(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 23 ذو الحجة بعنوان: رعاية عهد الله وميثاقه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، مُكرِم هذه الأمة ومُخصِّص هذه الأمة، ومُميِّز هذه الأمة، ومُعِز هذه الأمة بنبيِّها نبيِّ الرحمة، سيد الأنبياء وخاتم الأنبياء وسيد الأصفياء، وإمام الأتقياء، حبيب الرحمن، المُنزَل عليه القرآن، الذي كنا به خيرَ أمة أُخرجت للناس، فكان لنا أقوى أساس في القرب مِن ربنا جل جلاله، وفي الفهم عن ربنا سبحانه وتعالى، فحفَّت بنا ألطافٌ وعناياتٌ وتأييداتٌ من الرب جل جلاله، وخيراتٌ ورحماتٌ كثيرات، وتوفر الحظُّ مِن تجديد العهود مع البَرِّ الودود، الملك الحق المبين سبحانه وتعالى، ومع أفراد هذه الأمة وجماعاتها في جموعاتها ومجتمعاتها وفي توجُّهاتها وفي مجالسها وفي تعرُّضها لرحمات الله تبارك وتعالى، تتجدَّد عهود للوافدين إلى مواطن العلم أو مواطن التقوى، والتزكية، أو القائمين بشأن الدعوة إلى الله، أو الوافدين إلى عرفات حيث كان بجانبه أخذُ العهد الأول والميثاق الكبير بين هذا الصنف من البشر من بني آدم وبين ربهم الإله الأكبر جل جلاله وتعالى في علاه، وفي ذلك الميثاق حضر جميعُ بني آدم، مؤمنُهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، أولهم وآخرهم، من وعى من لم يعِ في هذه الحياة، على انقسامهم عند بروزهم في هذه الدنيا وعلى ظهر هذه الدنيا، بهذه الانقسامات الكثيرة التي ترونها في أفكارهم، وفي علومهم، وفي مدارِكهم، وفي معارِفهم، وفي وجهاتِهم، وفي أخلاقِهم.. الكل حضروا، حضرت أرواحهم في عالم الذرّ أخذَ ذاك الميثاق بيننا وبين الخلاق جل جلاله، وأشار إليه بقوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى) بلى هو ربنا جل جلاله وتعالى في علاه.
لا يجوز لأحد منا أن يغفلَ عن هذا الرب، وينساه ويتخذ له رباًّ من الهوى، ولا من العادات ولا من أقاويل الطوائف والجماعات المختلفة، من كل متبجِّح بما لا طائلَ تحته، ومِن كل مدَّعي، ومن كل فرِح بما هو أحقر من جناح البعوضة، فرحوا بالحياة الدنيا (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ* أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) ويقول سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)، ولهم ذلك الفضل من الحقِّ سبحانه وتعالى وهذا مظهرُهم في هذه الحياة..
ولكن كل هذه الأصناف أُخذ عليهم العهد، (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) واليوم اتخذوا أربابَ الهوى والشهوات والتطاول على الفانيات والتصارع والتنازع على هذه المنقضيات والاغترار بالاكتشافات والاختراعات وما إلى ذلك، واتخذوها آلهة وأرباباً من دون الله، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ)..
وقال له في الآية الأخرى (أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) هؤلاء قطعوا الحبال بينهم وبيننا، وبينهم وبينك، من يتوكل عليهم؟ فما لهم والعياذ بالله تعالى، إلا جزاء ما عملوا وارتضوا لأنفسهم.
فكانت للوفادة على عرفة تجديدٌ لهذه المواثيق الكبيرة الغليظة، وما يمكن أن يوجد في العالم ميثاق أكبر من هذا، ولا أغلظ من هذا، لا بين المؤسسات ولا بين الدول ولا بين الشعوب ولا بين الجماعات، كل المواثيق دون هذا.. هذا الميثاق الأكبر بيننا وبين العليّ الأكبر، الذي منه المبتدأ وإليه المرجع وإلى حسابه والوقوف بين يديه نُحشَر، سبحانه وتعالى، خالق الجنة وخالق النار، وقد خلق لكلٍّ منهما أهلاً منّا، أهل الجنة وأهل النار، وقال هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، (إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً، فهم بعمل أهل الجنة يعملون) اللهم اجعلنا منهم، (وخلق النار وجعل لها أهلاً، فهم بعملِ أهل النار يعملون) أعاذنا الله منها، سلَّمنا الله منها، نجانا الله منها، حفظنا الله منها، صانَنا الله منها، وأهلينا وأولادنا وأصحابنا إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
والوفادة إلى بيت الله تجديدٌ للعهد، والوفادة إلى سيد أهل الميثاق والعهد، الذي ما عرف الخلْق يقولون بلى إلا بعده، وإلا بإمامته، قال بلى فقالوا بلى، وسجد للرب فسجدوا فكان هو الإمام، صلوات ربي وسلامه عليه.
ونِعم الإمام، اللهم اجعله إمامنا في كل خصلة، وفي كل فعلة وفي كل قولة، وفي كل حركة وسكون، يا ما أسعدنا إذا كان إمامنا أسعد الخلق، حبيب الحق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) وهذا رسولنا الأكرم، قلوب من أبنائنا وبناتنا استهزأت بمكانه ومقامه واتخذوا لهم أئمة غيره، وربما طلبوا العزةَ بغاية الذلّ، بالتبعيّة لمَن خالفه في قول أو فعل، يا حسرة عليهم، يارب أنقذهم وأنقذ قلوبهم، وأخرِجهم من الظلمات، ونوّرهم بالأنوار المضيئات يا مَن هو وليُّ الذين آمنوا، (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، أخرجنا والأمة من الظلمات إلى النور، ووثِّق اتباعنا لحبيبك محمد بدر البدور، فالوفادة إلى مدينته وإلى مسكنه وإلى موطنه وإلى مسجدِه وإلى حُجرته وشبَّاكه تجديدٌ للعهد مع الله سبحانه وتعالى، وقد عاهدَنا أن يكون ربنا هو وحده، لا ربَّ لنا سواه، وأن نرفض عبادةَ الشيطان وما جاء به (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) فكيف نعبده؟ نتبع محمد، كيف نمشي على الصراط المستقيم؟ نتبع عبده محمدا صلوات ربي وسلامه عليه. فنعم الإمام هو، ونعم القدوة هو، ونعم المُتَّبع هو، يارب نظرة إلى عقول المسلمين وقلوبهم يارب، يُحِلُّون نبيك المحل الذي أحببت أن يُحِلُّوه، وينزلونه المنزل الذي أحببت أن ينزلوه، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) هذا منزل محمد، أنزله الله فيه، أيها المؤمن فلا تُنزل غيره فيه فيسحقك الله ويغضب عليك الله، هذا منزل محمد وحده، الاتباع والانقياد الكامل له رجاءَ رضوانِ الحق ومحبة الحقِّ سبحانه وتعالى، (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فلا طريقَ إلى محبة الله إلا باتباع النبي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وإن الشيطان ليدعو إلى خلخلةِ الصلة بهذا العهد والميثاق ليوضَع غيره في الاتباع، ومنها ما يُثار على كثير من الناس في زمنِنا ووقتنا من الإغراء بوهمِ العقول، تعرف وهمَ العقول؟ وهم العقول لإنزال العقول غير منزلها، مخلوقة، حواس، مخلوقة خلقها الله لنا، لنستبصر بها ولنتذكر، لا لنعبدها، ولا لنخضع لها، لنستعملَها، نستعمل العقول، ما نعبد العقول! نستعملها، نستخدمها، نحطها محلها، نتمتع بها بما متعنا الله كالأسماع والأبصار، هذه منزلة العقول، أما أن تتحول إلى إله معبود، فهذا الذي يكيده عدوُّ الله إبليس وجنده، وبئس الجنود، ويأخذون به ذا وذاك، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) لابد مِن تحكيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ورعايتنا لشان هذه العقود الكبيرة الغليظة العظيمة، أعظم العهود والعقود بيننا وبين الله، يقول سبحانه وتعالى، (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ )، (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)، (وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) فلابد لنا من الوفاء بعهد الله، وهو غاية ما نصنعه في هذه الحياة، تحت أي ظرف كان، وتحت أي حالة كانت، فلا ينبغي أن تلهيَنا حوادث الحياة عن ربِّ الحياة وموجدها وخالقِها وقيامنا فيها بما ينبغي لنا، بما يتوجه علينا، بما يلزمنا من تحقيق العبودية (وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
العبودية له سبحانه وتعالى، بتحقيق الإيمان والإسلام، العبودية له بتسخير الأعضاء للشريعة المطهرة والعمل بها والكفِّ عما حرم الله، العبودية له سبحانه وتعالى بأداء حقوق الوالدين والأرحام، العبودية له جل جلاله بتربية الأبناء والبنات وحراستهم من هذه التيارات الجارفة الظلمانية الفاسدة المفسدة التي تفسد العقول وتفسد القلوب وتفسد الأخلاق، وتفسد المعاملات، حراسة ديارنا وحراسة أبنائنا وبناتنا من ذلك وفاءً بعهد الله، اختيارنا للزيّ للّباس للهيئة للطريقة لما نحيي به أفراحنا في زواجاتنا أو مناسباتنا المختلفة، لما نعمله عند الشدائد من الوفاة ومن حلول النوازل وغيرها، اختيارنا للهيئة، للأسلوب للكيفية، للسُّنة للاتباع، وفاءً بعهد الله جل جلاله، عبودية لله سبحانه وتعالى، (وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ).
وإذا تأملنا كل عبادة، وجدنا الإمام في العبادة أول العابدين وسيد العابدين، يقول الله ( قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)، قال الله له حبيبه محمد قل لهم أنا أول عابد، عبدت الرب قبل ما يخلق السماوات والأرض، روحي والنور الذي خلقه أنا أول عابد، لو كان سيتخذ ولد فأنا أول عابد ، حاشاه، حاشا الرحمن (اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
أول العابدين وسيد العابدين وإمام العابدين، قال في مستوى العبادة وبساطها (لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا اتباعي)، الإمامة له والتقدِمة له، ومركز القدوة له، والأنبياء من ورائه، الأنبياء الذين هم قدوات لمن سواهم إذا حضر هو دخلوا في دائرته، وانطوَوا في حضرته وكانوا في تبعيَّته، وسيرى من يدرك من أجيال هذه الأمة عيسى بن مريم نازل على ظهر الأرض يتقرب إلى الله بتبعيَّة محمد، والاقتداء به والعمل بسننه، وتطبيق أقواله وأفعاله وأحكامه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فلا يكون في الأمة خير في المتابعة لمحمد وأشدّ من عيسى بن مريم، ونبي يتبع نبي، ويعرف كيف اتباع النبي، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وفي القيامة تحت اللواء كلهم، والله يجعلنا معهم.
وبهذا الوفاء بهذا العهد الأكبر نقضي أعمارنا استعداداً للقاء الله، وتنقضي علينا الأعوام عام بعد عام، نودع في هذا الأسبوع والأمة معنا تودع عاماً من أعوام هجرته عليه الصلاة والسلام، ينقضي بانقضاء شهر ذي الحجة، عسى الله يختمه لنا وللمسلمين بخير، يختمه لنا وللأمة بصلاح، وبنجاح وبتوبة وبإنابة وبإبعاد للظلمات، من العقول ومن القلوب يا الله، بظلمات في قلوب وعقول المؤمنين قادهم الكفرة أعداؤك إلى التطاحن وإلى التحارب وإلى التَّخالف وإلى التنازُع وإلى التقاتُل، وقادوا مَن قادوا منهم إلى اتباع الشهوات والاستهزاء بسُنَنِك، والاستهزاء بشريعتك وبدينك.. فيا الله بدِّل هذه الظلمات إلى أنوار، نوِّر قلوب المسلمين، نوِّر عقول المسلمين، نوِّر ديارَ المسلمين، نوِّر دربَ المسلمين، أغِث المسلمين، تدارَك المسلمين، أنقِذ المسلمين، اجمع شملَ المسلمين، ادفع البلاءَ عن المسلمين، يا أرحم الراحمين، بالحاجِّين والمعتمرين، وزائري سيدِ المرسلين والعاملين بالطاعة في كل مكان وفي كل حين.. يا الله.
بأسرار طاعتِك تدارك أمةَ حبيبك وأنقِذ أمةَ حبيبك، وفرِّج كربةَ أمةِ حبيبك، واجعلنا في خيارِ أمة حبيبك، وأنفعِ أمة حبيبك لأمةِ حبيبك يا الله ، بما بينك وبين هذا الحبيب المحبوب ائذن بكشفِ الكروب، ودفعِ الخطوب، وأصلح شأننا وارزقنا الاستقامة، فبها النجاة، ولا تطلبوا نجاةً من حوادث الزمان ولا من شدائد الموت ولا من أهوال القبور وأهوال يوم البعث والنشور إلا بالاستقامة، اطلبوها في الاستقامة، فالله جعل بابَها ومفتاحَها الاستقامة، استقيموا على منهج الله ينجيكم وأهلكم وأولادكم وبلدانكم وينقذكم من هذه الطامات، ومِن تسلُّط أعدائه، وإنما يسلطهم على قدرِ غفلتنا عنه، على قدرِ بُعدنا عن سبيله، على قدر إضاعتنا لسُنةِ نبيه، يسلِّطهم علينا، وإذا صدقنا معه ذلَّلهم لنا، وسخِّرهم لنا جل جلاله، (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) لا في الدنيا ولا يوم القيامة لكن بحسب التحقُّق بحقائق الإيمان، بحسب التحقق بحقائق الإيمان أنت محرر من أن يتسلط عليك الكفار والفجار بالسلطة التي تضرك وتقطعك أو تجلب لك شرَّ الدنيا والآخرة.
إذا أدركنا هذه الحقائق لم تغرّنا الصور والمظاهر، وسرنا على طلب للاستقامة، قل لي يا رسول الله – يقول له الصحابي - قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال : (قل آمنتُ بالله ثم استقم )، ولا تزال الدنيا تحمل لكم نتائج التجارب، تجارب المخالفات آفات، تجارب التبعيّات رفعات، في الدنيا والآخرة، غير هذا لا يوجد في الحياة، الحياة كلها تشير إلى هذا، هذه غايتها وهذه نهايتها، وإن تُرِد غروراً لمدة سنة أو سنتين أو أكثر اغتر لك، وسيضيع عليك شيءٌ كثير والعاقبة هذه، غير هذا لن تجده قط!، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
كل الشرف والعزة والرفعة بالتبعيّة بالعبودية بالإيمان باليقين بالسُّنّة، بالاقتداء بالاهتداء؛ وكل الشر والسوء والضر ظاهرُه وباطنه بالمعصية، بمخالفة الشريعة باتباع الهوى، بالخروج عن سنة محمد، ولا تتعب نفسك، هذه الحقيقة وحدها، والوساوس غيرها كلها كذب، لا تصدق الكذابين، ربك أصدق، نبيك أصدق، الصالحون أصدق، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)، الله يُلحقنا بهم، ويثبّتنا على دربهم.
ولا تجعل الكذابين عندك محل الثقة والعياذ بالله، فإن من مظاهر الفساد والانحراف في الأمة وقرب قيام الساعة لانكشاف الحقيقة، أن يُخوَّن الأمين، وأن يُؤتَمن الخؤون، وأن يُصدَّق الكذوب، وأن يُكذَّب الصادق، علامات قد ذكرها، وسطروا فيها تسطيرات، وبنوا عليها قوانين وقرارات، الخائن أمين والأمين خائن، الصادق كذاب والكذاب صادق، صلّحوا قرارات عليها في العالم، هذه العلامات وهذه الآيات التي حدَّث عنها خير البريات لكن لا يتحول الأمين إلى ساقط ولا إلى خائب لا في الدنيا ولا في الآخرة بقراراتهم مهما عملوا ولن يتحول الخائن إلى مفلح ولا ناجح لا في الدنيا ولا في الآخرة مهما قرروا ومهما رفعوا ومهما أصدروا من قرارات، لا تزال المحكمة الكبرى تتابعهم، أو هل نسيت المحكمة العليا أنت؟
الأمم في دولهم أقاموا محكمة ابتدائية ومحكمة جزائية ومحكمة استئناف وبعدين محكمة عليا، إذا جاء عندها الأمر خلاص انتهى! المحكمة العليا مقبلة علينا وعليهم كلهم، مقبلة على الخلق كلهم، والحكمُ حكمُه جل جلاله، وتعرف بعد ذلك مقدار القوانين ذي والتفاهات، والكذب والنفاق الصور الزائفة التي في العالم يُعرف قدرها، والشرف لمحمد والله، الله يجعلنا معه، اللهم شرِّفنا بقُربه، شرِّفنا بحبِّه، شرِّفنا باتباعه، اجعل أيدينا مشرَّفةً بمتابعته، وعيونَنا مشرفةً بمتابعته، وأسماعَنا مشرَّفةً بمتابعته، وقلوبنا مشرفةً بمتابعته، وفروجَنا وبطوننا وأرجلنا وجميع أعضائنا وأرواحنا مشرَّفة بمتابعته ومحبتك ومحبته، ومودتك ومودته، واعمر بذلك يا ربي سرائرنا برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين.
احشرنا معه (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
يارب بيُمن المجامع الميمونة، الجامعة عليك، وما يتنزل في ذا المجمع اجمع هذه القلوبَ على صدق الوِجهة إليك، وحسن الظنّ بك، وصدق الوفاء بعهدك، والإنجاز للوعد الذي وعدناك، يا أرحم الراحمين، (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وكل حاضر معنا وكل سامع لنا، اجعل له نصيب مِن سرِّ ما خبأت من خبايا الفضل الامتناني بوجاهة صاحب الشرف العدناني حتى يحوز في ليلته طُهراً في باطنه، ونقاءً في سريرته، وصدقاً في وجهته وإقباله، وتوثُّقاً بالعهد الذي عاهدته عليه لا يخون فيه، حتى نلقاك يا الله، ما نطقتم باسم أعظم مِن هذا الاسم يا الله، يا ما أجمله ويا ما أجملكم به، فجمّلِوا أنفسكم بيا الله، وزيِّنوا أنفسكم بيا الله، زيِّن بها لسانك وزيِّن بها جنانك، إذا خرجت من قلبك زُيّن القلب، طُهِّر القلب..
قل بقلبك يا الله، ووراء القلب روح زينتها بنداء الحق قدوس سبوح، فقل من وسط قلبك ومن وسط روحك يا الله؛ ووسط الروح سرّ هو محل المشاهدة إن كنتَ تعقل وإن كنتَ تبصر وإذا زيّن اللهُ باطنَك باسمه الكريم كشفَ لك عن نور الأسماء والصفات ما نلتَ به الحظَّ العظيم فقل بقلبِّك وروحك وسرِّك يا الله، يا الله، أسعدهم يارب بندائك، ولا تجعلنا بندائك أشقياء، ولا تجعلنا بدعائك أشقياء (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا). ما شقي أحد بدعائك ولا شقي أحد بندائك فأسعِدنا مع السعداء، وزيّنّا بزينة التقوى، وأصلِح لنا السرّ والنجوى، واجعل كلَّ فردٍ منّا ومنهم عنصراً من عناصر الهدى والخير في الأمة، وسبباً يا مولانا لنشر الهدى ولنشر الخير وغلقاً لأبواب الشر والفساد والضرّ، وسبباً للفرج للمسلمين، يا الله، بما تنطوي عليه بواطنُنا وبما نُبديه من جوارحنا وبما نسعى فيه من نياتنا ووجهاتنا اجعلنا أسباباً للخير، مفاتيحَ للخير مغاليق للشر، سبباً للفرج عن المسلمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، فرّج على المسلمين، واجعل العام ينختم لهم بخير ويقبل العام المقبل بخير يارب، ويقبل العام المقبل بخير يارب، ظاهر وباطن في الأحوال والشؤون كلها يارب العالمين.. ويا أرحم الراحمين..
توجهوا إلى الله للأمة أجمعين وقولوا : يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، فرّج على المسلمين.
22 ذو الحِجّة 1435