شرف عرض الرحمن لعباده وخسة عروض المفسدين والكافرين والنتائج الكبرى لكل منها وخصوصية تجارة الأبد
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 19 محرم 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
شرف عرض الرحمن لعباده وخسَّة عروض المفسدين والكافرين والنتائج الكبرى لكل منها وخصوصية تجارة الأبد
نص المحاضرة:
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ لله مُختَارِ حبيبِه للبلاغِ عنه، وجاعل دائرةِ البلاغِ لمَن بلَّغَ قبلَه أو بعده مربوطةً به ومُتَفَرِّعَة منه، اللهم أدِم صلواتِك على السراجِ المنير، والبشير النذير، مَن به هديتَ وتَهدِي، ونَوَّرتَ وتُنَوِّر، وطَهَّرتَ وتُطَهِّر، وأصلحتَ وتُصلِح، وأنعمتَ وتُنعِم، وقرَّبتَ وتُقَرِّب، ووهبتَ وتَهَب، وتفضَّلت وتتفضَّل، سبحانكَ مِن إلهٍ، لا إله إلا أنت وحدك، مَيَّزتَ محمدًا فتميَّز، وأعززتَه فلم يوجدْ قبلَه ولا بعدَه منه أعز.. صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، وعلى أصحابه وعلى مَن تبعَهم بإحسان، وعلى مَن جعلتَهم مقدِّمةً له مِن النبيِّين والمرسلين مِن آدمَ إلى عيسى بن مريم، وعلى آلِهم وأصحابِهم وتابعِيهم خيرتِك مِن هذه البريَّة، وسِواهم مِن كُلِّ مَن بلغَتهم دعوتُك فأعرضَ عنها {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وفي آخرتِهم يندمون.. أولئك {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}
{وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
مِن فضلِ اللهِ تبارك وتعالى ترونَ تجاوبَ أصداءِ وجهاتِ القلوبِ وخفقانِها إلى الوجهةِ إلى علَّامِ الغيوب، وآثارِ ما كان مِن انتشارِ أنوارِ حبيبِ الله المحبوب، ووجدتُم الأقطارَ تتحدَّثُ، ومن خاصَّةِ ما تسمعون ما بينَ الشام واليمن حيث صدرَت مِن حضرةِ النبوَّة الدعوةُ بالبركة.. فهل صدرتَ عبَثَاً؟ وعِزَّةِ اللهِ ما كانت عَبَثا، وهل صدرَت صدفةً؟ والله ما كانت صدفة، وهل صَدَرَت كلمةً تذهب؟ لا؛ ولكن كلمةٌ تَتَأَبَّد، وكلمةٌ يتفرَّدُ بها مَن يتفَرَّد.
وقُلنا في أول ما هبَّت آثارُ هذه الفتنِ الدائرةِ في العالم.. وقُصِدَت الشام وقُصِدَ اليمنُ إنهم سيذهبون في شؤونِ طغيانِهم إلى مذاهبَ، وسيأتي وقتٌ يكون الشام واليمن مصدرَ الأمن والطمأنينة ومرجعَ أهلِ الشرق وأهل الغرب، والنَّبأ مرتبطٌ بأكرمِ مَن أنبأ ومَن جاءنا عن الله بأعظمِ نبأ {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} و: (يقضي اللهُ على لسانِ رسولِه ما يشاء) وهو الذي يرثُ الأرضَ ومَن عليها، جَلَّ جلاله.
وقبل ما سمعتم مِن شأن الساعةِ التي تأتي بغتةً كلَمحِ البصرِ أو هي أقرب.. مرورُ هذه الأحداث، ومرورُ هذه الأماراتِ للساعة، ومرور هذا الأمر الذي رُسِم وبُيِّن وكُتِب ونُظِّم ورُتِّب من قِبَل حكيمٍ خبيرٍ عليمٍ قديرٍ سميعٍ بصيرٍ لطيفٍ خبيرٍ عليمٍ قديرٍ عليٍّ كبيرٍ .. "الله" "الله"
قرَّبنا وإياكم إليه، نظرَ إلينا نظرَ رضوانٍ لا سخطَ بعدَه أبدا، هيَّأنا سبحانه وتعالى لمعرفتِه والدخول في أحبَّتِهِ ومرافقةِ خيرِ بريته. أَنعِم علينا بهذه المِننِ الكبرى يا أكرمَ الأكرمين، يا أرحم الراحمين.
وبارِك لنا في النِّيَّاتِ والمقاصدِ والوِجهات، واجعلها منظورةً منك بعينِ القبول والعنايةِ والتأييدات، حتى نُدرِكَ آثارَ نصرتِك لرسولِك فينا، ونصرتِك لرسولِك في أهالينا وأولادِنا، ونصرتِك لرسولِك في زمنِنا وأهلِ زمننا، ونصرتِك لرسولِك في الأمة، ونصرتِك لرسولِك في بهجةِ بهاءِ هيئةِ حقيقةِ: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} وإن أبدَوا كل ما في قُواهم ووِسعِهم ليُخَلِّفوا ذلك فما يتخلَّف {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} جَلَّ جلاله وتعالى في علاه
يقول سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} بعد بشارةِ سيدِنا عيسى آخرَ الأنبياء قبلَ نبيِّنا محمد {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ} فكلُّ مَن وصلت إليه دعوةُ الإسلام فهو مفتَرٍ الكذب، هو صانعُ الأكاذيبِ والتلبيسات والتدليسات بأصنافِها.. كذَّابين ما عندَهم غير الكذب {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ} افترَوا على الله الكذب أنكروا وجودَه، افتروا على الله الكذب أنكروا رسوله، افتكروا على الله الكذب قالوا شريعته ما تصلح للزمان، افتروا على الله الكذب قالوا ما في شريعته غناء اقتصادي.. أنواع الكذب أنواع التَّلَابِيس، افتروا على الله كذب قالوا أن شريعته تمنعُ الحرية وتُخرِج الناسَ عن حرياتهم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
فإيش إذن ملامحُ أنظارِهم وغايةُ ما يقصدون؟ إن عملوا مصانع، وإن عملوا أسلحة، وإن عملوا أجهزة، وإن عملوا مشاريع، وإن عملوا صناعة التي تَوَّصَلُوا إليها في عصركم الحديث وتقدمهم صناعة الفيروسات هذه.. صناعة فيروسات وبَثَّها.. انتهوا إلى هذا تقدُّمَاً وتطوّراً! يصنعون الفيروسات ويبثونها.. ايش يريدون؟ ما يريدون من كُلِّ ذلك؟ {وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} فإراداتُهم تضمَحلُّ وتتضاءل وتتلاشَى إذا جاءت إرادةُ الكبير {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ} محمد ما جاء مِن فكرِ من أحدٍ منكم ولا جاء صنيعةَ تَقَدُّم مِن أحدٍ منكم ولا عمل تعملونه؛ من عندي جاء قال الله.. من فوق{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}
فَيَا مَن آمَن: هذا مشروعُ التجارة الكبرى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ..} -اللهم اجعلنا كذلك واسلُك بنا في تلك المسالك، وحقِّقنا بتلك الحقائقِ مع خيارِ الخلائق، نؤمنُ بكَ وبرسولك ونجاهدُ في سبيلِك بأموالِنا وأنفسنا {..ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} والنتائج؟ افسح ملفاتِها تجِدها عظيمة: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ..} -وفي الدنيا أيضا- {وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} هذه التي تعلقت بها قلوبكم، لكن التي بعدَها هي الأكبر، حتى قال بعضُهم: إنَّ الحقَّ عاتبَ العبادَ في تعلُّقِهم بهذه الأشياء في الدنيا.. قال: { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا...} تتشوَّفون إليها؛ لكن هذا الذي بشَّرتُكم به أكبر {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ..} والخلاصة أولا وآخرا هنا وهناك: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
وأكَّدَ الحقُّ علينا بعد البيان الواضح الصريح.. قال أنا أرسلت عيسى قبل، قال مَن أنصاري إلى الله وقالوا نحن أنصار الله وأنتم يا أمة محمد انتبهوا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ..} ما عاد قالوا نحن أنصارك يا عيسى؛ تو لمَّا عرفوا سِرَّ الاتصال بعيسى أنه سر بفوق قالوا {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} وكانَ {..فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}.
وهكذا.. وإذا كان كذلك في من قبلكم فمَن آمن منكم وكفر أنؤخر تأييدَنا للمؤمنين مِن أمة محمد!؟ طائفة مِن بني إسرائيل آمنَت وأيَّدناهم، وطوائف أمة محمد إذا آمنوا ألا نؤيدهم! كيف ما نؤيدهم! {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} في سِرِّ: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ولكن {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} اللهم حقِّقنا بذلك.
قال تعالى في الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ..} يقول الله (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) سر التقوى قال لك اتَّصل بالأتقى {..وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} إذا جاءوا بالخِططِ التي تتوِّه الناس أخذنا بأيديكم إلى خيرِ أساس {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وايش هذه المجرَيات؟ قال: {لِّئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
يا ذا الفضل العظيم هَبْ لنا الفضلَ العظيم، واجعلنا مِن أهل الحظِّ العظيم، وتفضَّل علينا بفضلِك العظيم، يا عظيم.. يا عظيم.. يا عظيم..
يا الله: انظر إلى الحاضرين والسامعين فلا تدع منَّا واحدًا ولا ممَّن في بيوتِنا مِن ذكرٍ وأنثى إلا جعلتَه ممَّن آمنَ بِك وبرسولك وجاهدَ في سبيلِك بمالِه ونفسِه، يا الله: لا يخرج أحدٌ مِنَّا ومنهم مِن الدنيا إلا وقد تحقَّقَ بحقائقِ الإيمان بك وبرسولك وجاهَد بمالِه ونفسِه في سبيلِك يا الله؛ فرَبِحَ التجارةَ التي تُنجِي مِن العذاب الأليم.. ونِعمَ التجارة، إشارة إلى ملفَّاتِها وبرنامجها وتوثيقاتِها في آية: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} أتثقون بمؤسسات أو حكومات أو بهيئات أو شركات؟ فوق ربكم!؟ هو أوثق {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} وكم ممَّن وثقوا بالحكومات وانقلَبت عليهم أو انقلبوا عليها، وكم ممَّن وثقوا بالمؤسسات وانهارت وانهاروا معها، كم ممَّن وثقوا بالشركات وفلَّست وفلَّسوا معها.. لكن {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
سمعت آذانُ الصحابة الآيةَ قالوا: ربحَ البيع لا نَقيل ولا نستقيل، خلاص هو ذا هو .. هو ذا هو، ولكن وصفهم كما وصف.. شوف وصف العضوية للداخلين في هذه التجارة الكبرى الأبدية، يتبجحون بهذه التجارة العالمية حقهم.. يسمونها التجارة العالمية، هذه تجارة أبدية.. تعرف أبدية؟ أبدية سرمدية، هذه التجارة الكبيرة، بنود أوصافِ الداخلين فيها: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} تجيب التسعة بنود.. عضو مقبول ادخل في التجارة الأبدية.. تعرف الأبدية؟ أبدية أبدية أبدية؛ تجارة أعظمُ ربحِها يظهر عند الغرغرة.. يبدأ ظهورُ أعظم ربحِها عند الغرغرة، في البرزخ، عند النَّفخ في الصور النفخة الثانية، مواقف القيامة، وسط دار الكرامة؛ ربح ربح ربح وأبدي سرمدي فيما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر..
فماذا يعرض علينا هؤلاء وهؤلاء!؟ إبليس وجندُه مِن الإنس والجن؟ أخذوا العقول أخذوا الأفكار أخذوا الأعمار أخذوا الشبابَ أخذوا الشابَّات! أغروهم بترَّهات ببطالات بشهوات مُنقضيات زائلات فانيات! وسيَّبوا عليهم المُلكَ الأكبر! هذا عرضُ الحق، هذا عرضُ ربِّ العرش! هذه عروض مُكوِّنِ السماواتِ والأرض على ألسنِ وأيدي رُسلِه وصلت إلينا.. فكيف يقطعُنا عنها عرضُ هؤلاء!؟ وماذا يعرضون؟ وماذا في أيديهم!؟
وهكذا وهكذا.. قبل أن يُشرِقَ نورُ الإيمان في قلوبِ سحرةِ فرعون كانوا مُتَزَلِّفين إليه ويعظِّمون ملكَه وما عنده {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أشرق الإيمان في قلوبِهم وأدركوا الحقيقة! {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ} زمجرة المُلك ، قال { لَن نُّؤْثِرَكَ } كيف لن نؤثرك وأنتم كنتم متزلِّفين إليه ومتذلِّلين مستعبدين؟ انتهى هذا، صاروا عبيداً لله! فتخلَّصوا مِن عبوديةِ فرعون وغيره {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا -خلقنا-ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ..} كيف فاقضِ ما أنت قاض؟ أما كنتم تهابُونَه وتفزعون منه؟ الآن يتحدَّونه {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} وسنُريك نحن تحليلَنا لقضائك {إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} جزء مِن الأرض في وقتٍ مِن الأوقات تتحكمُ فيه في جانب من الجوانب.. بس؛ الحكم لغيرِك ليس لك أنت {إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} وأنتم المشروع حقكم ما هو؟ {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ..} والنتيجة والخلاصة: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}
{وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} لأنَّ الغاية والمستقبل الأكبر لكل مكلَّف آمنَ أو كفَر {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ}
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها وزَكِّها أنت خيرُ مَن زَكَّاها أنت وليها ومولاها، يا الله
اجعل قلوب الحاضرين والسامعين ملبِّيةً مستجيبةً لندائك، مؤمنةً موقنةً بأنبائك، معظِّمَةً محبةً متَّبِعةً لأنبيائك، يا الله.. يا الله..
ارزقنا حسنَ التلبيةِ للنداء، والثباتَ على سبيلِ الهدى، وأصلِح ما خَفِيَ وما بدا، وتولَّنا بما أنت أهله ههنا وغَدا، واكفِنا شرورَ جميع العِدَا، يا حيُّ يا قيُّوم يا الله
يسمعكم وينظر إليكم وهو أقربُ إلى كلٍّ من حبل الوريد فقولوا: يا الله
وآثارُها عليكم مُقبلة، وخيراتُها لكم مَخبوءة، قولوا: " يا الله "، ملتَجئين إليه، متذلِّلين بين يديه، خاضعِين لجلاله، موقنين بعظمتِه وكبريائه، وأنه الواحدُ الأحد الفرد الصمد الإله الحق
يا الله
فِرُّوا إليه من أنفسكم وقولوا: يا اللــــــــه، فِرُّوا إليه من كل شيء وقولوا: يا اللـــــــه؛ فقد ناداكم على لسانِ خاتمِ أنبيائه ورُسله وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}، نشهدُ أنه النذيرُ المبينُ عبدُك الأمين محمدٌ فَبِحَقِّه إليك اجعلنا ممَّن صَحَّ فِرارُهم إليك فسَلِمُوا مِن كُلِّ عبودية لسِواك والتفاتٍ إلى ما عداك، يا مَلِكَ الأملاك، يا مُجري الأفلاك يا حيُّ يا قيُّوم يا الله..
مِن قلوبِكم وألسنتِكم بحلاوتها نادُوا بها الرَّبَّ المُنعِمَ وقولوا: " يا الله " أنت معبودُنا، يا الله أنت مقصودُنا فخلِّصنا مِن كُلِّ قصدٍ لسواك، يا الله أنتَ الموجودُ ولا وجودَ مستقلِّاً لشيءٍ غيرك؛ فلا موجودَ غيرك إلا ما كانَ مِن إيجادك بإيجادك على قدرِ إمدادِك، يا الله فلا تجعل لنا مشهودًا غيرك، ولا تجعلْ لنا مشهودًا سواك ولا تجعلْ لنا مشهودًا عَداك
يا الله.. يا الله..
كأسَ علمِ اليقين اسقِنا، وكأسَ عينِ اليقين اسقِنا، وكأسَ حقِّ اليقين اسقِنا. يا الله
يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين بوجاهةِ حبيبِك المَكِين وأهلِ التَّمكين..
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
19 مُحرَّم 1443