(536)
(206)
(568)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 20 محرم 1446هـ، بعنوان:
مجلى اغتنام ساعات العمر وعمارتها بما يورث سعادة الأبد
هو النّور المُبِينُ بِهِ اهتدينا ** هو الدّاعي إلى أقوى سبيلِ
أتانا داعيًا بالحقّ يدعو ** إلى الإسلام بالقَوْلِ الثقيلِ
فبَادَرَ بالإجابةِ كُلُّ عبدٍ ** مُطيعٍ للإلهِ وللرسولِ
وأنكَرَ كُلُّ ذي بغي وكُفرٍ ** وأعرضَ كُلُّ خَتَّالٍ ضَلُولِ
ففَازَ المقبلون بكُلِّ خَيْرٍ ** وعُقْبَاهُم إلى الظِّلِّ الظَّليلِ
وخَابَ المُعرِضُون وكان عًقبَى ** معاصيهم إلى الخِزي الوَبِيلِ
________________
فَحَمْدًا لرَبٍّ خصَّنا بمُحَمَّدٍ ** وأخرجنا من ظُلْمَةٍ ودَيَاجِرِ
إلى نُورِ إسلامٍ وعلمٍ وحكمة ** ويُمنٍ وإيمانٍ وخَيرِ الأَوَامِرِ
وطهَّرنا من رجسِ كُفرٍ وخُبثِهِ ** وشِركٍ وظُلمٍ واقتحامِ الكبائرِ
________________
فيَا رَبِّ ثَبِّتنا على الحَقِّ والهدى ** ويَا رَبِّ اِقبِضنَا على خَيْرِ مِلَّةِ
اللهم كما أنعمتَ علينا بالإسلام فزِدنا منه، وكما أنعمتَ علينا بالإيمان فزِدنا منه، وكما أنعمتَ علينا بالعافية فزدنا منها، وكما أنعمتَ علينا بالعُمر فبارك لنا فيه.
بركة الأعمار ونورها:
يا الله.. اجعل لِكُلِّ فرد من الحاضرين والسامعين بركةً في عمره؛ تجمَعُ له بها خيرات الساعات، والأيام والليالي، والأسابيع والأشهر، واللحظات والأنفاس والخطرات، يا مجيب الدعوات..
وساعاتُ انقضاء العُمرِ في إقبالٍ على الله؛ ساعاتٌ مباركة، وساعاتُ انقضاء العمر في حضورٍ مع الله؛ ساعاتٌ مباركة، وساعاتُ انقضاء العمر في اتصالٍ برسول الله وما جاء به عن الله، واستنارةٍ بنوره؛ ساعات مباركة.
فبارِك لنا في جميع ساعاتنا، وليالينا وأيامنا وأشهرنا وسنيننا وأعمارنا، واجعل خير الساعات لكل واحدٍ مِنَّا: ساعةَ لقائك، اجعل خير الساعات لكل واحدٍ مِنَّا: ساعةَ لقائك، واجعل خيرَ الساعات وأشرف الساعات وأبرَك الساعات وأنوَر الساعات وأزهى الساعات لكل واحدٍ مِنَا: ساعة أن يلقاك، فيلقاكَ وأنت راضٍ عنه يا مولانا يا الله؛ فيفوزَ فوز الأبد، ويَسعَدَ سعادة الأبد، ويَتَنَعَّم نعيم الأبد، ويُرَافِقُ النبي محمد، ومن في حضرته من كُلِّ مُقرَّبٍ أمجد.
سألناك يا واحدُ يا أحد، وما من سائلٍ صدق معك فكان يُرَدُّ أو يُصَد، لا إله إلا أنت، أنت المُستعان وعليك التكلان وأنت المعتمد، فأجِب ما دعوناك وحقِّق لنا ما رجوناك، وزدنا زيادة في الغيب والشهادة؛ من حقائق السعادة، يا مُسعِدَ أهل السعادة.. يا الله.. يا الله.
حظَّنا من رسول الله ﷺ:
والذي خلَقنا لنربحَ عليه لا ليربَحَ علينا؛ يسَّرَ لنا سبيل اغتنام الساعات؛ بما نوَّع لنا من الطاعات والخيرات، وبما أتاحَ لنا من تعليقِ القلب به، وبأمره وشريعته، وما جاء عنه، وما نزل منه، وما حمله إلينا صفوته من النبيين والمرسلين، حتى خُصِّصنا بأصفى الأصفياء، وخاتم الأنبياء، وأزكى الأزكياء، وأتقى الأتقياء، سيد أهل الأرض وسيد أهل السماء؛ فحمل لنا عن الله أنوار الله، وحمل لنا عن الله هدى الله، وحمل لنا عن الله وحي الله، وحمل لنا عن الله شريعة الله، وحمل لنا عن الله تعالى رحمة الله، وخُوطِبَ من قِبَلِ الرَّحْمَنِ (ومَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107].
