(575)
(536)
(235)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى ليلة الجمعة 23 ذو القعدة 1445هـ، بعنوان:
عظيم المنة الرحمانية لأهل السوابق الإحسانية بالربط بخير البرية والدخول في الحضائر الإيمانية
الحمد لله جامعكم في مجاري عجائب الإفضال، وجزيل النوال، بما سبقت به السابقة في الآزال، ليديم معاني منّته ورحمته في الأمة على مدار الأيام والليال، ومرّت على ظهر الأرض أممٌ، أمة بعد أمة، كثير، أمم كثير وأعداد كثير، وكانت لهم أعمار طويلة، وكلهم مضوا، وأخيارهم وصلحاؤهم في طيّ رحمة الله تبارك وتعالى، وفي دائرة جودِ الإله الذي خلق -سبحانه وتعالى-، وخلق الجنة وخلق لها أهلاً، وأهل الجنة في كل زمان في دائرة الفضل الربّاني، وفي دائرة الرّحمة الإلهية متّصلون بأنبياء الله وما أوحى إليهم -سبحانه وتعالى-.
ومَضَت الأمم وجعل الله خير أمة وآخر أمة تخرج، وأبرَز إليهم صاحب المقام الأعظم والقدر الأفخم، الحبيب المعظم محمد ﷺ، وجاءنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه، قبل ما يُقارب الألف والخمسمائة من السّنين، كان مولدُه الكريم الشريف، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، ومضَت هذه الألف والخمسمائة سنة وأخيار أهل الأرض في نوره المتلالي، وغيثه الهطّال المتوالي، فضلاً من الله تبارك وتعالى.
وكان أول من سُقي بذلك النور أمّه، التي رأت العجائب من أيام كان في بطنها، وعند خروجه من بطنها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وحمله عبدالمطّلب عند الكعبة:
الحمدلله الذي أعطاني ** هذا الغلام الطيب الأرداني ** قد ساد في المهد على الغِلمان
وأخذ يعوّذه بالواحد الأحد -جل جلاله وتعالى في علاه-، وانتشرت البركات، فيمن حواليه حتى نشأ ﷺ وحليمة السعدية كم حصلت من البركات في رضاعه، وأهل بلدتها كلهم وبعد الجدب غياث وقع، وبعد المَحْل رحمة نزلت عليهم، وفي أيام طفولته عليه الصلاة والسلام، حتى جاءت حادثة شقّ الصدر الشريف وهو بينهم في تلك البادية، وعادوا إلى مكة المكرمة، وذهبت به أمه إلى المدينة، وعادت في الطريق فتوفيت وأدرَكها الأجل، وتقول:
إن صحَّ ما رأيت في منامي ** فأنت مبعوث إلى الأنام
فالله أنهاك عن الأصنام ** ألا تواليها مع الأقوام
وهكذا، وقام عليه الصلاة والسلام في نشأته حتى جاء الخير لمن حواليه، ثم سبقت سوابق الفضل الكبير لخديجة بنت خويلد، وحازت أسرار تفَضُّلات الرحمن على هذه الأمة، قبل المَبعث وبعد المبعث، أما ليلةُ البعثة، فأول من علم بخبرها هي، وأول من آمن هي، وأول من أدرَكت سرّ الاتصال بالوحي الذي خُتمت به الرسالات هي، عليها رضوان الله تبارك وتعالى.
وعمّ الخير من حواليه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ) قبل خلق العرش والكرسي والأرض والسماء عَيَّن الله أسماءهم وحدّدهم، ونشر لهم ذكراً في كتابه المهيمن على جميع الكتب، وجعلهم أئمة خير أمة يُقتدى بهم من بعدهم، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) اجعلنا منهم يا رب، من الذين اتبعوهم، يقول انا بيني ألف وأربعمائة سنة وبينهم، مرت علي من وفاته ألف وأربعمائة وخمس وثلاثين سنة من وفاته عليه الصلاة والسلام، قال لك في أي قرن جئت وأنت متوجه إليه ومقبل عليه ندخلك معهم، في أي قرن كان (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) السياج للكل إيش هو؟ إيش المنشور هذا؟ إيش المنشور بالرضوان من الرحمن -جل جلاله- (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100]، ذلك الفوز العظيم، يا عظيم اجعلنا من أهل الفوز العظيم، اجعلنا من أهل الفوز العظيم.
