شرف الإيمان بالله ورسوله ومقتضى ومهمة المؤمنين في الحياة

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ، في عمان، الأردن، ليلة الجمعة 17 جمادى الأولى 1445هـ بعنوان:

شرف الإيمان بالله ورسوله ومقتضى ومهمة المؤمنين في الحياة

نص المحاضرة مكتوب:

الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويُميت وهو حيّ لا يموت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير..

الحمد لله جامعكم في هذا المجمع الكريم المُبارك؛ حلقة في سلسلة أمة محمد ﷺ، ثُلَّة من هذه الأمة في مصلى أهل الكساء في ليلة الجمعة الليلة الغراء تُصلّون على المصطفى محمد ﷺ وتدعون الرحمن وتسمعون من آياته وأوصاف خير بريّاته، وتتوجهون وتتضرّعون وتتذاكرون مهمّاتكم وواجباتكم على ظهر هذه الأرض التي شرّفكم الله تعالى بالاستخلاف فيها، فلكم على حسب الإيمان والعمل الصالح مراتب في هذه الخلافة العظيمة، في هذه الخلافة الكبيرة، في هذه الخلافة النبويّة المحمديّة الآدميّة الإنسانيّة، التي قال الله تبارك وتعالى عنها: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.

وأظهر الله -سبحانه وتعالى- أبانا آدم عليه السلام، وأنزله إلى هذه الأرض ليقوم بأمر الله، وليقوم بشرع الله؛ فما حَقُّ مَن يعيش من البريّة على ظهر هذه الأرض؛ إلا أن يمتثلوا أمر إلههم الذي خلق، وينتهوا عمّا نهاهم عنه، ولا حَقَّ ولا شركة لأنفسهم ولا لأهوائهم، ولا لأنفس غيرهم وأهوائهم، لا نفس الإنسان ذاته ولا نفس غيره وهواها، ولا فِكر أحدٍ من الخلق أن يُحرِّم ما أحلَّ الله أو يُحِلَّ ما حرّم الله -جل جلاله- وذلكم جحود، وذلكم خروج عن العبوديّة للواحد المعبود! -جلّ جلاله وتعالى في علاه- وذاكم تمرّدٌ عن هذه الخلافة إلى مُغالبةٍ وإلى مُخالفةٍ لأمر الجبّار الذي خلق -جل جلاله وتعالى في علاه-!

ألا وإنَّ جميع ما أُعِدَّ بعد هذه الحياة من النّعيم؛ إنما أُعِدَّ للرُّسلِ وأتباعهم، للذين آمنوا بالله ورُسُله كما قال -جل جلاله وتعالى في علاه-: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.

يا أهل الجمع: أنتم فئة من الذين آمنوا بالله ورُسُلِه، وأنتم جماعة من الذين آمنوا بالله ورُسُله، وأنتم ثُلّة من الذين آمنوا بالله ورُسُله.. صلوات الله وسلامه عليهم، استشعروا منّة الله عليكم في هذا العطاء، وفي هذا الإفضال، وفي هذا الإحسان، وفي هذا الامتنان. وعلى ظهر الأرض كثير يكفرون بالله ويكفرون برُسله، على ظهر الأرض كثير يكذّبون بالله ويكذّبون برُسله، على ظهر الأرض كثير استُعبدوا للأهواء، للنفوس، للشّهوات، وقادهم إبليس وجنده مِن كل مَن يَعرِض بضاعة إبليس، فيجد لها مُستجيبًا من هؤلاء الرُّعاع، ومن هؤلاء الغُفّل، ومن هؤلاء الجُهَّال الذين لا عذر لهم وقد بُيِّن لهم الطريق، وقد جاءهم الوحي من الرحمن الرحيم الرفيق -جل جلاله- وقد بلَّغ الحبيب الشفيق خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه؛ فلا حقّ لأحدٍ أن يعيش على ظهر هذه الأرض جاهلًا بألوهيّة الإله الذي خلق، والآيات تدل على عظمته، ولا مُكَذِّبًا بالأنبياء والمرسلين، والمعجزات قاطعة وبرهانٌ صادق على صدقهم.. صلوات الله عليهم..

