(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى، ليلة الجمعة 5 ذي القعدة 1441هـ بعنوان:
عواقب مختلف الأفكار والتصورات وانكشاف حقائقها عند الممات ويوم الميقات
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم
الحمدُ لله على هذه التَّذكِيرَاتِ، المُتَّصِلَةِ بالتَّعَرُّفَاتِ من رَبِّ الأرضِ والسماوات، بإبرازِ السَّابِقَاتِ في كُلِّ مَن أراد –خصوصاً مِن المكلَّفين مِن الإنسِ والجنِّ- على ظهرِ هذا الكوكبِ الأرضيِّ الذي اختارَه تعالى كُرسِيَّاً للخلافة، واختارَه سبحانَه موطناً للأنبياءِ والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}.
هذا الكوكبُ الذي نحن عليه فيهِ مِن سِرِّ اختيارِ اللهِ له ما يهيِّئُ المؤمنَ بِهذا الإلهِ، والمُصَدِّق بما أنزلَه على أنبياه، أن يرتقيَ مراقي في الخلافةِ عنِ الحقِّ جَلَّ جلاله وتعالَى في علاه؛ كتبَها لآدمَ ومَن سبَقَت له السعادةُ مِن بني آدم رُقِيَّاً يغبطُه عليه الملأُ الأعلى، ويَتَحَوَّل جموعٌ مِن الملائكةِ إلى ذكرِه، وإلى خِدمتِه، وإلى القيامِ معَه، وإلى الحُضورِ في مجالسِه، وإلى حضورِ جنازتِه، وإلى الحضورِ معه في قبرِه، وإلى الحضورِ معه يومَ حَشْرِهِ ونَشْرِهِ، مذكوراً بينهم بعجائبَ مِن بيِّنها وواضحِها وقريبِها: ما حَدَّث عنه صاحبُ الرسالة: (وإنَّ الملائكةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضاً بما يصنَع).
فمَن نَسِيَ شأنَ هذه العلومَ وفضلَها؛ علومَ القرآن وعلومَ السنة، وما تفرَّعَ منها مِن علومِ الفقهِ في الدينِ وما كانَ مِن وسائلِ ذلك؛ هذه العلوم إذا أُخِذَت على الإخلاصِ والقَصدِ لا تُساويها علومٌ في العالَم -مهما كانت-، ولا تضعُ الملائكةُ أجنحتَها لطالبِ علمٍ غيرِ علمِ الشريعة المطهَّرة مريداً أو مَن لا يريدُ وجهَ الله سبحانه وتعالى. فكان هذا المعنى الذي جعلهُ الله تبارك وتعالى على ظهرِ هذه الأرضِ أنَّها بالنسبةِ للمُكَلَّفِ الذي يَمُرُّ به العمرُ والفرصةُ وما أُعطِي من عُمْرٍ مِن وقتِ التكليفِ إلى لحظةِ الوفاةِ التي أمامَ الأعين، وفي مختلفِ الأزمانِ تأتي الصغيرَ والكبيرَ والمريضَ والصحيح، ومَن تَتَقَدَّمُ له مُقَدِّمات ومَن تكونُ أسبابٌ مفاجئةٌ أو فجأةً مِن دونِ سببٍ ظاهر {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى}.
{مُّسَمًّى}: معلوم. ليس الآدميّ وحده، -الآدمي له شرفٌ وكرامة والجنُّ معه- ولكن بعوضة، أو ذَرَّة.. لا يُمكن أن تُؤخذَ روحُها ولا تموتُ إلا في لحظةٍ مُقَدَّرَةٍ مُعَيَّنةٍ محدودةٍ مِن قَبلِ خلقِ السماواتِ والأرض.. لا يمكن لهذه الذَّرَّة أن تطلعَ روحُها إلا في هذه الساعة، والطيرُ وأنواع الحيوانات فضلاً عن بني آدم.. لا والله لا يمكن أن تزهقَ نفسُ أحد -بسببٍ أو بغيرِ سبب- إلا في ساعةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَدَّدَةٍ مذكُورَةٍ مِن قَبلِ خلقِ السماواتِ والأرض. ثم تأتي الساعةُ الكبرى التي تجمعُ الأولَ والآخِر، هناك يُعرَف قدرُ الأفكار، قدرُ التصوُّرات، قدرُ الإدراكِ الحقِّ وقدرِ الاغتِرار، قدر الغَوصِ على الحقيقة وقدرِ الأوهام والخيالات التي تأخذُ أكثرَ الخليقة. بل الفردُ تنكشفُ له هذه الشؤون مِن عند لحظةِ الغرغرة؛ ويُدرِك.. ويُدرِك ما قيمةُ الأقوال، ما قيمةُ الأفعال، ما قيمة المجامع ما قيمةُ الأفكارِ المختلفةِ في العالم. ويُوقنُ مِن لحظةِ الموتِ أنَّ كلَّ ما انفصلَ عن خاتمِ الرُّسُل مِن فكرٍ وتصوُّرٍ فباطلٌ وضلالٌ ولا خيرَ فيه. كلُّ فردٍ يوقنُ بهذا، مسلم، وكافر، وملحد، ومجرم.. عند الموتِ الكلُّ يوقنُ بهذا، مِن عندِ الغَرغَرة. ثم تَتَبَدَّى وتبرُز هذه الحقائقُ بصورةٍ أجلى وأوضح وأكبر بعد النَّفخِ في الصور، بعد النَّفخةِ الثانية في الصور {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} جَلَّ جلاله.