كل صادق في المجلس أو من يسمع أهل المجلس أو يتعلق بهم، له وجهة إلى الرب فهو مُراد وَسَط الآية هذه، مراد وسط الآية هذه، ومذكور وسط الآية هذه، بذكر الرحمن مُنزل القرآن -جل جلاله-، وذُكر على لسان محمد حتى في الصلاة، قال: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) والشرف الذي شرف الله بالمهاجرين والأنصار (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم) هو ذكرهم وجعل ذكرهم في أعظم كتاب أنزله، وذكَرهم رسوله أكرم خلقه عليه، في صلاته وخارج صلاته، فكم عوائد هذا الذّكر على هؤلاء، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد.
ألوف على ظهر الأرض خرجوا عن الآية أصلاً، ولم يُذكروا بهذا الذكر الجميل ولا نالهم منه ذرّة والعياذ بالله تبارك وتعالى، كفار يموتون كفار أو فجار ونعوذ بالله، بعضهم في ظاهر الإسلام اليوم، ولكنهم يموتون على غير المِلّة، ما هم حول الآية ولا مذكورين ولا مرحومون ولا منظورون، ولا لهم قُرب ولا يشاهدون الوجه الشريف يوم القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى.
الله يجعل جميع أهل المجمع ومن في ديارهم مِمن أُريدوا بالآية الكريمة وممن يُحشروا تحت صاحب الأنوار العظيمة، اللهم آمين، في رايته ومعه وتحت رايته، وفي زمرته إن شاء الله تبارك وتعالى إلى دار الكرامة، بجاهه عليك لا تفرق بيننا وبينه، بجاهه عليك لا تباعد بيننا وبينه، بجاهه عليك اجعلنا من رُفقائه، بجاهه عليك اجعلنا من رفقائه، بجاهه عليك اجعلنا من رفقائه، وجميع من يسمعنا ومن في ديارنا ومن في منازلنا وطُلابنا وأحبابنا يا حيّ يا قيّوم، خير مسؤول وأكرم مأمول، نُوجِّه إليك الأمل والسؤل، ونسألك بوجاهة هذا الرسول أن تجعلنا ممن يُرافقه غدا، وعجِّل لمن شئت منا بكرم مرافقته في الحياة وعند الوفاة، وفي البرزخ ويوم الموافاة، والمرافقة في الفردوس الأعلى، وأكرم وأشرف وأعظم المرافقة في ساحة النظر إلى وجهك الكريم يا كريم، يا كريم يا كريم.
مطلب عظيم، ولولا ما علّمنا على لسان رسوله من عظيم رحمته ما قدرنا نطلب هذا المطلب العظيم، ولا قدرنا نسأل هذا السؤال العظيم، ولكنّ العظيم أخبرَنا على لسان العظيم أنّه أعظم من أمل كل مُؤمّل، وأكبر من رجاء كل راج، وأجل وأفضل، قال سيدنا عمر لما سمع قولهﷺ: "من قرأ 11 مرة من سورة الإخلاص بنى الله له قصراً في الجنة" قال إذًا تكثر قصورنا يا رسول الله، قال ﷺ (الله أكثر وأطيب) الله أكثر وأطيب، -جل جلاله- يعطي ولا يبالي، مولى الموالي.
جمعكم على الإيمان به وبرسوله وبالكُتب والرسل أجمعين وبالملائكة وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ما النعمة التي أنتم فيها هذه؟ كم محروم منها في العالم ومنهم ألوف ومنهم ملايين ونعوذ بالله، قضاء الله وما لنا قدرة يموتون على غير المِلّة ويحشرون إلى النار والعياذ بالله تبارك وتعالى.
والله لا يجعل فينا ولا في أهلينا ولا في أولادنا ولا في أبائنا ولا في أمهاتنا ولا في أصحابنا أحدًا منهم يا رب، ويجعل كل منا في زمرة الحبيب الأقرب الأطيب، الأعذب الأجلّ الأجمل الأكمل الأفضل محمد بن عبد الله ﷺ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فرد ما كمثله فرد، عبد ما كمثله عبد، نال من المجد ما دونه كل مجد، وأدرك من سِر الحمد ما لم يصله أحد، ولواء الحمد بيده، ونحن نُحِب اليد هذه، ومن أجلها أحببنا اللواء الذي تحمله، ومن أجلها أحببنا الذين يدخلون تحت اللواء، يد كريمة قال عنها الرحمن في آياته العظيمة: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) تسمع الكلام العذب؟ تسمع الكلام الكبير من الله الكبير؟ (إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) يا ما أكرمها من يد! يا ما أعذبها من يد! يا ما أطيبها من يد! الله لا يحرمنا مصافحتها، الله لا يحرمنا تقبيلها، يا الله، يا الله، بجاهه عليك أكرِمنا بمُرافقته، شرِّفنا بمرافقته، هب لنا الفوز بمُرافقته يا الله، يا الله.
يا من جُمعتم على الإسلام والإيمان في مجامع فضل الكريم المنان، وتسألونه وتطلبونه، المقطوعون وجهتهم هذا إلى شركة وهذا إلى مؤسسة، وهذا إلى حكومة وهذا إلى دولة وأنتم تتوجهون إلى من هنا؟ وأنتم تسألون من هنا؟ وأنتم تطرحون حوائجكم على من هنا؟ إيش الفضل هذا؟ إيش الإحسان هذا؟ من حضرة الرحمن، الحمد لله أتم النعمة علينا يا رب، زِدنا إيمان بك حتى يمضي باقي عمر كل منّا وهو يعبدك كأنه يراك، وهو يعبدك كأنه يراك، ويلقاكَ وهو يحب لقاك وأنت تحب لقاءه، يا رحمن يا رحمن، يا منان يا كريم يا وهاب يا الله.
نِعم الرب ربكم، منَّ بهذه النعم علينا، وكل أهل هذا الخير تحت أنوار هذا الحبيب ﷺ، في القرن الأول والثاني والثالث، وصلتم القرن الخامس عشر الهجري، وقاربتم انتصافه الآن، سينتصف علينا، وإن شاء الله يجعله الله لنا وللأمة فيه فرج ومخرج وخير منه -سبحانه وتعالى-، لا يزال دائم الثج، ينفتح به في الخير كل باب مُرتج، ويُقوَّم به كل معوَج، وننتهج به في خير منهج، ويذهب عنا الله شر إبليس وجنده أجمعين، وعن أهلينا وعن أولادنا، وعن نيّاتنا وعن مقاصدنا وعن أقوالنا وعن أفعالنا، حتى ندخُل في دائرة عباد الرحمن الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، قال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الإسراء:65]
وهكذا لما قال: (وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر:39-40] في ناس أنت تختارهم ولا قدرة لي عليهم، ومهما لبّست ومهما كذبت ومهما خدعت ما أقدر عليهم، لأنهم أحباب الرب -جل جلاله وتعالى في علاه-، قال: (واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) [الإسراء:64] لكن الصنف هؤلاء الذين أُرتِّبهم لي (إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [الإسراء:65] يا وكيل توكلنا عليك ونعم الوكيل أنت، فاكفِنا شر الشيطان وجنده وكل قاطع يقطعنا عنك، في الفكر والنية والمقصد يا الله، لا تعرّضنا للساقطين والهابطين، يؤثّرون على فكر أحد منا ولا على وجهة أحد منا ولا على نية أحد منا، واجعل تأثّرنا بأنوار الكتاب وبلاغ سيد الأحباب، لا يؤثّر غيرها في قلوبنا ولا في عقولنا ولا في أفكارنا ولا في أخلاقنا ولا في وجهاتنا، آمين يا رب، حتى نكون عباد خُلّص لك، ما تشوبنا شائبة النفوس ولا الأهواء ولا لعب شياطين الإنس والجن.
