(387)
(535)
(610)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 9 جمادى الأولى 1447هـ في دار المصطفى، بعنوان:
سوابق الإرادة الربانية في خير وأنوار وصلاح وفضائل الذوات والصفات والأماكن والأزمنة وبقية الشئون وجمعها في دار الكرامة وأضدادها في النيران
الحمد لله.. مُكَوِّنِ الأكوان، الإلهِ الرحمن، الكريمِ المنان، مُنزِلِ القرآن على قلبِ سيدِ الأكوان، من خَتَمَ به النبوةَ والرسالة وجعل دلالته عليه خير دلالة.
لك الحمد يا مُرسل المصطفى، لك الحمد يا من أكثرتَ في أمته الصدق والوفاء، لك الحمد يا من جعلت في أمته الخيرية الكبيرة، لك الحمد يا مَن وهبتَ أمته المواهب الوفيرة، لك الحمد يا من أبقيت فيهم السِّرَّ والسريرة.
لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، نشهد أن محمدًا عبدك ورسولك، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغُمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
فصلِّ يا ربِّ على هذا الحبيب والدواء والطبيب، الذي له عندك الجاه الرحيب، صلِّ يا ربِّ عليه وعلى آله ومن له صَحْيبٌ، وعلى أتباعهم على النَّهجِ القويم من كُلِّ أوَّابٍ مُنيب، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل التقريب، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
ثم إن المكوِّن لهذه الأكوان وما فيها؛ أخبرنا على ألسُن رسله، من عهد آدم إلى أن جاء النبي الخاتم، بأوضح بيان وأجلى دلالة، أخبرنا -سبحانه وتعالى- أنَّ هذه الخيرات المبثوثة منه بسابق الرحمات والإرادات الإلهيات؛ يجعل الله لها مَجْمَعًا وموطنًا يجمعها فيه، وهي الجنة دار كرامته ومُستقر رحمته، وسقفُ فردوسها الأعلى عرش الرحمن -جل جلاله وتعالى في عُلاه-. فلا يبقى من هذه الأماكن الأرضية والسماوية إلا تلك الجنة وعرش الرحمن والكرسي والقلم واللوح، وما جعل -سبحانه وتعالى- من تلك الأرواح الطاهرة بما حلَّ فيها من خيره، وما حلَّ فيها من نوره، وما حلَّ فيها من رضوانه -جل جلاله وتعالى في عُلاه-.
هُمَا مَحِلَّان ما للمرءِ غيرهما ** فاختر لنفسك أيّ الدار تختارُ
يا ربِّ صلِّ عليه، به سُعدتم، وبه جاد الرحمن عليكم، فالله يُقَوِّي صِلَتكم به، ويقوي وُصلتكم به، ويقوي عنايته بكم، ويوفر حظكم من رعايته ﷺ ومن حنانه، إنه أكرم الأكرمين.
به يُغبَط مثل السيد علي بن عبد الله بن علي بن صالح بن أحمد بن الشيخ أبي بكر -عليه رضوان الله-، أراد الله تعالى له منازل ودرجات، وربطه بالذات بحبال قويات، وجعل فيه شيمًا، وجعل فيه قيمًا، وجعل فيه صدقًا، وجعل فيه تواضعًا، وجعل فيه إرادة للخير. ما قطعه عن الخدمة في دار المصطفى إلا الأجل، إلا المرض والموت، فلولاها ما انقطع!، ودام ذلك بنيته وبدوام نيته التي علمها الله -سبحانه وتعالى- في قلبه.
وكيف وَرَد إلى الدار التي المراتب فيها تُستجلَى؛ بقرب الخلق من هذا المصطفى، ورضا هذا المصطفى عنهم، ولقائهم بروحه الكريمة -عليه الصلاة والسلام-، وكم هناك من غنيمة كبيرة!
فمثله يُغبَط، ومثله يُتمنَّى أن يُعطوا شؤون هذا المجال؛ في الصدق مع الكبير المتعال، وحَسِين هذه الصفات والخلال، وما يعلم ربُّ الجلال من الصدق في الإقبال، والصدق في الوجهة وإرادة التضحية وإرادة التفاني، بكل ما يمكن، في الحرص على المسلك القويم والصراط المستقيم، ومواريث الحبيب العظيم ﷺ؛ من علم نافع مسند، ومن تزكية للنفوس يُتقرَّب بها إلى الواحد الأحد، ومن دعوة إليه -سبحانه- ودلالة عليه.
وعاش خادمًا لهذه المقاصد بِكُلِّيَّته وبكل ما قَدَر، حتى اختاره المولى -جل جلاله- واختار له وقت لقاء، ولاطفه ملاطفات في ظاهر بعضها شدة أو ألم أو مرض، وهي ملاطفات ربانيات؛ يُرَقِّي بها الحق من شاء ويرفع بها قدر من يشاء -جل جلاله وتعالى في عُلاه-. فالله يوفِّر حظَّه وجزاءه من عنده بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في كل موقف من مواقف البرزخ، وفي كل يوم من الأيام، وفي كل موقف من مواقف القيامة، ثم في دار الكرامة.
فيَا رَبِّ واجمعنا وأحبابًا لنا *** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
وفقدنا أيضاً في هذه الأيام حبيبنا مجتبى العيدروس، والذي كان يقوم مقام الحبيب عيدروس بن حسين العيدروس، صاحب الحزم في حيدر أباد في الهند، رحمه الله وغفر الله له وأعلى الله له درجاته. وقد زار تريم من قبل، وله الارتباط القوي بهذا المسلك السوي والمنهج النبوي، فالله يعلي درجاته ويخلفه بخير علينا وعلى أهل الهند وعلى الأمة المحمدية، إنه أكرم الأكرمين.
وفقدتْ أيضاً مصر السيد أحمد بن عمر هاشم، أعلى الله له الدرجات وجمعنا به في أعلى الجنات، وكان بيننا وبينه كريم الصفات، رفع الله له المراتب وأجزل لهم المواهب.
ومن فقدناهم في أيامنا هذه وقبلها، ومن ستطوي آجالَهم الأيام بين أيدينا، ومن نسبقهم إلى تلك الدار، الله يشمل الجميع بعناية ربانية يَقوَى بها صلتهم بخير البرية في شؤونهم الظاهرة والخفية.
الذي له نظر إلى قلوب على ظهر هذه الأرض، حتى داخل في دائرتها من أهل الأرض لحملة عرشه شُغلٌ بهم وإشارة إليهم! (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)، (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ..) مَن حول عرش الرحمن هؤلاء أعلى الملائكة (..يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ..) وحُقَّ لهم ذلك! لكن قال: (..وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا..)! لهم اتصال بناس على ظهر الأرض هذه! لهم اتصال بالمجامع والمجالس هذه! (..رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ..) [غافر:7-9].
دعوات كبيرة من الملائكة حملة العرش ومن حول العرش، لمن؟ لناس يمشون عندك على ظهر الأرض، لناس يمكن أحدهم وهم المقصودون بهذه الدعوات، قد لا يقع في عينك ولا تعدّه شيء، وحملة العرش لهم معه شأن! ولهم معه دعاء!
وأنت إذا فقدت حسن الظن تخبّطت في حياتك ولا عرفت تنزِل الناس منازلهم، ولا تُعامل الله -سبحانه وتعالى- بحسن الظن في الصغير وفي الكبير!
يا رب حسِّن ظنوننا بك وبخلقك، وحسِّن نظرنا إلى ما أوحيتَ إلى نبيك وما بلغنا عنك، وحسِّن اللهم علمنا فيه، واطلاعنا عليه، والعمل بمقتضاه يا أرحم الراحمين؛ حتى لا نُستعبَد ولا نُستَرَقَّ لنفوس ولا لأهواء ولا لشياطين إنس ولا جن، نكون عبيدًا مَحْضًا خُلَّصًا لك وحدك جلَّ جلالك. سجودنا لك، وعبادتنا لك، وقصدنا لك، وإرادتنا أنت، ومرادنا أنت، لا إله إلا أنت، ولنا الشرف بذلك.
فيَا ربِّ لا تخذلنا ولا تُهِنَّا بقصد غيرك، لا تُهِنَّا بمعصيتك، لا تُهِنَّا بالغفلة عنك، لا تُهِنَّا بالانقطاع عنك. يا رب نعوذ بك من الهوان بالمعاصي، ومن ذل الذنب والسيئات ظواهرها وبواطنها! اللهم انقلنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة، ومن كل حالة دَنيّة إلى كل حالة عليَّة مرضية، يا أكرم الأكرمين.
وفاتحُ الأبوابِ فتح لكم هذه الأبواب، ويَفِد إليكم من يَفِدُ من الشرق والغرب، ويطلبون الدعاء لأهل بلدانهم. وخيور من الله -سبحانه- وحده تنتشر؛ بواسطة مصطفاه في شرق الأرض وغربها. وكم من قلب سيحيا كان ميتًا، وكم من عبد سيسعد كان شقيًا، وكم من كافر سيُسلم كان كافرًا -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وكم من مُقرَّبٍ سيقرب وكان مبعوداً. ولله في خلقه شؤون، و: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35].
فارزقنا يا رب حُسن متابعة هذا النبي، وقوة الصِّلة بهذا النبي، والرابطة بهذا النبي في جميع ما نعتقد ونفعل ونقول وننوي، وثبِّتنا على منهجه السَّوي، يا مولانا يا قوي، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
نسألك الجنة وما قرَّب إليها، من قول وعمل ونية واعتقاد، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ونية واعتقاد.
وانظر إلينا وأهالينا ومن في ديارنا، واجعلنا يا مولانا ممن ترعاهم عين عنايتك في جميع الأطوار، فلا يحجبهم عن مواهب فضلك سيئ الإصرار، ولا يقطعهم عن عجائب جودك قبيح الأوزار، يا كريم يا غفار.
يا من غيثه مدرار، وجوده في جميع الآناء وجميع اللحظات والأنفاس ما له حد ولا مقدار، يا واهب المواهب، يا معطي العطايا، يا كاشف الرزايا، يا مُصلِح الظواهر والخفايا: أوقفتنا على أبوابك؛ فلك الحمد؛ فافتح لنا الأبواب، وأزل عنَّا الحجاب، وارفعنا في مراتب الاقتراب.
وبه عليك تدارك أهل غزة والضفة الغربية، وأكناف بيت المقدس، والمسلمين في المشارق والمغارب. تدارك أهل السودان، تدارك أهل السودان، تدارك أهل السودان، اشتدت المِحَن، فاكشف المِحَن، وادفع البلاء في السر والعلن، وأرنا فيهم ما تقر به عين حبيبك جد الحسين والحسن، وأعين جميع الصالحين أهل الفِطَن، وبقية أقطارنا والمسلمين في المشارق والمغارب، نستدفع بك السوء فادفع السوء عنا، واكشف الشدائد يا الله، واقطع أيادي المؤذين والمعاندين والناشرين للفساد والضر، وأصلح لنا الجهر والسر، وتولنا حيثما كنا وأين ما كنا.
واجعلها ساعة قبول، وأوصلنا إليك يا وَصول، واربطنا بسيدنا الرسول، واربطنا بسيدنا الرسول، واربطنا بسيدنا الرسول، ربطًا تتزكى به العقول، وننال به حُسن المثول بين يديك مع القبول، يا بَرُّ يا وصول..
يا الله.. يا الله..
جمعكم وهو يسمعكم، وينظر إليكم، ويستجيب لكم. نادوه بأدب، ونادوه بصدق، ونادوه بانكسار، ونادوه بتذلُّل، ونادوه بخشوع، وقولوا: يا الله.. يا الله
يا الله.. يا الله، يا الله.. يا الله، يا الله..يا الله، يا الله.. يا الله، يا الله يا الله، يا الله .. يا الله
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إياك قصدنا، إياك طلبنا، ولما عندك أمَّلنا، وأنت ربنا لا رب لنا سواك، ارحمنا برحمتك الواسعة، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، آمين، آمين، آمين. برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين. حقِّق لنا كل ذلك، وزدنا من فضلك مما أنت أهله من جميع ما هنالك، لا إله إلا أنت، والحمدلله رب العالمين.
09 جمادى الأول 1447