طمأنينة القلب وأسرار الباقيات الصالحات خصائص الإيمان
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، بدار المصطفى، ليلة الجمعة 17 جمادى الثانية 1440هـ، بعنوان:
طمأنينة القلب وأسرار الباقيات الصالحات خصائص الإيمان.
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }، وما وُجِد قلبٌ نَسِيَ مُقَلِّبَه وغَفِلَ عنه وأعْرَضَ فاطْمَئن، ما يوجد، لا والله ما يوجد، لا يوجدُ في الكون قلبٌ نَسِيَ مُكَوِّنَه وأعرَضَ عنه فاطْمأن، لا يوجد.. لا يوجد، والله لا يوجد، لكن القلوب التي عرَفَتِ اللهَ فذَكَرتِ الله، فذَكَرهَا الله، نَزَلت عليها الطُّمأنينةُ مِن الله، قال جل جلاله عن فريقٍ مِن خواصِّ الرَّعيلِ الأولِ، كانوا مع مُصطفاه الأفضل، وحبيبِه الأمْجَد الأكْمَل صلى الله عليه وسلم، مَدُّوا أيديَهم أمام كُفرٍ يُزَمْجِر، وأمام دُولٍ في الأرضِ تقولُ إنها كُبرى، ما بين عابِدةِ نار وما بين مُحَرِّفةٍ لكتابِ الله تعالى وما جاء به الرُّسلُ مِن النصارى، وما بين غيرهم مِن بقية الكفار، مَدُّوا أيديَهم إلى يدِه الكريمَة، إلى يدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، مُوقِنينَ أنَّ إلهَهُم الحق منه الـمُبتدأ وإليه المرجِع والحُكْمُ له، فقال تعالى عنهم: {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} في خِزانة أيِّ الحضاراتِ توجد السَّكينة؟!، يملئون خزائنَهم، وما عندهم من السَّكينة شيء، في خزائنِ أيِّ الدُّول تُحفَظُ السكينةُ وتَتنزَّل؟!، {فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ}، كم كنْتُم وكم كان عَدَدُكم؟!، كم كنْتُم مع نبيِّنا محمد؟!، كم عَدَدُكم وكم عُدَّتُكم؟!، كم عُدَّة بَقيِّةِ العرب وحْدَهم وعُدَدَهم؟! كم في الكون مِن دِول أخرى أيضاً ما استطاع شيءٌ منها أن يَقْهرَكم ولا أن يَقْصِمَكُم ولا أن يُخْبِيَ نورَكم، ولا أنْ يَقْطعَ دعوتَكم، {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ}.
{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ}، أنا الذي كفَفْتُ أيدي قوى الأرض عن حبيبي وأصحابِه، وجعلتُ العاقِبةَ لهم والغَلَبةَ لهم، في أيِّ قرْنٍ مِن القُرون تَضْعُف قُدرَتي؟!، في أيِّ زَمن مِن الزَّمان ينتهِي بَطْشِي وقُوَّتي؟!، لا إله إلا الله الدَّائِمُ الحيُّ القيُّومُ، {وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }.
إذا سَلَّم هؤلاءِ زِمَامَهُم لِذا ولِذاك مِن مُفَكِّرِيهم ومِن عُقَلائهِم ومِن البَارِزينَ فيهم فأنا أهديكُم الصراطَ المستقيم، يتخبَّطُون يَمْنَةً ويَسْرَة وأنا الرَّبُّ أَهْدِيكم، يقول جلَّ جلالُه: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }.
وابْتَدَأَ الكلام بقوله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}، فَتَسَلْسَلَت هذه المعاني كلُّها، وعلى قَدْر ما يَعلَم في قلوبِنا وقلوبِ الحاضرين وقلوبِ السَّامعين، مَن بَقِيَ فيهم الخيرُ مِن هذه الأمة على قَدْر ما يَعلَم ما في قلوبِهم سَتَتَسَلْسَل أحداثٌ في العالم مُتَناسِبَةً مع ما يَعلَمُ في القلوب؛ فهذه سُنَّتُه، هذه سُنَّتُه في تَسْيِير الكَوْنِ جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه؛ كُلَّما أرادَ أنْ يُحدِثَ شيئاً جَعلَ في القلوبِ ما يتَناسَبُ مع ذلك، فما الذي يَعلَمُ في قلوبِنا!، ما الذي يعلَمُ في قلوبِ الحاضرين والسَّامعين.