رحمةٌ كلُّه وحزمٌ وعزمٌ ** ووقارٌ وعِصمَةٌ وحياءُ
مُعجِزُ القَوْل والفِعَال
قوله مُعجِز وفعله مُعجِز -
مُعجِزُ القَوْل والفِعَال كريمُ ** الخَلْقِ والخُلقِ مُقسِطٌ مِعطَاءُ
ما سوى خلقه النَّسِيم ** ولا غير مُحيَّاهُ الرَّوْضَةُ الغَنَّاءُ
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وفِّر اللهم حظَّنا من هذا النبي، وسِرْ بنا في منهجه السَّوِيّ، وسِرْ به كُلٍّ من أهلينا، وسِرْ به كُلٍّ من أولادنا، بناتِنا وبنينا، ومن أحفادِنا وأسباطِنا، ومن طُلَّابِنا وقَرَابَاتِنا، ومن جيراننا وذوي الحقوق علينا..
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهُدَى ** ويَا رَبِّ اقبضنا على خَيْرِ مِلَّةِ
واجعل لنا بركةً في ساعاتِ أعمارِنا كلها.. يا الله.. يا الله.
بماذا تحصل بركة العمر؟
وبركة العُمر إذا عمرك مضى وأنت طائع ** تعبد الله دائم وأنت خاشع وخاضع
بركة العمر: حين تُجَالِسُ أهل الحضور مع الله، بركةَ العمر: حين تحضُر مَحَافِلَ يَصُبُّ الرحمنُ فيها صَبًّا مِنَنَهُ وعطاياه، بركة العمر: أن تَصدُقَ في النَّوَايَا في طاعة الله، وفي نُصرَتِهِ ونُصرَةِ مُصطَفَاه؛ بنفسك ومالك وحالك وقولك وفعلك، وجميع مقدوراتك ومُستَطَاعِك، في نفسك وأهلك، ودارِك وعاداتك وعباداتك، وحركاتك وسَكَناتك؛ حتى يَصِحَّ لك معاني حقيقة: (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) وأنا من المسلمين.
ومَن كان صلاته ونُسُكُه ومحياه ومماته لله؛ فهو عَبْدُ الله حقّا، ومَن كان عبد الله حقا نال من الله عِتْقَا، ورَقَّاهُ إلى خَيْرِ مَرْقَى، وأعطاهُ مِن عَطَايَاهُ ما لا يُعَدُّ ولا يُحَدّ، ولا يضبطه عقلٌ لأحد، في السماوات ولا في الأرض، في الغيب ولا في المَشْهَد، في الدنيا ولا عند الموت ولا في البرزخ ولا في يوم غد ؛ ذلكم فضل الواحد الأحد الفرد الصمد!
وإنَّا نتوجه إليه: أن يُباَرِكَ في جميع ساعات أعمارنا..
يا سيدنا.. بعد التفضّل علينا بجَمْعِنَا هذا متوجهين إليك: لا تُعَرِّض أحدا من المجتمعين والمستمعين والمشاهدين والمتعلقين بعد هذه الساعة لساعة بُعْدٍ، ولا لساعة غفلةٍ، ولا لساعة حِجَابٍ ولا لساعة ذَنْبٍ، ولا لساعة معصيةٍ، ولا لساعة ظُلمةٍ، ولا لساعة إدبارٍ، ولا لساعة انتكاسٍ.
خير الساعات كلها:
اللهم واجعل بقيَّةِ ساعات أعمارنا في إقبال، ووجهة إليك في جميع الأحوال، وفي اِتِّباعٍ لبَدْرِ الكَمَال، مُفِيضِ النَّوال، باهي الجمال، مولى بلال، خاتم الإنباء والإرسال، مَن جَمَعْتَ فيه الكمال، وجعلته المُقَدَّمَ على جميع الخلائق في كُلِّ الأحوال.
اللهم صلِّ عليه أفضل الصلوات، وسلِّم عليه أزكى التسليمات، وعلى آله وأهل كسائه وأهل بيته، وصحابته الأكرمين، وأنبيائك والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكتك المقربين، وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، عدد ما خلقتَ، وملء ما خلقت، وعدد ما أحصى كتابك، وملء ما أحصى كتابك، وعدد كل شيء، وملء كل شيء، كُلُّ صلاةٍ وسلامٍ من ذلك تُوَفِّر لنا بها الحظَّ من البركة في كل ساعة مما بقي من ساعات أعمارنا، وتجعل خير تلك الساعات كلها لكل فردٍ مِنَّا: ساعة أن يلقاك، ويرجع إليك؛ فيُدرك رضاك.
