حقائق الحياة وسلالم اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب وشرف كرامة ( يحبهم ويحبونه )

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 14 جمادى الثانية 1447هـ في دار المصطفى، بعنوان: 

حقائق الحياة وسلالم اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب وشرف كرامة ( يحبهم ويحبونه )

  • 0:15 نتيجة الحياة الطيبة أو فقدها
  • 1:46 دعوة الله لما يحيينا
  • 2:44 من يستحق البشارة!
  • 4:50 نتائج الإحصاء في الدنيا
  • 6:41 شؤون القلب الذي يحيا
  • 8:07 شرف كرامة "يحبهم ويحبونه"
  • 10:52 دعوات أهل الاستكبار ونتائج فسقهم
  • 13:08 فلنحيينه حياة طيبة!
  • 14:21 نصيب المؤمن من العمل الصالح
  • 15:46 الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين
  • 17:02 لماذا لا يخافون لومة لائم؟
  • 18:49 طلب اللحوق بأهل الحياة الطيبة
  • 20:38 تهيأ لحياة القلب!
  • 22:52 أهل الحياة الدائمة الحقيقية
  • 25:34 مواقف النصر العظيم
  • 29:31 دعوات مباركة

 

نص المحاضرة مكتوب:

 

الحمد لله الحي القيوم، الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أيُّنا أحسن عملاً وهو العزيز الغفور.

نتيجة الحياة الطيبة أو فقدها

وجعل في هذه الحياة معان تحيا بها القلوب والأرواح، وتترتب عليها الحياة الطيبة، في عالم الدنيا الفاني القصير، وفي عالم البرازخ -وهو مع تطاوله أيضا فانٍ-، وفي عالم القيامة -وهو مع طوله وهوله أيضاً فانٍ-، ثم في عالم الجنة ولا فناء فيها ولا نهاية لها.

ومن فقد هذه الحياة الكريمة الطيبة، فإنه لا ينتهي في الدنيا إلى حياة طيبة، ولن يجد في البرزخ حياة طيبة، ولن يجد في القيامة حياة طيبة، ثم يدخل النار لا يموت فيها ولا يحيا -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، وهناك يدوم نكده وبؤسه وشرُّه، وغضبُ الله عليه وعقابه وعذابه وآلامه وبأساؤه وشروره إلى ما لا نهاية!. أعاذنا الله من سوء المصير، وأحيانا الحياة الطيبة.

 

دعوة الله لما يحيينا

ووجّه رب العرش لنا النداء على لسان رسوله نبي الهدى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[الأنفال:24]. 

(إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، (لِمَا يُحْيِيكُمْ): تلك الحياة التي بواسطتها تُعلَم معاني النذارة التي حملها الأنبياء، ويُتهيأ لنيل البشارة التي جاؤوا بها (لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)[يس:70]، (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..) هذا هو الحي (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..) هؤلاء هم الأحياء (..لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا).

 

من يستحق البشارة!

  • وحينئذ هم الذين يدركون النذارة، وهم الذين يستحقون البشارة: (..فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)[يس:11].
    • وهذا خطاب الرحمن الخلاق، يقول لحبيبه: أنت أكرم خلقي عليّ وأحبهم إلي.. احمل البشارة لهذا (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..) احمل له البشارة مني، بشارة من الله يحملها حبيبُ الله! يا فوز مَن اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب! يا ما أسعده! 
    • محمولة له بشارة مِن مَن؟ من الله! رب العرش، ورب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء.. مِن هذا الإله!
    • والذي يحملها ويُبلغها: محمد بن عبد الله، أكرم الخلق، أصدق الخلق، أطهر الخلق، أنور الخلق، أحبُّ الخلق إلى الخالق.. يحمل له بشارة! فما أعجب حاله! (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ)!

(إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ..) هؤلاء يفقهون عنك سِرَّ نذارتك، والأمر الكبير الذي تتحدث عنه، والمستقبل الدائم الذي تُنبِئ عمَّا فيه، وتُبَشِّر فيه بالجنات وتُنذِرُ فيه بالنيران الموقدات. هذا يُدركه مَن اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب، فاستحق البشارة (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)[يس:11-12].

