(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 4 محرم 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
عجائب معاني إتمام النعمة وكريم مجالي الرحمة
بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ لله العَلِيِّ العظيم والمنَّانِ الكريمِ والحيِّ القيوم الذي لا تأخذه سِنَةٌ ولا نَوْمٌ، لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له أرسل إلينا خير خلقه المصطفى المعصوم سيدَنا محمدَ بن عبدالله {بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. اللهم أدم صلواتِك على خيرِ بَرِيَّاتِك المُتَلَقِّي أعظمَ إسعاداتِك وأَجَلَّ إمداداتِك سيدِنا محمدٍ، وعلى آلِه وأصحابه، وعلى أهلِ محبَّتِهِ والاقتداءِ به، وعلى آبائه وإخوانِه مِن أنبيائك ورسلك وآلهم وأصحابهم، وعلى ملائكتِك المقرَّبين وجميعِ عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحم الراحمين.
يا جامعَنا لنذكرَك، ويا جامعَنا لنشكرَك، ويا جامعَنا لندعوك، ويا جامعَنك لنسألَك، ويا جامعَنا لنتقرَّبَ إليك، ويا جامعَنا لنحوزَ سِرَّ تقرُّبِكَ مِن خلقِك؛ فما يَتَقَرَّب إليك عَبْدٌ مِن أتباع محمدٍ شِبْرَاً إلا واقتربتَ أنت إليه ذراعا، ولا تقرَّبَ إليك أحدٌ منهم ذراعا إلا اقتربتَ أنت منه بَاعَاً، ولم يأتِك منهم أحدٌ مَشْيَاً إلا أتيتَه أنت هرولة؛ فما أعظمَ فضلَك وأكملَه، وما أَجَلَّ جودَك وأجزلَه، وما أعجبَ رحمتَك الهاطلة، وما أعجبَ مِنَنَكَ المتواصلة، لا إلهَ إلا أنت آمَنَّا بِكَ فزِدنا إيمانَاً، وهَبْ لنا إيقانا، وارعَنا في ظواهِرِنا وخَفَيَانَا، وبلِّغنا فوق مُنانا ورجانا مِمَّا أنت أهله.. يا مولانا، يا مجيبَ دعانا، يا غافرَ خطايانا، يا راحمَ موتانا وأَحْيَانَا.. يا الله
وأكرمتَنا بالذِّكرِ، وأكرمتَنا بالشكر، وأكرمتَنا بالدعاء، وأكرمتَنا بالتَّقَرُّبِ، وأكرمتَنا بالتضرُّعِ، وأكرمتَنا بالصلاةِ على نبيِّك محمد، وأكرمتَنا بالتَّذَاكُر، وأكرمتَنا بالتبصُّر وأكرمتَنا بالتنوُّر، وأكرمتَنا بالتعرُّضِ لنفحاتك وتَلَقِّي رحماتك، فلك الحمدُ شُكرَاً ولك المَنُّ فضلا، أتِمَّ النعمة على كُلِّ حاضرٍ وعلى كُلِّ سامع.. أتِمَّ النعمة على كُلِّ حاضرٍ وعلى كُلِّ سامع.. يا الله
قال سيدنا يعقوب عليه السلام لابنِه يوسف: {وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-، وقال لنا سبحانه وتعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا..} بعد أن قال -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي..} بإرساله، وكونه فيكم، وكونه منكم، وبتلاوته لآياتي عليكم، وبتزكيتِه إيَّاكم، وما علَّمَكم مِن الكتابِ والحكمة، وما {عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} بذلك كلِّه: {فَاذْكُرُونِي}؛ ليكون ذكرُكم إيَّايَ على ما أحببتَه مِمَّا بَعثتُ به إليكم مصطفاي؛ فيكون ذكري لكم ذِكرَاً رَبَّانِيَّاً رَحْمَانِيَّاً عَظِيمَاً جليلاً كبيراً شريفاً لا يُحَدُّ له حَدٌّ ولا يُعَدُّ له عَدٌّ ولا يحصره أحد {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، وإذا استشعرتم ذلك كلَّه فاعترفوا لي بالإنعامِ الذي لا غايةَ له {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}.