سؤال المضطر المفتقر:
يا مولانا يا الله، يا إلهنا يا الله، يا ربَّنا يا الله، يا خالقنا يا الله، يا موجدنا يا الله، يا مُنعِمًا علينا يا الله، يا مُتَفَضِّلًا علينا يا الله، يا نَاظِراً إلينا يا الله، يا مُطَّلِعاً على سرائرنا يا الله، يا من هو أعلم بِنَا مِنَّا يا الله.. سألناك سؤال المضطر المُفتقر؛ بارك فيما بقي لنا ولهم من الساعات حتى نلقاك، فتكون ساعة لقاك أشرف الساعات، وأبهى الساعات، وخير الساعات، يا ربَّ الأرضين والسماوات، بِمَحضِ الفضل والمِنَّة يا كريم.
سيدنا ومولانا وإلهنا وخالقنا، ومن بيده أمرنا، وما اقتضى من سوء أقوالنا أو أفعالنا، أو نياتنا أو أحوالنا، أو تصرفاتنا فيما مضى، غير الذي طلبنا منك؛ فاكفِنا شرَّ ذلك وبدِّل السيئات إلى حسنات، واغفر لنا يا غافر الخطيئات، وما بقي لنا من الساعات لا تجعل لنا فيه كسب رذيلة، ولا كسب سوءٍ، ولا كسب سيئة، ولا التفات إلى غيرك، ولا تعلُّق بمن سواك، ولا تولُّع بأحد عَداك.
لا إله إلا أنت، يا مُجِيبَ الدعوات، يا مجيب الدعوات، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات، يا من أنزلتَ على خير البريّات: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[البقرة:186]، سبحانك قُربُكَ لا يُحِيطُ به محيط! أنت أقرب إلى كلٍّ مِنَّا من حبل وريده! لا إله إلا أنت (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186].
دعوناكَ يا كريمُ يا منَّان، دعوناكَ يا رحيمُ يا رحمَن، دعوناك يا قَدِيمَ الإحسان، دعوناك يا مُنزِل القرآن، دعوناك بِمن أنزلتَ عليه القرآن: أن تُطَهِّرنا من جميع الأدران، وأن تجعلَ كُلَّ فردٍ من الحاضرين والسامعين ذا صِدْقٍ معك يرقَى به إلى أعلى مكان، ويَفِي بعهدك في السِّرِّ والإعلان، ويَنفَعُ عبادك في آناء الليل وأطراف النهار، مفتاحًا للخير مِغْلَاقًا للشر فيما بَطَنَ وفيما ظَهَر، حتى يلقاكَ على الحَالِ الأجمَلِ الأتَمِّ الأطهر.
لا تجعل فينا إلا قلبا مستجيبا:
يا مجيب الدعاء، يا سميع الدعاء، يا من لا يُخيِّبُ الرجاء: دعوناك فاستجِب لنا، وأمرتنا فقلتَ: (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186]، ولبّينا يا رب، نُلَبِّي النداء مرحبًا ولبيكَ، ولا قوة ولا حول لنا إلا بك، فثَبِّتنا ووَفِّقنا لأن نَستَجِيبَ لك فنُحسِنَ الاستجابة. كُلَّ قلبٍ معنا أو يسمعنا أو متعلقًا بنا اُرزقه الاستجابة لك، وتلبية ندائك، والعمل بما قلتَ (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي)[البقرة:186]. فلا تجعل فينا إلا قلبًا مُستجيبًا، صادقًا مُنيبًا، يُمسِي ويُصبِح قريبا.. يا الله.
فإنَّ أبعدَ الناس عنك القلب القاسي، فلا تجعل فينا قلبًا قاسِيَا، ولا من نور الصدق خاليا، واغمرنا يا مولانا بِنُورِ الصِّدقِ معك ظاهرا وباطنا..
يا الله: اجعل قلوبنا وقلوب أهالينا وأولادنا مُستَجِيبَةً لك، مُنَفِّذةً لأمرِ: (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي)[البقرة:186].