 

نتائج الإحصاء في الدنيا

(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) ثم تأتي نتائج الإحصاء، وخصوصا لمكاسب وأفعال المكلفين؛ من نيات ومقاصد وأقوال وأفعال، ونظرات ومسموعات ومعاملات هؤلاء المكلفين، كل شيء يُحصى، ولكن أفعال المكلفين.. نياتهم ومقاصدهم وأفعال معاملاتهم؛ هي التي يترتب عليها الحياة الطيبة، أو يترتب عليها حياة الذل والهون والعذاب والشدة والألم والعقاب. يترتب على هذه المكاسب! نظرات الناس، مسموعات الناس، كلمات الناس، معاملات الناس، حركاتهم وسكناتهم.. المكلفون من الإنس والجان، هو الذي يترتب عليها الدرجات في الجنة والدركات في النار.

كل شيء يُحصى، لكن هذا الذي يُحصى أمره خطير، أخطر ما يُحصى: أفعال المكلفين، نياتهم ومقاصدهم، وأقوالهم وأفعالهم، من حين أن يبلغ أحدهم وقد بلغته الدعوة وهو عاقل إلى أن يموت. هذه الأفعال هي الأخطر، أخطر ما يُحصى، أخطر ما يُكتب، أخطر ما يُسجَّل (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ)[القمر:52-53]، ويترتب عليه شؤون البرازخ وشؤون القيامة، ثم الخلود في الجنة أو الخلود في النار. اللهم اجعلنا من أهل جنتك يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين.

شؤون القلب الذي يحيا

  • وشؤون هذه الحياة التي بها يحيا القلب، يُحيي القلبَ ذكرُ الله -جل جلاله-، 
    • الحي القيوم، الذي يُحيي قلب من يشاء، فيفقه النذارة، ويستحقُّ البشارة، ويرقى في الطهارة وبالطهارة، في مراتب المعرفة الخاصة؛
      • فينفتح للروح أسرار المحبة من الإله، وتتشبَّث بالمحبة لله، فلا تجد ألذَّ من محبتها لله؛ إلا محبة الله لها، وفي ذلك: "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
      • وجميع نعيم الجنان فروع لهذه الحقيقة، وثمرة لهذه الدرجة، لهذا الشأن: محبة العبد لله ومحبة الله -تبارك وتعالى- للعبد.

 

شرف كرامة (يحبهم ويحبونه)

ولذا، فإنه مهما حصل من تأثُّر سلبي عند هذه الأمة المحمدية.. بأشياء تُطرح عليها، وأفكار تُصاغ لها، وزخرف من القول يُلقى إليها، فتحصل الرِّدَّة من ذا أو من ذا أو من ذاك، فإن رب السماوات والأرض يختار من هذا الصنف من يُبقي فيهم وبهم حقيقة الدين الحق، وحقيقة ما بُعِثَ به حبيب الحق ﷺ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..) يا رب اجعلنا منهم، يا رب ألحقنا بهم، يا رب أدخلنا فيهم، يا الله..

(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..) لماذا هذه أول أوصافهم؟ ولماذا أهل هذه الدرجة؟ لأنهم لا يُغرون، ولا تقوى قوى إبليس وجنده على ظهر الأرض أن تُهددهم، فلا تخوفهم، ما يقدرون أن يخوفوهم. بل إذا بعثوا إليهم تهديداتهم وتخويفاتهم قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا..)، فكانوا نعمة عليهم هم وتهديداتهم نعمة عليهم، (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا) ارتقت درجاتهم وارتفعت مراتبهم (..وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ..) أنا أستحق أن يُخاف مني، فالنواصي كلها بيدي، وأمر الدنيا والآخرة في قبضتي، وأنا الذي أُقدم وأؤخر، وأرفع وأخفض، وأنا الذي أُسعِد وأُشقي، وأنا الذي بيدي مقاليد كل شيء (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ..).