وقد أتانا خاتِمُ الرِّسالة ** بِكُلِّ ما جاؤوا به من حالة

فَعَمَّ كلَّ الخلقِ بالدَّلالة ** وأشرقت مناهِج الكمالِ

فكلُّهُ فضلاً أتى ورحمة ** وكلُّه حكمُ هُدىً وحِكمة

وهو إمام كُلِّ ذي مُهِمّة  ** وقُدوَةً في سائر الخِصالِ

بصدقه، وباجتهاده وبمنزلته عند ربِّه؛ قامت النيّات العظيمة في قلبه الشريف لدعوة العباد إلى الله، ودلالتهم على الله؛ فبَقِيَت هذه الخيرات فيكم، وقام وعُقِد هذا المجمع، وأُقيم هذا المكان بما يَتَنزّل فيه من روحانية، وبما يحضره من الأرواح، وبما يفتح الفتّاح فيه، وبما يحصل للمُقبلين وللمتوجّهين من انشراح، بل للمتابعين لكم في شرق الأرض وفي غربها، إما من طريق هذا الظاهر الذي أتاحه الله -سبحانه وتعالى- لنا في هذا الزمان الذي ضَعُفَت فيه قُوَانَا وضَعُفَت فيه هِممنا، فيشاهدونكم كثير من عباد الله في الشرق وفي الغرب بواسطة هذه الوسائل، أو بالأرواح الطاهرة النَّقِيَّة المباركة، من أهل البرازخ ومن أهل السماوات، يتّصلون بالمَجمع وما في المَجمع، وما يجود به الجامع الرحمن -سبحانه وتعالى- ببركة الذي جَمَع الخيرات فيه، وجَمَع المكارم فيه، وجَمَع الهدى فيه ﷺ..

فما أعظم منّة الله عليكم في مجيئكم إلى هذا المكان، ومنّة الذين تعلّقوا بالوجهة إلى الرحمن -جل جلاله- حيثما كانوا وفي أي مكان {ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، في مجمع لا يُشَكّ أنه فيه يقول ربُّ العرش -سبحانه وتعالى- الملِك القدّوس لملائكته: ((وله قد غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)) هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

  • نفائس خيرات المجالس:

فالحمد لله الذي أجلسكم في هذه المجالس، اغتنموا خيراتها النفائس، وما فيها مما يُزيل التلابيس والدسائس، ويوقفكم على حقيقة الصدق مع الرحمن، وعلى حقيقة الصِّلة بسيِّد الأكوان، والرابطة بهذا القرآن، والخروج مما يَبُثُّ إبليس عدو الله، ويحمله جنوده من أعداء الله من الإنس والجن من زخرف القول الغرور؛ الوحي الذي يُضَادُّ وحي الرحمن -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- واصدُقوا مع الله -جَلَّ جلاله- وتهيؤوا لحظة من مثل هذه اللحظات يَقذِفُ الله بها في قلبك نور يقين؛ به تَسعَد سعادة الأبد، وترتقي به إلى مرافقة النبي محمد ﷺ، النبي محمد ﷺ.. يشتاق إلينا قبل أن نخرج لهذا العالم (وددتُ أن لو رأينا إخواننا) ويشتاق في البرزخ ويشتاق يوم القيامة للوافدين على حوضِه المورود (فإني مُكَاثِرٌ بكم الأُمَم يوم القيامة) (فإني مُباهٍ بكم الأُمَم يوم القيامة)

  • معنى المرافقة لحبيب الرحمن ﷺ:

مَن يُسَيِّب مرافقة هذا؟ في حين أدرَك صحابته أن مرافقته خير من الجنة بمُجرّدِها، وجميع ما فيها من أنواع النعيم دون النظر إلى وجه الله الكريم لا تساوي مرافقة الحبيب الأعظم ﷺ، فلا شيء يَعدِل مرافقة المصطفى والنظر إلى وجه الله -جَلَّ جلاله-

مَن يُضيّع مرافقة هذا المصطفى!؟ من أجل منشوراتٍ نشرها أعداؤه تقضي إهمالاً لواجب من الواجبات، أو تركًا لفريضة من الفرائض، وفعلاً لشيء من المحرّمات التي حرّمها الله علينا، في وسط الديار أو خارج الديار، في مناسبات، في الزواجات أو غيرها.. تُضَيِّع ماذا من أجل هذا؟ ما هو هذا؟ ما هذا الخبث الذي مهما تزيَّن لك فهو حقير! وهو قصير! وهو آني ووقتي! تُضَيِّع مرافقة مَن!؟