اجعلنا في الحصن الحصين، اجعلنا في الحِرز المتين، اجعلنا يا رب في الحصن الحصين من جميع البلايا، وفي الحرز المكين من الذنوب والخطايا، واجعلنا يا رب في الحصن الحصين من جميع البلايا، وفي الحرز المكين من الذنوب والخطايا، اجعلنا يا رب في الحصن الحصين من جميع البلايا، وفي الحرز المكين من الذنوب والخطايا.
يا عزيز، عزَّزت أيدينا بالرفع إليك، فلك الحمد، لك الحمد، لك الحمد، ما أذللتها بالسؤال والرفع إلى مخلوق، لا إنسي ولا جنّي ولا ملك ولا صغير ولا كبير، شرّفتها بالرّفع إليك، يا عزيز العزّة كلها لك، أعززتَ أيدينا بالوجهة إليك والرفع إليك، فلك الحمد.
وقد مددت يدي بالذل مبتهلا إليك، إليك، إليك، إليك، إليك يا خير من مُدّت إليه يدُ، فلا تردنها بالذلّ خائبةً، فلا تردنّها بالذل خائبةً، فبحر جُودك يروي كل من يرِدُ.
يا رب، أكرم الحاضرين والسامعين بالورود على بحر جودك، وأسعِدنا بأعلى السعادة وبالظفر بشهودك، واتباع سيد أهل حقيقة توحيدك ﷺ، ونعم المَتبوع لنا، اللهم اجعلها ساعة عطاء وغفر لجميع الخطأ وتثبيت للأقدام والخطى، ومن حضر معنا من مناصبنا ومن كبارنا ومن شيباننا ومن أهل السر فينا ومن القلوب المتوجّهة، ومن الأرواح الطاهرة ومن الملائكة المقربين، اللهم بارِك لنا في حضورهم، وأشرِق علينا نورهم، وأطِل أعمارهم في طاعتك، وبلّغهم فوق الأمال، وسُرّ قلوبهم بما تفيضُ به علينا وتجودُ يا جواد من خيرك الغير محدود.
يا ذا الكرم والجود، يا بر يا ودود يا مبدئ يا معيد، يا فعال لما يريد، يا راحم العبيد ارحم برحمتك الواسعة وعطائك المديد جمعنا ومن في جمعنا، ومن يسمعنا ومن يتابعنا، ومن له صِلة بالإقبال عليك، ومن له صِلة قلب بالصّدق معك من الرجال والنساء والإنس والجن والصغار والكبار، والعَرَب والعجم في شرق الأرض وغربها، وقد توجّهنا إليك بوجهتهم أجمعين سائلين منك أن تنظر إلينا، نظرة تزيل العنا عنّا، وعن أهل رفح وعن أهل غزة، وعن أهل الضفة الغربية، وعن أهل السودان وعن أهل الصومال، وعن أهل العراق وعن أهل ليبيا، وعن أهل الشام وعن أهل اليمن، وعن المسلمين في المشارق والمغارب، تزيل العنا عنّا وتُدنِي المنى مِنَا ومنهم أجمعين، وكل الهنا نُعطاه ويُعطَونَه في كل حين.
نظرة تُزِيل العَنَا عنّا وتُدنِي المُنَى مِنّا
وكل الهنا نُعطاه في كل حين
نظرة تُزِيل العَنَا عنّا وتُدنِي المُنَى مِنّا
وكل الهنا نُعطاه في كل حين
ألا يالله بنظرة من العين الرحيمة تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة
23 ذو القِعدة 1445