يا مُقَلِّب هذه القلوب اربِط هذه القلوب بِتلْك القلوب؛ الذين رضيتَ عنهم وامْتَدَّت أيديَهم إلى حبيبِك، ربَّنا إن امْتَدَّت أيديَهم إلى يَدِهِ الكريمةِ أيامَ كان في الحياة الدنيا بالجسدِ الشَّريف، فإنا نَمُد أيديَنا إلى روحهِ ومِنْهاجِه ووَحْيهِ الذي أوْحَيْتُه عليه، وإلى ورَثَتِه وخُلَفائه، فاقْبَل مِنَّا ذلك، واجعل في قلوبِنا ما جعلتَ في قلوبِ أولئكَ يا مَلِكَ الممَالِك يا الله.. يالله.. يالله.
{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}، وعلى حَسَبِ ما يَعْلَمُ في قَلبِك خُذْ مِن اللحظة نَفْسَها: {فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ}، تَنْزِل عليكَ السَّكِينة، بِحسَبِ ما في قَلْبِك، بِحَسَب ما يَحِلُّ في فؤادِك، ماذا يَعْلَم ربُّ العالمين مِن قلبِك جلَّ جلالُه {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ} أنَالَهُم وأعْطَاهُم {فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً}، (مَغَانِم) بِتَسْمِيَة الله، و(كثيرة) بِوَصْفِ الله، الله سَمَّاها (مَغَانِم) فهي حقيقةً مَغانِم، أما خَلْقُه يُسَمِّي لك مَغانِم فتجدها هَزائِم!، يُسمِّي لك مَغانِم فإذا هي غموم وهموم، وتجد عَواقِبَها نَدامَة، لكن هو قال لها (مَغَانِم) ، هو سمَّاها (مَغَانِم)، ووصَفَها بأنَّها كثيرة: {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً}، فوالله ما أعظَم وما أكثَر ما أخَذَ ذلكَ الرَّعِيل مِن المغانِم، فما لهم مِنَّا إلا التَّحِيَّة والإكرام والإجلال، هؤلاء صدور الأمة، وهذا الثناء الرب عليهم في كتابِه، رزقنا الله مَعرِفَة قَدرِهم، واتِّباعَ أثَرَهِم.
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ الله عَزِيزاً حَكِيماً * وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}، فهِيَ آية لك يا مؤمن، يا مؤمن هذه آية لك، وبعده وبعد هذا القَرن؛ القَرن الثاني والثالث الأول ما لِقُوى العالَم لم تُخْمِدْ هذا النُّور؟!، وإلى اليوم مرَّت عليهم ألف وأربعمائة سنة وفيهم قلوبٌ تُحِبُّ إخمادَ هذا النورِ، وما قدَرَت إلى اليوم، وفيهم في القَرن هذا الذي مضى، واللي قبلَه واللي قبلَه مَن توقَّعَ بِخطَّةٍ رسَمَها أنه لا يمكنُ أنْ يُعقدَ مثلُ هذا المجلس أبداً!، ويُعقَد، ويُشاهِدُه مَن يُشاهِدُ في الشرقِ وفي الغرب، ما وراءَ هذا؟!، مِن أين قوَّةُ هذا؟!، أين مَرْجَعِيَّةُ هذا؟!، نَسَّقْنا مع شيء مِن الأحزاب؟!، نَسَّقْنا مع شيء مِن الدول؟!، نَسَّقْنا مع أحدٍ مِن المؤسَّسات في العالَم؟! سُنَّةُ الله، جُودُ الله وكرمُ الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
يقول سبحانه وتعالى: {وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ}، وهي آية، كُلُّ عاقِل يَعْقِلُها، وكُلُّ كيِّس يُدْرِكها ويَلْزَم طريقَه، ويستعد للدخولِ في هذا الفَريق، والُمرافقة لأعلى رفيق، وللقاءِ الحقِّ الذي هو بالإعظامِ والإجلال والخَشْيَةِ والرَّجاءِ حَقِيقٌ سبحانه وتعالى، إنْ كان عندك رجاءٌ ففيه ينبغي، وإنْ كان عندك خوفٌ فمِنه، وإنْ كان عندك إعظامٌ وإكبارٌ فلله قبلَ كلِّ شيء، هو حَقِيقٌ بذلك، واستعِد بذلك للقائه.
{وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا}، وسيؤتيكم إيَّاها {وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }، ثم يُخبِرُ عن سُنَّتِه في هذا الوجود: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ }، صَدق ربي، {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}، أنتم تتمنُّونَ لهم الخير ولا تَبْدئون أحَداً بِشَرٍّ، ولا تَخونون، ولا تَكْذِبون، فجاءوا يُقاتِلونكم!، قال سأتولاكم.. أنا سأبعِدُهم عنكم: {لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ}.
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} في أي زمان؟ وفي أي مكان؟، بأي عَدد؟ بأي عُدَّة؟ في كلِّه؛ بأي عدد بأي عُدَّة في أي وقت يجيئون يقاتلونكم وأنتم أهل الاتصال بي { لَوَلَّوُا لْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً}فَزَعْمُ الصَّداقات والعلاقات والتخطيطات والوثائق: {ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً}، قال الله ما هذا في زمان دون زمان {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}.
قال الله وأخاطِبُكم، وأتَنزَّلُ لكم، وأتكلَّم معكم وأتَحدَّثُ عن نماذجَ في حياتِكم قد حصَلَت تَدلُّ على هذا الأصلِ وهذه السُّنَّةِ التي لا تتغيَّر: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ}؛ لتعلمُوا أن اليدَ يَدُه، لا أيديكم ولا أيديهم هي الفعَّالةُ في الوجود، لكن أنتم بحسبِ اتصالِكم بي ترعاكم عنايتي فلكم الغَلَبةُ وإليكم العاقبة، وإلا فلي حكمةٌ في كفِّ هذه الأيدي وهذه الأيدي، وتَسْلِيط هذه الأيدي أو هذه الأيدي في كُلِّ وَقْعة، وهذه موقعة أمامكم؛ جئتم إلى حوالي مكة، منكم ألف وأربعمائة، والكفار قابلوكم، وكان في ذلك الوقت تمَّت هذه البَيْعة، بايعوه تحت الشجرة، فَهُم ألف وأربعمائة لو قابلَهم الرُّوم وفارِس ودول العالَم لانهزَموا!، قوم رضي عنهم، وبايعوا يَد محمد، لكن قال أيضاً أيديكم أنتم كفَفْتَها عنهم، لو شئتُ في ذاك اليوم أُدخِلكم مكةَ وعلى رَغْمِ أنوفِهم، وستقتلون الكفارَ وتهزمونَهم، لكن {كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}، أين أظفرَكم؟!؛ لما بايعتم حبيبي كنتم الظَّافِرين، النَّصْرُ لكم، التحقيق لكم، مع أنهم ممنوعون من دخول العُمْرة، قال أنتم الظافرين؛ خلوا هذه الصور التي أختبر بها الخَلْق، خذوا الحقيقة أنتم الظافرون: {أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}، ولو شِئت لسَلَّطتُكم عليهم ولانهزموا، الله أكبر.
{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }، هو الذي ترجع إليه موازين وتقيِيم الأعمال، الأعمال التي تعملونها أنا بصير بها؛ شئون صِدْقُكم، شُئون تَبَعيَّتِكم، شئون إيمانِكم، شئون وجهاتِكم محفوظة عندي وأعلم بها.
