(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 22 شوال 1439هـ بعنوان: عظمة سرايات دعوة حبيب الرحمن وآثارها في الأكوان.
الحَمْدُ للهِ على إيصَالِ شَرِيفِ نِدَائِهِ وخِطَابِهِ وكَلَامِهِ بالألْسُنِ المُخْتَلِفَةِ مِن تحتِ حَقِيقَةِ رِسَالَةِ رَسُولٍ أُرْسِلَ إلى العالمين. وإن كان كُلُّ نبيٍّ يُبْعَثُ بِلِسَانِ قومِهِ ليُبَيِّنَ لهم، فهذا النَّبيُّ بُعِثَ للعالمينَ لِيُبَيِّنَ لهم؛ فَمَا مِن لِسَانٍ في العالَمين إلا ولا بُدَّ أَنْ يَنْطِقَ نَاطِقٌ فيها بحقيقةِ ما بُعِثَ به، بحقيقة ما جاء به. فقد جاء عليه الصلاة والسلام بالذِّكْرِ الحَكِيمِ ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) يتضمن سِرّ النُّطق مِن كُلِّ لُغَةٍ فِي بني آدم والجنِّ خاصَّة ثم في الكائناتِ عامَّةٍ؛ لأنهُ مُرْسَلٌ مِن عند إِلَهِ الكُلّ وَرَبِّ الكُلّ، وخَالِقِ الكُلّ، والذي بيدهِ نواصي الكُلّ، وإليه مَرْجِع الكُل ؛ الله .. الله جل جلاله جعلَ رسالةَ نبيِّكم هذا شاملةً كاملةً للعالمين، وحَمَّلَهُ أمانةَ بلاغِها وأدائها في عَددٍ يَسيرٍ مِن السِّنِين. فَبَلَّغَ الرسالة، وأَدَّى الأمانَة، ونَصَحَ الأُمَّة، وكَشَفَ الغُمَّة، وجَلَا الظُّلْمَة، وتَرَكَنَا علَى مَحَجَةٍ بَيْضَاءَ ليلُها كنهارِها لا يَزيغُ عنها إلا هالك. فالَّلهُمَّ احفظ قلوبَنا مِن الزَّيغ، واحفظ قلوبَ رجالِنا ونسائنا وأهل بلدانِنا صغارِنا وكبارِنا. فإنَّ الذين دَعوا إلى الزَّيغِ أعدادٌ كثيراتٌ مِن أصنافِ أهلِ الكفرِ ومِمَّن زاغت قلوبُهم مِن المسلمين؛ فكانوا كما وَصف نبيُّنا "دعاةٌ على أبواب جهنم مَن أجابَهم إليها قذفُوه فيها" اللهم أجِرنا مِن النار.
وكانت تلك التأثُّرَات والظُّلَمات التي حَلَّت في قلوبِ الكثيرِ مِن الذين زاغُوا عن سواءِ السبيلِ -والعياذ بالله تبارك وتعالى- بعد إقامةِ الحُجَّة وإيضاحِ المحجَّة؛ والحقُّ سبحانه يُجَدِّدُ ذلك في هذه الأمة. وما تَسمعونَهُ في مثلِ هذه المجالسِ هو آثارٌ مِن حقائقِ نِدَاءٍ ربَّاني يَعْتَلِجُ في قلوبِ كثيرٍ مِمَّن سَبَقَت لهم سَابِقَةُ السَّعادةِ، في شرقِ الأرضِ وغربِها، عَرَباً وعَجَماً إِنْسَاً وَجِنَّاً ؛ كانوا وُضِعُوا في أسماءِ القائمةِ التي حَمَلَها بيدهِ اليُمْنَى، وقد أصبح يوماً يقول: { أوتيتُ البارحةَ كتابَين؛ فأُعْطِيتُ كتاباً بيُمْنَاي فيه أسماءُ أهلِ الجنة، وكتاباً بيسارِي فيه أسماءُ أهلِ النار} جميع مَن سيدخلُ الجنة، جميع مَن سيدخلُ النار، مَنشورٌ مِن الخالق وُضِع في يَدِ خَيْرِ الخلائق، أهلُ القَبضةِ الرحمانية وُضِعَت أسماؤهم وحَمَلَتهَا يدُ محمد، وأهلُ القبضةِ الأخرى وُضِعُوا أيضاً في يدِهِ اليسرى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. صَحَّ هذا الحديث. والذين كانت أسماؤهم في كتابِ اليَدِ اليُمنَى يَعْتَلِجُ في صدورهم سِرُّ النداء هذا هنا وهناك، ليُسْتَكْمَلَ مَن كان في هذه القبضةِ شأن هِدَايَتِهِ إلى الرَّبِّ وإلى هذا الحبيبِ المُقرَّب صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وتَرَون هذه الآثارَ لأخيارِ الأُمَّة.. نبيُّهم المصطفى وكُلّ ما قامَ بهِ الصحابةُ وأهلُ البيت وصالحُو الأمة في شرقِ الأرض وغربَها مَرْعِي بعنايةِ مَن خلقَ السموات والأرض والذي يَرِثُها (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا). الذي يَتَعَاقَب على ظهرِ الأرضِ مِن حركاتٍ ودُوَلٍ وحضاراتٍ وأفكارٍ ومبادئٍ وأحزابٍ وغيرها لا يَرِث مِن الأرض شيئاً؛ إنَّما هي أعراضٌ تَقُومُ على ظهرِ الأرضِ لفَتراتٍ مُحَدَّدَاتٍ مِن قِبَل خالقِ الأرض، لا تتجاوزها قط، مُسَمَّين بأسمائهم، عامَّتُهم وأكثرُهم كانوا في كتابِ اليدِ اليسرى، يَظْهَرُون على ظهرِ الأرضِ بمَنحَى أو مِلَّةٍ أو مَسلكٍ أو مذهبٍ أو فكرةٍ أو دولةٍ أو شركةٍ أو مؤسَّسةٍ أو ألعابٍ.. إلى غير ذلك، وكُلٌّ منهم يأخذ مجالَه.
ولهم رأسٌ مِن كبار رؤوسِهم سيظهرُ على ظهرِ الأرض - جنَّبَنَا اللهُ وأهلينا والأمةَ فتنتَه وشرَّه- الدجالُ الأعورُ الذي حذَّر منه كلُّ نبي، وزادَنا النبيُّ منه تحذيراً، يريدُ قَلْبَ الحقائق؛ يريدُ إبعادَ الخلقِ عن الخالق وعن أنبيائه وعن رُسلِهِ وعن أوليائه وعن الصالحين مِن عبادِ الله جل جلاله؛ ليَدَّعِيَ ادِّعاءات أنه هو الذي يَحِل محلَّ الكل - قاتله الله- حتى يَعِيثَ في الأرضِ فساداً. وهو مع ذلك له حَدٌّ محدودٌ لا يستطيعُ أن يَتجاوزَه، وآخرُ ما يكون أن تمتدَّ يدُه إلى يدِ وليٍّ مِن أولياء الله مِن خواصِّ الصالحين مِن عباد الله، يكون حاضراً في المدينةِ المُنوَّرةِ تلكَ الأيام، ويُمنعُ الدجالُ مِن دُخولِ المدينةِ؛ ويَبقى عند تلك الأرضِ السَّبِخَةِ التي وصفَها صلى الله عليه وسلم فإذا خاطبَه يدعُوه إلى الكُفرِ والضَّلالِ، قال له: "أنت الأعورُ الدجالُ الخبيثُ الذي حدَّثَنَا عنك رسولُ الله". ويأمرُ بقتلِه فيُقتَل ويُشقُّ نصفين، وقبل أن يُقتل يقول: "اثبُتُوا فإنه لن يُسَلَّط على أحدٍ بعدي". ثم يَرُد النصفين ويلأمهُما، ويقول لمَن يُصدِّق السفاهةَ، لمن يُصدِّق الكذبَ، لمَن يُصدِّقُ الدجلَ - وما أكثر المصدقين لهذا في مختلف الأحوال بمختلف الصور، اليوم ناس يُعدُّون بين الناس مثقفين كبار يُصدِّقون الدَّجَل، يصدقون الكذب، يصدقون الباطل- يقول: أرده لكم لتعلموا أني ربكم؟ يقولون: نعم. يلأمُه ؛ يُحيِيه الله، فيقوم، يقول: هل علمتَ أني ربُّك؟ يقول: "والله ما ازددتُ فيك إلا بصيرة، أنت الذي حدَّثَنَا عنك محمدُ بنُ عبدِ الله، رسولُ الله، أعور دجال خبيث" رُدَّ عينَك أولا، أنت تدَّعي الربوبية وما تقدر تِصَلِّح عينك!؟ تَدَّعِي الربوبيَّة وما تقدر تدخل المدينة!؟ محبوسٌ تحتها ما تقدر تدخل، أي ربوبية هذه!؟ أي ألوهية؟ يتحدث ببصيرة. ولكن الذين عنده يصَفِّقُون له، أما رأوا عينه!؟ أما رأوه عاجزاً عن دخولِ المدينة، وكيف يصدقونه؟! ؛ هو الحال هو ؛ هو الحال في العقليَّات ذي المثقَّفة التي تتبع الكفرَ، التي تتبعُ الضلال، التي تتبعُ الشرَّ .. هو هو هذا الحال، والأمر واضح، والأمر بَيِّن.
فرأيتُم آثارَ هؤلاء الذين اتبعُوه على المنهاجِ القويم صلى الله عليه وآله وسلم ، ما بَذَرُوا مِن بذور، ما أقاموا مِن أمور، ما أسَّسُوا مِن أسسٍ يتجدَّدُ خيرُها اليومَ في القرن الخامسِ عشر الهجري. وتظهرُ ثمارُها .. بسياسةِ مَن؟ تخطيطِ مَن؟ بفكرِ مَن؟ بعقلِ مَن؟ أي دولةٍ ترعاها؟ أي حزب؟ تتضاءلُ أمامَها الدولُ والأحزاب، تتضاءلُ أمامَها قواتُ الأرض. مَن رَعَى هذه القوةَ لِلْفَقِيِهِ اَلْمُقَدَّم ليُقطفَ اليومَ غَرْسُهَا بعد هذه السنين!؟ يؤسِّس ذي الطريقة، واليوم تُؤتِي ثِمارَها إلى ولاياتِ أمريكا وإلى غربِ أفريقيا وإلى أماكنِ الشَّرقِ في إندونيسيا، وإلى غيرها. أي رعاية هذه؟ ترتيب مَن؟ تخطيط مَن؟ تدبير مَن؟ يا مَن نَسيتُم ربَّ الأرضِ والسماء خَفِّفُوا الغُرورَ بأفكارِكم، خَفِّفُوا الغُرورَ بمَساعِيكُم وقُوَّاتِكم (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ).
نحن اليوم نَنْعَمُ، ويَنْعَم معنا مِن أهلِ الخَير في العالَمِ مَن يَنْعَمُ بنعمةِ الإسلامِ والإيمانِ وأمنٍ وطمأنينة وقوة؛ في القيامِ بأمرِ الله، وفي العملِ بشريعة الله، والاتباعِ لسنَّة محمدِ بن عبدِ الله ؛ ما استحقَّينا هذا بشيءٍ مِن جُهدِنا، يا أحبابَنا يا إخوانَنا؛ هذا فضلُ الله، ببركاتِ أهلِ الصدقِ معه وجدنا الثمارَ الطيبةَ المباركة -باركَ الله فيها لنا وللأمة- إنه أكرمُ الأكرمين وأرحم الراحمين. ودَفَع عنَّا هذا الْغَبَش والغُثَاء والخَبَل والخَطَل الذي تتعلَّق به بعض القلوب؛ صور ! قال بايتصور مع فلان!! أو يقول أنا شيخ.. وما إلى ذلك!! هذا الخبث الذي يصدأُ به القلب. ولكن لا زالتِ الأرضُ فيها قلوبٌ تَقْصُدُهُ (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) نعم، ونحمدُ اللهَ أنَّ هذه القلوبَ صارتِ المدينةُ مَوْرِداً لها لكثيرٍ منها في شرقِ الأرض وغربِها ؛ وهم الواردُون إلى تريمَ حقيقة. وبغيرِ صِدْقِ النيةِ في الوِجهةِ إلى الله يفد مَن يفد قَلُّوُا أو كثروا، ما وَرَدُوا إلى حقيقة تريم. ما وَرَدُوا، ما يردُون على حقيقة تريم. ولا يَرِد على حقيقتِها إلا مَن أراده وحدَه وأَخْلَصَ القصدَ لوَجههِ الكريم.
فليتعلَّم مَن فيها ومَن يَرِد إليها، ولتتعلَّم أهل هذه الملة في شرقِ الأرض وغربِها حقائق: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وذلك الدين القويم المستقيم، ثَبَّتَنا الله عليه
فَيَا رَبِّ ثَبِّتْنَا عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَىَ ويا ربِّ اِقْبِضْنَا على خَيْرِ مِلِّةِ
نقرأ سِرّ وعدِه (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) والحكمة؟ والمكسب الكبير؟ وتحصيل الخير في الحياة ما هو؟ (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) لا نفوسَهم ولا أهواءهم ولا أحياءَ ولا أموات ولا صغار ولا كبار، ولكن يجب أن تعلمَ الأمةُ أنَّ مِن الأمواتِ الذين انتقلُوا إلى عالَمِ البرزخِ مَن هم أعظمُ حياةً مِن الذين يدورُون على ظهرِ الأرض. وفي هذا أدَّبنا الله، وقال لمن رأيناهم يُقْتَلُون مِن أجلِ الله: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ) بل أحياء.. قال لا تقُل بلسانك وتنطق هذه الكلمة، مع أنه الموت بمعنى خروج الروح مِن الجسد وانتقالهم إلى البرزخ واضح قوي لا مِرْيَةَ فيه؛ لكن مع ذلك لِمَا يحملُه لفظُ الموت مِن استصغار قال لا تقل ميت.. ولا تَحْسِب بظنِّك (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ) يستبشرونَ بالذين لم يلحقُوا بهم مِن خلفِهم: جعل اللهُ في قلوبِ أهلِ الرحمةِ نيابةً عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم هَمّاً بِمَن يأتي لي سمعتُم الحديثَ عنه: {أرجو أن يُخرجَ اللهُ مِن أصلابِهم} ومَن يأتي بعدَهم ويلحقُ بهم ويدخلُ في الدوائر (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) والله يَسُرُّ قلوبَهم بكثرةٍ كاثرةٍ مِن أهل زمانِنا يُدخلُهم دوائرَ تقريبه مع الصالحينَ مِن عبادِه يا رب، يا أكرمَ الأكرمين يا أرحم الراحمين.
وأَعِن قلوبَنا على الصِّدقِ معك، وأهلَ هذه البلدان، وبلدانَ الخيرِ في الشرق والغرب، وممن يفدُ إليه الوافدون لأجل العلمِ النافع ولأجل الوصول إلى الله. الله يوفق أهلَ هذه البلد وأهل تلك البلدان لمعرفةِ حقِّ الأمانة، وحقِّ هذه المواريث الغالية الغالية الغالية العالية ؛ ما في خزائن الدول ما يُساوي ثَمَنَ عُشُر عُشُر ذَرَّة منها، لا والله، ثم والله، ثم والله، ما في خزائنِ دولِ العالم ما يساوي ثَمَن عُشُر ذَرَّة مِن هذه المواريث ومِن هذه التَّرِكَة النبويَّة المحمدية.
ومَن أراد يتشرفَ بشريفٍ مِن هذه البضاعة الغالية: يُصَفِّي قلبه، ويُصَفِّي لُبَّه، ويُخرج المقاصد لغَيرِ وجهِ الله جل جلاله، ويَعلَم سِرّ ما يُدعى إليه ليل ونهار، على ألسن أهل البرزخ وأهل الحياة. كُتبهم تُقرأ، وأوصافُهم تُدار وتُقرأ، ومعاملاتُهم ونِداءاتهم قائمة حيَّة بيننا، وكلُّها مِن نداء محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لنَتَطهر ؛ لنتزكى ؛ لنخرجَ عن عيوبِنا وآفاتِنا ؛ وإرادةِ غيرِ وجه ربِّنا جل جلاله ؛ وسوء ظنونِنا وآفاتِنا ؛ ولِنَعْلَم حقَّ هذه الشريعة وحقَّ هذا الإسلام، وحقَّ وجوب الأخوة بين المؤمنين، ولنعلم حمل الرحمة للعالمين في وراثته صلى الله عليه وسلم، وفي تبعيته صلى الله عليه وسلم. فالحمدُ لله الذي أقامَ لكم هذه الخيراتِ ومَنَحَنَا وإياكم هذه المُنوحات، ونسأله أن يُتمَّ النعمةَ علينا وعليكم وعلى الأمة في الشرق وفي الغرب، ويُرينا مواطن كثيرة معمورة بإقبال على الله وصدق مع الله في بلدانِنا وبلدانِ كل مَن يَسمع.
يا ربِّ وفي العالَم بلدان ما فيها أحدٌ يسمعنا الآن.. فيا سامعَنا ويا مستجيبنا ويا قابلَ مسألتنا أدخل نور الهدى في قلوب أهل تلك البلدان، واجعل فيهم أهل الإيمان بك وبرسولك المصطفى من عدنان .. يا الله يا الله، ووعدُك حق؛ وقد وعدتَه ألا يبقى بيتٌ على ظهر الأرض إلا دخلَه دينُه الكريمُ المبارك، فبارِك لنا في ذلك. واجعلنا أسباباً لنشرِ هذا الخير ونشرِ هذا الهدى على الصدق والتقوى، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لَهَج بها حبيبُك السيد المعصوم وقلتَ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) نستغيثُك يا الله، ونسألُك بمحمدِ بن عبد الله وورثتِه وأهلِ حضرتِه وصحابتِه ومَن في دائرتِه، يا حيُّ يا قيومُ أن تغيثَنا والأمة يا الله . ارحم هذه العُصَابة ؛ عصابة الخيرِ مِن القلوبِ المتوجهةِ إليك في مجمعِنا ومَن يسمعنا، ومَن على شاكلتِهم مِن الذين أوجدتَهم اليوم على ظهر الأرض، اِرْحَم هذه العصابة، وأيِّد هذه العصابة.. يا الله ، إنها العُصَابَةُ المتصلةُ قلوبُها بالبدرِ وآل بدر، اللهم فانظُر إليهم وأيِّدهم مِن عندِك بنصرٍ تَتَبَدَّد به يا مولانا خِطَط أهل الزَّيغ والكفر والضلال في شرقِ الأرض وغربِها يا حيُّ يا قيوم، يا حيُّ يا قيوم، يا حيُّ يا قيوم.
وكلُّ حاضرٍ وسامعٍ اُرْبطه ربطاً لا ينحلُّ بالصدقِ معك، والوجهةِ إليك، والرابطةِ بحبيبِك محمدٍ صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبه وسلَّم. اللهم اجعَلها ساعةَ إجابة، واجعلِ الدعواتِ مُستجابَة، وارزُقنا الوفاءَ بعَهدِك الذي عاهدتَنا عليه يا الله، يا الله يا الله .. اُنظر إلى أحبابِنا وإخوانِنا وأهالِيهم. وبارِك لنا في النِّساء الصالحات اللاتي يُنقذنَ أولادَهن مِن الذنوبِ والمعاصي. في بلادِ الكفرِ وتُمْسِك بيدِ ابنِها، وذي في بلادِ الإسلام تخُون بنتَها؛ تخون بنتَها بالزّي الخَبيث؛ تخون بنتَها بالجوال الذي فيه الآفات بالأنواع، لو عندها مِن الإيمانِ ما رضَت لنفسِها ولا لبنتِها بهذا.
يا رب أيقِظ قلوباً نامت، يا ربِّ أَفِق قلوباً ذهبت في ما أبعدَها حتى صارَت في إغمائها. يا ربِّ أحيِي قلوباً ماتَت، يا مُحيِي، يا حيُّ يا قيوم، يا الله. وأرِنا انتشارَ النورِ والهدى في المشارقِ والمَغارب، وكلُّ حاضرٍ وسامعٍ، اربُطه بالحبيبِ الشافع، ثبِّت أقدامَهم وأقدامَ أهاليهم، ومَن في ديارِهم، رجال ونساء، صغار وكبار، يا كريم يا مجيب يا مستجيب، خُذ بأيدِيهم ونواصِيهم إليكَ يا الله، ولا تَحرِمْنا خيرَ ما عندَك لِشَرِّ ما عندَنا يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين.
سبقكُم الأنصارُ وعلَّمُوكم كيف يُستقبلُ الوافدون الذينَ يَقصدون وجهَ اللهِ تبارك وتعالى، وأوحى الله إلى داؤد: "يا داؤد إذا رأيتَ لي طالباً فكُن له خادما". وهذا واجبُ أهلِ البلدان التي خَصَّهَا الله بخصوصيةِ أن يُوفَدَ إليها مِن أجلِ الله، وهذا قليل. اسألوا رحلاتِ العالمِ الموجودةَ والراحلين؛ منهم للعبة، ومنهم لمعصية، ومنهم لغَرضِ دنيا؛ قليلٌ هم الذينَ مِن أجلِ الله يسافرون. والبلدةُ تَستقبل أعداداً مِن الذين يُريدونَ وجهَه.. الحمد لله خَصَّكم ببلدٍ لأجله تُقصد؛ فقومُوا بحقِّ ذلك.
اللهم ثبِّتنا على ما تحب، واجعلنا في من تحب، وادفع عنا كلَّ سوءٍ أحاط به علمُك، يا مجيبَ الدعوات، يا قاضيَ الحاجات، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين. وعجِّل بالفرجِ ليَمنِنا وشامِنا وشرق الأرض وغربِها، يا مُحَوِّل الأحوال حَوِّل حالنا والمسلمين إلى أحسن حال، وعافنا مِن أحوال أهل الضلال وفعل الجُهَّال، ولك الحمد على ما أنعمتَ ومَنَنْتَ فأتمم علينا النعمةَ يا كريم يا وال يا جزيلَ النوال. يا الله.
قبل أن يَنْفَضَّ المجلس نظرةً إلى قلوب الحاضرين والسامعين منكَ يا ربَّ العرش، يا إلهَنا يا عَظيمُ، يا مَلِكُ يا قُدُّوسُ، يا سَلامُ يا مُؤمِنُ، يا مُهْيمِنُ يا عزيزُ، يا جَبَّارُ يا مُتَكَبِّرُ، يا خَالِقُ يا بَارِئُ، يا مُصَوِّرُ يا إلهنا، نظرة إلى قلوبِهم قبلَ أَنْ يَنْفَضَّ مجمعُنا يجتمعُون بها في ظِلِّ عرشك، وتحت لواء الحمدِ، وعلى الحَوضِ المورودِ ؛ تَصْلُح بها أحوالُهم وأحوال أهاليهم يا الله.. يا الله يا الله
أَلَا يَا الله بِنَظْرَةٍ مِنَ العَيْنِ الرَّحِيمَةِ *** تُدَاوِي كُلَّ مَا بِي مِن أَمْرَاضٍ سَقِيمَةٍ
23 شوّال 1439