(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في دار المصطفى ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 6 جمادى الآخرة 1444هـ بعنوان:
حقائق الصلة بالله ورسوله في معاني ( إن هو إلا ذكر للعالمين * لمن شاء منكم أن يستقيم ) ومعاني ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله )
الحمد للهِ مُكَوِّنِ الأكوان، باعثِ المصطفى خاتِمًا للأنبياءِ أنزل عليه القرآن (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ).
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكَرِّم على عبدك المُجتبَى المُختار سيدنا محمد، وعلى آلهِ وأصحابهِ وأهلِ محبَّتهِ وأتباعهِ والاقتداء بهِ، وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياء والمرسلين المُبشِّرين به، وعلى آلهِم وصحبِهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المُقرَّبين، وعلى جميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومَن ذكرنا في الصلاة عليهم مع رسولِ الله هُم صَفوة الله ومُرادُهُ من جميعِ براياهُ، فالله يجعلنا منهم وفيهم ومعهم ولا يُخَلِّفنا عنهم إنهُ أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، مَن أرادهُمُ الله تعالى لِقُربهِ ولِمَحبَّتهِ ولِمعرِفَتهِ ولِجِوارِهِ في دار الكرامة ومِرافقة المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقال عن أتباعِ أولئك الأصول والأوائل: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)، فلا تُرافِق بِنا سِواهُم يا رب، ولا تَصرِفنا إلى مَن عداهُم يا من اصطفاهُم يا رب، واجعلنا معهُم بِرحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.
فيما يُدارُ في المجالسِ المُباركة من سِرِّ الاتِّصال ومن كؤوس الإقبال وتلقِّي فائضات النّوال تتقوَّى الصِّلاتُ والحِبال، ويتّسِع المجال للدّخول في مرافقة أولئك المُرتقين للمراتِبِ العَوال، وهم الذين سبقت لهم مِنَ الله الحُسنى، وعندما تُزَمجِرُ جهنّم على أعداءِ الله في يوم القيامة ويَرِدونها وظنّوا أنهم واقِعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً، في هذه الدائرة كلّ المُعاندين كلّ المكابرين كل الطاغين والجبّارين، كلّ الذين رفضوا دعوة رب العالمين أفراد وجماعات من أرباب اتِّجاهات مُختلفات (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)، لو كان الذين اعتمدوا عليهم واستندوا إليهم وعَوَّلوا عليهم آلهة ما وردوا النار، لكن لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله الذي جلستم من أجل أن يرحمكم ومن أجل أن ينظُر إليكم، ومن أجل أن يُكرُمكم ومن أجل أن يربِطكُم بِالقوم الصالحين.
(لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُون * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ)، قال عن الصِّنف الآخر: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا) يعني النار (عَنْهَا مُبْعَدُون * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)
وهذا اليوم المُقبِل حتماً.. ما هو هذا اليوم؟ تريد تعرف شيء مِن وَصفِه؟ (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)، ما عاد تقول لي قنابل ولا زلازل ولا بحار تفجرت ولا فيضانات.. السماوات كلها تنطوي! (إذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ)
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) هُناك تأتي النتائِج الحقيقيّة لِمَن آمن ولِمَن كفر.
يقول سبحانه وتعالى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ * فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) قال هذهِ مظاهر آياتي الغريبة التي لا تستطيعونَ لها تصريفاً ولا تحويلاً ولا تبديلاً ولا تحريكاً وأُسَيِّرها لكم، أُقسِم لَكُم بها.
(وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) بِمُتَّهم، (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) بأفكارِكُم وعقولكم.
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) اجعل القرآن ذِكرى لنا، واجعلنا مِمَّن شاءَ أن يستقيم وشِئتَهُ أنتَ أن يستقيم يا ربنا يا كريم، (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) يا ربّنا اجعل جمعنا وَمَن يسمعنا كلُّهم مِمَّن شاءَ أن يستقيم وشِئتَهُ أنتَ أن يستقيم، لأن الأمرَ في الحقيقةِ كما قُلتَ يا ربَّ الخليقة: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
وهل تدري أيُّها الحاضر والسامع أن ما يقذِف في قلبك من مشيئة الاستقامة عناوين ما أراد أن يُعطِيَك! عُنوان ما أراد أن يَهَبك! علامة ما كان في الأزل قد كتب لك! ماذا يقذِف في قلبِك من مشيئة للاستقامة، ومشيئتكم الاستقامة أمام هذه الظُّلُمات التي ليست بشيء بِصرفِ هواكُم إلى تبعِيَّة مَن إلى اللهِ دعاكُم، وبِحقيقة إيمانكم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به" وحينئذٍ فلا مجالَ لِأن يُغوُونا في أزياء ولا في استعمال آلات، ولا في استعمال أجهزة، ولا في عرض تجارات ولا وظائُف ولا غيرها، فالهوى تبع لِما جاء به المُشفَّع، الهوى تبع لِصاحب القدر الأرفع صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلم، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ).
يا سيدنا اجعل مِن صدقِ مشيئتنا للاستقامة أن لا يجري من أعضائِنا ولا من قلوبِنا ولا في بيوتنا ولا في مُناسباتنا إلا ما يُرضيكَ ويُرضي رسولَك يا الله، خُدِعَ كثيرٌ مِن رجالنا ونسائنا بعرضِ فاجرٍ أو كافرٍ أو ظالمٍ أو غافلٍ أو فاسقٍ أو قاطعٍ للطريق، في فكرٍ أو في سلوكٍ أو في مُعاملة فَخَلِّص إخواننا المسلمينَ من هذهِ البلايا والرزايا، وإن كانوا لا يقرؤونها فإنما تُقرأ بالبصائِر ولكن يقرؤون آثاراً مِنها في هذه الفَوضى وفي هذه الخِصامات وفي هذه النِّزاعات وفي هذه الحروب، وفي هذهِ الطّلعات والَّنزَلات وفي هذه التلاعُبات وفي هذه التَّغيُّرات وفي هذه الانقلابات، هذهِ إنّما تُبَيِّن أثرَ ما وقع في قلوبهم من انصياعٍ للعدوِّ إبليس، والخروجِ عن مسلَكِ إلهُدى والتَّقديس، والبُعد عن أوامرِ النبي صلى الله عليه وسلم ذا القدر النفيس.
وقال عنهُ إلهنا: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، فَقُل لِمَن شكى عذاباً بأي نوع من أنواع العذاب أو شكى فِتنَة قُل له السَّبب فيها والرأس مخالفة هذا الرأس، مُخالفة خير الناس (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ولا تَقُل لي اقتصادِيّة ولا اجتماعِيَّة ولا سياسية وإلا سَمَّها ما تُسَمّيها، كلُّ فتنة وكلُّ عذاب سَبَبُهُ الخروج عن أمرِ سَيَّدِ الأحباب مَن أُنزِل عليه الكتاب، هذا عبدٌ كريمٌ على مُكوِّن الأكوان، رفيعُ القدر والشأن عند الرحمن، معصِيتُهُ معصية للإله، وطاعتهُ طاعة لله، وبَيَّن الحقُّ مِن شريفِ منزلتهِ فيما أوحاه: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ).
والذين بايعوهُ بالصِّدقِ في حياتهِ قومٌ رضي الله عنهم كما ذكر في آياته: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ)، سِر كَفَّ الأيدِي عنهم مِن قرنهِ من زمانهِ من أيامهِ صلى الله عليه وسلم مِن قبل الفتح وبعد الفتح من هذا السِّر، هذهِ الاجتماعات وانتشار آثارها في الأراضي وأقطار الأرض.. مَن كفَّ الأيدي عنها؟ جلَّ جلاله، وكف أيديهم عنكم، (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
اللهم اهدِنا الصِّراطَ المُستقيم، اهدِنا الصِّراطَ المُستقيم، اللهم اهدِنا فيمن هديت، وجميع أهالينا وأولادِنا وقراباتِنا وجيراننا وطُلابنا وذَوي الحقوق علينا والمسلمين والمسلمات، اللهم اهدِنا فيمن هديت، وعافِنا فيمن عافيت وتولّنا فيمن توليت، وبارِك لنا في ما أعطيت وقِنا شرَّ ما قَضيت.
ثُمَّ في التّابعين مَن خَلَصَت نِيّاتهم وطَهُرَت قلوبُهم وعَظُمَت هِمَمهُم نالوا سِرَّ المُبايعة لليدِ الكريمة روحاً لا بدناً، لا حِساً بل معنى، وأُيِّدَ لهم ذلك بما حصلَ لِأرواحِهم مِن اتِّصالٍ به في النوم واليقظة، وبايعت يدهُم يده بالواسِطة عبر أيدي الصحابة، وبالمُباشرةِ بالرُّوحِ عبر ذلك الفتحِ وما جعل الربُّ مِنَ الوصلِ بينهم وبين الرُّوحِ الكريمة، التي أشارَ إلى أسرار ذلك الوصل في كلامهِ بقولهِ: "فَرُبَّ مبلغٍ أوعى مِن سامِع"، أنا أفيدُ بكلامي هذا أقواماً يُبلَّغون، ليسوا حاضرين الآن عندي ولا سامعين ولكن سيصلهم كلامي هذا وينتفعونَ مِن سرِّ كلامي ما لم ينتفع به كثير مِن مَن قبلهم، "فَرُبَّ مبلغٍ أوعى مِن سامِع".
"نضَّر الله وجهَ امرءًا سمِع منا مقالَةً فوعاها فأدّاها كما سمعها، فَرُبَّ مبلغٍ أوعى مِن سامِع ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بِفَقيه" يا ربِّ فَقِّهنا واجعلنا من أهلِ حقيقة العلمِ يا الله.
أما حَملة العلمِ فكما سمعتُم كثير والمُنتمونَ إلى الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ولكن أهلُ سرِّ العلم وأهل حقيقة الدعوة هُم القلائِل الذين هُم محل نظر ربّ العالمين جلَّ جلاله، والله يُكثِّرهم فينا، الله يُكثِّرهم فينا وفي الأمة، ويُقبِل على زامبيا خير كثير من وِجهة القلوب إن شاء الله إلى ربِّ الأرباب جل جلاله وغيرها مِن بقاع الأرض، وما مِن بيتٍ إلا وهو موعود من قِبَل البرِّ الودود على لسانِ زين الوجود أن يدخله دينُ نبي السُّعود، صلوات ربّي وسلامهُ عليه، صلوات ربي وسلامهُ عليه والله يجعلنا وإياكم من أنصاره حقيقة.
وفي تابعِ التابعين مَن أدرك مِن سِرِّ البَيعةِ والمَدِّ إلى اليدِ من أدرك، وفي تابع تابع التابعين كذلك، وهكذا لا يزالُ الأمر وكلُّهُم تحت دائرة: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ)، لهم منهُ عِناية عبَّرَ عنها (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)، وحذَّرَ بعد ذلك من الانزلاقِ والانحرافِ والانجرافِ وراءَ السوءِ وترك الأصلِ: (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) يا الله، اجعلنا مِمَّن وفى بِعهدك، يا الله اجعلنا مِمَّن أوفى بِعهدِكَ الذي عاهدتنا عليهِ وجدَّدهُ نبيّك المصطفى يا الله، يا الله.
(وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، (فَسَيُؤْتِيهِ) ونِعمَ الذي يؤتيه إنه ربُّ العالمين، (أَجْرًا) ونِعمَ الأجر أجر الله، ومع ذلك وَصَفَهُ العظيم بالعظمة فقال: (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، فهل تَجِدون عرضاً أثمن من هذا، أو أغلى من هذا، أو أزكى من هذا، أو أبقى من هذا، أو أدوَم من هذا، أو أجلّ من هذا، أو أجمل من هذا، أو أنبل من هذا، أو أشرف من هذا يا مؤمنين؟!
ولقد قال لِمَن وَفَوا: (فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ)، ولمّا قرأَ رعيلُنا الأول هذهِ الآيات: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * ٱلتَّٰٓئِبُونَ ٱلْعَٰبِدُونَ ٱلْحَٰمِدُونَ ٱلسَّٰٓئِحُونَ ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ ٱلْءَامِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ) سمعوها وقالوا رَبِحَ البيعُ فلا نقيلُ ولا نستقيل، (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).
وبِما تَصدُقونَ فيه من مشيئَةِ الاستقامة في أنفسكم وأهليكم وفي طلبكم العلم، وفي حضوركم مجالس الخير وفي عملكم بالسُّنَن، احيُوا سُننَهُ وسط الدِّيار والمنازل واللِّباسات والأكلات والدخلات والخرجات والابتسامات، اربطوها بِنور سُنَّتُه، تعلوا ترقَوا تُنصروا تُؤَيَّدوا لأنه محل عِناية الرَّب جلَّ جلاله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
تشرَّفوا بذلك.. توسَّخت قلوب وعقول كثير مِن رجالنا ونسائنا بِتشبُّه وتبعيّات الفُسّاق ومُجرمين وبعيدين وغافلين، الله يُحَوِّل هذا الحال ويجعل التبعِيّة لِرفيعِ القدر عظيم الشأن، صاحب المنزلة لدى الرّحمن، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابهِ، وعلى جميع الأنبياء المرسلين وآلهم أصحابهم وتابعيهم، والملائكة المُقرَّبين وجميع عباد الله الصّالحين وعلينا معهم وفيهم.
يا ربنا لا تصرِف مِن مجمعنا ومن يسمعنا أحداً إلا وقد اجتمع قلبُهُ على عليٍّ من درجاتِ صدقِ المشيئة أن يستقيم على صراطك المستقيم، يا كريمُ يا رحيم يا الله يا الله.
ارزُقنا الإخلاصَ لِوَجهِكَ في صلواتنا وفي زكواتِنا وفي صِيامنا وفي حجِّنا وعُمرتنا، وفي ذكرنا وفي قراءتِنا للقرآن وفي طلبِنا للعلمِ وفي تعليمنا وفي دعوتنا إليك، اللهم ارزُقنا في كلِّ ذلك كمالَ الإخلاص لِوجهكَ الكريم يا الله، في تبعِيَّة من خاطبتَهُ بِقولِكَ: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
توكّلنا عليك يا رب، في القيام بأمرِك وفي العمل بشريعتك، وفي الاقتداء نبيِّك، وفي الإحياءِ لِسُنّته، وفي تبليغِ دعوته في المشارق والمغارب، وفي تعاوننا على ذلك، وفي ثباتِنا على الإخلاصِ لِوجهِك وعلى الصِّدقِ معك حتى نلقاك، توكّلنا عليك، توكّلنا عليك، توكّلنا عليك، وأنت حسبُنا يا الله.
فثبِّتنا على الإخلاصِ والصِّدقِ حتى نلقاك بِحَقِّ ذاتك، بِحَقِّ أسمائك، بِحَقِّ صفاتك، بِحَقِّ قرآنك، بِحَقِّ آياتك، بِحَقِّ أنبيائك، بِحَقِّ محبوبيك، بِحَقِّ سَيِّدهم عبدك المُصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثبِّتنا أكملَ الثبات وجَنِّبنا جميعَ الآفات، واختم لنا بأحسن الخاتِمات، نلقاكَ وأنت راضٍ عنّا يا الله.. يا الله.
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيم * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
ربَّنا.. أما اجتماعنا وأما دعاؤنا وأما طلبنا مُنكَ فقد شئته بِيَقين ورأيناه، وأما اطِّلاعُكَ على قلوبنا فيما نشاءهُ من الاستقامة فأنتَ أعلم به، ولكننا نستمنِحُك ونستكرِمُك ونطلُبُك ونُلِحُّ عليك، ونسألك ونلجأ إليك مُضطرِّين، مُتذلِّلين بين يديك أن تجعل في قلبِ كل حاضر وسامع صِدقاً في مشيئةِ الاستقامة على الصِّراط المستقيم وعلى ما تُحِبُّ يا ربَّ العالمين، فأجب دعاءنا.
واجعل من انتشارِ نورِ هذه المشيئة الصّادقة الخالصة للاستقامة على ما تُحِب انتشاراً إلى قلوبِ مَن حوالَيهم مِن أهلينَ ومن أقربينَ ومِن مَن نُجالسهم ومِن عباد كثيرٍ يا رب، حتى توصِل ذلك إلى قلوبٍ هي الليلة غير مؤمنة فتُومن وتستقيم، وتشاءُ الاستقامة إلى أن تلقاكَ يا كريم، وأورِد منهم أعداداً إلى هذهِ المواطن، وزِدنا وإيّاهُم طُهراً للبواطن وحسن أداء للأمائن.
واجعل الرَّكبَ الذي يُقبِلُ على حبيبِك فَيُسَر بهِ قلبهُ واسعاً كبيراً وعظيماً كثيراً، بِرُّك فيه كثير وجودك فيه عظيم، ومَنُّكَ عليه جسيم وخيرك فيه واسع، يا واسع يا حيُّ يا قيوم، بِوَجاهةِ الحبيبِ الشّافع، صاحبِ القدرِ الرافع، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن له متابع، ويجعلنا وإيّاكم مِن أتباعهِ حقيقة، مُستَمسكينَ بِالعُروَةِ الوثيقة يا الله.
الله الله يا الله لنا بالقبول.
06 جمادى الآخر 1444