(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك، في دار المصطفى بتريم، ليلة الجمعة 27 شعبان 1442هـ، بعنوان:
سراية الأنوار المحمدية وعجائب آثارها في البرية وصادق وعد الله وتخصيص الأمة بالمزية
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ لله، عسى المُنعِم أن يُتِمَّ النِّعمةَ، وأن يَبسُط بِساطَ الرَّحمة، ويزيدَنا مِن فِضله ما هو أهلُه، لا إلهَ إلَّا هو، خصَّنا بمحمدٍ ومَزاياه وأخلاقِه وصفاتِه وسجيَّته وطبيعتِه، وشريعتِه ودينِه وسنَّتِه، ورحمتِه ورأفتِه وعطفِه وحنانِه ومحبَّته وحرصُه الذي تحدَّث عنه في قرآنه، وأن يَشُقَّ عليه ما يشقُّ علينا (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، وبِتَجلِّي ما آتاه مِن جمالٍ وكمالٍ وجلالٍ باشرَ الصَّحابةَ منه مُباشرةً ما رأت أعينُهم ورأت قلوبُهُم ثم بَقي تلتقطُهُ أعينُ القلوب على مَمَرِّ الأزمان داعياً إلى الرَّحمن، دالّاً على الرَّحمن، موصلاً إلى الرَّحمن، فاتحاً أبوابَ رحمةِ الرَّحمن إلى الآن، سُبحانَ مَن أنزلَ عليه القرآن، سُبحانَ مَن خَصَّهُ بالفرقان، سُبحانَ مَن جعلَ به لنا مزايا نُدركُها في رمضان وقد مرَّت ألوفُ الرمضانات على مَن قبلنا لم يُدركوها، أما أيَّامَ رمضان فأدركوها أما ليالي رمضان فأدركوها، أما العبادة في رمضان فأدركوها، أما المزايا المخصوصة فما أدركَها أحدٌ قبلَنا.. لِعَظَمةِ الواسِطة.
انفتحت لنا بِه أبوابُ الوهُّاب وجودُ ربِّ الأرباب جلَّ جلاله، وكُنَّا خيرَ أمةٍ يتوالَى خيرُها، كُلَّما ظنَّ أعداؤهُ أنهم بلغُوا مرامَهم في الأمَّة وأنَّهم قد أنشبوا أذرِعتَهم وأظافرَهم في كلِّ واقعِها رأوا مِن لوامعِ نُورهِ ما يُبيِّن لهم أنه ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )، ويرونَ انتشارَ دينِه مِن جديد، ويرون ظهورَ آثارِ أنوارِه تُنبئُ عن تجديد، وأنَّ مُحكمَ ما مكَروا ودبَّروا إلى تبدِيد، ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) نَوِّر به قلوبَنا يا رب، وارزُقنا حُسنَ تلاوتهِ وفهمَ معانيهِ وإشارتهِ يا رب، واجعلهُ اللهمَّ قائدَنا إلى الجنَّة في المُنقلَب، يا الله.. يا الله.
ويا قلوبَ المؤمنينَ التي خفَّت صِلَتها بالقرآن استيقظُوا قبل أن يفوتَ الأوان، وارتَبطوا بِمِنَن الرحمنِ بأسرارِ القرآن، لِتعلموا أنَّ ما أُنزِلَ على سيِّدِ الأكوان ليسَ لهُ نظيرٌ في الأكوان، إنهُ كلام وخطاب وتنزُّل مُكَوِّنِ الأكوانِ الرَّحيمِ الرَّحمن الكريمِ المنّان، الله.. الله.. الله.. جامعكُم ومُسمِعكُم ومُسمِع ألوف مِن ورائكم ومُسمِع مَن في الأصلاب مِن الإنسِ والجان؛ لِيمتدَّ نورُ القرآن إلى ما كتب له الرَّحمن في قاصٍ ودان، بِواسطة سيدِ الوجود إمامِ أهلِ العرفان صلى الله عليه وآله وسلم، و( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ) ، ( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) فَوفِّرِ اللهمَّ حظَّنا.
