(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 3 جمادى الأولى 1445هـ، بعنوان:
حقائق الإيمان وأوهام الكفر والفسوق والعصيان وعظمة الفوارق بينهما غداً والآن
الحمد لله ربِّ العالمين، ربِّ كل شيء ومليكه، منه ابتداء كُلِّ شيء وإليه مرجعه ونهايته ومآله ومصيره {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أرسل إلينا الرؤوف الرحيم، ذا الخلُق العظيم، إمام أهل الصراط المستقيم، أكرم الأوّلين والآخرين على إلهه العظيم، ذي القَدْرِ الفَخِيم، سيِّدِ الوجود، إمام أهل السُّجود، صاحب المقام المحمود، وكُنَّا به خير أمة.. اكشف به يا رب عنَّا كُلَّ غُمَّة، واجلِ كل ظلمة، وادفع كل نقمة، وابسط بساط الرحمة، ووسِّع لنا النعمة، وكن لنا بما أنت أهله يا ربَّنا في كُلِّ مُهِمَّة.
يا الله.. فإنَّ الرجوع إليك عُدّتنا في كل شأن، وهو الذي علّمتنا إيّاه وعلّمنا إيّاه مَن أنزلتَ عليه القرآن، وإنّ قلوب المنافقين والكافرين والغافلين من المسلمين تَهْرَع إلى الاستناد إلى غيرك، والاعتماد على غيرك، والترتيب مع سواك، والثقة بمن عداك! اللهم صُنْ قلوبنا وقلوب المسلمين في غزة وفلسطين خاصة وفي جميع بقاع الأرض مِن أن تَستبدِلَ الثقة بك بالثقة بغيرك، ومن أن تَركِنَ إلى سواك أو تعتمدَ على مَن عدَاك.
-أهل حقيقة التوحيد وعاقبتهم:
اِعصم قلوبنا اللهمّ ممَّا يَقدَحُ في حقيقة التوحيد، وارفعنا مراتب أهل حقيقة التوحيد، الذين هم خِيَارُ العبيد {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}
{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}.
والذين قالوها أوائلنا من هذه الأمة.. في حوادثٍ حدَثَت، وفي ترتيباتٍ ممن كفروا صدَرَت، وكان عاقبتهم ومآلهم: {فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}. كل وحدة أكبر من الأخرى! عطايا كبرى {فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} نعمة كبيرة! لكن أكبر منها: {وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} نعمة أكبر! ولكن أكبر منها: {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}!
قال الله: عندي فضل سأعطيهم، عندي فضل عظيم ما يُتَصَوّر {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} عليهم الرضوان {..وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ..}
-التعامل الصحيح مع تخويف الشيطان:
{إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ..} يخوّفُ الناس من أوْلِيائهِ ويقول: أوليائي هؤلاء مُرتِّبون مُخَطِطُون أقوياء، ما يُقْهَرون، عندهم..، وسيعملون، وسيعملون..
فماذا نصنع يا رب؟ ما ترى؟
أمر صريح: {فَلا تَخَافُوهُمْ} فمن خافهم عصا الله، من خافهم فقد عصا الله {فَلا تَخَافُوهُمْ}
وأين الاتجاه الصحيح؟ : {وَخَافُونِ} خافوني أنا الذي بيدي الأمر. لا تخونوا، ولا تغشّوا، ولا تكذبوا، ولا تُقَصِّروا في الواجبات، لا تركنوا إلى المحرمات، لا تُصَدِّقوا الكافرين {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، {وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
-المستكبرون في الأرض وجزاؤهم:
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ..} نؤخّرهم مُدَّة.. نُعطيهم مكان.. نَفْسَح لهم في زمن.. نُرَتِّب لهم بعض الترتيبات {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ..} ما هو خير لهم {..إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
أتعرف معنى {مُّهِينٌ}؟ الهُون كله لهم، الْهُونِ كله لهم؛ يُقال لهم: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ..} رَأَيْتُمُوهُم يستكبرون في الأرض بغير الحق.. وبعد ما يملوا لكم الأرض يقولون لكم: "حقوق الإنسان"! ويقولون لكم "العدل"! ويقولون لكم "الديموقراطية"! يقولون لكم كلام طويل عريض! والواقع شيء ثاني! {بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} قال لك: "شذوذ جنسي"! قال لك: ما في حلال وحرام! قال لك: خمور ومخدرات! {تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ * وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}.