ثم قال لرعيلِنا الأول الذين استجابوا لدعوةِ هذا المصطفى الأكملِ وجاهدوا معه وأقبلوا عليه واتَّبعوه ونصروه واجتمعوا معه على جبلِ عرفات في المَوسِمِ الكريم إذ الخطاب مِن ربِّ الأرض والسماوات ورَبِّ العرش العظيم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
فيَا ربِّ: ذلك الإسلام الذي ارتضيتَه لهم ولا تزال تُنعِم به على مَن سَبَقَت لهم منك السعادة حَقِّقنا بحقائقه، ثبِّتنا على طرائقه، وأَطْلِعْنَا على رقائقه، وأَذِقنَا يا مولانا جميلَ أذواقه، واجعلنا عندك مِن خواصِّ أهله؛ فأتمِم علينا النعمةَ كما أتممتَها عليهم يا الله ..
أيها الأحباب: ومَن أتمَّ اللهُ عليه النعمةَ في أيِّ قرنٍ مِن قرون أمةِ محمد لابدَّ أن يَنظُرَ إلى تلك الوجوه التي استلمتَ الخطابَ الرباني والآيةَ مباشرةً في يوم الجمعة في يومِ عرفة في السنة العاشرة مِن هجرة زينِ الوجود محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يرافقِهم، ثم يَقِرُّ حيث يَقِرُّون ويستَقِرُّ حيث يستقرِّون في قربِ إلههم جلَّ جلالهم ومرافقة الأمين المأمون؛ مَن أتمَّ عليه النِّعمَةَ أكرمَه بذلك..
فيَا ربِّ أتِمم علينا نعمتَك، فيَا ربِّ أتِمم علينا نعمتَك، فيَا ربِّ أتِمم علينا نعمتَك..
وإنَّ مِن مجالي ومظاهر وآثارِ وعلامات إتمامِ النعمةِ أن يمتلأ القلبُ رحمةً بالخلائق وإرادةً لهدايتهم، ورغبةً في نفعِهِم ووَصلهِم بربِّهم وإنقاذهم مِن النار؛ فيستولي ذلك على القلب فيمتدُّ معنى اتصالٍ بخاتَمِ الإنباءِ والإرسالِ، حامل تلك الأحمال، ومجلى ذاك الجمال، وصاحب المقام العال في رحمةِ القاصي والداني؛ مَن أُنزِلَت عليه المثاني المصطفى العدناني صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ فيتهيَّأ لمرافقتِه..
ونرجو للحاضرين والسامعين أن يُمِدَّ اللهُ قلوبَهم بأنوارِ هذه الرحمة وإرادةِ الخير للأمة، والحرص الكامل التامِّ على هدايةِ الخلق وإرشادِهم ودعوتِهم إلى الرَّبِّ وإنقاذهم، وإصلاحِ شأنِ معاشِهم ومعَادِهِم.
اللهم املأ القلوبَ بهذا النور لنتَّصِلَ ببَدرِ البدور، وتنشرح لنا الصدور، ونرافقَه يومَ البعث والنشور، ونسكن معه في أعلى الجنَّاتِ وأنت راضٍ عنَّا يا كريمُ يا عزيزُ يا غفورُ يا الله..
يا مَن دُعِيتُم للمعالي والمراقي العوالي ودُعِيَ لكم أن يهبَكم ويمنحَكم مولى الموالي الكبير المتعالي: ما أعجبَ ما أنتم فيه مِن خيرِه المتوالي! وما أبرزَ للقلوب والأبصار مِن النور المتلالي {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} اللهم اهدِنا لنورِك..