{هُمُ} هؤلاء الفريق الذين مَثَّلُوا الكُفر {كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}، وراءَ أستارِي وحِكْمَةِ تقديري وتدْبِيري، قال أنا الذي كفَفَت أيديَهم، وكففت أيديَكم أنتم أيضاً.
يقول سبحانه وتعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ}، سأبدي لكم شيئاً مِن سِرِّي في الحكمة؛ يوجد وسَط مكة مؤمنين، مُستضعَفين، رجال ونساء، لهم مكانة عندي؛ وأُناس مِن هؤلاء الكفار سأرحمهم وسأقْلِب قلوبَهم إلى الإيمان بحبِيبي وأُخرِجهم من النار إلى الجنة؛ فلهذا كففتُ أيديَكم، وقلت لكم ارجعوا بلا عمرة، واذبحوا هنا تحت مكة وارجعوا، لأن لي حِكَماً في تدبير الكون، وأيديكم وأيديهم تحت أمري، كَفَّ هذه وكفَّ هذه جل جلاله، فليست أيادي الخَلْق هي الفعَّالةُ في الوجود، لكن يَكفُّها أو يُسلِّطها فقط هو، لِحكْمَةٍ مِن الحِكَم، يقول الله عن أهل البَغْيِ منهم والضلال {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }؛ إلا يُنفِّذوا حِكْمَتي، ويَبْلُغ كُلٌّ نهايتَه التي قدَّرْتُها له، يا رب اجعل عاقبتَنا الجنة، يا رب اجعل عاقبتَنا رضاك عنَّا، يا رب اجعل عاقبتَنا مُرافقةَ حبيبِك محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
{وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ}، بعضهم يتوبُ عليهم ويسلموا، {لَوْ تَزَيَّلُوا} هؤلاء المؤمنون مِن بينهم {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} فأُخِّرَ العذابُ عن فئاتِ الكفرِ بسببِ وجودِ المستضعفين مِن المؤمنين والمؤمنات بينهم، فهؤلاء الذين يرعاهم مُقدِّرُ الأقدار، ومُكَوِّرُ النهار في الليل والليل والنهار جلَّ جلاله.
فإيَّاكم أنْ تَعتقدُوا أو تظنُّوا في الكَوْنِ فعَّالاً سِواه، {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} جل جلاله، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} أهل المظاهِر، وأهل الصور اللي مثل الصور اللي عندكم، {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}، ما الحقيقةُ يا رب؟ {وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ } جلَّ جلاله.
رعاكُم وجعلَكُم في أُمَّة حبيبِه، وأحضرَكُم ذا المحاضِر، ونزَّل عليكُم هذه الهوَاطِل مِن فائضِ الجُودِ والكَرَمِ منه سبحانه وتعالى، ليرحمَكُم ويرحم كثيراً مِن عِبادِه في المشارقِ والمغاربِ، وأحياء وأموات، وشئون يُبدِيها في الأرضِ وفي السموات، وهو ربُّ الكُلِّ، وهو المتَصرِّفُ في الكلِّ جلَّ جلاله ، وصوتُ خيْرِ الرسل يُزَمجِرُ في العالَم ويقولُ: ((إني رسولُ الله ولستُ أعْصيهِ، وهوَ ناصِري))، صَدقتَ، ثم صَدقتَ، ثم صَدقتَ؛ إنه رسولُ الله، وليس يَعصِيه، وهو نَاصِرُه.
وبعد تلك الوقعة مباشرة وهو راجع في الطريق أنْزَل الله: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً * وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً* هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، لو كانَ لِغَيرِه جُنود السَّموات والأرض ما ذَهَبَت عَاد الذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، لكن: {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ}.
وأربابُ الاغترارِ بالَمتَاعِ الفَاني وبالتَّكْتِيك السِّياسي وغير السِّياسي، وتَكْتيك الأسْلِحَة الفَتَّاكَة، وأسْلِحَة الدَّمارِ الشَّامِل بعد قليلٍ ومرورِ زَمانٍ يُقال: {فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ }!، ما يَبْقى لهم!، لا إله إلا الله، {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }، ويلٌ للمُغْترِّين بغيرِ الله، ويلٌ للمغْترِّين بالفَانِيات، ويلٌ للمُجْتَرِئين على الله جل جلاله وتعالى في عُلاه.
ألا إنَّ المُلكَ لله، ألا إنَّ القُوَّة لله، ألا إنَّ العَظَمةَ لله، يا رب وطِّن هذه القلوبَ على حقيقةِ تَهليلِك، وعلى حقيقةِ تكبيرِك، وعلى حقيقةِ تسبيحِك، على حقيقةِ تحميدِك وتمجيدِك وإجلالِك يا الله، نسألُكَ أنْ نَبيتَ وأنتَ تَعلَمُ مِن كلِّ قلبٍ مِنَّا حقيقةَ: سبحانَ الله والحمدُ لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم، اللهم اجعل حقائقَها في قلوبِنا، واجعل قلوبَنا تَبيتُ وأنتَ تَعلَمُ ذلك فيها، يا الله، يا الله، يا الله.
وبِعَجْزِنا سألناكَ؛ قلنا: اعطِنا إياها واعلمَها فِينا؛ لأنه لا قوَّةَ لنا مِن غيرِك، ولا قُدرَة لنا بِسواك، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بِك، اعطِنا إياها ونَبيتُ وتَعلمُها فينا، تعلمُها في قلوبِنا يا رب، مِن عندك اعطِنا إياها، ونَبيت وتعلمها في قلوبنا، لكن مِن عندك؛ بِك، لا بنِا، يا ربنا.. يا ربَّنا.. يا ربَّنا أنتَ ترحمُ العِباد، وفي كلِّ زمَن تُفِيضُ مِن نور: سبحانَ الله والحمدُ لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر، أحَب الكلام في قلوبٍ عبادٍ لك، فيَخرُجون مِن عالَم الغِش، وعالمِ الخيال، وعالمِ الوَهْم، إلى عالمِ الحقيقة، إلى عالمِ القُربِ مِن حضرتِك.
يا رب .. يا رب قلوبنا مُحتاجَة، مُضطرَّة إلى هذا الفَيْض مِن فضلك، حقِّقها بحقائق: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، حتى نَبيتَ وأنتَ تعلَم في قلوبنا حقيقةَ: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، ووهبتَ ذلك بأنوارٍ بإرادتِك العَلِيَّة برَزَت في ذاتِ حبيبِك محمد، فنسألُكَ بِمَحَبَّتِك له، ومحبَّتِه لكَ أنْ تُكرِمَنا بهذه الأنوار، وتجعلَ لها سِرَاية في قلبِ كلِّ حاضرٍ ومُستمع، آمين.. ومَن سيسمَع وأولادهم وأهاليهم، وقراباتهم، وجيرانهم، وأصحابهم، آمين.. آمين.. آمين
يَحْلُو لنا أنْ ندعوَك، ويَحلُو لنا أنْ نسألَك، ويَحلُو لنا أنْ نطلُبَك، وهو الدعاء والطَّلبَ والسُّؤال وحلاوتُه مِنكَ، وإليكَ، والإجابةُ مِنكَ وإليكَ، والعبدُ مِنكَ وإليكَ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بِك، ولا مَلْجَأ ولا مَنْجى مِنكَ إلا إليك، فأقْبِل على هذه القلوبِ يا ربَّ العالمين لِتُقْبِلَ عليك، فأقْبِل على هذه القلوبِ يا رب العالمين لِتُقْبِلَ عليك، فأقْبِل على هذه القلوبِ يا ربَّ العالمين لِتُقْبِلَ عليك، فَترحمَها فَتُنَقِّيَها فَتَصِير سَلِيمَة، تَلْقاكَ يومَ الأهْوالِ العَظِيمةِ وهي سَليمَة، فلا يُخزى أحدٌ مِن أصحابِها، ولا تُخزِنا يوم يُبْعَثون، يومَ لا يَنفعُ مالٌ ولا بَنُون، إلا مَن أتى الله بِقَلبٍ سليم، يومَ يقولُ الألوفُ والملايين، اسمع والله بل ملايين الملايين، يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ}، أنت يا رئيس، أنت يا مسئول ، أنت يا قائد {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ}، والله سَتُسْمَع ما هو مِن ألُوف، مِن ملايين، مِن ملايين الملايين، كلُّ واحد منهم يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ }، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ}، فهل ينْفَعُه هذا النَّدمُ وهذا الاعترافُ الآن؟!، بل يُنادى عليه: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ}، ما السَّبب؟؛ قال الُمدَّة القصيرة اغْتَرَّ فيها وكذَّب بِنا وبآياتِنا ورُسلنا وما بَعَثْنا به إليه مِن الخير وأعْرَض عنَّا، وراح وراء شهوتِه ونفسِه وأصحابه مِن الفاسقين: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ}، ما أحد معه ينفعه، ما عاد شي صداقة، ما عاد شي علاقة، ما عاد شي اتفاقية، ما عاد شي وثائق، روَّحَت!، { فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ}، ما هذا الخبر يا رب؟ {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ* وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ} هذا الخبر {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}، وإلا أين المصدر؟؛ {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}.
يقولُ اللهُ ولو جاء واحِد يَدَّعِي لكم: أنا رسوله.. وأنا حبيبه.. وأُرْسِلْت إليكم.. كذَّاب.. هل نتركه يكذب علينا؟!، {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}، ومَن يَحْجُزه منكم؟!، مَن يَقْدِر يُسلِّمه مِنكم، مَن يقدر يحرُسُه مِننَّا؟! { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}، لكنه مَكِينٌ عند ذي العرش، لكنه صادِق، لكنه محبوبُ الخالق، لكنه خيرُ الخلائق، لكنه ما ينطقُ عن الهوى فهو خيرُ ناطق صلى الله عليه وصحبه وسلم.
{وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ} تأخذُهم أهواؤهم، تأخذُهم نفوسُهم، يذهبون يَمْنَة ويَسْرَة، الحُجَج أمامَهم ما يخضعون {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ}، وهذا الأمر كلُّه: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}، سبحان ربنا العظيم وبحمده.
يا رب اجعل هذه القلوبَ مُسَبِّحَة، ربنا نَبِيتُ الليلة وقلوبُنا وقلوبُ جميعِ الحاضرين والسَّامعين مَشْحُونة بِنُور: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، وإذا شَحَن قلبَك بهذا النورِ يا ما أعظمَ فوزَك، ويا ما أهناك هنا وهناك، ولكن هذا الشَّحَن ما يجي مِن مكان إلا مِن عندِه، من عندِه يصْطَفِي له قلوباً جل جلاله وتعالى في علاه.
وإذا سَبَّحتَ باسمِ ربِّك العظيم جلَّ جلاله فَقدَّسْتَهُ قَدَّسَك ونَزَّهَك عن شَوائِبَك، وعَن مَعايبَك، وعن سوءاتك، وعن سيئاتك، وعن قَبائحك، وعن أخْطَالك، وعن زَلَلِك، وعن سُوئك، وعن ظُلْمَتِك، يُصَفِّيك ويُقدِّسُك سبحانه وتعالى كما سبَّحْتَهُ جل جلاله، سبِّح باسمِ ربِّك العظيم، وإذا صفَّاك اصْطَفَاك، وإذا اصْطَفَاك صَافَاك، وإذا صافَاكَ فأيُّ لذَّةٍ أعلى مِن مُصَافاةِ ربِّ العرشِ العظيمِ جل جلاله وتعالى في علاه، أكْرِمْنا والحاضرين والسَّامعين، وأصْلِح شئونَنا والمسلمين، اجعلها اللهمَّ ساعةَ إجابة، واجعل الدعواتِ مُستجابَة، وارزقنا حُسنَ الإنابة، وكريمَ الاستجابة، وثَبِّتنا على القَدَم، واربطنا بالحبيبِ الأعظم، وأدْخِلنا دائرةَ النبيِّ الأكرم، شرِّف عيونَنا بالنظرِ إلى طلعتِه الأغَر، ووجهه الأكْمَل.
اللهم نوِّرنا بنورِه، واجعلنا مِن أهلِ حضورِه، وارزقنا حُسنَ المتابعةِ لآثارِه، واملأ قلوبنَا بأنوارِه، واجعل سِرَّه فيها سَارِياً، وكلٌّ مِنَّا لما تُحِبُّ ويُحِبُّ نَاوِياً، وللخيرِ حاوياً، اللهمَّ ونزِّهنا عن معايِبنا وشوائبنا ومثالِبنا ومَعاطِبنا وظُلماتنا وأوهامِنا وخيالاتِنا وذنوبنا وسيِّئاتِنا ومعاصينا وسوء أدَبِنا، وغَفْلَتِنا، وإعراضِنا عنك، وإيثارِنا ما سِوَاك عليك، طَهِّرنا مِن كلِّ ذلك يا كريم، وعامِلنا بالفَضْل يا ذا الفضل العظيم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
يا ربَّنا قلتَ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }، وقلت: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، فاجعلنا منهم فَنَلْحَق بهم، اجعلنا منهم فنلحق بهم، اجعلنا منهم فنلحق بهم، {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}، وأرْجَعْتَ الأمرَ كلَّه إليكَ فآمنَّا، ونحن رجَعنا إليكَ وطرَقنا بابَك، وقلنا: اعطِنا يا رب، وقلنا: اقْبَلنا يا رب، قُلتَ: {ذَلِكَ فَضْلُ الله}، نَعَم وعِزَّتِك الفْضل فضْلُك، ولا مُتَفَضِّل إلا أنْت، والخير كله بيدِك، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }.
أما مَن جاءتْهُ الآيات والبَيِّنات، ومَن أخَذ نَصيبُه مِن هذا العِلم بالشريعة والدِّين ثم بدَّل وحرَّف وآثر هوَاه: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }، نعوذُ بالله مِن الظُّلمِ وأهلِ الظُّلم، اللهم انظُر إلينا، اللهم أقْبِل بِوَجهِك الكريم علينا، يا ربَّنا اشْحَن قلوبَنا بحقائقِ أسرارِ معاني حَقِّ: سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم، وحَقِّقنا بِحَقائِقها، واجعلنا مِن خَوَاصِّ أهلِها السالكَين حَمِيد طَرَائقِها، والظَّافِرين بِرَقائِها، اللهم ارفَعنا في منازِلِ أهلِها، واسْقِنا اللهمَّ مِن صَيِّبِ سَيْلِها، واجعلنا اللهمَّ مِن الُمتلقِّين لهاطلِ وَبْلِها، اللهم اكشِف لنا عن أسرارِها، واغمُرنا بأنوارِها، وارزُقنا التَّحقُّقَ بها ظاهِراً وباطِناً يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
واقْبَلنا على ما فِينا، وأَقْبل بوجهِك الكريم علينا، وصلِّ وسلِّم على مَن بعثْتَهُ بالرِّحمة، وجعلتَنا به خيرَ أمة، وفتحتَ لنا به بابَ النِّعمَة، إمامِنا في كلِّ مُهِمَّة، عبدِك المصطفى، حبيبِك المجتبى، شفيعِك الْمبْتَغى، سَيِّد أهل الأرض وسيِّد أهل السماء، صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، عدد ما عَلِمْتَ وَزِنَة ما علمتَ، ومِلءَ ما علمتَ، في كلِّ لمحةٍ ونفسٍ عددَ خلقِكَ ورضا نفسِك وزنةَ عرشِك، ومِدادَ كلماتِك، كلُّ صلاةٍ مِن تِلك تَقْبَلُنا بها وتُجيبُ دعاءنا، وتُحقِّق رجاءَنا، وتجمَعنا تحتَ لوائه، وتُثبِتْنا في رُفقَائه، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
17 جمادى الآخر 1440