 

دعوات أهل الاستكبار ونتائج فسقهم

(..وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ..) نُمهِل ونؤخرهم أوقاتا محدودة ومُددًا معلومة مضبوطة (..خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ) ليس هذا خيراً لهم (.. إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران:173-178]، الهون قدامهم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، ويقال لهم: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)[الأحقاف:20].

(بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ): يستكبرون بصناعاتهم، يستكبرون بأفكارهم، يستكبرون بجندهم وجيوشهم.. أي شيء غير الحق (تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ..)، (..وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ..): دعوات إلى الانحلال، دعوات إلى التبرج، دعوات إلى الفظائع المنكرات، ودعوات إلى المخدرات، ودعوات إلى كل ضر وشر -والعياذ بالله تعالى- (..وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)[الأحقاف:20]، نتائج فسقهم، نتائج تجرؤهم على منهج الله وعلى منهج رسوله ومصطفاه محمد ﷺ!

 

فلنحيينه حياة طيبة!

فحَرموا أنفسهم في الدنيا الحياة الطيبة التي الباب إليها والسُّلّم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..) شوف العرض من ربك! (فَلَنُحْيِيَنَّهُ)، ويجيب لام التوكيد ونون التوكيد ونون العظمة (فَلَنُحْيِيَنَّهُ)! فالحياة حياتهم، ونِعم الأحياء هم، من بقي معنا منهم على ظهر الأرض ومَن تقدَّم هم الأحياء (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) طيبة بكل معانيها بميزان الله (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل:97].

  • هذه الحياة الطيبة:
    • يُحرَمُها كُلُّ مَن تولى عن دعوة الله ورسوله، وكلُّ مَن صدَّ عن سبيل الله.
    •  

نصيب المؤمن من العمل الصالح

  • ومن أُكرِم بالاستجابة لدعوة الله ورسوله؛ فعليه:
    • أن يعلَم عظيم هذه المنة،
    • وأن يُحسِن الاستجابة لله وللرسول،
    • وأن يُقوي إيمانه،
    • ويُحسِن العمل الصالح، ويواليه، ويُكثِّرُه، في ليله ونهاره، في خلواته وجلواته،
      • ويجعل لبيته نصيباً وافراً من العمل الصالح وأسرته،
      • ويجعل لخلوته نصيبا،
      • ويجعل للشارع الذي يمشي فيه نصيبا من العمل الصالح، سواء كان ابتدأ بسلام أو بشاشة في وجه مسلم، أو إماطة أذى عن الطريق، أو ذكرٍ للرحمن الذي يفتخر به الشارع. وإذا مر المؤمن بطريق يذكر الله فيها نادى الطريقُ الطريقَ الآخر: هل مرَّ بك اليوم رجل يذكر الله؟ فقد مرَّ بي رجل يذكر الله. تفرح به الطريق التي يمشي فيها والشارع الذي يمضي فيه. وللمسجد منه من عبادة نصيب، ولأعضائه السبعة من العبادة نصيب، وأي نصيب! وللقلب نصيب أكبر، وللروح نصيب أكبر، وللسر نصيبٌ أعظم في عبادة الحي القيوم، جل جلاله وتعالى في علاه.

 

الذلة على المؤمنين والعزة على الكافرين

  • (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..) فكانوا خيرا للمؤمنين وكانوا خيرا للكافرين؛
    • لأن هذا أحسن ما يُصلح المؤمنين: الذلة لهم من قِبل المتحققين بهذه الحقائق، من يحبهم الخالق ويحبونه.
    • وذلتهم للمؤمنين: رحمة للمؤمنين وعطفا، وسبب لاستصلاح شأن المسلمين واستنقاذ أحوالهم وشؤونهم، وجمع كلمتهم وشملهم.
    • وعزتهم على الكافرين: سبب لإنقاذ مَن أراد الله إنقاذه من الكافرين، وسبب لنقل مَن أراد الله نقله من الكفر إلى الإسلام، وسبب لحماية هؤلاء وحماية العالم من شر هذا الكفر المستطير في أقوال وأفعال وعقائد وأفكار خبيثة خاطئة باطلة ظلمانية -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فهؤلاء هم رحمة الله للعالمين.
    •  