هذه حقيقةُ المُلْكِ يا مغتَر بصورة المُلْك، يا مغتَرّ بمظهر المُلْك، يا مغتر بالمُلْك الزائلِ الزائف الفاني المنقَضي المنتهي: اعلم حقيقةَ المُلْك وعَظِّم المَلِك، فإنَّ الحكمَ حكمُه والأمرَ أمرُه {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} جَلَّ جلاله وتعالى في علاه.
حقيقة المُلْك: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} جَلَّ جلاله وتعالى في علاه. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} إن كنتَ تعقلُ يا ابنَ آدم إن كنت تَعِي {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ}، فاتَّخِذ إلى ربِّك سبيلاً بما سمعتَ مِن تعظيمِ شعائره، بما سمعتَ مِنِ امتثالِ أوامرِه، بما سَمِعتَ مِن اتباعِ صفوتِه وحبيبِه، اختارَه لك قدوة، وأبرزَه لك في القَالَبِ الإنساني فكان خلاصةَ الجوهرِ الإنساني. وكان شرف الإنسان أنه الذي ينتهي إليه كل معاني العَظَمَة للخَلْق الموهوبةِ مِن الله العظيم؛ فَتبرُزُ في هذه الذات يومَ يقول (أنا لها) ويوم يُقَال له: (ارفع رأسَك، وقُلْ يُسمَع لقولِك، وسَلْ تُعطَ، واشفع تُشَفَّع). صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه.
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}، {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ربِّنا أتمِم لنا نورَنا واغفِر لنا إنَّك على كل شيء قدير، يا الله، يا الله، يا الله
{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الذين معه، الذين لا يُخزيهم، بجاهِه عند الرَّب يقولون لهم: {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}.. "انظرونا"!؟ يطلبونَ النَّظرة.. يعني صاروا صوفية في القيامة، يقولون "انظُرُونا انظُرُونَا"
{انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} فقد رجعتم وراء عن بلاغِ خيرِ الوَرى، قد رجعتم وراء أيام كنتم في الدنيا؛ ارتضيتُم سننَ يهودٍ ونصارى وملحدين وفاجرين وكفار، ومحوتُم سننَه مِن زواجاتكم واجتماعاتِكم وبعضٍ أعمالكم، حتى في ألبِسَتِكم وألبِسةِ بناتِكم محوتَم سُنَنَه تماماً وجئتُم بسنَّةِ اليهودي وسنَّة الفاجر وسنَّة الكافر ورجعتم وراء! {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} قد جاءكم بالنور ورجعتم وراء {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} شوفوا في المَسْلَك الذي ارتضيتموه هل يوجد نور؟ في زَيِّ الكاسيات والعاريات.. ابحث لك عن نور هناك! في الطرب المحرَّم والكلام الماجِن.. ابحث لك عن نور وراه! انت ارتضيت هذا!
{ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} ما حَصَّلوا نور {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ..} عاش الأتقياءُ والعُصَاةُ في أرضٍ واحدة، وربَّما في بيت واحد وفي أزمنَة مِن زمنٍ إلى زمنٍ متَّحدة؛ يعيش السُّعداء والأشقياءُ في بلدانٍ واحدة في أوقات واحدة.. ولكن هذا شقي وهذا سعيد؛ هذا اختياراته عُلْوِيَّة، أفكاره نبويَّة، وِجهاتُه حَقِّيَّة. وهذا أفكاره كُفرِيَّة فسْقِيَّة في غفلة، في تعظيم للدنيا.. فرق بينهم وهم في محل واحد!
