شأن الإيمان والاحتساب وخصوص الصلة برب الأرباب

للاستماع إلى المحاضرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على توالي المِنَن وعلى عظيمِ المَن وعلى الفضل الواسع الإلهي في السرِّ والعَلن، وعلى بعثةِ النبيِّ المؤتمَن، وعلى بقاء القرآن بيننا، وقدرتِنا على تلاوته وترتيلِه وتأمُّل ما فيه والاتصال بأسرار تنزيلِه، وعلى مِنحٍ مِن الحقِّ جلَّت عن الإحصاء، وعلى فضلٍ تسامَى عن أن يُستقصى، وعلى اجتماعٍ في توديع شهر شعبان واستقبال لشهر الله الكريم، ولِما فيه من جودٍ عظيم ومن هبوب نسيم يشفي السقيم، ويحول اللئيم إلى بَرٍّ كريم، ويرفع الوضيع إلى المقام الرفيع، ويجدد الصِّلات بين الأمة ونبيها الشفيع، وتظهر فيه العلاماتُ مِن قدرِه العظيم وجاهه الوسيع، مِن عطاءٍ من الحق، ينصبُّ على العباد فيتحولُ به مسبوقٌ إلى سابق، وشقيٌّ إلى سعيد، وهابط إلى رافع، ومُعرِض إلى مُقبل، ومردود إلى مقبول، فضلاً مِن البَرِّ الوصول، وجوداً مِن الذي عظُمَ فضلُهُ عُرضاً وطول، فلا تكيِّفُهُ العقول.

 فيا من اجتمعتم على بابِ الله، وبين يدي الله، ترتجون ما عند الله وتسترحمون الحقَّ تعالى في علاه، وتستدفعون به جميعَ الشرور والبلايا، والآفات والرزايا، وتسألون غفرَ الذنوب والخطايا، وتسترحمُونه لأمَّة خيرِ البرايا، لأمةِ النبي محمد الأمجد الأسعد، مَن هدانا إلى المنهج الأرشد، حبيب الله وصفوته، ونقوته من البرايا وخيرته..

اللهم أدِم صلواتك الزاكية عليه وتسليماتك النامية إليه، وعلى آله وصحبه وآبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين. وهيِّئ هذه القلوب وقلوبَ مَن يسمع وقلوب مَن يرغب في مشرِق الأرض ومغربِها لحُسن التلقِّي لفائضاتِ جودِك الوسيع بالطاعة وحسن الانقياد والتزودِ بأشرف زاد، والاشتغال بما به شغلتَنا في ظواهرنا وبواطننا حتى لا نُصرف عما أحببتَ منا إلى ما يدعونا إليه المعرضون والمفسدون والساقطون وقُطَّاع الطريق مِن خلقِك، من الإنس والجن الذين جعلتَهم ابتلاءاً واختباراً، مَن رضي دعواتِهم هلك وخرج عن سواء المسلك. ومن رفع همته إلى حسن استماع دعوة نبيك وإجابة داعيك وما بلَّغ عنك صفيك ﷺ كان على ظهر هذه الأرض في ضمن هذه الحياة منتفعاً مرتفعاً متَّسعاً متنوراً متذكِّراً متبصِّراً متعلِّماً متفهِّماً مترقِّياً متنقِّياً تجلو له البصيرة، وتصفي له السريرة، وتواليه من عطاياك الكبيرة ما يذوق به النعيم وهو في هذه الحياة القصيرة، فكأنه في دار الخلد والجنة الخضيرة، حتى يقول القائل ممَّن صافيتَ وأذقتَه هذا المذاق: إن كان أهل الجنة على مثل ما نحن فيه بيننا وبين ربنا في الليالي إنهم لفي عيشٍ طيب. مِن أثرِ غيثِك الصَّيِّب، الذي نازلَ ساحة تلك القلوب، وهم على ظهر الأرض في هذه الحياة في ضمن مَا فيها مِن وجود الإنس والجن بمَن فيهم مِن الأصفياء والأتقياء، والأشقياء البُعداء بإبليس ومَن تبعهُ مِن الإنس والجن، بجميع ما يجري من الحوادث على ظهر الأرض، هم على ظهر الأرض ولكنهم استوت أقدامُهم على العبودية لك، فلم تحبسهم أرضٌ ولا سماء دونَ فضلك ونوالك وجزيل عطائك، اطمأنوا إلى الاتصال بك والأخذ منك والإقبال عليك والذلَّة بين يديك، فما أطيب عيشهم حيثما كانوا وأينما كانوا في حقائق حسن امتثال واصغاء واتباع وانقياد لـ ( اتق اللهَ حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها وخالقِ الناسَ بخلُقٍ حسن) مِن أجل عالم السرِّ والعلن الذي يصفِّيك عن الدَّرن، ويقوِّيك بعد الوهن، ويفيض عليك فائضاتِ الجود والمَن في سرٍّ وعلَن، بما يفوقُ كلَّ حَدسٍ وخيالٍ وظن.

ذاكم الله.. فاز المتصلون به .. يا ربي قوِّ صلتَنا بك، يا رب قوِّ حبالَ اتصالِنا بحبيبِك

يا رب ارفعنا في مراتب القُرب منك والدنو إليك يا الله، وما يجري على ظهر الأرض مِن خير وشر، ونفع وضر، وشدة ورخاء ومَنع وعطاء، إنما هي صفحات قدرة القادر وإرادة المريد يُطالَع فيها جماله وجلاله وكماله لمَن حظيَ بنوالِه وسعد بإقباله، وهي شؤون يبديها ولا يبتديها من يقول للشيء (كن فيكون ) ( كل يوم هو في شأن ) لم تخرج منها ذرةٌ عن قبضته وإحاطته وقدرته وتصرُّفه وتقديره وتدبيره وتطويره وألوهيته وربوبيته جل جلاله وتعالى في علاه وكل أهل الظنون والأوهام ظنُّهم أرداهم، ويقال لهم في الآخرة عند انكشاف الستارة ورؤية الحقيقة جهارا( ولكن ظننتم أ نَّ اللهَ لا يعلم كثيراً مما تعملون ) وذلكم ظنُّكم الذي ظننتُم بربِّكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوىً لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتَبين ).

 وهؤلاء عاشوا في زمن واحد مع الفريق الأول الكريم الذي ذكرناه والصنف الرفيع الذي أشرنا إليه، عاشوا في زمن واحد وعلى ظهر أرضٍ واحدة، ولكن أنَّى يكون القُربُ بين الفريقين، وما أعظم الفرق بينهم.. هؤلاء تدنَّت هِممُهم وعاشوا في أوهام أن الحكمَ لغيرِ الملك العلام، وأن شيئاً من بقاع الأرض تحت قبضةِ غيره وتدبيرِ سواه، فهو ظنٌّ رديء يُردي مَن اعتقده، يُردِي مَن ظنَّه، وما مِن ذرة في الأرض ولا في السماء إلا وهي محكومةٌ بحُكمه محُوطةٌ بعلمِه سائرةٌ بتسييره مقدَّرةٌ بتقديره لا تنفكُّ عن ذلك طرفةَ عين، ومن يُمسك السماء؟ ومَن يُمسك الأرض.. أغير ماسكِها يتصرف فيها ( وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لرءوف رَّحِيمٌ   )

 فما أعجب شأن الذي أبهره أن فلاناً اخترع وهو مخترَع واخترَع من الأرض المخترَعة ومن المادة المخترَعة جهازا مخترَعا ونسيَ مَن يمسكه ومَن خلقه ومن يمسك السماء ومن يمسك الأرض، نسيه .. هل وهمٌ أظلمُ مِن هذا الوهم؟ هل جهلٌ أشدُّ مِن هذا الجهل؟ ومن عرف كلَّ شيء وحُرِم معرفة رب كل شيء فكأنه لم يعرف شيء، نعم والله كأنه لم يعرف شيء.

المعلومات مهما ضخُمت إذا لم يُحظَ صاحبُها بمعرفة الخالق المكون تصير لا شيء ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ )

 إذن فلا يعلمون، نعم والله لا يعلمون، لا يعلمون ولا يعقلون وفي الآخرة يقولون ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ )

 لكن أهل مسلك الإدراك ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) وما شان هذه العظمة فيما يتعلق بنا ( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) كل شيء هو خلقه ألا يعلمه.. مَن أعلم به منه!؟ جل جلاله.

نجد الحاذقَ في مجال في الحياة يعلم مِن غيره ما لا يعلم ذلك الغيرُ مِن نفسه وكلهم خلق

حتى يعلمَ الطبيبُ من شأن المريض ما لا يعلم المريض مِن نفسه.

 ويعلم صاحبُ الاجتماع في الشئون الاجتماعية من الشخص الثاني ما لا يعلمه الشخصُ من نفسه.

ويعلم صاحبُ التربة والخِبرة فيها في أرضية الغير ما لا يعلمه الثاني في أرضيته.

 ويعلم الوليُّ والعارف ما في نفس الأخر من الشئون والصفات ما لا يعلمه الأخر من نفسه هذا في عالم الخلق.. فكيف إذا التفت نظري إلى خالقِ كلِّ شيء، المُحيطِ علماً بكلِّ شيء..

ما مِن شيء في الوجود إلا ويعلم منه ما لم يعلم ذلك الشيءُ من نفسه، أحاط علما بكل شيء وأحصى كل شيء عددا.

 وما وظيفة رمضان إلا  أن تنمِّي هذا الإيمان، وأن تنمِّي هذا اليقينَ فينا لنتَّصلَ ببارينا، ورسوله هادينا يقول لنا:"من قام رمضان إيمانا .. " ما معنى إيمانا؟ من قام رمضان عادة، من قام رمضان صورة، من قام رمضان لإرضاءِ غيره، من قام رمضان لموافقةِ صاحبه، من قام رمضان لأمرٍ يراه، ما دخل في الدائرة إلا مَن قام رمضان إيماناً، ونصَّ على ذروة في الإيمان وهي التخلص عن الالتفات إلى الكائنات، فقال واحتسابا ( مَن قام رمضان إيماناً واحتسابا ) فليس المقصود مجرد القيام، ولكن أن نقومَ إيماناً وأن نقوم احتساباً وإذا قمتَ إيماناً واحتساباً فالليلة الثانية أحلى من الأولى، والثالثة أحلى من الثانية والرابعة أحلى من الثالثة والخامسة أحلى من الرابعة. وخذ عطاءً لا يُحَد ولا يُقصَر لا ينفد ولا ينقطع، هذا عطاؤنا فامنُن أو أمسِك بغير حساب حتى يصير الذي قام إيمانا واحتسابا وصام إيماناً واحتسابا في العشر الأواخر أشوق ولطعم الأعمال الصالحات أذوق.

  فهو يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها من رمضان تبعيةً لسيد الأكوان مفتاح باب الذوق، وأصل حقيقة الشوق، وسيد أهل فوق، الذي اسمه محمد، يا رب صلِّ عليه شرَّفكم به الباري فاقبَلوا الشرف، قبول هذا الشرف بحُسنِ الاستسلام للحبيب الأشرف، وأن تنظِّفوا الأفئدة في محبته وموالاته وتعظيمه من أجل بارئه ومُصطفيه مُنتقيه مُقرِّبه ومُدنِيه ومفضِّله على مَن سواه مِن أجل الله الذي اصطفى محمدا وقرَّب محمدا وكرَّم محمدا وعظَّم محمدا وأحب محمداً وقدَّم محمدا على مَن سواه، ولا مؤخر لما قدَّم فهو المقدم حيث ما كنت وأينما جيت..

وإن رسولَ الله مِن غيرِ مريةٍ ** إمامٌ على الإطلاقِ في كل حضرةِ

 وجيه لدى الرحمن في موطن **  وصدر صدور العارفين الأئمةِ

 فان جئتَ إلى القيامة فهو صاحبُ التَّقدِمة والإمامة، وإن جئتَ إلى الشفاعة فهو الأول  صاحب الكرامة.. وإن جئتَ إلى الأحواض فهو الأوسعُ في الماء والواردين عليه مِن أهل ذاك المشيِ على سبيله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإن جئت إلى الجنة فهو أول من يدخلُها، وإن نظرتَ إلى درجاتِها فهو في أرفع الدرجات..

من يسكن الوسيلة غيره، من يسكن الوسيلة سواه، يقول صلى الله عليه وسلم ( إنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا  لعبد متحقق بالعبودية وأرجو أن أكون أنا هو ) وأنت هو ومالها غيرك يا صاحب الوسيلة يا صاحب الفضيلة يا صاحب الدرجة العالية الرفيعة.

لولاك هل نذوق مذاقا من هذا الشراب الدائر، أو نرى شمًّا من هذا الغيث الماطر، أو يحضر منا الحاضر في هذه المحاضر، سبحان مَن أكرمنا بك، فعليك صلى مُكرِمنا بك الذي كرَّمك على كل كريم، وقدَّمك فأنت محل التقديم وجعل جاهك الجاه الأوسع العظيم ونسأله أن يثبِّتنا على صراطك المستقيم الذي أمرك  أن تقول لنا عنه: ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون )

أيها  المؤمنون بالله: عند حُسن الاستجابة لهذه الدعوة العظمى مِن ربِّ الأرض والسماء على لسان هذا العبد المقرب الأسمى يبدأ تحرُّرنا مِن رقِّ هذا الكون من ظلماته من آفاته من شُغلنا بغير مكونه ومنشئ جميع ذرَّاته سبحانه وتعالى.

أيها المؤمنون: هذا سمو، هذا مجد، هذا علو، أصبح تلقِّيه عزيز يُتلقَّى في مجالس المؤمنين عند حضور أرباب الصدق والتمكين وشهود الملائكة المقربين، حين تبدو عين الجود من البر الودود، قد كان يُتلقى في كثير من المواطن فقلَّ تلقيه، وقلَّ المتعرِّفون عليه، والراغبون فيه بانتشار الأوهام والظلام، ساد الظلام والأوهام كثيراً من الأنام فعاشوا فيها حتى كادت تحجبُهم عن حقائق الإيمان والإسلام وعن حقائق شهود عظمة ذي الجلال والإكرام ومعرفة القدر لخير الأنام الذي جعله الله للأنبياء ختام صلى الله عليه وسلم.  

خروجاً من هذا بصدق الوجهة إلى الله سيعيش من يعيش أيام رمضان المقبلة في كريمِ صلة، وشريف ولذيذ وصلة، وعجائبِ فيض] يتلقاه، وجودٍ من الحق به كلَّ سوءٍ يتوقاه، ويدخل به دوائر العناية والرعاية فيمن يعتني به ويرعاه، وحتى يذوقَ الذائقُ حلاوةَ المناجاة التي إذا  طعمها منيبٌ أواه .. أيقن أنه لا يوجد في لذائذ الأطعمة والأشربة والأنكحة والملابس والرئاسات ما يشابهها أو يدنو من ساحتها، لا والله، لا لذائذ الأطعمة ولا الأشربة والأنكحة ولا الراحات ولا الرئاسات ولا المركوبات ولا الملبوسات تساوي لحظةً من لذة مناجاة رب كل شيء..

الله يفتح لنا هذا الباب.. ياربنا افتح لنا هذا الباب.. نسمعه عن الأطياب، نسمعه عن الأحباب، نسمعه عن من سقيتهم هذا الشراب .. فلا تحرِمنا يا رب الأرباب يا كريم يا وهاب.. تحب مِن عبدك السؤال والطِّلاب وهذه أيدي السؤال الطلّابين المساكين الفقراء الراغبين فيما عندك مددناها إليك ورفعناها إلى حضرةِ كرمِك راغبين فيما لديك.

فأكرِمنا يا ربي بفتحِ لذة لمناجاة، مرَّ على أحدِنا من العمر سنون عديدة، فهذه السنة لا تحرمه هذا الذواق، ولا تقطعه عن أولئك الرفاق وجُد علينا يا كريم يا خلاق..

في ليالي رمضان هذا المقبل نذوق لذةَ مناجاتك، ونسعد بحلاوةِ عبادتِك، وذوق حلاوة رحمتك، وطِيب مواصلتِك وكريمِِ عنايتِك وشريفِ تقريبِك، اكشف الحجاب، وافتح الباب وأنِلنا الطِّلاب يارب الأرباب يا الله ..

إن أعداداً على ظهر الأرض مِن قُطّاع الطريق وجهوا الخطابَ إلى ديارنا ومنازلنا من الأمة لينصرفوا عن الوقوف ببابك وليقطعوا عن ذوق حلاوةِ مناجاتِك وليشتغلوا بالترَّهات والبطالات أو بأنواع الفانيات فادفع شرَّهم عنا وعن الأمة.. ادفع شرَّهم عنا وعن الأمة، رُدَّ كيدَهم في نحورِهم يا كاشفَ الغمة ..

واحمِ ساحات قلوبنا وقلوب أهلينا وأولادنا.. وارزقنا صدقَ الإقبال عليك يا أكرم الأكرمين ..

من أول ليلة أنت تُزيِّن الجنة فزيِّن قلوبنا.. زيِّن أرواحَنا، زيِّن أفئدتَنا بنورِك ومحبتِك، ما فيها من القذر صفِّها عنه، ما فيها من الكدر نقِّها عنه. ما فيها مِن وسخِ الالتفاف إلى سواه طهِّرها منه.. وزينها بقربك زينها بالإقبال الصادق عليك.. يا الله قل من قلبك يا الله ..

 عسى يرحمك الله، ويأذن في ذي اللحظة أن يكتب اسمَك فيمن يرفعهم في قُربه.. ويذيقُهم حلاوةَ مناجاته، يا الله .. ولمَن وراءنا، ولمن يسمعنا، ولمن له صدقٌ في الإقبال عليك ..

اِرحم يا رحيم، وأكرِم يا كريم، وثبِّت على الصراط المستقيم، وهب لنا الفضلَ العظيم في ليالي الشهر الكريم، وأيام الشهر الكريم.. من أول ليلة يشرق النور في قلوبنا.

يا ربنا لك نظر كما أخبرنا خيرُ البشر في أول ليلة من رمضان إلى أمته.. ومن نظرت إليه لم يعذب بعدها أبداً .. فأكرمٍ بنظرك يا ارحم الراحمين، قل يا أرحم الراحمين، يا ارحم الراحمين، يا أرحم الراحمين أكرِمنا بكريم نظرك إلينا في أول ليلة من رمضان مِن عامنا هذا يا الله يا الله يا الله ..

ألا يالله بنظرة من العين الرحيمة .. تداوي كل ما بنا من أمراض سقيمة ..

واجعل اللهم مِن نظرِك لأهل الجمع أن تجعلَ كلَّ فردٍ منهم ومن أهليهم وذويهم ومَن يواليهم ومَن يسمعنا مِن أهل صدق الإقبال عليك في لحظات الشهرِ كلِّه وساعاته كلها ..

 يا الله لا نشتغل بما شغلنا عدوُّك ولا قُطاع الطريق عن عبادك، يا ربي وأكرِمنا بأن تجعل شُغلنا بك، وتكون أنت همنا وأنت مقصودنا وأنت مرادنا فندرك الحظَّ الوافرَ من هذه الليالي والأيام، يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطول والإنعام يا حي يا قيوم ..

اجعلنا نقضي مجلسَنا هذا حتى يُختم إيماناً واحتساباً،، ونصلي صلاة العشاء هذه الليلة إيماناً واحتساباً،، تثبت أقدامُنا على الإيمان والاحتساب قبل أن يهلَّ رمضان، حتى إذا هلَّ هلالُه يهل النور في قلوبنا ولا ينطفئ أبداً، ويزداد سرمدا حتى يوم الحشر يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم.. يا نور السموات والأرض اعطنا هذا النور واجعل لنا نوراً من فوقنا ومِن تحتنا وعن أيماننا وعن شمائلنا وأمامَنا وخلفَنا، في شعورنا في لحومنا في دمائنا في عظامنا في عروقنا في قلوبنا في قبورنا اجعل لنا نورا واجعلنا نوراً .. يسعى نورُنا في القيامة بين أيدينا وبأيماننا

رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..

رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ..

ولما تعددت في الأمة الأحوالُ والمظاهرُ وأوجه الإقبال والإدبار تسمعون مِن كل متحدِّث يتحدث مِن أي منطقة وجهاً مِن وجوه هذا الواقع في الأمة وهذه الأخبار، ومصائبُ الأمة كلُّها راجعة إلى انصراف هذه القلوب عن مولاها، عن إلهها، عن خالقها، عن الذي إليه مردُّها ومرجعُها وله الحكم فيها وفي أهلها..

فيا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.. بسبب ذلك سمعتم الشكوى مِن أن الكثرة في أعداد المسلمين بحسب الكتابة في الجوازات والأوراق.

وموجود كثير من المسلمين حملوا الخِزيَ على أنفسهم، وانتسب مِن خلالهم للإسلام والإسلام بريءٌ مُنزَّه عنه، ولكن بوجود القلوب المخلصة بوجود القلوب الطاهرة بوجود القلوب الصادقة تُحفظ بيضة الإسلام وترفع راية الإسلام وينتشر الإسلام

 ولولاهم بين الأنام لدُكدِكت **جبالٌ وأرضٌ لارتكاب الخطيئةِ

 بسبب هذه القلوب المنتشرة هنا وهناك،، يرتب الله ترتيباً لينجز وعدَه لحبيبه حتى لا يبقى بيت شجر ولا مدر ولا وبر إلا ودخله هذا الدين، وعدٌ لا يخلف من رب العالمين، ولكن هذه الشؤون تلعب بالناس في من يغتر بها وفي من يلتفت  إليها وإلا كل من تمسك بحبل الصدق مع الله تبارك وتعالى فاضت عليه المنن وعاش وسط الزمن وعلى ظهر الأرض عيشةَ مَن تظلُّه رحماتُ الرحمان ،، فالناس تحت دول مختلفة وهذا دولتُه نبوية محمدية لا يشهد إلا ربَّ البرية جل جلاله وتعالى في علاه. وحينئذ يدرك الحقيقة، ويعشق ربَّ الخليقة، ويتخلَّق بكريم الأخلاق ويسقيه أكرم  ساق، وتزداد عنده الأشواق حتى تأتي ساعةُ التلاق، وهو في العيش الهنيء الراق، فلو رأيت حالته وقد انكشف الحجاب عن مشاهدة المصير إلى ربٍّ راض غير غضبان، ما فيه من سرور وفرح واستبشار لاحتقرتَ هذه الدار، وكل ما فيها في السر والإجهار، ساعة واطرباه غدا ألقى الأحبَّة محمداً وحزبَه، ما أكرمَها مِن ساعة، ما أشرفها،  ما أجملها، الله يجعلنا مِن أهلها، الله يُكرمنا بوبلِها وطلِّها الله يثبتنا في ديوان من أُكرم بحقيقتها وحقها يا الله يا الله يا الله.

وقائلُهم قال وقد أحس بالموت: حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح مَن ندم، ولأنفسهم يُقال ( ياأيَّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربِّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي )

وها نحن بين يديه، والحال لا يخفى عليه، الهي كفانا ذلًّا بالشغل بغيرك بساعات كثيرة مِن أعمارنا انقضت في ذلك، ومنها ما دهتنا فيها الدواهي حتى اشتغلنا بمخالفتِك بمعصيتِك بالجُرأة عليك بشيء مِن جوارحنا أو قلوبنا .. يا ربنا يا ربنا والمفرُّ إلى مَن؟ وإلى أين؟ يا مَن لا مفرَّ إلا  إليه، يا من لا ملجأ إلا إليه، يا مَن لا ملاذَ إلا به، يا نِعم الملجأ، يا نِعم الملاذ، يا مَن لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.. اعترفنا لنا ولمَن وراءنا تذلَّلنا بين يديك، ووقفنا بأبوابك ولُذنا بأعتابك وقلنا يا مَن ليس لنا غيره أنت لعبدك في كل شانه سرِّه وجهرِه حلوِه ومرِّه خيرِه وشرِّه، فأنت ربُّ كل خير والمتفضِّل بكل خير والدافع لكلِّ شرٍّ وضَير.

 اجعل رمضان هذا من أزكى الرمضانات لنا وأبرك الرمضانات علينا، اجعلنا فيه بكلياتنا وذواتنا وحقائقنا غير ما قد كنا، وأحسن مما كنا ظاهرا وباطنا يا الله.

وما تُجري من الخير على أيدي عبادك الصالحين فاجعلنا مِن أسعد مَن تُجري الخيرَ للأمة على أيديهم.. يا أرحم الراحمين.

إذا كان نبيُّنا يدلنا على شرفِ إيصال الخير إلى الغير ولو بتفطير الصائم الذي يقول فيه ( من فطَّر صائما مِن مالٍ حلال صلَّت عليه الملائكةُ ليالي رمضان وصافحَه جبريلُ ليلة القدر ) نتيجة عمل أخلصَ فيه لوجه الله، هذا مجهوده ومسعاه معه مذقةُ لبن أو تمرات من حلال قدَّمها لصائم يفطر عليها إيماناً واحتسابا يقصد وجهَ الله، فقبلتها يدُ الربوبية فنمَّتها، فاشتغلت ملائكةٌ بالصلاة عليه كل ليله من رمضان، فإذا جاءت ليلةُ القدر وجبريل ينزل بين الملائكة ( تنزَّل الملائكة والروح فيها بإذن ربِّهم من كل أمر) فيصافحون المؤمنين، فيقول يا جبريل فلان و فلان وفلان بيدك صافحهم. فيدخل بين الناس ويصافحهم بمجرد ما يصافحه يرقُّ قلبُه فتكثر دموعه ويرى الخير الكثير، هذا تعليمٌ من مصطفانا أنَّ إيصالَ الخير إلى الناس له منزلة عند رب الناس، نسأل اللهَ أن يجعلنا ممَّن يوصل الخيراتِ على أيديهم وينظر إلينا  نظرة تزيل العناء عنا وتُدني المنى منا وكل الهنا نُعطاه في كل حين.

 والشؤون دائرة بما فيها وفوقها مالكُها وباريها، اعتمدوا عليه واستنِدوا إليه، وحوادث تحدث هنا وهناك وكلها مقرِّبات إلى العلامات الكبرى للساعة، ومؤدِّيات إلى إنجازِ الوعد من الرب سبحانه وتعالى، ولكن كل السعادة لمن صدق، لمن سابق في طريق الخير مُخلصا لوجه الله، لمن تعلم الإيمان  والاحتساب، إيماناً واحتسابا فاجعل صيامنا لهذا الشهر المقبل إيمانا واحتسابا تاما كاملا مقبولا عندك، واجعل قيامَنا لهذا الشهر المقبل إيماناً واحتسابا خالصا مخلَصا تاما كاملا مقبولا عندك، يا رب العالمين.

وافتح لنا في القرآن فتحاً مبيناً وألِّف بيننا وبين الحرف منه والكلمة والآية والسورة ائتلافا لا يفارقنا طرفةَ عين، يظهر سره في القلوب والعقول والأرواح يامجيب الداعي، يامغيث المستغيثين ياالله، وتهيأً لليله النظرة نطلب من الله النظرة لنا وللأمة، وقولوا جميعا: يا الله انظر إلينا، كلمة بصدق تقولها أرجو أن يُفتح لها باب القبول عند ربك، قل له خاضع خاشع معترف بما كان منك شاهد المنة له، قل يا الله معترف بما كان منك شاهد المنة له متذلل بين يديه.. قل يا الله ..

ألا ياالله بنظرة من العين الرحيمة تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة

العربية