طلب زيادة الإيمان:
وقُلتَ لنا: (وَلْيُؤْمِنُواْ بِي)[البقرة:186]، وها نحن بين يديك نحمدك على ما وهبتنا من الإيمان؛ فزِدنا إيمانًا، فزِدنا إيمانا، فزدنا إيمانا، وما نَقَصَ من إيمان أَحَدِنا فكمِّل إيمانه، وما خالطَ إيمان أَحَدِنا من شائبةٍ فطَهِّرهُ وأَبْعِد أَدْرَانَه، لا نُمسي الليلة إلا في المؤمنين المُتَحَقِّقينَ بحقائق الإيمان.. يا الله.
والإيمانُ بكَ يَجمَعُ خيرات الدارين، والإيمانُ بكَ يرفع إلى مَقَامِ الحُسنَى مع المُقَرَّبِين، والإيمانُ بكَ يُوقِفُ القلبَ على الشَّوقِ والحنين، والإيمانُ بكَ يَزُجُّ بصاحبِهِ في الهدايةِ الكبرى، وفي المحبَّة العُظمَى، وأنت القائل: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11]، فارزقنا الإيمان وقوِّنا فيه، وزدنا منه، واهدِ قلوبنا..
يا الله.. يا الله
الإيمان الصادق بك يُوجِبُ إيثارك على ما سواك، فحقِّقنا بحقائق هذا الإيمان، يا كريمُ يا منَّان، يا رحيم يا رحمن.
يا الله..يا الله
يا خير مَن يُجِيب، وأكرم مَن يَستَجِيب: توجَّهنا إليكَ بالحبيب، تقضي حاجاتنا قريب، وتَدفَعُ الشكَّ والرَّيْبَ عن المُستَرِيب، وتُثبِّتنا على قَدَمِ الهُدَى في كُلِّ شان، وترفعنا إلى أعلى مكان، اجعلنا ممن آمَنَ بك واستجاب لك فَرَشَد (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186].
وما أعطيتَ المحبوبين من الرُّشدِ؛ فطهِّرنا من كُلِّ غَيّ وأرشِدنا، واحفظنا في بقيَّة ساعات أعمارنا من الغي ومن الضلال والزيغ والفساد، واجعلنا من عبادك الراشدين، فقد مننتَ على أوائلنا وصدور هذه الأمة وقلتَ (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةࣰۚ)[الحجرات:7-8].
قولوا بكُلّياتكم: يا الله:
فيَا ذا الفضل والنعمة: يد الفقر، يد الضعف، يد الحاجة، يد الاضطرار، يد الانكسار، يد الاعتراف، يد العبودية، امتدت إليك؛ تسألك كمال الإيمان، تسألك كمال اليقين، تسألك التطَهُّر عن الأدران، فاجعل كُلَّ قلبٍ مجتمعا معنا أو يسمعنا من القلوب التي تصطفيها لهذه العطايا، وتخصُّها بهذه المزايا، وتُلحقها بخيار البرايا، يا عالم الظواهر والخفايا.
يا الله.. يا الله
هو ربكم ومولاكم، ألحِّوا عليه، وتوجَهوا إليه، وتذلّلوا بين يديه، وهو الأكرم، وهو الأسخى، وهو العظيم العطاء، وهو جزيل النَّوال، وهو يعطي ولا يبالي، إنه الله فنادوا الله، واسألوا الله، وادعوا الله وناجوا الله، وقولوا: يا الله .. قولوا يا الله .. قولوا يا الله، فمن خير ساعاتكم ساعات التوجه إليه، والتذَلُّل بين يديه، اِعتَرِفُوا بفقركم والجأوا إلى غِنَاه، واعتَرِفُوا بعجزكم والجأوا إلى قدرته، واعتَرِفُوا بضعفكم والجأوا إلى قوته، وقولوا بكُلِّيَاتِكُم: يا الله.
فإنه يسمعكم، وإنه ينظركم، وإنه يَرْقُبُ قلوبكم، وإنه يتفضَّلُ عليكم، وإنه يَمُنُّ عليكم، وإنه يجود عليكم .. إنه الله، إنه الله، إنه الله..
الله الله .. تعالى في علاه!
ما لنا إلا الله، لا نرجو إلا الله، لا نخاف إلا الله، لا نلتجئ إلا إلى الله، لا نعتمد إلا على الله، لا نطمئن إلا إلى الله..
يا الله .. يا الله
اجعلنا من خيارِ أُمَّةِ هذا الحبيب، اجعلنا من خيارِ أُمَّةِ هذا الحبيب، اجعلنا من خيارِ أُمَّةِ هذا الحبيب، وقرِّبنا مع أهل التقريب يا قريب يا مُجيب.. يا الله
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
وتتلو قلوبنا، وتتلو أرواحنا، وتتلو ألسنتنا ما أوحيتَ إلى حبيبك، وما قلتَ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ..) صدقتَ يا ربّ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ..) سمعتم ما يقول لكم على لسان حبيبه؟ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186].