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ}! الشأن ما هو في اجتماع الأجساد في محلٍّ ولا في زمن.. {بَلَىٰ} مِن جهةِ المكانِ والزمانِ كنتم معنا؛ ولكن ما كنتم معنا في الوِجهة والمَسْلكِ والخُلُقِ والسلوك {وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} نصبوا لكم أماني {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
وبعد بيان هذه الحقيقة والواقع في المستقبل الكبير قال ربُّنا العلي العظيم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}.
وبحمدِ اللهِ تمرُّ القرون ولا تزال القلوبُ المُنَوَّرَة الخَاضِعَة الخَاشِعَة والباكية موجودةً في الأُمَّة، وستشهدُ كثيرٌ مِن الأقطار -حتى بعض ديارِ هي للكفار اليوم- ستشهدُ بُكَاةً في ظُلمةِ الليل بالخشوعِ لله؛ ببركةِ الحبيبِ العظيمِ عندَ ربِّه، وعدَه: (إنا سنُرضيك في أمَّتِك ولن نَسوؤك فيهم) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فاثبُتوا واصدُقوا، ولا تقبلوا تفزيعاً من أحد؛ لا بمرض، ولا بفقر، ولا بأسلحة، ولا بأي شيء عندهم. إن اتصلتُم بالواحدِ الأحد فإنه "مع اسمِه" لا يضرُّ شيء. ما هو مِن الموجود من الأسلحةِ والخِطَط والبرامج في العالم؛ "في الأرض ولا في السماء". "بسم اللهِ الذي لا يضرُّ مع اسمُه شيء في الأرضِ ولا في السماء"، الكواكب والنجوم وما فيها والسماء الأولى والثانية والثالثة.. هذا أنت "معه" ما شي يقدر يضرك! أنت مع رب الأرض والسماء، فكن "معه" بالحقيقة.
{وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} يجب أن يَحتَلَّ الأنبياءُ صلوات الله عليهم مِن قلبِك مكانَهم اللائق {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}
يا صاحبَ قلبٍ لُعِبَ به فصار يُعَزِّر ويُعَظِّم الفسَّاق والفجار: أنقِذ نفسَك، ليس في مَن عظَّمتَهم شفيع، ليس في من عظَّمتهم وجيه لدى الرحمن، ليس في من عظَّمتهم مَن يفيدُك ذكرُه عند الموت، ليس في من عظمتهم مَن ينفعُك محبَّتُه في القبرِ ولا يومَ الحشر، أخرِج عظمتَهم؛ العُظَمَاء في خلقِ الله: "أنبياء الله وأتباعهم على قدر مراتبَهم في الاتباع لهم"، هم محلُّ نظرِ الله، هم محلُّ عنايةِ الله {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا}
نِعْمَ الرَّفِيق، لا الغافل ولا الجاهل ولا الماجِن ولا قليل الحياء مِن الله ولا المُخادع!
لا يُخوفوِّنكم بشيء، ولا يفزعونكم بشيء، وارجِعوا في كُلِّ شيء إلى ربِّ كُلِّ شيء.
ولمَّا رؤي بعضُ الأمواتِ مِن قبل بعض الصالحين سألَه عن حاله؟ قال: إنَّ الله نفعني بكلماتٍ كنتُ أقولُها في الدنيا ورفَع قدري. قال: ما تقول؟. قال: كنت أقول "اللهم يا ربَّ كلِّ شيء بقدرتِك على كل شيء اغفِر لي كلَّ شيء ولا تسألني عن شيء". كنت أقول هكذا. فأدركَتهُ عنايةُ ربُّ كلِّ شيء؛ لمَّا رجعَ إليه أكرمَ نُزلَه وغفَر لَه وما سألَه عن شَيء.
اللهمَّ يا ربَّ كلِّ شَيء بِقُدرتِكَ على كلِّ شيء، وعِلمِك بكلِّ شيء، وألوهيَّتِك على كلِّ شيء، وربوبيَّتِك على كلِّ شيء، اغفر لنا كلَّ شيء، وأصلِح لنا كلَّ شيء، ولا تسألنا عن شيء، ولا تعذِّبْنا على شَيء، يا ربَّ كلِّ شيءٍ يا الله، يا الله، يا الله، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
وما يصحُّ خوفُ العبدِ منه ما خوَّفَ اللهُ به عباده {ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}، وما عَدا ذلك: فلُعبةٌ يلعبُ بها الشيطانُ بالوَهمِ والخيالِ على الإنسانِ ثم يجدُها لا شيء. هكذا حكَى الله، وأصدقُ القَولِ قولُ الله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} لا إله إلا هو.