فيَا مُجرِم: أَجْرِم.. والجزاء هو هو، هذا هو الجزاء لك، أَجْرَمْت في القرن الأول أو الثاني أو الثالث، أو في عهد النبي هود أو في عهد النبي موسى، أو في عهد النبي صالح، أو بعد بعثة محمد صلى الله عليه وآله سلم .. إذا أجرمت هذا {كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}. وهذا جزاؤهم وتلكم نهاياتهم.
-إخراج المؤمنين من أرضهم:
ويقولون: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا..} متى كانت أرضكم؟! سَنَةَ كم كانت أرضكم؟! أرض الله! وهؤلاء أحق بعمارتها، والقيام بالهدى والنور والعدل فيها! قالوا أرضنا! هل تسمعهم يقولون: أرضنا! {..أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ..} وهذا قال سُنّتي.. ما هو معكم وحدكم أنتم أيُّها الرُّسل من قبل حبيبي محمد، ولا لمن يأتي؛ هذا سُنّتي وعملي {ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} كل مَن كان يخاف عظمتي وجلالي؛ إيمانا بي، ويَحتَرِز عمَّا حرّمته عليه، ويقوم بطاعتي، ويبذُل لي من أجلي ماله ونفسه، وخاف الوعيد من العذاب ودخول النار، وظهور الفضائح في القيامة؛ خافَ وعيدي..
كل مَن قام بهذا: خاف مقامي وخاف وعيد ؛ قل لمن أراد أن يُهدِّده يُهَدِّده، ومَن أراد يُخوّفه يُخوّفه، وسأُهلِك ذلك المُهَدِّد المُخَوِّف وسأُحيي هذا وأسكنه الأرض من بعده {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ * وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} خابوا، خابوا بأنواع الخَيْبَات في الدنيا، وهي تُنَازِلهم، والأمور تجي على غير حسابهم {قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وتجيهم الأمور على غير مقاييسهم، وأكبر وأشد من ذلك: {وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
-وخاب كل جبار عنيد:
يقول -جَلّ جلاله وتعالى في علاه-: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ * مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ..} الذين كفروا بهذا الإله -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- وبما أرسل به رسله وأنبياه الذين خاتمهم النبي محمد، كُلّ مَن كفَر بمحمد فقد كفر بالله، كُلّ مَن كذَّب محمد فقد كَذَّب الله، كل مَن عادى محمد فقد عادى الله.
-أعمالهم كسراب:
{..مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}؛ لأن الأمر راجع إلى عظمة تكوينٍ وخَلْقٍ ووجود، لا أوهام وخيالات تُخيّلونها لبعضكم البعض، وتلعبوا بالخُدَع والإعلام والإظلام على بعضكم البعض؛ الأمر أكبر من ذلك! وأَجَلّ من ذلك! وأقوى من ذلك! يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ..}
مَن الذي خلَق؟! ومَن الذي أوجد؟! ماذا اللعبة من عندكم؟ تظنون أنكم ملكتم الوجود؟! مالك المُلْك ما سَيَّب مُلْكُه لأحد ولا ضَيَّع مُلْكُه لأحد -جَلّ جلاله وتعالى في علاه- {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-
-الحمدلله على نعمة الإيمان:
فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان، نعمة التصديق بما أوحى الله إلى سَيِّد الأكوان، بالقرآن والسُّنّة الغَرَّاء، ومفاهيم الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فيما أوحى الله إلى عبده المصطفى من عدنان صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
ويَا هنَاء مَن وصَل قلوبهم نور هذا الإيمان، في شرق الأرض وغربها، من الإنس والجان. اللهم زِدهم إيماناً واجمعهم على مقتضى رضوانك الأكبر، ومُوجِبِ السعادة في الدنيا والبرزخ واليوم الأكبر، والدخول في خير مُستَقَر. اللهم اجمع قلوبهم، وألِّف ذات بينهم، وبارك فيما في قلوبهم من إيمان، وزدنا وإيَّاهم إيمانًا في كُلِّ آنٍ، يا رحمن، يا رحمن، يا رحمن، يا رحمن.
يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين: احفظ قلوب المسلمين، ونَقِّ قلوب المؤمنين، وادفع البلاء عن أهل "لا إله إلا الله" أجمعين، واجمع شملهم، وأَلِّف ذات بينهم، ورُدّ كيد أعدائهم في نحورهم..
يا الله: يا مَن يُدَاوِلُ الأيام بين الناس..
-الاعتبار بتدويل الأيام بين الناس:
وحرامٌ على مؤمن أن يَعتَقِد أنّ تدويلَ الأيام راجع إلى شعوب أو دول، ولا صغير ولا كبير! {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا..} - هو- {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.
وما أعطى أربابَ اليقين مِن خوَاصِّ ورثة المصطفى الأمين؛ من الشرف والكرامة، والمكانة، والعِزَّة والرِّفعة والتمكين؛ ما تساويه أُمَم مُتَّحِدَّة ولا أُمم مُلْتَحِدَة ولا أُمَم مُلحِدَة! ولا يُساويه شيء من هذه المظاهر الفارغة! المظاهر الجَوْفَاء، المظاهر الزَّائلة، المظاهر الحقيرة! المظاهر التي أكثر أهلها وأكثر أصحابها على صور الذَّر في وادي بولس في القيامة يوطئون بالأقدام! هذه نهاياتهم، وهذا مصيرهم.
ما أُعطِيَهُ أرباب الوراثة النبوية في الدنيا من العِزّ والكرامة شيء كبير! ما يعرفونه هؤلاء؛ فيما يُدَاوِرُ الله تعالى. وفي عالم الحِسّ.. عالم الحِسّ قد بَيَّنه سَيّد أهل المعنى والحِسّ ﷺ : (تكون فيكم نُبوّة ورحمة، ثم خلافة ورحمة، ثم مُلْكٌ عَاض، ثم جبْرِيَّة، ثم يَتَكادَمُونَ تَكَادُمَ الحمير، فجاهدوا في سبيل الله، وخير جهادكم الرباط، وخير رباطكم عسقلان)، صلى الله على سيِّد الأكوان {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}.