دعوناك يا رب، اكشف الغُمَّة عن الأُمَّة، طالت أيدي أعدائك وأعداء رسولك في الظلم والتبجُّح به، والعدوان والأذى للخلق، والصَّدِّ عن سبيلك؛ اللهم اقطعهم واردعهم وامنعهم بما شئت وكيف شئت، يا حي يا قيوم، مُنزِل الكتاب، سريع الحساب، منشئ السحاب، مُنزِلَ الكتاب، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اهزمهم وزلزلهم، اجعل أعداءك أعداء الدين (كَعَصۡفࣲ مَّأۡكُولِۭ)[الفيل:5].
ولا تُبَلِّغهُم مُرَاد ** ونارهم تُصبِح رَمَاد
بـ كۤهیعۤصۤ ** في الحَالِ ولّوا خائبين
في الحَالِ ولّوا خائبين، في الحَالِ ولّوا خائبين..
وهذه أَسْهُم تُصِيب ما تُخطئ، وآثارها تُنظَر في العالم وما يجري فيه وما يكون فيه.
يا ربَّ العالَم، يا من بيده الأمر كله، واجعل الحاضرين والسامعين من أهل الصدق معك والإنابة إليك، لا يكون فيهم سبب شر ولا سبب ضر، ولا مُتَسَبِّب في آفَة تحلُّ بالمسلمين، واجعل كل مِنَّا ومنهم سببًا للهداية، وسببًا للنصرة، وسببًا للتقوى، وسببًا للرحمة يا أرحم الراحمين.
وقلتَ (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي)[البقرة:186]، وعَزَمْنَا يا رب بكُلِّ قُوَانَا -عبوديةً لك- أن نَسْتَجِيبَ لك، ولا طاقة لنا على ذلك إلا بك، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك، فاجعلنا من المستجيبين لك.. يا الله، حتى لا تُكتَب في صحائفنا بعد اليوم قولٌ لأحدِنا إلا قول المستجيبين لك، يا ربَّنا ولا يُسَجَّل في صحائفا فعل إلا فعل المستجيبين لك، ولا تُثْبَت علينا نِيَّة إلا نِيَّة المستجيبين لك، يا الله.. وحركاتنا وسكناتنا اجعلها على ميزان الاستجابة لك.
قُلتَ: (وَلْيُؤْمِنُواْ بِي)[البقرة:186]، وهذه عطاياك .. لك الحمد، ما رميتَ بنا في الكافرين ولا في المشركين ولا في الملحدين، وجعلتنا في المسلمين المؤمنين، ونسألك تحقيق ذلك، وأن تُحقِّقنا بحقائق الإيمان، وتُمَكِّنَنَا فيه، وتقوّينا فيه، وتقوّينا في التمكين فيه، وتجعلنا من خواصِّ أهليه، وتزيدنا منه أبدا سرمدا.
(وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186]، فأرشدنا اللهم حيثما كنا وأينما كنا، لا يختلط الأمر علينا ولا يَنْبَهِم، ولا نختار إلا ما هو إليك أحب وإلى رسولك الأطيَب، ولك أرضى وله، في كُلِّ ما نقول ونَفعَل، ونَنوِي ونَعزِمُ، ونتحرَّك ونَسكُن، ونأخذ ونُعطِي، ونُحِبُّ ونَبغَض .. يا الله
يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا من لا يُخيِّب من رجاه، ولا يَرُدُّ مَن ناداه..
وتتروَّح أرواحنا بما أوحيتَ إلى حبيبك وأنت أصدق القائلين: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة:186]، وكلُّ ما دعوناك به أَحْكِم ربطه بدعوة حبيبك محمد، ودعاء حبيبك محمد، ووِجهة قلب حبيبك محمد إليك.
(فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي)[البقرة:186] بالقرآنَ ومن أنزلته عليه؛ خَلِّص واحفظ واحرس هذه القلوب أن تستجيبَ لغيرك، أو تُلبِّيَ مَن خرج عن أمرك؛ حتى نعيش في حياتنا لا نستجيبُ إلا لك، ولا نُلبِّي دعوة مَن خالفك.
وزِدنا إيمانًا يا من قلت (وَلْيُؤْمِنُواْ بِي)[البقرة:186]، واخلع علينا خِلَعِ الرَّشَادِ والسَّدَاد، فلا نغوى بعدها ولا نطغى أبدا، يا من قلت (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:186]، دعوناكَ كما أمرتنا فاستجِب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد. يا الله..
الله الله يالله لنا بالقبول.
19 مُحرَّم 1446