يا أهلَ هذه المواطِن ما تعلمونَ ما بين يديكم مِن كنوز يفوزُ بها مَن يفوز، ولا تزالُ سببَ الإمدادِ مِن ربِّ العِبادِ لِهِداية العِبادِ في خافٍ وباد إلى طريقِ الهُدى والرشاد، وإخراجِهم مِن ظُلُمات الكُفر والإلحاد إلى سبيلِ التَّقوى لِرَبِّ العباد جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه، والتَّمسُّك بِسلاسلِ الفوزِ الأكبرِ في المعاد، وهي عطايا لا يُمكِن للجامعاتِ أن تُعطيَها، ولا للوزارات ولا لحكوماتِ أهلِ الأرضِ ودُوَلِهم، لكنَّ ربَّ الكُلِّ وإلهَ الكُل وخالقَ الكُل وربَّ العرش العظيم يُعطيها مِن هذه الأبواب بِواسطةِ سيِّدِ الأحباب، ويَمُدُّها لمَن شاءَ مِن العبادِ فيخرجُهم مِن مضيقِ الغفلة والكُفرِ والبُعدِ إلى فُسيحِ الرِّحاب مِن الذكرِ والاقترابِ والإيمان بِربِّ الأرباب، ونَيلِ الفَوزِ في المآب، والسَّعادة يومَ يقومُ الحِساب، بأمنٍ مِن سوءِ العذاب، ووُرودٍ على حوضٍ ما أحلى ما فيهِ مِن شراب، ورؤيةٍ للطَّلعة طلعةِ عالي الجناب، الرَّاقي إلى قوسِ قاب، صاحبِ أو أدنى، صاحبِ الكأس المُهنّأ، مُحمَّد! والاستظلال بظلِّ لوائهِ لواءِ الحمدِ حيثُ يكون تحت ذلك اللواءِ أنبياءُ اللهِ أجمعون، ورسلُ اللهِ أجمعون، والصدِّيقون والمقرَّبون، وفي زمانِنا مَن بذلك اللواءِ معهم يستظِلُّون، فحمداً لِمُعطي العطايا فوقَ ما يَحسِبُ الحاسبون، إنه الله، مُصطفِي مُحمدَ بنِ عبد الله، وإن كان بينَنا وبينهُ قرونٌ فلا يزال نورُه يُشرِقُه الربُّ في قلوبِ مَن يشاءُ مِن عبادِه، فيدخلُ في زمانِنا أعدادٌ من الإنسِ والجنِّ عرباً وعجماً مَشرقاً ومَغرباً في دائرةِ مَن لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحزنون! مَن يُعطي هذا!؟ أتقوى عليهِ الحكومات؟ أتقوى عليهِ المؤسسات؟ أتقوى عليهِ الوزارات؟ أتقوى عليهِ الهيئات؟ أتقوى عليهِ التكنولوجيا؟ تكنولوجيا مَن؟ وزارات مَن؟
مَلِكُ الدنيا والآخرة وحدَهُ يُعطي، وما فتح هذا العطاءَ وبابَه إلا مِن طُرُقِ الأنبياء، وسيِّدُهم قد أتانا، وخاتمُهم قد دعانا، وعلى المحجَّةِ البيضاء تركَنا بعد أن أنقذَنا وهدانا، فصلِّ يا ربِّ عليه أفضلَ الصلوات واجزِهِ عنَّا خيرَ الجزاءات، وشَرِّف أعينَنا برؤيةِ أنوارِ وجههِ المُشرِقات، وجَبهةٍ ما مثلَها في الجبهات، طلعة غرَّاء ووجهٌ أنور أزهر، ليس في الوجوهِ أوجَهَ منهُ لدى الحق، وجهُ أبي الزَّهراء مُحمّد، وجه أبي فاطمة أحمد، وجه المُصطفى المُمجَّد، شرَّفَ الله عيونَكم بالنَّظرِ إليه، يا ربِّ.. كلُّ حاضر وكلُّ سامع شَرِّفهُ بالنَّظر إلى الطَّلعةِ الغرَّاء والوجهِ المنيرِ الأزهر يا الله، في يوم المحشَر وفي خيرِ مستقَر، وفي البرزخِ مع كلِّ مُنوَّر، وعجِّلِ اللهم للكثيرِ مِنا بذلك في هذه الحياة، فأَرِنا مُحيَّاه..
أرِنا بفضلٍ منك طلعة أحمدٍ ** في بهجةٍ عينُ الرِّضا ترعانا
نُناديك بهذهِ النداءات وأنتَ واهِبُها والمُوَفِّق لها وحاشاك أن لا تجدَ الإجاباتِ مِن حضرة رحمتكَ يا واسعَ الرَّحمات يا بارئ الأرضين والسماوات.
أرِنا بفضلٍ منك طلعة أحمدٍ ** في بهجةٍ عينُ الرِّضا ترعانا
واربُط به في كلِّ حالٍ حبلَنا ** وحبالَ مَن ودَّ ومَن والانا
والمُحسنينَ ومن أجاب نداءَنا ** وذوي الحقوق وطالباً أوصانا
والحاضرين وساعياً في جمعنا ** ها نحنُ بين يديك أنتَ ترانا
وأنتَ الذي أحضرتَنا وأنتَ الذي وفَّقتَنا، وأنت الذي مِن هذا الخير مكَّنتَنا ولولاكَ ما دعوناك، ولولاكَ ما عرفناك، ولولاكَ ما رجوناك، أنتَ الله!
يا مَن دعاهُم الرَّحمنُ إلى موائدِ إكرامِه، وبسطَ لهُم واسعَ بِساطِ إنعامِه، ووعدهُم بمغفرتهِ وإحسانِه، ورحمتهِ ورضوانِه، وأقبلَ عليهِم بإذنهِ شهرٌ أولهُ رحمة وأوسطهُ مغفرة وآخرهُ عِتقٌ مِنَ النَّار، اقبلوا فضلَ الله، وأحسِنوا المعاملةَ مع الله، وتذلَّلوا لِعظمةِ الله، لا يبقَ في البيتِ قاطعُ رحم، ولا عاقُّ والِدَين ولا ذي شحناء، ولا مَن يقعُ في ورطةِ المسكرات والمخدِّرات لِتُدرِكوا شريفَ النَّظرات في أول ليلة من الليالي المباركات.
شهرٌ مباركٌ عظيم، جعل اللهُ فيه أجرَ النافلة مثلَ الفريضة، والفريضةُ بسبعينَ فريضة، ويُضاعَف فيه الثواب، الحسنةُ بألف حسنة، ذلك فضلُ الله يؤتيهِ مَن يشاء جلَّ جلالُه، يا ربِّ بارِك لنا في إقبالةِ شهرِ رمضان، وافتَح فيهِ أبوابَ الفرجِ لأهلِ الإسلام والإيمان، يا كريمُ يا منّان يا رحيمُ يا رحمن، يا من ابتدأتَ إنزالَ القرآن في رمضان اجعلنا عندكَ مِن أهلِ القُرآن، يا الله.. يا الله.. يا الله.. إكسيرٌ من الإكسير العزيزِ من العليِّ الكبير في بلاغات البشير والنّذير، حاصِلٌ معكم في مجالسِكُم ومجامِعكُم وأسرارِ أسانيدكُم إلى مصدرِ الفضلِ الربَّاني، لا يَليقُ بنا أن نتجاهلَه ولا أن نغفلَ عنه، هو سببُ الهداية، والإنقاذ مِن الغواية، وسببُ نشرِ الخيرات، ودفعِ الآفاتِ والمضرَّات، تُحِسُّ بهِ القلوب، فكلُّ ما سمعتُم مِن انجذابِها وشعورِها بملءِ فراغِها، عندما ترى متصلاً بمتصلٍ أو متخلِّقاً بخلق وُرِثَ عن الأكمل صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّما هي أنوارُ حضرةِ النُّبوَّة وصلت لِتُنقِذ، ووصلت لتُسعِد، ووصلت لتُرشِد، ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ).
( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) صدقتَ يا مَن يقول للشيء كن فيكون، ولو علم الكافرون ما عندنا وما نريدهُ إليهم لسابقوا هُم قبلَ غيرِهِم، ولكن فيهم من سبقَت عليهِ سابقةُ الشقاوة، فهو يعادي مَن يريدُ أن يَهدِيَه، ومَن يريد أن يُعليَه، ومَن يريدُ أن يُنقِذَه، وللهِ الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعد ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) – حِكمَةٌ مِن حِكَمِ المُقتدرِ المُقدِّر – ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) وأعلِن منهجكَ ومبدأكَ للكُل ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ) مَن هو هذا غيره الذي أبتَغيه بدلَه حَكَماً؟ مَن هو؟ أَمَ من كان نُطفة؟ أم مَن يعودُ جِيفة؟ مَن هو هذا أُريدهُ حَكَماً غيرَ ربي؟ ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )، فانظر مِن أين أضاءَ لكَ النُّور، ومَن اختارهُ لِيَدلُّكَ على الخيور ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) اللّهُمَ اجعَلنا مِنَ المُهتدين واهدِنا يا هادي في كلِّ خافٍ وبادي، يا أكرمَ الأكرمينَ ويا أرحم الرَّاحمين.
استقبلتكُم عطاياه وَهِباته، كيف لا نفرحُ بموسمٍ وُعِدنا فيه المَغفرة، ووُعدنا فيه الرَّحمة، ووُعدنا فيه العِتق، وهي مكاسِبُ أعظمُ مِن جميعِ ما في الدُّنيا، ليس الذي في زمانِنا والذي مضى والذي يأتي مِن بعدِنا إلى وقتِ النَّفخِ في الصّور، ليلة مِن ليالي رمضان فيها نظرة مِن الرَّحمن أعظَم مِن هذا كُلِّه، الممالك والدول والوزارات والهيئات مِن أيام آدم إلى وقتِ النَّفخِ في الصُّور.. أعظمُ مِن هذا كُلِّه وأجلِّ مِن هذا كُلِّه! فاغنَموها وخذوا نصيبَكم الواسعَ مِن كرمِ الإلهِ الواسع بتطهيرِ هذه القلوب عن الأدران، والصِّدقِ مع الرَّحمن جلَّ جلالُه، وإقامة الأمرِ بإصغاءٍ لآياتِهِ وكلماتِهِ، وأبعِدوا أسماعَكم وأبصارَكم وقلوبَكم عن ما يُذيعُ الغافلون وقطَّاع الطريق وَهُم كثير، شي في البرامج، وشيْ في الألعاب، وشيْ في الأسواق، وشيْ على الشاشات، وشيْ مكتوبات، وشيْ مسموعات ومقروءات، تضرُّكُم.. تقطعكُم.. تُبعِدكُم، صُمُّوا أسماعَكُم عنها، أغمضُوا عيونَكم عنها، ارفعوا قلوبَكم عنها، وأمامَكم نداءٌ طَيِّب ومناظِرُ حَسناء، تزيدكُم إيماناً، تزيدكُم يقيناً، تزيدكم قُرباً، توقِفكُم على الإكسير، وتكسوكُم بهذا الإكسيرِ العزيز، اطلبوها واستمعوا إليها، وأنصِتوا واصغُوا، وأبشِروا بفضلِ الله تبارك وتعالى الذي تكفَّلَ بما سَمِعتُم في آياتهِ جلَّ جلالُه ( وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا .. في الآية الأخرى ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ ) وإذا أبَى هو فَلِمَن القرار؟ مَن ينقُض هذا القرار؟ ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ.. ) مُحمّداً ( بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
اللهم لكَ الحمدُ شكراً ولكَ المنُّ فضلاً، انشُر أنوارَ الهداية وادفعِ الآفات والغوايَة، سيدَنا ومولانا ومَن أكرمتهُم بِنورِ الإسلام في هذه الأيام وقابلَهُم مِن أهليهِم إجحافٌ ومُجافاةٌ وإيذاءٌ أوصِلِ النُّور إلى أهلِيهم أولئك لِتَهديَهم ولِيكونوا عَوناً لهم، يا حيُّ يا قيُّوم اهدِهِم فإنَّهم لا يعلمون.. اهدِهِم فإنَّهم لا يعلمون.. اهدِهم فإنَّهم لا يعلمون يا أرحم الراحمين، قال لكَ الأمينُ المأمون هكذا، وقد شجُّوا جبينَه، وكسروا رباعيَّته وقتلوا سبعين مِن أصحابه، وما هي إلا أيّام وسنوات معدودات وعامَّتهم رجعوا إلى دائرةِ دينِك وصاروا أنصاراً لنبيِّك، تُبتَ عليهم بعدَ الكفر وحوَّلتَهم إلى الُهدى، اللهمَّ انشُر أنوارَ الهُدى، كما هديتَ إخوانَنا وأصحابَنا هؤلاء فانشُر الهدايةَ إلى أهاليهم وإلى ذويهم، وَعلِّمهم أنَّ في ذلك خيرَهم وسعادتَهُم في الدُّنيا والآخرة، يا ربَّ الدنيا والآخرة يا الله.. يا الله، وثبِّت إخوانَنا على إيمانِهم وزِدهم يقيناً وتمكِيناً وإرشاداً وإسعاداً وإمداداً وزَوِّدهم بزادٍ شريف، وابسُط لهم بساطَ التَّكريم والتَّشريف، يا برُّ يا لطيف يا أكرمَ الأكرمينَ، ذلِّل لهُم كلَّ صعبٍ ويَسِّر لهم كُلَّ عسير في سبيل القُربِ مِنكَ والوصولِ إليكَ ونَيل رِضوانِك الأكبرِ يا عليمُ يا عظيمُ يا غفورُ يا شكورُ يا الله.
ربَّنا والحاضرين والسَّامعين اجعل حظَّهُم مِن كُلِّ ليلة من ليالي رمضان وكُلِّ يومٍ من أيامِ رمضان وكُلِّ ساعةٍ مِن ساعات رمضان جسيماً عظيماً، تزيدهم به تقريباً وتكريماً، وترفعُهُم به يا مولانا عندكَ مقاماً عظيماً، يا الله يا الله.. يا الله يا الله.. يا الله يا الله، وبعضُ قلوبِ المؤمنين تشمُّ نفحَ طِيبِ رمضان مِنَ الآن، وتشرُق لها سنا نورِه فما أعجبَه! كان يفرَح به محمد وأصحابه والصَّالحون مِن بعده، وكانوا يحسنون استقبالَه وتنبسط لهم فيهِ مجالاتُ العطايا والمِنَح، جعلنا اللهُ مِن خواصِّ أهلِ هذا الشهر، يا ربِّ بارِك لنا فيه وفي قدومِه وفي ليلتِه الأولى، واجعل لنا كلَّ ليلة خيراً مِن التي قبلَها، وكلَّ يومٍ خيراً مِن الذي قبلَه، وكلَّ ساعة خيراً مِن التي قبلَها، يا أرحمَ الراحمين.. يا أرحمَ الراحمين.
فلا مجالَ لأن يضيعَ في اختلاطٍ ولا أسواقٍ ولا ألعاب، ولا أن نُستَتبَعَ لأهلِ الدناءةِ مِمَّن كانوا، وهو جَديرٌ بأن نحيِيَه وأن نقوِّمَ صيامَه كما ينبغي "مَن لم يدع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامَهُ وشرابَه" إنما هو رمزٌ وإشارةٌ أنكَ مِن أجله تتركُ ولو قِوامَ حياتِك في الساعات التي فرضَها؛ فكيف بما ليس قُوامَ الحياة، من أجلِهِ تترُك ومِن أجلهِ ترفُض ومن أجله تُجانِب الشَّهوة "يدعُ طعامَهُ وشرابَه وشهوتَه مِن أجلي" ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يضاعفُ له إلى سبعمائةِ ضِعف قال الله: ( إلا الصوم فإنهُ لي وأنا أجزي به )، وَنِعمَ المُجازِي ربُّ العالمين جلَّ جلالُه وتعالى في عُلاه.
فأقبِلوا بِصِدق، وادخلُوا في خيار الخلق، يا ربِّ بارِك لنا في شهرِنا، أحسِن لنا خاتمةَ شهرِ شعبان وبلِّغنا رمضانَ على التَّمام، وارزقنا حُسنَ القِيام والصِّيام، واجعله مقبولاً لديك يا ذا الجلالِ والإكرام، وحُسنَ تلاوة القرآن على النَّحو الذي يُرضيك، وافتح لنا عن أسرارِه ومعانيه يا أكرمَ الأكرمين.
أيها الصَّادق لا تتتبَّعَ آخِرَ مؤذِّن لصلاةِ الفجر، ولا أوّلَ مؤذِّن لِصلاةِ المغرب، وكُن على الاحتياط إذا تيقّنتَ الغروبَ عَجِّل بالإفطار، وقبلَ أن تقعَ في الشَّك أَخِّرِ السُّحور، فإذا جاء وقتُ الشَّكِّ فابتعِد ولا تتتَبَّعَ آخر واحد يؤذّن، فُربَّما أذَّنَ بعد طلوعِ الفجرِ بِمُدَّة ودقائق.. فلا تُعرِّض صِيامَك العظيمَ الأجرِ لأجلِ دقائقَ بأن يُحبطَ كُلُّه ولا يبقَى لك منه شيء، أو تتعرَّض للضِدِّ، رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء أقواماً مُعلَّقين بعراقيبِهم مُشقَّقةً أشداقُهم تسيلُ دماً وقيحاً، مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يُفطِرون قبل تَحِلَّة صومِهم، يُفطِرون قبلَ أن يَحِلَّ لهم الصوم. فاحتَط، وعَجِّل بالإفطارِ عند تيقُّن الغروب، وأخِّرِ السُّحورَ ما لم تَقع في شك، وابتعِد عن الشَّك، وأقِم صِيامَكَ تريدُ به وجهَ من مَلَك جلَّ جلاله والقُرب إليه.
اللهم اجعلنا في المقبولين، اللهم اجعلنا في المَوصولين، اللهم اجعلنا في المُنظورِ إليهم بعينِ الرحمةِ والعفوِ والغفران، والعِتقِ مِن النار، والعِتقِ من الذنوب، والعِتقِ مِن العيوب، والعِتقِ من الغفلة يا الله، والعِتق مِن الأسواء والأدواء مِن حيث أحاط بها عِلمُكَ يا عالم السرِّ والنجوى، يا الله ادفع عنَّا كُلَّ بلوى، وأنِلنَا فوق الرجوى، وعامِلنا بما أنت أهلُه يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين في كُلِّ حالٍ في الدنيا والآخرة وأهلِينا وأولادِنا وأصحابِنا وأحبابِنا وذَوِي الحقوقِ علينا برحمتِك يا أرحمَ الرَّاحمين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
27 شَعبان 1442