كرامة التحرر من رق الأكوان بمنهج الرحمن وتبعية حبيبه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على هذه الإمداداتِ الربانيةِ التي بها تحيا القلوبُ والأرواح، لتأخذَ نصيبَها مِن عجيبِ ذاكم الراح، الراح الشراب الذي تُسقى به أرواحُ أهل الإيمان لتتروحَ وهي في الدنيا بأُنسٍ بالحق ورسول الحق، وما هو عند الله حق في الأقوال وفي الأفعال مقتدية مهتدية بأحبِّ المحبوبين وأقربِ المقرَّبين إلى الله ربِّ العالمين، متخلِّصةً بذلك مِن وقوفها أمام العوائق والقواطع التي تأخذ أكثرَ أفكارِ الناس، وتأخذ أكثر وجهات الناس لتستعبدَهم من دون إلههم جل جلاله وتعالى في علاه، وتقطعهم عن كريمِ منهج افعل ولا تفعل من قبل الله، بذميمِ افعل ولا تفعل من قبل مقطوع ومبعود وفاجر وكافر، لا خلَقهم ولا إليه مصيرهم، فهذه النار المعجلة للذين حُرِموا سرَّ الاتصال بالحق ورسوله الأصدق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، صاحب النور الذي تشعشع، وبه استضاءَ كلُّ من استمع، وقالوا له:
وأنت لما ولدت أشرقت ** الأرض وضاءت بنورك الأفق
ونحن في ذلك الضياء وذلك** النور وسبل الرشاد نخترق
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وأنتم تجتمعون حول ترويح الأرواح من ذلكم الراح، راح الاستماع لكلام الفتاح، والذي خُصّ بأعلى معاني الانشراح سيدُ الوجود، إمام الركع السجود، صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والمقام المحمود صلوات ربي وسلامه عليه،
وخوطب :
يا مَن يقوم مقام الحمد منفرداً ** للواحد الفرد لم يولد ولم يلدِ
(عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)
في هذا الربط بشان المستقبل الكبير الذي يُعرف فيه القيمةُ لكل سعيٍ ولكل وجهةٍ ولكل رأي ولكل عمل ولكل خطة، ولكل نظام على ظهر الأرض، وأكثر المتشدِّقين بذكرِ النظام هم الأوائل في خرقِ أنظمتِهم بأنفسِهم، في مواطن كثيرة، يشهد الواقعُ عليهم بذلك، ولكن أهل نظام الله تبارك وتعالى في علاه، عبدوا الإلهَ فتحرّروا من الرقِّ لكل ما سواه، وحينئذٍ أقاموا الأمر كما يحبه ويرضاه على قدرِ إيمانهم وعبوديّتهم، وسمعتم منهم تلك الأمثلة التي مضت على قدم الصدق يقول في ولايته "إن أطعتُ الله فأطيعوني وإن عصيتُه فلا طاعة لي عليكم"، "إن استقمت فأعينوني وإن اعوججت فقوّموني"، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى. ثم يقول واليهم وحاكمهم عند مراجعة المرأة له: "أصابت امرأة وأخطأ عمر". عليهم رضوان الله جل جلاله.
فدعوا التشدُّق بكلام الديموقراطيات والحريّات الفاسدات المفسدات المُتعِبات المؤذيات، وفي عصرنا الحاضر جاؤوا إلى بعض البلدان باسم الديموقراطية وقالوا جئنا لكم بالحرية والديموقراطية فقلبُوا رأسها إلى أسفلها، وأتعبوا فيها الصغير والكبير، وجميع طوائفها رجالاً ونساءً بكل مَن فيها من جميع أهل المذاهب، تعباً شديداً، وبؤساً مدنِفاً متعبا، يشكوا الكلُّ منه
لكن نظام الحق، حامله محمد، صلوات ربي وسلامه عليه، فأيّما عاقل من بني آدم أراد مسلكَ السّواء والإنقاذ ففي هدي محمدٍ ولا غيره، ولا غيره، ولا غيره، ليكفُّوا عنا عقولَهم التي أفسدت، وأنظمتهم التي أتعبت، وجلبت للناس أنواعَ الشرور وليتركوا الكونَ للمكوِّن جل جلاله، وليتركوا المُلكَ للمالك، ولينظروا ماذا رسمَ المُكوّن المالك، وماذا خطَّ مِن مسالك، ومَن اختار للبيان، ومن اختار للهدى.
(الله يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ)، أبعدَ ذلك نتركُ اصطفاءَ الله واختيارَه ونقول انتخبوا، من هم هؤلاء؟ انتخبوا من؟ وما معهم من حق؟ الله اصطفى! (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) وبعد اختيار الله لنا أنبياء ومرسلين، ننصب على أنفسنا اختيارات ندعي لها أسماء ونجيب لها بدعة ومن هنا وهنا ونلعب بها بالعباد لعبَ الصبيان بالكرة، (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) فهل جاؤوا بشيء غير هذا؟ جميعُ رصيدهم داخلٌ تحت هذا، (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) والمستقبل مُقبل، وما في المستقبل، (وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) وفي الآخرة عذاب شديد لأصنافٍ عاشوا على ظهر الأرض، رفضوا نظامَ ربهم، ورفضوا اختيارَ خالقهم، وقالوا نحن نختار الشعب الفلاني يختار الحزب الفلاني يختار، ربي قد اختار لكم، ربي قد أحلّ وحرّم، ربي سبحانه وتعالى قد شرع وقد بيّن (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ومَن تذكرون في تاريخكم (لْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) لكن عما تعملون أنتم، انظروا ماذا تعملون، وما تختارون في الأعمال، (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) شُغلهم الانتقال، شُغلهم الاعتراض على غير بصيرة، على غير بيِّنة، ما ولاهم!؟ لماذا هذا النبي حيناً يستقبل بيت المقدس، ثم يتحول إلى الكعبة المشرفة (مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يا متفلسفين، يا متمحذقين، يا متطاولين، (للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) اخترنا منكم مَن يغلُب عقلُه على شهواته وعلى هواه، فينتظم في نظام الخلّاق، ويحتكم بحكم الإله في بيان محمد بن عبدالله، (حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)، أولئك هم الوسط فينا، (أُمَّةً وَسَطًا) هم الشهداء يوم القيامة على الأمم كلها، (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا) وهذا التحويل (إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) لأن السعادةَ والفلاحَ قد حصرناها في اتِّباعِك، (لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) فلا سبيلَ إلى الفوز والسعادة إلا اتباع سيد السادة، إمام أهل الغيب والشهادة، الذي اسمه محمد بن عبدالله، مَن أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف الزهرية، عليه صلوات الله وتسليماته. (لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) اللهم اهدنا في من هديت، والذين لم يُهدَوا يتبعون مَن يتقلَّب في اليوم الواحد مرتين وأكثر ولا يقولون شيء، يريدون يقولون هنا مالهم ولماذا تحولوا ولماذا فعلوا وقالوا!؟ ( لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) فيا فوز المؤمنين، ويا فوز العاملين في اتباع النبيِّ الأمين، قال بعض المنافقين الذين ماتوا قبل ما تُحوَّل القبلة صلاتهم باطلة (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
قال الرحمن أنا الخالق وصاحب الشرع، وأنا أحب هذا العبدَ المقربَ عندي محمد، وأنا لإرضائه حولتُ القبلةَ من هنا إلى هنا، واحتوت على حكم كثيرة (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا)، وقال مرة لسيدنا جبريل: لو سألت ربك، يأذن يتحول القبلة إلى الكعبة، قال له سيدنا جبريل أنت قريب منه، وهو يحبك لو خاطبته أنت، وأنا أستحي من الله أن أتكلم معه هكذا، فسكت صلى الله عليه وسلم، وسيدنا محمد أشدُّ حياء من جبريل، ولما صعد جبريل، بعد ذا الكلام قلَّب رأسه نحو السماء يترقَّب نزولَ الوحي، فردَّ اللهُ جبريل، قال انزل (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) حتى تحويلي القبلة من أجلك وإرضائك قد ذكرته قبل خلقي جسدك، قد ذكرته في الكتب السابقة (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) هم يدرون بأنك الذي تُحوَّل قبلته إلى الكعبة وأنه علامة من علامات نبوّتك، (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)، فإذا داخلَتهم الأهوية وغلَبت عليهم الشهوات (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) والأعجب حكمةُ الله في هذا الخلق ( وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ)، سبحان الله! مع اتفاقهم على أهداف كثيرة تجدهم مختلفين، ومتفارقين في وجهاتهم ولا دين لهم يجمعهم، وإنما يجمع أهلَ الحق الحقُّ، الحق يجمع أهل الحق على الحق والهدى على محبة على ألفة بينهم، (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) جل جلاله وتعالى في علاه.
فالحمد لله الذي يجمعنا على هذا التروُّح بهذا النسيم وعلى الشرب مِن هذه الراح، روح الالتحاق بالحق، وتبيُّن المسار في حياتنا القصيرة، لنرقى المراقي الكبيرة، ولنحوز سعادةَ الأبد وفوز المستقبل الخطير، وكلُّ من لم يهتدِ إلى هذا بأي حال كان، وبأي صورة على ظهر الأرض فسوف يندمون ويعضُّون على أصابعهم، ويتمنون لو مشوا في هذا الطريق، وهذا نداءُ الله مفتوح للكل (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ)، يا أيها الناس، خطاب رب الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ولقد بيَّن وأحسنَ البيان، وبلَّغ وأتمَّ البلاغ، وتركَنا على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها، اللهم نوّرنا بنورك وارزقنا الاستقامةَ على منهجِه في بطونه وظهوره، يا أكرم الأكرمين، (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وإنا نترقبُ رحمة الله للأرض ومَن على ظهر الأرض بواسطة التوجهات القلبية إليه تعالى، في تعظيم ما عظّم ومن عظّم ولن نجد أهمَّ وأكرم عنده مِن محمد، فإذا قامت الأمةُ بهذه الوجهة وأقامت سننَه وهديه بينها وأقامت تعظيمه به (آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ) لا الذين خوَّفوكم بأسلحتِهم ولا بقُواهم (فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) اللهم اهدنا في من هديت.
لنا إن شاء الله في خواتيم هذا الشهر، إعلان ولاء للحق ورسوله، في تجمّع القلوب نحو مقلّب القلوب من الباب الذي فتحه، صاحبُ الصدر الذي شرحه، وقال له (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ*وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ*الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) وإذا فعلنا بك هكذا فمَن اتبعك ماذا نصنع بهم؟ سنؤتيهم مما آتيناك، سنعطيهم مما أعطيناك على قدر اتباعهم لك، فما هناك في الوجود زينةٌ إلا اتباع جامع المحاسن، مَن نزلت عليه السكينة وبذكرِه تنزل السكينة، سيد الأحباب الذي ذكره ينوِّر الألباب، وما ذكرناه في مجلسٍ إلا وطاب، وكما طيَّب لكم المجلس به في الدنيا، طيَّب الله لكم المجالسَ في البرازخ، طيب الله لكم المجلسَ في القيامة، طيب الله لنا ولكم المجلسَ في دار الكرامة، يا الله، يا الله، اجعلنا من خواصِّ أتباعه وارزقنا حسن اتباعه برحمتك يا أرحم الراحمين، أسكنتَ حبَّك وحبَّه في تلك القلوب فكانت نماذجَ في الخلافة والاقتداء والاهتداء والعلم والعمل، وظهر على أيديهم من النفع العظيم، أجريته أنت يا رب بعده، أن سبَّبتَ ذلك بربطهم بحبيبك وتعظيمهم لك وله، فانظر إلى قلوبنا فألحِقها بتلك القلوب التي اصطفيتَها، يارب ومَن في ديارنا، يارب ومَن يسمعنا، يارب جمعُنا اربطهم بحبيبك ربطاً لا انحلال له ولا انفكاك، نسلم وننجو مِن كل هلاك، يا ملك الأملاك، يا مدير الأفلاك، يا حيُّ يا قيُّومُ يا الله، هذا موقفُ المستجيرين بك مِن النار والهلاك في الدنيا والآخرة، فأجِرنا يا خيرَ مجير، يا معزَّ مَن به يستجير، يا عليمُ يا قدير، يا سميعُ يا بصير، يا لطيفُ يا خبير، اجعلنا ممَّن في هديِ نبيِّك يسير، وثبّتنا على قدمِه في كل قليل وكثير، وصغير وكبير، يا الله، كلَّ قلب منا نوِّره بأبدع التنوير، وطهِّره بأتمِّ التطهير، فإنا نرجوك لذلك يا لطيف يا خبير، يا سميع يا بصير، وقد قُمنا بأعتابك ولُذنا بجنابك، وكان ذلك مِن جودك علينا، وسابقِ توفيقِك لنا فأتمم يا مُنعم علينا النعمة، فأتمم يا مُنعِم علينا النّعمة، فأتمم يا مُنعِم علينا النّعمة، وادفع عنا كلَّ نقمة، وأحدُكم مهما استُجيب في شأنه تمامُ النعمة، سينجلي له معنى سرِّ تمامها، إذا صافحت كفُّه كفَّ المصطفى في دار الكرامة، ياربّ أتمِم علينا النعمة وارحمنا يا واسعَ الرحمة، وانظر إلى هذه الأمة وائذن بكشفِ الغُمَّة، يا الله، شفِّع فينا حبيبَك الشفيع، وارفعنا به إلى المقام الرّفيع، وثبّتنا على قدمِه يا بصير يا سميع، يا مَن إليه المرجعُ يا الله، يا الله.
كلّنا ناديناك يا الله، وكان ذلك بتوفيقك لنا يا الله، فلا ترمِ أحداً منّا لهواه، ولا ترمِ أحداً منا لعدوِّك إبليس، ولا لأحدٍ من جُنده يا الله، بحقِّك عليك، وبذاتك وأسمائك لا ترمِ بأحدٍ منا لشيطانٍ ولا لهوى ولا لدنيا ولا لقاطعٍ يقطع عنك يا الله، إنا نباتُ نعمتِك فلا تجعل فينا حصادَ نقمتك يا الله، يا الله، يا الله، نِعم الذي ترجوه وتدعوه فاطلبه وقل يا الله، ولو استشعرتَ أنه يسمعك وأنه ينظرك، وأنه محيطٌ بك، وأنه مجيبٌ دعاءك وأنه ملبٍّ نداءك، إنه الله تعالى في علاه، فاسعد وقل يا الله، قل يا الله، قل يا الله، أسعِدنا بالمناجاة وأكرِمنا بالمصافاة، واقبلنا على ما فينا، يا ربنا يا الله، ما غرَّتنا نفوسُنا وعدوُّك به من ذنوب وقعنا فيها فأنت لها فرُد كيدَه في نحره، وامحُها من صحائفنا، ليلتَنا هذه ياربنا، نصبح والصحائفُ بيضاء، والقلوب بيضاء، وقد بدَّلتَ السيئات إلى حسنات، يا مجيبَ الدعوات، يا سامعَ الأصوات، يا ربَّ الأرضين والسماوات، بين يديه وقفتُم، وله رجوتُم، وكل ذلك بحبل مُدَّ منه إليكم، على يدِ حبيبِه داعيكم فاحمدوا اللهَ، واشكروا الله، واسألوا اللهَ تمام النعمة، يارب هنا جمعتَنا فهناك فاجمعنا،
فيا رب اجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
واحمِ الوادي والنادي، والعباد والبلاد، واليمن والشام، والشرق والغرب، واكشف الكربَ يا الله، حوِّل الأحوال إلى أحسنِها
ومَن قُتل بغدرٍ وبظلمٍ وباعتداءٍ اجعلها له شهادة في سبيلك، واجعل فيها كفاً لبقية البلايا والآفات، وأنقذ الأمةَ يا منقذ، وادفع عنها البلايا والرزايا يا خيرَ مَن يدفع، أنت الذي قلتَ في كتابك، (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فادفع عنا كلَّ سوء ورُدَّ كيدَ كلِّ خوانٍ كفور، لا تسلِّط علينا خوّانا ولا تسلِّط علينا كفورا، وادفع شرَّهم عن جميع الأمة يا الله، ما أسعدكم بمناجاةِ ربكم جل جلاله، ملايين في الأرض مرتمين على أحضان ذا وذا وذاك، شيء على هيئات وشيء على أحزاب وشيء على حكومات.. وأنتم بين يدي رب العالمين، أعزكم بهذه العزة، اللهم أتمم علينا وعليهم النعمة، عليك توكلنا وإليك أنبنا..
رب عليك اعتمادي كما إليك استنادي ** صدقاً وأقصى مرادي رضاؤك الحال
ولا أحلى منه، يارب ارضَ عنا..
يا الله رضى يا الله رضى والعفو عما قد مضى ** يا الله رضى يا الله رضى يا الله بتوبة والقبول
نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار..
والحمد لله رب العالمين.
19 ربيع الأول 1436