اجعلنا في زمرة سيِّدِ الأحباب، واربُطنا بالسنَّةِ والكتاب، واملأ قلوبَنا بتعظيمِك وتعظيمِ مَن عَظَّمت حتى لا نُعَظِّمَ إلا ما عظَّمتَ، ولا نُحِبُّ إلا ما أحببتَ، ولا نُجِلُّ إلا مَا أجللتَ.
يا حيُّ يا قيُّوم حَبِّب إلينا الإيمانَ وزيِّنه في قلوبِنا، وكرِّه إلينا الكُفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلنا مِن الراشدين، واجعلنا مِن الراشدين، واجعلنا مِن الراشدين.
ولِرَبِّ العَرشِ عناية ترعَى قلوباً في أمةِ محمد يُرشِدُهم فيكونوا مِن الراشدين عليهم يقومُ صلاحُ هذا العالم، وخيرُ هذا العالم، وانكشافُ الظلمةِ عن هذا العالم. اللهم ألحِقنا بهم، واجعلنا عندك منهم، واملأ هذه القلوبَ بأنوارِ الإيمانِ واليقينِ والبِرِّ والتقوى، وادفع عنَّا وعن الأمةِ كلَّ بلوى، وكُن لنا بما أنتَ أهلُه يا ربَّنا في السِّرِّ والنجوى.
يا الله انظر إلى قلبِ كلِّ حاضرٍ وسامع، فاملأهم بتلكَ الأنوارِ الَّلوَامِع، يا الله .. يا الله نور يسعَى مِن بين أيدينا وبأيمانِنا يومَ لا تُخزي نبيَّك، واجعلنا "معَه" يوم تجعلُ المؤمنين "معه"، يا ربِّ اجعلنا "معَه"، يا ربِّ اجعلنا "معه"، وهيِّء كلَّ قَلبٍ مِن الحاضرين والسامعين أن يكونَ "معه" في حياتِه ووِجهتِه وحركتِه وسَكنتِه في الدنيا ليكونَ "معه" في ذلك اليومِ يا الله .. يا الله.
سَعِدتُم بهذا الإلهِ، وبهذه الرسالة، وبهذا البلاغ، وبهذا الخير، لك الحمدُ يا رحمن، لك الحمد يا منَّان.
وإنما يُعرَف قدرُ هذهِ المجامعِ المتوجِّهةِ إلى الرَّبِّ يومَ الوقوفِ بين يدي الرَّب، يومَ الحُكمِ يُعرَف قدرها. فالحمدُ لله الذي أحضَر، والحمد لله الذي نظر، والحمد لله الذي عَلَّق قلوباً في البحر والبر بهذه الخيرات وهذه المِنَح الغُرَر مِن حضرة الإله البر. اللهم لك الحمدُ شكراً ولك المَنُّ فضلاً فأتِمَّ علينا النعمة، فأتِمَّ علينا النعمة، فَأتِمَّ علينا النعمة، وادفع كلَّ نِقمَة، وعامِل بمَحضِ الجودِ والرحمة.
يا الله .. يا الله
بإذنِهِ ناديتموه، ولولا فضلُه عليكم ما ذكركَم ولا ذكرتموه ولكنه اختاركم لذلك مِن قبلِ خلقِ السماواتِ والأرضِ بأسمائكم وأشخاصِكم؛ رتَّب جلوسَكم ورتَّب حضورَكم ورتَّب سماعَكم.. مَن هو؟! مَن هو! فلهُ الحمد..
اقبَلنا يا رب، لا تجعَل فينا إلا مقبولاً، لا تجعل فينا إلا مَن بعفوك مشمول. اللهم تولَّنا بما أنت أهله فيما ننوي ونعتقد ونفعل ونقول في الدنيا والبرزخ والآخرة.
يا ربَّ الدنيا والبرزخِ والآخرة اجعلنا في أهلِ الوجوهِ الناضرةِ التي هي إليك ناظرة برحمتِك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين.
للاستماع إلى المحاضرة
06 ذو القِعدة 1441