لماذا لا يخافون لومة لائم؟

  • (..أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)
    • لماذا لا يخافون لومة لائم؟
      • لأنهم أقاموا الميزان، وعرفوا أن القول قول الرحمن،
      • وأنه لا عبرة بمن يلوم من قريب وبعيد وصغير وكبير؛ إذا رَضِيَ العلي الكبير، والعليم القدير، والسميع البصير، واللطيف الخبير، والذي يجير المُستجير، وبيده الأمر كله. فما العبرة بكلام الناس؟ أقاموا الميزان (..وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِۚ..).

يا متفضل عليهم تفضل علينا، يا ربنا اجعل أهل مجمعنا ومن يسمعنا ويتابعنا من قوم تحبهم ويحبونك، ونزِّه قلوبنا عن التعلق بمن دونك، واجعلنا أذلة على المؤمنين أعزَّةً على الكافرين، واجعلنا ممن يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، واجعلنا ممن يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، واجعلنا ممن يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضلك يا متفضل فتفضَّل علينا يا واسع يا عليم، (..ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة:54-56].

 

طلب اللحوق بأهل الحياة الطيبة

اجعلنا منهم وفيهم ومعهم، يا ربنا يا ربنا يا ربنا يا الله: ألحقنا بهم، وحققنا بما أثنيتَ عليهم من وصفهم، واجعلنا من الراقين في مراقيهم، والشاربين من سواقيهم.. يا الله، وأحينا بذلك الحياة الطيبة، في الدنيا الفانية القصيرة، وفي البرزخ إلى يوم يُبعثون، وما بين البعث إلى استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، وإلى ساعة أن يُجاء بالموت فيُذبح بين الجنة والنار، ويُنادي المنادي: يا أهل الجنة خلودا فلا موت، ويا أهل النار خلودا فلا موت. بحقك عليك لا تأتي تلك الساعة إلا وجميعنا في جناتك، وأهلينا كلهم، وأولادنا كلهم، وأصحابنا كلهم، وقراباتنا كلهم، وطلابنا كلهم، وذوي الحقوق علينا كلهم، يا الله: في جناتك وفراديسها العُلا، يسمعون نداءك: "أُحِلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَط عليكم بعده أبدًا".

 

تهيأ لحياة القلب!

يا حاضر ويا سامع: تهيَّأ لحياة القلب، واسمع هذا النداء الذي وصلك على لسان رسول الله في هذا العالم؛ لتتهيأ لسماع نداء الرب بملاطفة في القيامة، ثم بقوله في دار الكرامة: "أُحِلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَط عليكم بعده أبدًا". استمع، وأنصِت، وتهيَّأ لذاك السماع؛ من خلال هذا الاستماع.

ما تنوي من ساعتك هذه إلى لحظة الوفاة؟ ماذا تنوي؟ ماذا تنوي في نفسك وأسرتك؟ بأيِّ زمامٍ تقود جوارِحَك وأعضاءَك وقلبَك؟ عرفتَ قائدَك؟ عرفتَ هاديك ومرشدك؟ عرفتَ الأسوة التي اختارها ربُّك لك؟ أحيي سُنَنه: في عينِك، في لسانِك، في أذُنيك، في أعضائك، في قلبك، في روحك، في أسرتك، في لباسك، في أخذك في عطائك.. أحيي سُنَنه، اقتدِ به، اهتَدِ بهديه، لن تجد أشرف من ذلك، ولا أعز، ولا أكرم، ولا أنفع لك في الدنيا والآخرة، ولا أرفع لك في الدرجات، ولا أحظى لك عند الله من ذلك (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31].

يا مسلمين! : جئتم بعادات أعدائه إلى بيوتكم في مناسبات زواجكم وغيرها! اتَّقوا الله، واخرجوا عادات أعدائه، وأحيوا سُنَّتَه، وأحيوا هديَه، في أنفسكم وبناتكم وأولادكم!. ما أعجبكم في الفُجَّار والكفار؟ لا خلقوكم، ولا رزقوكم، ولا ترجعون إليهم!. ويا ما أقبح حال من حُشِر معهم منكم! لكن الله خلقكم، وأرسل إليكم محمداً بالحق والهدى، فاستجيبوا لنداء الرسول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ..) [الأنفال:24].