وإنَّ النورَ إذا دخل القلبَ انشرح له الصدرُ وانفسح، قيل: فهل لذلك علامة يا رسولَ الله؟ قال: (نعم؛ التجافي عن دارِ الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموتِ قبلَ نزوله) فاجعل يا ربَّ الأرض والسماء هذه العلاماتِ الثلاثَ في كُلِّ واحدٍ مِن الحاضرين والسامعين، يا أكرمَ الأكرمين، يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين، يا ذا القوة المتين اجعل هذه العلامات الثلاث مُحَقَّقَة فينا وفي كُلِّ حاضرٍ وسامعٍ يا خَيْرَ مُستجيبٍ ومُلَبٍّ وسامعٍ.. يا الله
واجعل لنا في هذه الليالي شريفَ المَنَافِع، وكريم الرُّقيِّ إلى المقامِ الرَّافِع، واتِّساعاً في تَلَقِّي المقام الواسع، واجعل لنا قلوباً عليك تُقبِلُ بالكُلِّيَّةِ وبين يديك تَتَذَلَّلُ تَذَلُّلَ العَبْدِيَّةِ والعُبُودَةِ والعَبْدِيَّة؛ فتتولَّاها الربوبية بما لا يُعَبِّرُ عنه أَلْسُنُ الأعجام ولا أهل العربية.. يا ربّ.. يا رب دعاؤك يَطِيب، وسؤالك يحلو، والتضرُّع إليك يَلَذّ وأنت الله.. رحمتَنا فجعلتَنا في أمَّةِ الأكرم، وأمَّةِ حبيبِك الأعظم، ثم جمعتَنا على ذكرِك وذكرِه وذكرِ ما جاء به عنك مؤمنين به ومؤمنين بك وبما جاء به عنك على مرادِك ومؤمنين به وبما جاء به على مرادِه، اللهم فأتمِم علينا النعمة، اللهم فأتمِم علينا النعمة، اللهم فأتمِم علينا النعمة.. يا الله.
يا ربِّ وعلى أهلينا، وعلى أولادِنا، وعلى طُلَّابِنا، وعلى أحبابِنا، وعلى قراباتِنا، وعلى جيرانِنا، وعلى مَن والانا فيك، افعل كذلك بكُلِّ حاضرٍ في المجمع وكُلِّ مَن بالمحبَّةِ يَسمَع، يا خَيْرَ سَمِيع، يا ذا العَطَاءِ الوَسِيع، يا من يُبدِىءُ ويُعِيد وهو الفعَّال لِمَا يُريد وهو للسماوات والأرض المُنشىء البديع..
يا الله .. دعاؤك حالي، وطلبُك لذيذ، والتوجُّه إليك عجيب، والسؤال لك يا مولانا طيِّب، والحال به يَطِيب، فأنت الله وما للعبيد غيرُ "الله" ولا إله إلا الله؛ فبــ "لا إله إلا الله" وأهل "لا إله إلا الله" وأكرمِ مَن قال مِن خلقِك "لا إله إلا الله" اُغمُسنَا في أبحرِ حقيقة "لا إله إلا الله" ونَوِّرنا بأنوارِ حقائق "لا إله إلا الله"، وأحيِنا ما حيينا على حقيقة "لا إله إلا الله"، وأمِتنا حين تتوفَّى كُلَّ واحدٍ مِنَّا على التَّحَقُّق بحقيقة "لا إله إلا الله"، مُتَحَقِّقاً به قلبُه، مُشَاهِدَاً لحقائقِها سِرُّه، ناطقًا بها لسانُه، واجعلها آخرَ نُطْقٍ نَنطِقُ به مِن الحياة الدنيا.
يا الله: اجعل آخرَ كلام كُلِّ صغير وكبيرٍ وذكرٍ وأنثى مِنَّا ومِن أهلينا ومَن والانا مِن هذه الحياة الدنيا: "لا إله إلا الله" مُتَحَقِّقاً بحقائقها يا الله..
اللهم ولا يَصِلُ واحد مِنَّا ومنهم إلى قبره ولَحْدِهِ إلا ملأتَه له ووسَّعته بأنوار "لا إله إلا الله" فتفتح له كوَّةً إلى منازل في الجنة يُقَالُ له: هذه منازلك. فيترقَّبُ للساعة ويشتاقُ إلى قيامه، اللهم وإذا جاءت النفخة الأولى فاجعلنا مِن المَلطوف بهم في الصَّعقَةِ التي يَصْعَق بها مَن في السماوات ومَن في الأرض، فإذا جاءت النَّفخةُ الثانية فاحشُرنا واحشر كُلَّ واحدٍ مِنَّا في أنوارِ وأسرارِ وبركاتِ حقيقةِ "لا إله إلا الله"؛ فنُرَافِقَ سيِّدَ أهلِها ونُشاهِدَ وجهَه ونسمع كلامَه ونُصَافِحُ يَدَهُ الكريمة ونَسْتَظِلُّ بظِلِّ لوائه، ونَرِدُ على حوضِهِ ونَشرَب مِن مائه، ونَسْعَدُ بلقائه، وتُكرمنا بأن تجعلَنا يا ربَّ العرشِ من رُفقائه.
يا مَن عَظُمَ عطاؤه، يا مَن جلَّ ثناؤه، يا مَن الأمرُ أمرُه والحُكْمُ حُكمُه، والخلق خلقُه وليس لأحدٍ معه شيء، يا ربَّ كُلَّ شيء بقدرتِك على كُلِّ شيء وعلمِك بكُلِّ شيءٍ اغفر لنا كُلَّ شيءٍ، وأصلِح لنا كُلَّ شيءٍ، ولا تسألنا عن شيءٍ ولا تُعَذِّبنا على شيء.. يا الله
لا يخيبُ مَن قَصَدَ كريمًا مِن عبادِك مخلوق مِن نطفة أنت خلقتَه وجعلتَ طبعَه الكرم فيرجع قاصِدُه بأكثر مِمَّا أَمَّلَ ومِمَّا رجا ومِمَّا له أم؛ فكيف يَخِيبُ مَن قامَ ببابِك ولاذ بأعتابك ونَزَل برحابك وتوسَّل بأحبابك ورجا لثوابك وخاف مِن عقابك ووجَّه أمرَه إليك وقَصَدَ وجهَك الكريم يا كريمُ يا الله.
أنت الأكرم، أنت الأرحم، أنت الأعظم، أنت المنَّان، أنت الرحمن، أنت الوهَّاب، أنت رَبُّ الأرباب، أنت مُسَبِّبُ الأسباب، أنت دافِعُ الأوصاب، أنت رافعُ السماء، أنت داحي الأرض، أنت الجامعُ للخلق يومَ العرض، أنت القوي، أنت العليّ، أنت الغني، أنت السخيّ، أنت الجواد، أنت المنَّان، أنت الغفَّار، أنت الوهَّاب، أنت الرَزَّاق، أنت الفَتَّاح، أنت العليم، أنت الكريم، أنت الرحيم، أنت الحليم، أنت العظيم، أنت الله.
تَقَدَّسَت أسماؤك وعلا وصفُك، لا إله إلا أنت، لا يُدرِكُ مَلَكٌ ولا إنسيٌّ ولا جنيٌّ كُنْهَ ذاتك، ولا كُنْهَ أسمائك وصفاتك، ولهم شَرَفُ تعَرُّفِكَ إليهم بعطائك وواسعُ إفضالِك وكريمُ اجتبائك وإعلائهم إلى درجاتٍ تَقْصُرُ العقولُ عن الإحاطةِ بها.. فكيف يا ربِّ بأسمائك وصفاتك؟ علَّمتهم مِن الأسماء والصفات ما عَجَزَت العقولُ عن الإحاطةِ به فكيف بنفسِ الأسماءِ والصفات! وكيف بذاتك! سبحانك سبحانك سبحانك، لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسِك!
فيَا من لا يُحِيطُ بمعرفتِه إلا هو ولهُ جميعُ الوجوه تعنُو: أكرِمنا بما أنت أهلُه في الدارين فيما يخفَا وفيما يبدُو.. يا الله
أشرِقِ الأنوار في هذه الصدور، وأصلِح لنا جميعَ الأمور، واجعلِ العام هذا عامَ فرجٍ لأمةِ حبيبك، وعام نصرٍ لما جاء به عنك، وعام ظهورٍ للحقائق، وعام إطفاءِ نيرانِ أهلِ الشرك وأهلِ النفاق وأهلِ البوائق.. يا الله
أرِنا فيه ما تَقِرُّ به العين ويَنبَسِطُ به سيِّدُ الكونين وتنشرح به قلوبُ المؤمنين.. يا الله
اجعله مباركًا واسعَ البركة، عظيمَ البركة، كبيرَ البركة، كثيرَ البركة، قِنَا كُلَّ سوءٍ وهَلَكَة.. يا حيُّ يا قيُّوم.. يا الله
وكُلُّ مَن آمنَ بك فبِفَضلِك، وجميعِ الصادقين معك في الشرقِ والغربِ من الإنسِ والجنِّ أكرمتَهم بوصلٍ بحبيبك بالإيمان فأعِدِ اللهمَّ عوائدَ ما تتفَضَّلُ به على كُلِّ واحدٍ منهم وعلى سائرهم..
يا الله.. وما عَزَم عليه وفْدٌ منهم وثًلَّةٌ منهم لإقامةِ زيارةِ نبيٍّ مِن أنبيائك والتوجُّهِ إليك والتضرُّع إليك فاجعله اللهم نيابةً عن بقيَّتِهِم وسائرِهم، واجعله اللهم مقبولًا عندك مَرْضِيَّاً لك تَفتَحُ به مِن أبوابِ الخير مالا تبلغُ إليك الآمال، ولا ينالُه رجاءُ الراجون مِن الأوَّلِينَ والآخرِين مما أنتَ أهله.. يا حيُّ يا قيُّوم يا أرحمَ الراحمين يا الله..
هذا الدعاءُ ومنك الإجابة، وهذا الجهدُ وعليك التُّكلان، ها نحن بين يديك والحالُ لا يخفَى عليك، نسألك ونُلِحُّ عليك ونتوجَّه بكُلِّيَّاتِنا إليك مُتَذَلِّلينَ بين يديك نقول: ما لنا غيرُك فأدرِك، ما لنا غيرُك فأغِث، ما لنا غيرك فأنقِذ، ما لنا غيرُك فادفَع السوء، ما لنا غيرك فجَمِّلِ الحال، ما لنا غيرك فبَلِّغنا الآمال، ما لنا غيرُك فادفعِ الأهوال، ما لنا غيُرك فتولَّنا في كُلِّ حال في الدنيا والبرزخ ودارِ المآل.. يا ذا العطايا الجِزَال، يا جزيل النَّوال، يا مُبتدِئا بالفضلِ قبلَ السؤال..
يا الله.. يا الله.. سَعِدَ مَن وجَّهتَه إليك، وأُكرِمَ مَن جعلتَه مُتَذَلِّلاً بين يديك..
يا الله.. يا الله .. فازَ مَن جعلتَ وجهتَه إليك..
يا الله .. يا الله .. يا الله.. يا الله
ما اقتضى حَجْبَاً مِن ذنبِ المتكلِّم أو أحد الحاضرين والسامعين فاغفِر ذلك الذنبَ يا خيرَ الغافرين مغفرةً كاملةً تامَّةً، شاملِةً واسعةً عظيمةً، كبيرةً فخيمةً جليلةً جسيمةً، يا خيرَ الغافرين.. يا خيرَ الغافرين.. يا خيرَ الغافرين.. تُبْ علينا توبةً نصوحا تُزَكِّينا بها قَلْبَاً وجسمًا وروحًا برحمتك يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين، يا أرحمَ الراحمين.. يا اللـــه
وفي مُفتَتَحِ كُلِّ عامٍ نتذكَّر هجرةَ خيرِ الأنام وقولك: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} فنسألك بحقِّهِ عليك أن تكونَ بِهِ معنا يا اللــه، ونتذكَّر عبدَك الكليمَ موسى وما كان مِن نصرك إيَّاه وإهلاكِ فرعونَ وغَرَقِهِ؛ اللهم فاجعل لنا مِن سِرِّ ذلك النَّصرِ ما تُغرِقُ به في بِحَارِ الزَّوالِ والاضمحلالِ أفكارَ الكفار والفجار وتراتيبَ إبليسَ ومَن معه في كُلِّ ما يقصدون به الصَّدَّ عن سبيلِك ويؤذون به أمةَ نبيِّكَ محمد، وانصرنا.. وانصرنا.. وانصرنا.. فإنك أكرمتَ الأيدي أنها لا تمتدُّ إلى يَدِ شرقٍ ولا غربٍ ولا مَن في الشرق ولا مَن في الغرب؛ ولكن منك وحدَك تأخذُ نصرتَها وتسأل تأييدَها مستندةً إليك مقبلةً عليك متذلِّلَة بين يديك، فيَا مَن أعطيتَنا هذه الكرامةَ العظيمة أتمِم النِّعمةَ علينا وانصُرنا بنصرِك العزيزِ المؤزَّر وأيِّدنا بتأييدِك السَّنِّيِّ الأكبر، فإنَّ اعتِمادَنا عليك واستِنادَنا إليك..
يا الله.. يا الله.. يا الله .. يا الله.. يا الله
إن قالت قلوبٌ على ظهر الأرض: يا مالُ أو جماعة أو يا حزب أو يا دولة أو يا شرق أو يا غرب فإنَّا نقول: يا الله ، فإنَّ قلوبَنا تقول: يا الله
وحاشا للخالقِ أن ينتصرَ مَن يقول يا مخلوقُ على مَن يقول " يا الله "..
يحلو لنا نداؤك ويَلَذُّ لنا دعاؤك، يا حيُّ يا قيُّوم، يا رحمن يا رحيم .. يا الله
رحمةً من عندك نَسعَد بها في الدنيا والآخرة، نُثبَتُ فيها من أهلِ الوجوه النَّاضِرةِ التي هي إليك ناظرة..
اكتب لنا القبول، أنِلنا غاياتِ السُّول، اجمعَنا بسيِّدِنا الرسول، أصلِح ما ننوي ونعتقد ونفعل ونقول، وزَكِّ لنا العقول، وثَبِّتنا على طاعتِك في كُلِّ نيَّةٍ وقَصْدٍ وإرادةٍ وقولٍ وفعلٍ يا حيُّ يا بَرُّ يا وَصُول؛ حتى يكونَ لنا مِن فيضِ فضلِك شمسٌ ما لها مِن أُفول.. يا الله.
وجمْعَاً في الآخرة كما جمعتَنا بأحبابِنا بالأجسادِ وبالقلوبِ وبالأرواح، جمعًا يا مولانا في ظِلِّ عرشِك، وجمعًا تحتَ لواءِ الحمد، وجمعًا على الحوضِ المورود، وجمعًا في دارِ الكرامة، وجمعًا في ساحةِ النَّظَرِ إلى وجهِك الكريم..
سألناكَ.. دعوناكَ، رجوناكَ، أمَّلناكَ، طَمِعنَا فيما عندك، وخِفنا مِن عقابِك، وخِفنا مِن عذابِك، مُوقنِين أن لا إلهَ إلا أنت وأنَّ الأمرَ كلَّه لك؛ فاقبَلنا على ما فينا وأتمِم علينا النعمة يا خيرَ مُنعِم ويا أجلَّ مُكرِم .. يا الله
وتوجَّهوا إليه جميعا:
الله الله يا الله لنا بالقبول..
05 مُحرَّم 1443