-لا ينبغي أن نرضى بالتخلف عنه ﷺ:
صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه، وجعلنا الله وإيّاكم من أحبابه، وثبَّتنا على قدمه ودربه؛ حتى يحشرنا جميعا في دائرته وحزبه، اللهم آمين.. لا تُخلّفنا عن نبيك الأمين. وكأنّ الرحمن يقول لنا: مَن آمن بيّ وبرسولي: ما ينبغي أن يغرّه شيء فيرضى بالتّخَلُّف عن حبيبي أصلا! {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ..}، {مَا كَانَ}: ما ينبغي، ولا يصلح، ما يليق! {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ..} لِمَ؟ لأن الارتباط به والعمل بسُنّته: ربح في ربح كله، وفوز في فوز كله، وخير في خير كله {..ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ..} رابحين رابحين، فائزين فائزين.. على طول الخط {..إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً..} ولكن شؤون الدين والشريعة متعددة ومتنوعة، ويجب أن يَقومَ بكُلِّ ركن منها، وبكل شعبة منها، وبكل جزء منها.. أعداد من المؤمنين {..فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ..} انظروا للذين جنبكم! ..أقرب شيء عندكم من المعاندين في محلّكم {..قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} اللهم اجعلنا من المتقين، وكَثِّر فينا المتقين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
-يقظة العقول بدافع الإنسانية والفطرة:
وبارك فيما أيقظت من عقول و ضمائر في الشرق أو في الغرب، حتى عند الإنسانية من غير المسلمين. وقعت مواقف وحركة لبعض غير المسلمين أشرف وأحسن مما وقع من بعض المتخاذلين من المسلمين! بدافع الإنسانية، بدافع الفطرة وحدها. وذا مسلم ولا عاد درَى بدين ولا بفطرة ولا بإنسانية -والعياذ بالله تبارك وتعالى- {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} وإن لم يكن أمثال هؤلاء حادّوا الله ورسوله.. مَن في الوجود؟ مَن في الوجود حادّ الله ورسوله؟! نروح عند مَن؟ نقول من اللي حادّ الله رسوله؟! إن لم يكن هؤلاء أعداء الحق وأعداء محمد، وأعداء آله بيته، وأعداء صحابته، وأعداء أمته عامّة وخاصّتهم خاصة!
{لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، اللهم اجعلنا منهم، وألحقنا بهم يا الله..
وما من نفس تُقتَل ظُلْما.. ولو كانت في أقصى المشرق، فيرتضيها رجل (يرتضي قتل هذه النفس بغير حق ولو في أقصى المغرب) إلا كان شريكا في إثمه، شريكا في إثم القتل! مَن ارتضى قتل الأطفال أو قتل النساء وقتل العُزّل، وقتل المظلومين، وقتل المُعتدى عليهم من قِبَل المغتصبين الظالمين: شريك في قتل هذه النفوس، شريك للصهاينة في سفك نفوس المسلمين.. إذا رَضِي قتل نفس واحدة من هذه النفوس! وفين بتودّي نفسك إلى وادي مُظلِم وكُلّه نار! باستخفافك بدم صغير أو كبير من أهل "لا إله إلا الله"! ولو أنّ أهل السماء والأرض تمالَوا على سفك دمِّ رجل واحد مسلم بغير حق لأكبهم الله في النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى-!
-يا رب اجعل هذه الحوادث سبب لنشر الإسلام ويقظة القلوب:
أغاث الله المسلمين، أيقظ الله قلوب المسلمين، وأيقظ قلوب العالمين، ونشر الهداية.. يا رب: اجعل هذه الحوادث سبب لنشر الإسلام، ويقظة القلوب، ورجوع الخلق إليك، وإلى منهج الحق الذي بعثتَ به حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلَّم عليه وعلى آله، ظاهرا وباطنا، يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله..
ولا تمرّ الأيام والليالي حتى يُدرك الكلّ سُطوعَ النُّورَ المُتَلالِي؛ ذاكم "نور الله" في "ذَاتِ محمد" وما جاء به عن الله {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}.
-من هم أهل صحة البيع مع الله؟
ونحمدك اللهم على ما أَبْقَيْتَ من إيمان في القلوب، وعلى ما أبقيتَ من أمان في كثيرٍ من مواطن المسلمين، ونسألك اللطف بنا وبالأمة فيما تجري به المقادير، وأن تُعجِّل بالفرج، ورفع الضيق والحرج، وتحوّل الأحوال إلى أحسنها، وأن تُمكِّن القلوب في قصد وجهك، وإرادتك وحدك، وأن تُمَكِّنهم من إنفاق الأعمار والأفكار والأموال والأنفس لك، ومن أجلك، وفي سبيلك، وفاءً بالعهد الذي عاهدتهم عليه، وقلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} مَن أهلُ صِحَّةِ هذا البيع؟ الذين تحقّ لهم هذه البشائر؟ {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ..} هؤلاء أهل الوفاء بالعهد، وتَتِم البَيْعَة.. وتَصِحّ بَيْعَتِهِم، ويَصحّ الشراء، و: "رَبِحَ البَيْعَ فلا نَقِيلُ ولا نَستَقِيل" {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
يقول سبحانه وتعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقد بشَّرنا الحبيب الأمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وجزاه عنَّا خير الجزاء {..فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ..} اجعل جميع الحاضرين ومن يسمعنا ويُشاهدنا ومَن في بيوتنا: من التائبين، العابدين، الحامدين، السَّائحين، الرّاكعين، الساجدين، الآمرين بالمعروف، النّاهين عن المنكر، الحافظين لحدود الله، سألناك يا ربَّ العرش أن تُحقِّقنا بهذه الصفات والحقائق، التي وصَفْتَ بها خِيَارَ البَرِيَّات، وأن تُثَبِّتَ ذلك فينا حتى نلقاك، في صغيرنا وكبيرنا، وذكَرِنا وأُنثَانا، يا الله .. يا الله..
يا الله: الطف بالمسلمين في غزة وعسقلان، وفي أكناف بيت المقدس خاصة، وفي جميع أقطار الأرض، نجِّهم يا رب، خلِّصهم يا رب، وما اتخذتَ منهم من شهداء فارفع لهم الدرجات واجعلهم في خواصِّ الشهداء يا رب {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
-الأمة مقبلة على ظهور الفسطاطين:
وكما قُلنا أنَّ الأُمَّة مُقبلة على ظهور الفُسطَاطين: (فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) وسيبرز، وسينحسر الحركة والوضع عن هذين الأمرين، ويُعرَف مَن آمن ومن لم يؤمن {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ واللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ..} اجعلنا من الطيبين، واجعلنا من الهداة المهتدين.
يا ربِّ فرجك العاجل، يا ربِّ لُطفك الشَّامِل..
-بقلوبكم توجهوا إلى الله:
وبقلوبكم توجهوا إلى الله: يا ربّ نستغفرك لنا، يا رب نستغفرك لأهل غَزَّة، يا رب نستغفرك لأهل عسقلان، يا رب نستغفرك للمسلمين في فلسطين، يا ربِّ نتوب إليك عن المؤمنين في فلسطين، يا رب نتوب إليك عن المؤمنين في ديارنا ومنازلنا وبلداننا، وفي جميع أقطار الأرض، اغفر لنا ولهم يا خير الغافرين، ونستنصرك للمؤمنين، ونستغيثك للمؤمنين، وندعوك للمؤمنين، ونرجوك للمؤمنين، ونسألك أن تُعَجِّلَ النَّصرَ للمؤمنين، يا مَن قُلتَ في الكتاب المبين: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} انصر المؤمنين، واجعلنا في خواصِّ المؤمنين، تولَّنا بما توليتَ به الصالحين، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وافتح باب لوحدة قلوب المسلمين على نصرك ونصر رسولك الأمين، يا حيُّ يا قيُّوم، يا منَّانُ يا كريم..
يا الله: نستغفرك لنا ولهم عدد ما خلقتَ وملئ ما خلقتَ، وعدد ما في الأرض والسماء، وملئ ما في الأرض والسماء، وعدد ما أحصى كتابك، وملئ ما أحصى كتابك، وعدد كل شيء، وملئ كل شيء، فاغفر يا غفَّار، واستر يا ستَّار، وادفع كَيْدَ الفُجَّارِ والكفار عن فلسطين وجميع الأقطار، يا قويُّ يا متين، يا كريم يا غفَّار.. يا الله .. يا الله، وانصر أهل الهدى والحق، وادفع البلايا، وادفع أهل الشر واَمْحَق، يا حيُّ يا قيُّوم يا حقُّ يا وكيل..
وتوجَّهوا إليه أجمعين، وقولوا جميعا بوجهاتكم، ونيَّاتكم، وقلوبكم، وألسنتكم:
يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين فرِّج على المسلمين.
04 جمادى الأول 1445