 

أهل الحياة الدائمة الحقيقية

(لِمَا يُحْيِيكُمْ) أنت بغيت مشروعا حضاريا؟ أنت بغيت مشروعا تنمويا؟ (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) خُذ مشروعا حيويا، مشروع حياة، وحياة كبيرة، والحياة مستمرة، والحياة دائمة، مَن حَيي بها فهو حي وإن خرجت روحه من جسده.

بل قال الله لأصنافٍ من هؤلاء: لا تقول لهم أموات. يا رب أليس قد خرجت أرواحهم وخرجوا من الدنيا؟ يقول نعم.. بس اللفظ لا يكون فيه توهُّم احتقار لشأنهم، لا تسموهم أموات (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ) لا تقولوا (..بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ)[البقرة:154]. أمَا قلت: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) [الزمر:30]؟ قال نعم، كتبت على الكل خرج الروح من الجسد؛ لكن هؤلاء لمكان حياة قلوبهم وأرواحهم عندي، لا تسموهم أموات، و ماهو ما تسموهم تقولون، حتى لا تحسبون.. ما تظنون ولا تعتقدون (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، هنا قال: لا تقولوا، وهنا قال: لا تحسب، بعِّد من خيالك ما هم أموات، هم الأحياء حقيقة (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ..) 

ويرحم الله السيد المالكي كان يقول: مَن يستهين بهذه الحياة التي مجَّدها الله -سبحانه وتعالى- في قرآنه؟ يُشاد بها، فكيف بالأنبياء؟ فكيف بسيد الأنبياء؟ قال: أنت تريد أن تسمي نفسك حياً وتسمي هؤلاء أمواتاً؟ لِمَ؟ هل لأن الفرق بينك وبينهم أنك تِشُخ؟ -بلهجة أهل مكة، أي تبول-، هي هذه الحياة حقَّك؟ أي شيء عندك؟ الرزق الذي عندهم أحسن من الرزق الذي عندك، الفرح الذي عندهم أعظم من الفرح الذي عندك، المكان أعظم. وأنت تريد نفسك حيا بماذا؟ لأنك تشخ يعني؟! هي هذه الحياة حقك؟ الحياة عندهم، وهم حياتهم أصفى من حياتك؛ حياة لا قذر فيها، ولا كدر، ولا نُخَامة، ولا مُخاط، ولا وسخ. روح أنت وأوساخك هذه في الحياة هذه التي أنت مغتر بها!

حياة أصفى! حياة أشرف! حياة أوفى! فهم الأحياء حقيقة.

 

مواقف النصر العظيم

(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:169-171].

وتعرف كيف كان وصفهم في الحياة أو مسلكهم ومنهجهم؟ (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:169-172]. ما يؤخرهم جروح، ولا أتعاب، ولا حوادث، ولا مشاكل، وراه وراه! في سبيله، في هيئته، في جماعته، في زمرته. يقول له سيدنا سعد: لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلَّف مِنَّا رجل واحد، ولو سِرتَ بنا حتى تبلُغ بِرْكَ الغِمَاد من الحبشة لسِرنَا معك، وقد تخلَّف عنك أقوام -يعني بالمدينة- ما نحن بأشد حباً لك منهم، ولو علموا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك.

ولما وصلوا إلى ساحة المعركة قال: نبني لك عريشاً يا رسول الله، ونجعل ركائبك من حولك، نلقى عدونا غداً، فإن انتصرنا كان ما أحببنا، وإن كانت الأخرى ركبت ركائبك ولحقتَ بأقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم، ينصرونك يا رسول الله. دعا لهم بخير، وبنوا له العريش، وكان الحارس سيدنا أبو بكر الصديق عليه الرضوان. وفي يوم المعركة قال سيدنا علي: قاتلتُ ما شاء الله أن أقاتل، ثُم عُدتُ إلى العريش، نظرت رسول الله ﷺ فوجدته ساجداً يقول: "يا حي يا قيوم"، بعد ما صفَّ الجيش ورتبهم وبدأت المعركة. قال: فعدتُ إلى القتال وقاتلتُ ما شاء الله أن أقاتل، وعدت إلى العريش -الذي في باطنه ما يخليه يصبر، يروح يشوف الحبيب ويجيء إليه- قال: وجدته في سجدته يقول "يا حي يا قيوم"، وأبو بكر قاعد يحرسه. وعُدتُ ثالث مرة وقاتلت ما شاء الله أن أقاتل، ورجعتُ إليه وجدته في سجدته يقول "يا حي يا قيوم". ثم نهض ﷺ من سجدته وقال لأبي بكر: "هذا جبريل آخذٌ بعنان فرسه يقول: اُقدُم حَيْزُوم".

وخرج، استقبله سيدنا عمر وكان يتحسس الخبر، فسمعه يقرأ: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر:45]، قال: أنا كنت أقرأها من أيام مكة وأقول أي جمع هذا؟ ولمَّا سمعت النبي يقرأها يوم بدر عرفت تفسيرها. ودخل إلى القوم فكان أقرب القوم إلى الكفار، أقرب المجاهدين إلى صفوف الكفار ﷺ، حتى أنزل الله نصره، وأدبر المشركون والمنافقون، وتمَّ وعد الله للرسول المصطفى ﷺ. ثم أقام ثلاثة أيام ودفن أجساد هؤلاء المشركين المحاربين المقاتلين، وأخذ من معه من الأسرى، وسار بهم في نظام شريف كريم يضمنُ لهم غذاءهم وأمنهم وطمأنينتهم، حتى لم ينم وهو يسمع أنينهم من أجل القيود، قال: "خففوا القيود عنهم حتى لا أسمع أنينا لأحد"، وخففوا عنهم القيود في اتباع منهجية صاحب المقام المحمود.. يا رب صلِّ عليه وعلى آله وصحبه.

 

دعوات مباركة

والخلاصة: نكون أتباع حقيقة إن شاء الله.

يا رب: لا تترك أحداً حاضراً معنا ولا سامعاً لنا ولا متابعاً إلا كتبته في أتباع هذا المصطفى حقيقة.. يا الله، أولئك خير الخليقة..

دعانا إلى حقٍّ بحقٍّ مُنزَّلٍ عليه *** من الرحمن أفضل دعوةِ

أجبنا قبلنا مُذعنين لأمره *** سمعنا أطعنا عن هدىً وبصيرةِ

فيا ربِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى *** ويا ربِّ اِقبِضنَا على خير ملةِ

فيا ربِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى *** ويا ربِّ اِقبِضنَا على خير ملةِ

فيا ربِّ ثبِّتنا على الحقِّ والهدى *** ويا ربِّ اِقبِضنَا على خير ملةِ

 

يا الله: واجعل جميع ما يجري في حضرموت واليمن والشام؛ مُقَدِّماتٌ لإنجازك وعدك لحبيبك محمد، سبباً للفرج للمسلمين، والغياث للمسلمين، والصلاح للمسلمين. أصلحنا وأصلِح من في صلاحه صلاح المسلمين، ولا تُهلكنا وأهلك من في هلاكه صلاح المسلمين. ثبِّتنا على الحق فيما نقول، ثبِّتنا على الحق فيما نفعل، ثبِّتنا على الحق فيما نعتقد. يا الله: أحيي قلوبنا، أحيي قلوبنا، أحيي قلوبنا، وأحينا حياةً طيبة، وأحينا حياةً طيبة، واجعلنا من خواصِّ الذين اتبعوا الذكر وخشوا الرحمن بالغيب، يا الله.. يا الله.. يا الله، يا أرحم الراحمين.

وتوجهوا إليه أجمعين: 

يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين *** يا أرحم الراحمين فرج على المسلمين

تاريخ النشر الهجري

14 جمادى الآخر 1447

تاريخ النشر الميلادي

05 ديسمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية