(536)
(228)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على دواعي الحق التي تدعونا، وحادي القرب الذي يحدُونا، ومنادي الهدى الذي ينادينا..
الحمد لله على امتداد أنوار الفضل الرباني، الذي أبرزه الله سبحانه وتعالى، وأوجده في العالم بذاتِ المُنزل عليه المثاني، صاحبِ الشرف العدناني، حبيبِ الله محمد؛ فكان الداعي الأكبر، والحادي الأنور، والمعلم الأطهَر، الذي أحسنَ التعليم، والهدايةَ إلى الصراط المستقيم، وكان في الصراط المستقيم سيدَ أهله، والقدوةَ لأهله، والمقدَّمَ على أهله، والذي يرجع إليه جميعُ أهلِه، جميع أهل الصراط المستقيم، مقدَّمُهم نبيُّنا العظيم، وإمامُهم حبيبنا الكريم، وله لواء الحمد يحمله في اليوم العظيم، وهم تحت هذا اللواء، ولنا الشرف إن استظللنا بظلِّ هذا اللواء.
فإن كانت حقيقةٌ كبرى ستظهر منه في الدار الأخرى، فإن منه حقيقة تلوح لأهل البصائر، يستظل بظلِّها مَن يستظل مِن كل ذي قلبٍ منيبٍ طاهر، خاشع خاضع للعليِّ القادر، يمتثل الأوامر وينتهي عن الزواجر، ويلاحِظ نظرَ الناظر، نظرَ الله سبحانه وتعالى إليه، اطلاع الله جل جلاله عليه، إحاطةُ الله به، قدرةُ الله عليه، انكشاف باطنه وظاهره لعِلم العليم، وأنه لا يسعه ولا ينجيه في الدنيا والآخرة إلا رحمة هذا الرحمن الرحيم، وإن مفتاح باب الرحمة القدوة العظيم، والحبيب الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، سيد أهل الصراط المستقيم، نور أهل الصراط المستقيم، إمام أهل الصراط المستقيم، مقدَّم أهل الصراط المستقيم، صفوة أهل الصراط المستقيم، محمد الرؤوف الرحيم، حبيب الإله العظيم، صاحب الخُلُق العظيم، صاحب الدين العظيم، صاحب المنهج القويم، يا رب صل عليه وسلِّم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، صلاة وتسليماً تثبِّت بها قلوبَنا أجمعين وقلوب من يسمعنا على اتباعه، وترزقنا في الصراط المستقيم الاستضاءةَ بنور شعاعه، فإنك سميتَه السراج المنير، ومن استضاء بالسراج المنير تنوَّر، وتصفَّى وتطهَّر، وارتفع قدرُه، وعظُم شأنُه وأمرُه، وصلح سرُّه وجهرُه.. فالله يشرِق أنوارَ هذا السراج على قلوبنا، وعلى أفئدتنا، ويثبِّت أقدامنا.
إنكم ترون أهل الشرق والغرب، أين تتزلزل أقدامُهم، والزلزلة هنا موجبة للزلزلة هناك.. تزلزل من معصية إلى زلة، إلى ذنب، إلى خطيئة، إلى كِبر، إلى عُجب، إلى تطاوُل على السابقين واللاحقين، إلى تكبُّر، إلى غرور، إلى إيثار للحقير الفاني، إلى تطاول باللسان، إلى تطاوُل باليد على حقِّ الغير أو على عِرْض الغير، إلى تصديق للكذوب، إلى تأمين للخَئُون، إلى تكذيب للصدوق، إلى تخوين للأمين، في هذا يتزلزلون في هذا العالم، ويصرفون أنظارَهم إلى ما حرَّم الله، وأسماعهم إلى ما حرم الله، ويمشون بأيديهم وأرجلهم إلى ما حرم الله جل جلاله، تزلزلت أقدامُهم في هذه المهاوي، وهناك إذا نُصب الصراط تتزلزل الأقدام التي تزلزلت في الدنيا.
فيارب ثبِّتنا على الحق والهدى *** ويارب اقبضنا على خير ملةِ
إنما مقصود حضورِك لمثل هذا المجلس أن يثبت قدمك في بقية الحياة، وتثبت يوم المرور على الصراط، وإن ساعدك الحظ، ولك الحق بعين العناية لحظ، كان مرورك مع الحبيب المصطفى، كان مرورك في زمرة ذاك السَّعْف الأشرف المقتفى.. اللهم مُرَّ بنا معه على الصراط، اللهم مُر بنا معه على الصراط..
أين من يرغب في هذه العطايا الكبيرة؟ والمنح العظيمة الجليلة الخطيرة؟
اغترَّ أكثر الناس بما يُرَغَّبون فيه، من الحقير من الفاني من الزائل، من المظاهر من الصور، من المُرتَّبات من المراتب الدنيويات، من المساكن من الملابس، من المطاعم من المشارب، من الوظائف وغيرها، رغبوا فيها، ركنوا إليها، ولو علموا لِمَ خُلقوا لأحسنُوا النظر إليها فحولوها إلى خادمة، ووجهوا ذواتهم وهممهم إلى أن يخدموا العليَّ الأعلى، بخدمة المصطفى، وخدمة المصطفى بخدمةِ شرعه، وأئمةِ شرعه، بخدمةِ دينه، وأئمةِ دينه، بخدمةِ منهاجه، وحاملي منهاجه، من ورثته المستضيئين بنور سراجه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فيحيا رفيعَ القدر، رفيعَ الهمة، لا يرضَى أن يخدم النفس الأمّارة، التي لا تشفع له، ولا ترفع قدرَه، ولا تتوسط له إلى رِضى ربها، ما دامت أمّارة قط قط.. تتهيأ لأن تكون خادمة في سبيل رفعتِه إذا ارتقت إلى اللوامة، فأحيطت بعناية الله تعالى، فأحسنَت عتابه على التأخُّرات، وعلى التكاسلات، وعلى التخلُّفات، وعلى الالتفاتات إلى الكائنات الزائلات، والتخلُّف عن ركبِ أهل الإنابة والإخبات، في مختلف الأوقات والساعات، آناء الليل وأطراف النهار، لامَته وعاتبته فاستحيا، فحيي، واتبع سبيلَ الإحياء بمرافقةِ أحياء القلوب، وعسى الله بأحياء القلوب يرحم موتاها، يارب، ما بيننا من ميِّت القلب ارحمه بأحياء القلوب، كما أحييت قلوباً ارتضيتَها فانظر إلى قلوبنا وأحيِها من موتها، فإن في قلوبنا من مات بإيثار غيرك، من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر، وتقديم أمر فوق أمرك، وتقديم توجيه على توجيهك، وتقديم مراد على مرادك.. فيا محيي يا مميت، حوِّل موتى هذه القلوب إلى حياة بإيثارك على ما سواك، تقديم أمرك على كل أمر.
تزاحمت عليكم الأوامر من ذا ومن ذا ومن ذاك، وأولها من نفوسكم .. ارفضوها وأمر الله هو المقدم ولك التقديم، قدِّم أمر الله ولك التقديم، عظِّم أمر الله ولك التعظيم، كرِّم أمر الله ولك التكريم، وإلا فضدُّ ذلك موجود، ضد ذلك موجود، إذا ما كرّمت ولا عظّمت ولا قدّرت أمره، فالضد موجود، ستهبط ولا يرفعك أحد، ستُخفض ولا يُعليك أحد، لأن أمر الخفض والرفع بيد واحد هو الخافض الرافع وحده جل جلاله، (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يرفع درجات من يشاء سبحانه ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) جل جلاله وتعالى في علاه، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ) على قدر الإيمان، (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) على قدر نور العلم وصفاء العلم والصدق في العلم والعمل بالعلم والقيام بحق العلم، (دَرَجَاتٍ ) (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)..
إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فلا الفخرُ فيها ولا العزُّ ولا الشرف ولا الكرامة وليست ميزاناً ولا مقياسا إلا عند من توهَّم، وعند مَن ظلم، وعند مَن تخيل، وعند مَن خُدِع، ولكن أين الغِبطة لأربابِ المنكسرةِ من جلال الله؟ أين الغبطةُ للعيون الدامعة من خشية الله في الخلوات حيث لا يراها إلا الله؟ هم أهل الفخر، أين الغبطة لأرباب اليقين الذين صار الغيبُ عندهم كأنه شهادة؟ وقال سيدنا أبوبكر الصديق وقال سيدنا علي بن أبي طالب: "لو كُشف الغطاء ما ازددت يقينا" فانتهَوا في اليقين أعلى المراتب، ووُهِبوا من الحق أعظم المواهب، فسبحان الكريم الواهب.. يارب أشرف ما ينزل من سماواتك إلى أرضك اليقين، فشرِّف قلوبنا بنور اليقين، علم اليقين، عين اليقين، وحق اليقين، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين. يُرثى من مرَّ عمرُه ولم يطلب هذه المطالب من الكريم الواهب مولى المواهب، من لم يعلق قلبه إلا بالسفاسف واللفالف والسواقط وكل تالِف، وموجبات المتالف، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
وإذا أُكرمتم بجمعٍ يُطلب فيه ربُّ العرش أن يهبَ هذه المواهب الكبيرة، فكونوا على أدبٍ لتتخلَّقوا بأخلاق الطالبين لهذا العليِّ الأعلى، فحقٌ لمن وقف بين يديه، أن يتذلَّل له، ويفوِّض الأمر إليه، وأن يخجل من الاعتماد على ما سواه، ويتشبثَ بالتوكل والاعتماد عليه، ويتحقق بسر:
رب عليك اعتمادي.. كما إليك استنادي
صدقاً، صدقاً وليس الصدق لكل أحد، وليت من قال فقد صدق، نقول أقوال المقربين وأقوال العارفين وأقوال المصدقّين فيا ليت بمجرد القول نلحق بهم، ولكنا نقول وإن اقترن القول باعترافٍ بالاقتراف، وإنصافٍ من هذه النفس دون انتصاف، وتشبُّهٍ بهم في الاقتداء في الأوصاف، رجونا أن يجبر اللهُ كسرنا بهم، وأن يبدِّل الله نقصنا بما كمّلهم، وأن يرفعنا من الحضيض إلى الأوج العلِي، في المعرفة به واليقين، آمين اللهم آمين.
قلَّ في العالم مَن يعرض هذه البضائع الغاليات، وينادي إلى هذه المراتبِ الرفيعات، وما سرُّ هذا النداء؟ إلا بقاء الباقي وإبقاؤه نداء المصطفى في الأمة إلى آخر الزمان، بما حكم به من الفيض والامتنان، فأبقى فينا هذا النداء إلى الهدى، يُنادى إليه كلُّ من عقل، وكل من له سمعٌ، وكل من له قلب ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)
أتغرُّك القلائل؟ أتغرُّك الرذائل؟ أيغرك الباطل؟ والمنادي الأعلى يناديك ليُعليك ليطهرَّك ويصفيك، لتدخل في من يصطفيهم باريك، جل جلاله، فإن له في كل زمن مَن يصطفي، مِن كل بَرٍّ تقيٍّ وفِي، بعهد الله يفِي، وغيظه لا يشفي، لأنه يُحسن تقوى من يعلم ما يبدي وما يخفي، ومن اتقى الله لم يشفِ غيظه،ومن اتقى الله لم ينفِّذ هواه، ومن اتقى الله قهر نفسه، ومن اتقى اللهَ نفى رجسَه، ورجسُه إيثار الغير، والاعتماد على الغير، والرضى بالغير، فإذا تطهَّر عنه تحقق بمعنى رضيتُ بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، ( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ )
تعشَّقوا الشئون العلوية، وانتهجوا في نهج الاتباع لخير البرية، وهو أمرٌ عزيز أعطوه منكم الكلية، عسى أن تظفروا منه بشربة هنية، فإنه يحق أن نعطيَه عقولَنا كلها، وأن نهبَه أرواحنا كلَّها، وأن نتوجه إليه بقلوبِنا كلِّها، حتى ندرك سر (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
وكان من معانيها ما ذكر الإمام الحسن بن صالح البحر ( وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) حنيفاً لا أميل ذات اليمين بالرغبة في مَن سواه ولا ذات الشمال ولا ذات بالرهبة ممَّن عداه، (وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في الحب له، المتردِّدين في محبته تبارك وتعالى ( وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) في القصد له، ولا المترددين في الحب له، جل جلاله وتعالى في علاه. مسالك ننجو بها من المهالك، ونحن وإياكم إليها مدعوون، فعسى أن نستجيبَ مع من يستجيبون، ونلبِّي النداءَ مع مَن يلبون، فنظفر بالفوز في الظهور والبطون، في الدنيا والبرزخ ويوم يبعثون، (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
اشربِ الشرابَ الصافي في مجامع التكريم تلقَ الله بقلب سليم، عظِّم العظيم؛ انصب القدوة، ولا تحل غيرها محله، والقدوة صاحب القدر العظيم، صاحب الخُلق العظيم، السراج المنير.. نوَّركم الله به، نوَّر الله به عقولكم، نوَّر الله به قلوبكم، نوَّر الله به أرواحكم، أسأل الله أن يبسط نوره على أقوالكم حتى تُقبل، وعلى أفعالكم حتى تُقبل، وعلى أحوالكم حتى تُحفظ وتُصان، ابسط لنا بساط هذا النور يا عزيز يا غفور، فإنه سبحانه وتعالى إذا أحبَّ عبداً أسرى إليه نور المحبوب، فصلُحت لهم الأجساد والقلوب.
هو النور المبين به اهتدينا ** هو الداعي إلى أقوم سبيل
وقال أيضا:
هو النور يهدي الحائرين ضياؤه ** وفي الحشر ظل المرسلين لواؤه
تلقَّى، من الغيبِ المجرد حكمةً بها أمطرت في الخافقين سماؤه
ومشهود أهل الحق منه لطائفٌ، تخبر أن المجد والشأو شأوه
صلوات ربي وسلامه عليه.
وتحت لواه الرسل يمشون في غدٍ ** وناهيك من جاهٍ عريضٍ وباهر
هو الساس وهو الراس للأمر كله ** باولهم يُدعى لذاك وآخر
وفيه عليه الله صلى ودائع ** من السر لا تُروى خلال الدفاتر
ولكنها مكتومةٌ ومصانةٌ لدى** الأولياء العارفين الأكابر
وموروثةٌ مخصوصة بضنائن** لربك من أهل التقى والسرائر
والضنائن من أهل التقى والسرائر، يقول لهم القائل سيدنا أويس القرني لسيدنا عمر وسيدنا علي، هم ضنائن أهل التقى والسرائر عرفوا من أسرار النبي صلى الله عليه وسلم وقدره ما لم يعرفه سواهم، قال (ما عرفتما من رسول الله الا الظل) قال إي والله ما عرفنا من رسول الله إلا الظل، هؤلاء أهل التقى، وأهل السرائر وأهل البصائر الذين عرفوا، ما عرفوا من أسراره، قالوا: ما عرفنا منه إلا الظل، فمن يعرفه؟ الله وحده، الله وحده يعرف محمداً، صلى الله على سيدنا محمد.
وجعلكم من أمته، بأي من عمل؟ بأي طلب؟ بأي تقدِمة؟ بأي سبب؟ الوهاب وهب وجعلكم من أمته، فارعَوا حق هذه النعمة، ارعوا حق هذه المنّة، جُعلتَ في أمته فأقم صدقَ متابعته، في أسرتك وحالتك ومناسباتك ولباسك وقولك وفعلك، أقم سرَّ متابعته، انتهض لنُصرته، فإن الأنبياء، بل كبارهم والكليم منهم تمنى أن يكون من أمته، قال سيدنا موسى ( ربي جعلت هذا الخير والفضل لمحمد وأمة محمد فاجعلني من أمة محمد) قال ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
في معرفة قدرِ الأمة، يمر في السماء السادسة على الخليل إبراهيم يقول (أقرئ أمتك مني السلام)، الخليل يبعث السلام للأمة، من شان واسطتها، من شان راسها، من شان مقدمها، من شان إمامها، ماذا يريد من الأمة الخليل إبراهيم؟ (أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة عذبة التربة، طيبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
الله يحيي سيرةَ هذا النبي فينا، يحيي سُنة هذا النبي فينا، ويصلح به ظاهرنا وخافينا.
الحمد لله الذي جمعكم على هذه الذكرى، والله يهبكم مِن عنده البشرى، ويصلح شؤوننا والمسلمين طُرّا، سراً وجهراً، وإننا نرتجي كشف الغُمة بالقلوب التي تتصل بالله، لا والله لا بالأسلحة إن قويت أو خفّت، لن يأتي الفرج منها، ولا بسواها من الأسباب، إلا بقلوب تتصل بمحوِّل الأحوال، هو الذي يفرِّج لأنه وحده الناصر، ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) نسبة الاستغاثة، القلوب هذه المستغيثة الموجودة في شامنا، في يمننا في شرقنا في غربنا، التي بها النجاة وفيها الرجاء، معقود عليها الرجاء، وبها يكشف الله الكرب وبها تأخذ الفتن أيامها ولياليها وزمنها وتذهب وتضمحل (وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ) كما قال الله سبحانه وتعالى، ما قال ولولا أسلحة ولولا عقل ولولا تدبير ولولا خطط، قال ( وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ) قال في آخر الآية (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).. بركة هؤلاء..
وأما عامة المؤمنين استغاثتهم بالأسباب أكثر من استغاثتهم بالمسبب، استغاثتهم بالخلق اكتر من استغاثتهم بالخالق، لهفهُم ونظر أعينهم إلى المحل الفلاني والمكان الفلاني والمؤسسة الفلانية والدولة الفلانية والسلاح الفلاني× الله يخلِّص قلوبهم من ذا البلاء، الله يطهر قلوبهم من هذا الداء ويشفيهم من هذا المرض، حتى يستغيثوا بمن بيده الأمر كله جل جلاله فيغيثهم! (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) ما شاء الله وألف من ملائكة تتنزل، قال ا (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى) فقط، قيام أسباب، (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ) كما نهيتكم عن التعلق بالعالم السفلي والعالم العلوي إلا مظاهر رحمتي فقط وأنا الفعّال، أنا المتصرف، (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ولكنكم لا تفقهون عجائب نصري وتأييدي ومعونتي، تجري في شؤون أحوالكم، وانتم لا تدرون (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ) هذا النعاس اللي ينزل عليكم في الأرض معاني من نصرتي وتأييدي وتصريفي للأمور بتدبيري عنايةً بكم من حيث لا تشعرون، (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ) والمطر يسخِّرها وتنزل، قال أنا لي نصرة ومجاريها جارية في أحوال أمامكم لا تشعرون ما وسطها وما في طيِّها، (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ) لأن الأمر في قبضة الحق يسير، (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)، ما يُعجزه شيء ولا ينقصه شيء، ومظاهر النصرة لهؤلاء (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) هذا عجائب العناية والرعاية تكمُن هنا، (وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) الملائكة وحدهم ما يعملون لنا شيء، لكن إذا هو معهم.. يا سلام.. (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ) وذا من أين مصدره؟ ما حد يقدر يجيبه، إذا ألقى أقوى واحد من الجهات المادية والحسية في الدنيا يرجع أضعف واحد إذا سلّط عليه الرعب، يصير أضعف واحد، لأن الأمر أمره، وخص نبيه بهذه المعاني قال (ونُصرت بالرعب مسيرة شهر) مسافة شهر بينه وبين العدو والرعب قد أُرسل إلى القلوب، صلى الله على الناصر المنصور، من به يصلح الله لنا الأمور ويكشف عنا الشرور، ويكفينا كل محذور ان شاء الله، عنايتك يا رب، بنا وبالأمة، والجمع اجعلهم سبب للرحمة، ووفر حظَّهم من الرحمة، كل من يسمعنا كل من تعلّق بهذه المجامع، اللهم رحمتك الواسعة، منَّتك الكبيرة الهامعة، فضلَك الذي لا يفتر، في كل جهرٍ وسر نسألك الحظَّ الأوفر والنصيبَ الأكبر، أيدي أهل الفقر من عبادك امتدَّت إليك يا غني، وأيدي أهل الضعف مِن عبادك امتدَّت إليك يا قوي، وأيدي أهلِ العجز امتدت إليك يا قادر، فنسألك بقدرتِك الغالبة أن تثبت قلوبنا، وأن تثبت أقدامنا وترعانا بعين عنايتك وتخذل أعداءك أعداء الدين، ولا تبلغهم مرادا في شامنا ولا في يمنِنا ولا في شرقنا ولا في غربنا، يا الله.
يا رب المشارق والمغارب اكشف عنا النوائب، ادفع عنا المصائب، ارفع عنا المتاعب، رُد كيد أعدائك في نحورهم، ولا تبلغهم مراداً فينا ولا في أحد من المسلمين، لا تبلِّغهم مرادا في شعوب ولا في حكومات، ولا في أموال ولا في أعراض ولا في دماء للمسلمين، رُدَّ كيدهم في نحورهم اكفنا جميع شرورهم، واحمِ قلوب المؤمنين بالرجعة إليك والإنابة والاعتماد عليك، وارزقهم الاستغاثةَ في كل لحظة وفي كل نَفَس لا يعتمدون إلا عليك لا يستندون إلا إليك، حتى يقوم الفارق بينهم وبين مَن عاداك فتنصرَهم على أعداءك.. يا رب أيقظ قلوبهم، يارب فرّج كروبهم، يارب اغفر ذنوبهم، يارب أصلح شؤونهم، يارب اجعلنا في خيار الأمة، وانفعنا بالأمة وبخاصتهم خاصة..
والحمد لله رب العالمين..
15 رَجب 1434