يا حاضر في مثل هذا المَحْضَر: إذا لم يتعشَّق قلبك معنى المرافقة لحبيب الرحمن فأين تُوضَع أنوار هذا العشق؟ وأين يُذهب بها؟ أم الجمادات والحيوانات أخذت نصيبها على قدرها؟! وحنَّ الجذع إليه ﷺ! وسَلَّم عليه الحجر والشجر والحيوانات ﷺ! ولكن أنت أيها المؤمن نصيبك من هذا العشق؟ تمر الأيام عليك والليالي يوم بعد يوم..

أمَا تعشق المرافقة لهذا المصطفى ﷺ؟! وبعِشقها يستقر قدمك على الوفاء، وعلى الصفاء، وتخرُج من هذا الكذب والهزو الذي يُنشر علينا يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة من قِبَلِ أعداء الله تبارك وتعالى!

 كم تظاهروا بالعدل، كم تظاهروا بالحرية، كم تظاهروا بالإنسانية، كم تظاهروا بما سمّونه من مُسميات، وواقعهم في جميع الأحوال والشؤون في الحياة غير ما يُقال! كيف تغرّنا الأقوال ولا ننظر إلى واقع الأمر؟ والحياة قصيرة كلٌّ سيمر فيها، وستَلقى الرحمن -جل جلاله- على أيِّ وجه؟ على أيِّ نيّة؟ على أيِّ اعتقاد؟ على أيِّ تصوّر؟ على أيِّ إيمان؟ على أيِّ وجهة؟! {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}.

  • صدق الوجهات للرحمن:

فخذوا صدق الوجهات للرحمن من مثل هذه الساعات وما يتنزّل فيها، وما يجود الرحمن -سبحانه وتعالى- عليكم، واشملوا بها أهلكم، واشملوا بها أولادكم وذراريكم؛ لتكونوا جندًا من جنود الله -جَلَّ جلاله- وتدركون سِرّ ما قذف الله في قلوب المخلصين الموجودين في غزة، وفي فلسطين، وفي أنحاء بيت المقدس، وفيما سمّاه ﷺ بـ (أكناف بيت المقدس) الأرض التي قال الله تعالى: {الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} {بَارَكْنَا حَوْلَهُ} .. يقول -سبحانه وتعالى- في سيدنا موسى عليه السلام ومن معه بعد أن نصرهم الله -تبارك وتعالى- بعد تلكم التحدّيات- وهي القائمة الآن- كل ما يخوفكم به أعداء الله تحت معنى ما قال فرعون: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} وأمثال هذا الكلام.. ما شيء غيره، الكفر والشر كله متضمّن هذا المعنى في تحدياته للخلائق {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} كلام واضح وصريح! كلام واضح وصريح! كلام واضح وصريح!

اتقوا الله -تبارك وتعالى- وتوكلوا على الله -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- واعملوا بأمر الله وشريعته في أنفسكم، وأهليكم وأولادكم، واصدقوا معه، وادعوا لمن رزقهم الله الإخلاص ومن رزقهم الله الصدق.. من رجل من امرأة من صغير من كبير من إخواننا المسلمين في فلسطين في هذه الأيام، وكل صادق مُخلِص في شرق الأرض وغربها، تنكشف بهم الكروب إن شاء الله.. كروب فلسطين، وكروب الشام، وكروب السودان، وكروب العراق، وكروب شرق الأرض وغربها.. مُلئت كروب بتصديق الكاذبين، بتصديق الغافلين، بتصديق الكافرين، ما جاءت الكروب إلا بذلك! والله يرفع عَنَّا هذا، ويرفع عَنَّا هذا، ويَنزَع عَنَّا الذُّل الذي اقتضاه لنا ((حُبّ الدنيا وكراهيّة الموت)) ، اقتضاه لنا تصديقنا للكفار والأشرار في كل ما خالف منهج الجبَّار الأعلى وكلام رسوله المصطفى محمد ﷺ، وقولوا لهم: {..تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}، نحن ما طلبناكم تعبدوننا، ولا تعدّينا ولا نتعدّى على أحد؛ لكن اتركوا الخلائق في دينهم وفيما اهتدوا إليه، وإن لم تؤمنوا ولم تُسلموا لا تظلموا! لا تنهبوا ثروات الناس! لا تتعالوا ! لا تكذبوا ! لا تغشوا ! لا تخدعوا ! هل تحوَّلت هذه المفاسد والخبائث إلى قِيَم تقوم عليها دولكم وحضاراتكم!؟ وتغشّون كثير من الناس على ظهر الأرض!

يا عباد الله! ما جاءكم رسول الله إلا بالخير وبالهدى، وبالدلالة على التقوى، وبالدلالة على ما ينفعكم! يقول: من لم يؤمن فيبتعد عن الإضرار، وعن الإيذاء، وعن إكراه الناس على الدين، ولا شيء عليه، من خلالِ تَصَرُفِنا أو ما يدخل في دائرة قُدْرَتِنا؛ وإنما الرَّبُ هوَ يَرْجِعْ إليه ويحاسبهُ! {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} ربكم ذو رحمة واسعة يتوب على مَن يتوب وكل مَن آب إليه وأناب.

نغبط هذه الأيام بواسطة هؤلاء الثابتين في غزة يتضاعف عدد المسلمين في الأرض، وكثير الآن يدرسون القرآن بسببهم! هنيئًا لهم! كانوا سبب للفت أنظار أهل الأرض إلى كلام ربِّ الأرض والسماء -جَلَّ جلاله- من خلال ما شاهدوه ومن خلال ما رأوه! وهكذا.. يجعلها الله -سبحانه وتعالى- أسباب، و: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} والله يُظهر نور الحق.

لا والله.. لا في هذا الدين ظلم لأحد، ولا اعتداء على أحد، ولا أخذ لمال أحد، ولا لعِرض أحد، ولا استحلال لدم أحد! إلا المعتدي، إلا الصائل {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} الظالم، المعتدي، القاطع للطريق، الذي يأخذ أرض خلق الله، ويأخذ ديار خلق الله، ويكسِّر الدِّيار، ويكَسِّر المساجد.. هذا، هل يُقَرّ على مثل هذا؟! ومن يُقِرُّه عليه؟! صغير أو كبير؟! ذكر أو أنثى؟! مسلم أو كافر؟! من كل عاقل من المؤمنين؟!

 

  • ما جاءتنا شرائع الله إلا بالسّلام:

ما جاءتنا شرائع الله إلا بالسّلام، وإلا بحقائق الإسلام لله -تبارك وتعالى- والمسلم لربه -جل جلاله- مأمون على عِرضك، مأمون على مالك، مأمون على نفسك أكثر مما تأمن نفسك أو مَن تَثِق به من غير من لا يؤمن بهذا الإله! مَن تمكّن الإيمان بالله في قلبه هو أأمَنْ عليك من كل أحد! أأمَنْ حيث أنّه يخاف جبار أعلى، يخاف عالم السر وأخفَى، يخاف مَن يوقن أن مرجعه إليه ومصيره إليه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

  • ما قام به رسول الله ﷺ من جهاد:

وما سار ركب الأنبياء وأتباعهم، وما قام رسول الله ﷺ محمد به من جهاد، وما قام به من بعده من أتباعه في أمته من أهل الصدق ومن أهل الإخلاص.. لا هذه الحروب التي رأيناها بين المسلمين! يَقتُل بعضهم بعضًا، ويؤذي بعضهم بعضًا، ويعتدي بعضهم على مكان بعض، وعلى مال بعض! ويقولون: هؤلاء مجاهدين وهؤلاء مجاهدين! وهؤلاء مجاهدين! جهاد هذا بأيِّ وجهٍ من الوُجوه؟! كيف يكون جهاد! في أمور بيَّنها صاحب الشريعة: (إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار)! غير المحاربين من الكفار وغير البُغاة على الإمام. إذا قام أمر الإمام على وجهه كيف يُقتل؟! كيف يُقاتَل؟! بأي وجهٍ من الوجوه؟!

  • معاداة محمد ﷺ؛ معادة لله -جَلَّ جلاله:

ولكن هذا الاعتداء! وهذا الظُّلم! وهذا من سَنَة؟! كم وهم يأتون بأُناس من خارج الأرض من مختلف أقطار الأرض؟! تعالوا إلى هذه الأرض أرضكم! يا أهل الأرض أخرجوا واحد بعد الثاني.. ما هي أرضكم!! كيف هذا؟! كيف هذا؟! وكيف يتم هذا؟! وفوقه قصف! وفوقه أذى! وفوقه اعتداء! ولو كان لهم ما أرادوا لكان ما عاد أبقوا مسلم على ظهر الأرض-فضلًا عن فلسطين- ؛ ولكن يقهرهم الله ويخذلهم الله.. يُعادون مَن؟! أ محمد فرد من الأفراد؟ كبشر من البشر لا خصائص له؟! لا! 

محمد حبيب الله، محمد خاتم رسل الله، محمد محل نظر الله، محمد المُقرّب عند الله، محمد سيِّد أهل السماء والأرض، معاداته معادة لله -جَلَّ جلاله- معادة للجبار الأعلى.. مَن يقدر على هذا العداء؟ يغرون أنفسهم.. يغوون أنفسهم.. وسيجنونها حسرات في الدنيا وفي الآخرة، من قريب أو من بعيد، ومهما عملوا ومهما قتلوا. كم قتل فرعون من بني إسرائيل؟ كم قتل فرعون من بني إسرائيل؟! والمؤمنون من بني إسرائيل الذين آمنوا بسيدنا موسى، هنيئًا لهم ثم هنيئًا لهم، ومن يمشي على قدم موسى؛ ولكن والله نحن أحق بموسى منهم (نحن أحقُّ بموسى منهم) أين هم مِنْ موسى؟ وأين هم مِنْ توراة موسى؟! في توراة مَنْ؟! في توراة موسى العدوان؟! في توراة موسى احتلال أراضي الخلق؟! في توراة موسى احتقار الناس؟!

وعِزة الله آمنَّا بالتوراة التي نزلت على موسى حرفًا حرفًا، من أولها إلى آخرها، كما أمرنا نبينا محمد ﷺ، آمنّا بالإنجيل الذي نزل على سيّدنا عيسى حرفًا حرفًا من أوله إلى آخره كما أمرنا نبيّنا محمد ﷺ، وكفرنا بما حرّفوا، وكفرنا بما كذَبوا، وكفرنا بما افتَرَوا على الله في التوراة وفي الإنجيل! صدَّقنا بالتّوراة، وصدَّقنا بالإنجيل، وصدَّقنا بالزّبور، وآمنا بكل كتابٍ أنزله الله، وبكل رسول أرسله الله، هم أهل الحق وأهل الصدق. والله يجعلنا من أتباعهم حقيقة، نكون من أتباع المرسلين {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

  • طَلِّقُوا العقود الباطلة:

فطَلِّقُوا هذه العُقُود الباطلة، عقَدُوا عليكم شيء في مظاهر الثقافة، وشيء في مظاهر الأزياء، وشيء في مظاهر الاقتصاد.. مخالف للشريعة ارفضوه! طلِّقُوه! ابعدوا عنه! محمد أولى بالاتباع، محمد حبيب ربكم! محمد شفيعكم في القيامة! محمد المُنقِذ لكم! محمد المأمون من قِبَل ربِّ السماء والأرض! كيف ما نملأ قلوبنا وقلوب أهلينا وأولادنا بمحبته، وبذكره، وبالصلاة عليه، وبتطبيق شريعته! أهملنا شريعته، أهملنا سُنّته! في أنفسنا، وفي أهلينا، وفي مناسباتنا، وفي أزيائنا، وفي معاملاتنا، وفي اقتصادنا، وفي صناعاتنا!

  • مقدار ما يُصيب الناس من ذِلَّة فهو بمقدار ما بعُدوا عن الدين:

أهملنا سُنته، أهملنا شريعته.. نرجع إليها والله ناصرنا {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}

أمَّا مقدار ما يُصيب الناس من ذِلَّة فهو بمقدار ما بعُدوا عن الدين.. لا أقل ولا أكثر، بمقدار ما بعدوا عن الدين.. يكونون حُكَّام ولا محكومين.. مَن بعُد منهم عن الدين فله ذِلَّة بقدر بعده عن الدين، قال ﷺ: (وسلّط الله عليهم ذُلًا لا ينزعه منهم حتى ترجعوا إلى دينكم) إذا رجعوا إلى الدين {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} وهي كذلك وإن تشوّشت في وحي إبليس وزخرف القول..

  • الأَعِزَّة على ظهر الأرض:

أنا أعتقد وأوقن وأثق أنَّ الأَعِزَّة على ظهر الأرض أصفى الخلق قلوبًا وأكثرهم صِلة بالجبار الأعلى، لا دول ولا شعوب، ولا هيئات، ولا أفراد ولا جماعات، والله الأعزّ اليوم والآن والساعة على ظهر الأرض هؤلاء الأصفياء المُتّصِلون بالله -تبارك وتعالى- تَغطَّت هذه الحقيقة وستظهر، تغطَّت على كثير ممّن صدّقوا أن العِزّة في أسلحة الدمار الشامل ولا في القنابل النووية! .. عِزّة في هذه؟ لو فيها عِزَّة ما أعطاها الله كافر (لو كانتِ الدُّنيا تَزِنُ عندَ الله جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى الكافرَ منها شربة ماء) لكن الناس ما عرفوا العِزَّة إلا تربُّع على كراسي كفر وظلم مدّة معينة من الزمان وسلطة على الناس! هي هذه التي عدّوها عِزة! والله ما هذه عِزة! هذا مفهوم باطل، مفهوم خاطئ، ما له أساس في الدين ولا في الحق ولا في العقل حتى! إذا اُستُعمِل العقل في وجهه واُستعمل على حاله! {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} ، وهكذا على مدى.. من أيام سيدنا آدم إلى اليوم، هذا الأخبل قابيل ظنّ أن العِزّة في أن يتسلط على أخوه وأنه بيصل إلى مراده.. مراده الدّنيوي ما حصَّله هو في الدنيا، مراده الذي حمله على أن يسفك دم أخيه ما حصّله، لا والله ما حصَّله! ولا قدر يتزوج على توأمه الذي خرجت معه وحسد هابيل عليها ولا قدر أن يُنزِل مقامة هابيل لا عند الله ولا عند أبيه آدم ولا عند أمه حواء ولا عند بقية إخوانه، بل والأجيال الآتية إلى يوم القيامة هابيل هذا الذي قتله مرفوع القدر، والقيامة مُقبلة، وتعال يا سافك دم هابيل تعال .. وعليك من الإثم مثل كل نفس قُتلت ظلمًا إلى يوم القيامة .. يا ويله!! ظنَّ العِزّة في هذا فعَدِم العِزة من أصلها ونال من الذّل والمهانة ما لا يوصف! وكل من خالف الله كذلك يا إخواني، كل من خالف الله كذلك يا أحبابي..

  • المجالس وما فيها من اتصال بالعزيز:

اغنموا فضل هذه المجالس وما فيها من اتصال بالعزيز، الذي يُعز من يشاء ويُذل من يشاء، ولا مُذِلّ لمن أعزّه ولا مُعِزّ لمن أذلّه {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} وإن كتبوا في الصحف، وإن نشروا في الإنترنت؛ ما له عز من أذله الله، ما له مكرم، ولن يُكرم، ولن يكون كريمًا على وجه الحقيقة قط قط، ولو سجد له من بني آدم.. ما يكون كريم، ولن يَكرُم، ولن ينال حقيقة الكرامة، بل ولابد حتى في الحسِّ أن تناله المذلّة ويناله المهانة -والعياذ بالله تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}.

  • كل ساع في تخريب الأرض المباركة … خرابه هوَ الأكبر:

واصدقوا مع الله، واحمدوه على ما آتانا وما أعطانا، في كل هذا الذي يجري على ظهر هذه  الأرض: عندنا إيمان، وعندنا أمن، وعندنا طمأنينة، وعندنا قدرة على أن نذكر، وأن نشكر، وأن نعبد، وأن نجتمع، وأن نتواصى بالحق والصبر، ما هذه النعمة! ما هذه المِنّة! اشكروا الله على نعمته عليكم، و اصدقوا مع الله -تبارك وتعالى- واحملوا الخير لهذه الأمة، واحملوا الخير للعالم أجمع، و: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، {قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا..} الأرض التي بارك فيها هذه الأرض المباركة، زادها الله بركة، وزاد الله الحرمين الشريفين كرامة وتعظيما وبرّ ومهابة، وبيت المقدس زادها الله تعظيم وتشريف وكرامة.. وكل ساعٍ مهما يسعى، ولو أَنْ يعمل ما يعمل…؛ في تخريبهُ لها خرابه هوَ الأكبر، دنيا وآخرة، شَعُرَ أو لم يَشْعُر؛ من بعد حجرة ستأتي بعدها خيرا منها.. وأحجار، وقد تجرؤوا على الكعبة مَن تجرّأ في زمن الإسلام، وسيتجرأ عليها مَن يأتي بعد، وستُنقَض حجرًا حجرًا؛ لكن والله هذا الذي ينقضها حجر حجر ما ينال عِزَّة ولا كرامة لا في الدنيا ولا في الاخرة؛ وهي بيت الله المُعَظَّم المصون، حفظه الله -تبارك وتعالى- وزاده شرف وكرامة وأدام أمن الحرمين الشريفين، وحرَّر بيت المقدس من الاعتداء والظلم والبلاء، وأرجَعَ إليه الأمن والطمأنينة، وأعزَّ الإسلام وأهله في المشارق والمغارب، أعَزَّنا الله بطاعته، أعَزَّنا الله بالأدب معه، أعَزَّنا الله بالاقبال عليه، أعَزَّنا الله بالتذلل بين يديه.. قبلكم في مجمعكم هذا، واذكرونا وادعو لنا بالعوافي في الظواهر والخوافي، والعودة قريبا إن شاء الله إليكم وإلى هذه الرحاب، جمعنا الله في كل مقام كريم، لا تحرمنا خير ما عندك لشرِّ ما عندنا، اقبلنا وإيّاهم، والقلوب المتوجهة إليك في شرق الأرض وغربها، من الإنس والجنّ، وأهل الظاهر وأهل الباطل، وأهل الدنيا وأهل البرزخ، وأهل الأرض وأهل السماء: ارحمهم يا من أعطيتهم الإيمان، ويا من أعطيتهم الوجهة إليك، ويا من أعطيتهم التضرّع، ويا من أعطيتهم الصدق لك، ارحمهم.. ارحمهم بمحمد، ارحمهم بقدرتك الواسعة، ارحمهم بفضلك العظيم، ارحمهم بجودك الكبير، ارحمهم يا قدير، ارحمهم يا من بيده ملكوت كل شيء، واخذل عدوّك وأعداء الدين، ولا تبلّغهم مراد فينا ولا في أحد من المسلمين، يا من أنزلتَ على سيد المرسلين: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} ، اجعل أعداءك أعدائنا أعداء الدين كعصفٍ مأكول يا حي يا قيوم، واجعل كيدهم في تضليل، اجعل كيدهم في تضليل، واجعلهم كعصفٍ مأكول، اجعل كيدهم في تضليل واجعلهم كعصفٍ مأكول، يا قوي يا متين، يا من بيده الأمر كله..

واهدنا وأحبابنا وأصحابنا المسلمين في شرق الأرض وغربها، وأهل الإسلام انظر إليهم.. رعاياهم ورعاتهم، وصغارهم وكبارهم، وأهل الأرض كلها، اهدِ القلوب إليك، وانشر الحق والنور فيها، وادفع السوء عنَّا وموجبات الحسرة والندامة، في الدنيا والبرزخ يوم القيامة..

يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحمن يا رحيم: جد علينا بما أنت أهله، وأصلِح الشأن كله {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.

وارحمِ اللهم من اُستُشهِد وقُتِل، ومن قُتِل ظلمًا من المسلمين، وأمواتهم وأحياهم إلى يوم الدين، وجميع المعتدين والباغين والظالمين، رُد كيدهم في نحورهم، وخالف بين كلماتهم ووجوههم، وأبعد عن المسلمين جميع شرورهم، واجعلنا وأهل "لا إله إلا الله" في حصنك الحصين وحرزك المتين، وثبِّتنا على ما تحب واجعلنا في من تحب..

يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد: نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد ﷺ، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد ﷺ، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بك، وبجاهه عليك لا تُفَرِّق بيننا وبينه، وأرنا وجهه في الحياة وعند الوفاة وفي البرزخ ويوم الموافاة، مع خواصِّ محبوبيك ومحبوبيه المقربين إليك وإليه، فضلا ومنًّا وجودًا وكرمًا، والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

18 جمادى الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

30 نوفمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية