حال المؤمن وشأن الأمة في استقبال رمضان

للاستماع إلى المحاضرة

 بسم الله الرحمن الرحيم

        سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان رب العزة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان من أرسل إلينا عبده المصطفى، سبحان من خصّصنا بنبيّه المجتبى، اللهمّ لك الحمد على هذه النعمة العظمى والمنة الكبرى، ونسألك أن تجعلنا من خواصّ شاكريها، ومن خواصّ القائمين بحقها ومن خواصّ المترقـّين في مراقيها، آمين يا رب العالمين، فإن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وقد وقتَّ خلقهما بمواقيت من عندك، ثم جعلت المصير إليك في يوم يجتمع فيه الأولون والآخرون، وكلّ ما جرى من الشئون في هذا العالم في الظهور والبطون تضمحلّ وتتلاشى إلا ما اتصل بحضرتك وقـُبلَ عندك وكانت له المكانة لديك، و (كُلّ شَيْءٍ هَالكٌ إلا وَجهه لهُ الحُكمُ وَإليهِ ترْجَعُون) جلّ جلاله وتعالى في علاه، وحينئذٍ يُدرِكُ أهل الخسران خسرانهم وأهل الضياع ضياعَهم وأهل الفتن فتنهم، وأهل الغفلة غفلاتهم ونتائج ذلك من البعد أو الطرد أو الحجاب، (كَلا إنهُم عَن رَبّهم يَومَئذٍ لمَحْجُوبون ثمّ إنهم لصَالوا الجَحيم ثمّ يُقال هذا الذي كنتم به تكذبُون) بعد أن قال ربكم سبحانه وتعالى في سبب ذلك: (كلا بل رَانَ عَلى قلوبهم مَا كانوا يَكسِبُون).

فوِجهات الناس ونيّاتهم ثم ما يلحق بها ويتعلق بها من أعمالهم وتصرفاتهم في الحياة، هي المكاسب التي يترتب عليها إما تنوير القلوب وإما إظلامها، إما حياتها وإما إماتتها، إما طهارتها وإما وسخُها والعياذ بالله تبارك وتعالى، ويا مقلِّب القلوب والأبصار ثبّت قلوبنا على دينك.

 وأنتم في توديع هذا الشهر في آخر جمعة من جُمَع شهر شعبان تستقبلون شهراً في مثله أنزل القرآن على سيد الأكوان، وظهر النور وبان، وأصلح الله به من أصلح على مدى الأزمان.. فلله الحمد سبحانه وتعالى في كل حين وآن، ونسأله أن يحسِن لنا استقبال رمضان، ويحسِن لنا خاتمة شعبان، بوجهات صادقة معه جلّ جلاله منقـّاة عن الأدران والرّان، وبالإخلاص لوجهه الكريم يتسامى عن قصدِ كل فان، من جميع الأكوان، فيا ويح من قطعته الأكوان عن الإله المكوّن، بل يا ويل له والعياذ بالله تبارك وتعالى، هل خلق الله الأرض والسماء لتستدلّ على عظمته وتزداد يقيناً به أو لتنقطع بها أو لتُحبس فيها أو لتستُعبد لها أو لتغتر بشيء مما فيها؟؟!! (انظروا مَاذا فِي السّمّاوَات والأرض) ما كان حكمةُ خلقه وسر إيجاده إلا ليزيدكم إيماناً وإحساناً وقُرباً من الرحمن وعرفاناً وأدباً معه وعبودية له واغتناماً لهذه الأعمار القصيرة، استعداداً للمآل، استعداداً للمآب، استعداداً للعاقبة.. استعداداً للرجعى (وَأنّ إلى رَبّكَ الرّجعى) جل جلاله وتعالى في علاه، (كلا إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، ويلٌ لمن ظنَّ أنه مستغنٍ بفكرِه، ويل لمن ظن أنه مستغنٍ بجيشه ويل لمن ظن أنه مستغنٍ بقبيلته، ويل لمن ظن أنه مستغن بمصانعه، ويلٌ لمن ظنّ أنه مستغن بأي شيء غير الله،  وهو الطاغي، هو الطاغي، (كلا إنّ الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى * إنّ إلى رَبّكَ الرّجعَى) ألا تتذكر؟؟!! (إنّ إلى ربّكَ الرّجعَى) ألا تتفكر؟؟!! (إنّ إلى رَبّكَ الرّجعَى) ألم يكن عندك نظر؟ (إنّ إلى رَبّكَ الرّجعَى) تفسِّر لك حالك الذي أنت فيه وخطأك في وهمك في اعتمادك على غير بارئ الكون ومنشيه جلّ جلاله وتعالى في علاه، خدعُوا القلوب فعلَّقوها بغير مولاها حتى التجأت إلى غير ربها سبحانه وتعالى، واعتمدت على ما سواه فتقلَّبت في أودية الأتعاب والأنكاد والبلايا والآفات المتقلبة، ( وَمَنْ يَتوكل عَلى اللهِ فهُوَ حَسْبُه)، أين القلوب التي تُحسن اللجاء إلى من بيدِه أمر النجاة ولا ينجِّي الفرد ولا الجماعة إلا هو، والأمر كله بيده، وأمرُ الفرد والجماعة والأمة عنده شيء واحد، لا يعجزه شيء جلّ جلاله ولكن الشؤون التي يُبديها..

على ذا مَننتَ وهذا خذلتَ ** وهذا أعنت وذا لم تعن

 فما شئت كان وإن لم أشأ** وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن

 خلقتَ العباد على ما أردت ** ففي العلم يجري الفتى والمُسن

 فسل ربّك التوفيق والعفو والرضا** وكوناً مع أهل الهدى والحقائق

 رجال إلى الرحمن ساروا بهمةٍ** على الصدق والإخلاص من غير عائق

 من يعلمنا السير إلى الرحمن؟ يدلنا على السير على الرحمن ، شئون الاتصال بالرحمن، الإقبال على الرحمن، علمونا الاتصال بماذا؟ خدعونا وغشونا بالاتصال بماذا؟ علمونا الاتصال بالدنايا، علمونا الاتصال بالأحقاد، علمونا الاتصال بالشحناء والبغضاء، علمونا الاتصال بتعظيم الماديات، علمونا الانقطاع عن الجبار الأعلى..

رجال إلى الرحمن ساروا بهمة على الصدق والإخلاص من غير عائق

 فنالوا الذي كل المطالب دونه، كل المطالب دونه، كل المطالب دونه، مطالب السلطات ومطالب الجاهات ومطالب الثروات وما سواها، كلها دونه، دونه، والله دونه، والله لا تساوي شيئاً عنده،

 فنالوا الذي كلَّ المطالبِ دونه فلله من عيشٍ كريمٍ ورائق

 دنوّ وتقريبٌ وأنسٌ بحضرةٍ مقدَّسة في منتهى كلِّ سابق

 دنوّ مِن مَن؟ دنوّ إلى مَن؟ في أسرار مَن قال عنه الرب تبارك وتعالى (ثمّ دَنا فتدَلّى * فكَانَ قابَ قوسَين أوْ أدنى * فأوحَى إلى عَبدِهِ مَا أوحى * مَا كذبَ الفؤادُ مَا رَأى * أفتمَارُونه عَلى مَا يَرَى) يا مَن أريتَه آياتك الكبرى صلّ عليه وارزقنا اتباعه ظاهراً وباطناً والإقتداء به سراّ وعلناً، يا أكرم الأكرمين، اجعلنا تبع ذلك الفؤاد الذي ما كذب، واللسان الذي ما كذب، والعين التي ما خانت، والأذن التي ما خانت، اجعلنا في تبعيَّة الطاهر المعصوم الطيب حبيبك المصطفى محمد، آمين يا ربنا، آمين يا ربنا، سُرَّ قلبَه بمن تربط من الأمة به ربطاً لا ينحلّ، يا الله، فإنما أوتينا من حيث تخلُّفنا عن الارتباط به، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وكل فرد أو جماعة أو طائفة ولو كثرت، انحلَّت رابطته على وجه الحقيقة بخير الخليقة فهي القاصية التي يأكلها الذئب، نرى الذئب ينهش.. ونسأل الله أن يرفع هذا النهش، ويرفع هذا الغش وهذا البلاء الذي نزل بالأمة، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، استجب لنا ونجِّنا من الغم يا مَن ينجِّي المؤمنين.

 دعانا إلى الجماعة ولا جماعة إلا من ائتمّوا بسيّد الجماعة، ما نعرف إماما للجماعة إلا واحد اسمه محمد، الله جعله الإمام، إذا حضر النبيّون كانوا مأمومين، وإذا حضر الملائكة كانوا مأمومين، أفيكون صالح على ظهر الأرض غير مأموم بهذا؟ لا، لا يكون، وكلّ من انفصل عن فهو القاصية من الغنم التي تتعرض للذئب..

وهذا الذي وقع في هذه الأمة فيا ربِّ عوّد صلتها بالجناب الشريف، يا رب ارزقهم حسن الاقتداء بالداعي إلى مراتب القرب منك والتعريف،  يا كريم يا لطيف يا أرحم الراحمين، وما جمعكم جلّ جلاله إلا ليقضي أمراً فيكم وبكم في الأمة، فما قامت على عبث ولا قامت على صُدَف ولكن ذلك تقدير العزيز العليم، جلّ جلاله وتعالى في علاه، توجهوا إلى من جمعكم ليفيضَ عليكم من خزائن جوده ما عسى به أن تسعدوا وأن ترشدوا وأن يكشف الله الغممَ عن هذه الأمة، وأن يجلوَ الظلـَم عن هذه الأمة ويعرف الواحد منكم كيف يودع هذا الشهر وكيف يستقبل رمضان بأوجه الإحسان بالصفاء عن الأدران، بالصلة بالقرآن، بالتأمل وما فيه، بالاقتداء بالذي كان يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، ويجتهد في العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيرها من رمضان، ذاكم القدوة سيدنا محمد ، الذي قال ربكم له: ( قلْ إنْ كُنتمْ تحِبّونَ اللهَ فاتبعُوني يُحْببكمُ اللهُ وَيغفر لكمْ ذنوبَكُم) يا رب حقيقة التبعية مكـِّنا فيها، وأهلينا كلهم وأولادنا كلهم، حتى نحشر معه يوم القيامة، نحيا على محبته، نُتوفى على ملته، نُحشر في زمرته، نحيا على محبته، نموت على ملته، ونحشر في زمرته، نحيا على محبته، نموت على ملته، نموت على ملته، نموت على ملته، ونحشر في زمرته يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين.

 قدِم أبو موسى الأشعري ومَن معه رضي الله عنه من الوافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصادفوا أهل السفينة، جاؤوا من الحبشة، خرجوا يرتجزون عند قدومهم على المصطفى، يقولون: غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، ما حدا بهم إلى الوفادة إلا حادي الشوق، إلا حادي محبةٍ استوطنت القلوب واستبطنَتها واستمكَنت فيها، وبغير ذاك لن تنهض الأمة، وبغير ذاك لن تُكشف الغمة، وبغير ذاك لن تُبعد الظلمة إلا تستوطن القلوب خالص المحبة للحق وحبيبه المحبوب، املأ قلوبنا بمحبتك، وبمحبة نبيك ورسولك وصفوتك، حتى تكون أنت ورسولك أحبَّ إلينا مما سواكما، آمين، ندعو لك البرَّ الرحيم المنان الكريم عسى أن يكرمَك بعظيم التكريم، ويجعل لك حقيقة أنه ورسولَه أحبُّ إليك مما سواهما. وإذا تمّ ذلك فقد تحرَّرت، وقد تطهَّرت وقد تنوَّرت، والشرف لك، والعزة لك، والكرامة لك، دنيا وبرزخ وآخرة، يا رب أكرمنا، يا رب حققنا، يا رب العالمين.

 في ليلتنا هذه، وما نستقبل من الأيام والليالي في رمضان هذا المقبل ما آتيت من معاني المحبة وحقائق المحبة وسقيت من كؤوس المحبة فخُصَّنا بأصفاها وأرفعها وأعلاها، وأتمَّها وأكملها وأرقَّها وأنورَها وأوفرها ظاهراً وباطناً يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا مُقبلاً على من دعاه، يا مجيباً لمن ناداه، يا الله، بيدك أمرُ القلوب فاسقِها كؤوس محبتك، آمين.

 يالله بذرَّة من محبة الله ** نفنى بها عن كل ما سوى الله

ولا نرى من بعدها سوى الله** الواحد المعبود رب الأرباب

 على بساط العلم والعبادة ** والغيب عندي صار كالشهادة

 هذا لعمري منتهى السعادة ** سبحان ربي مَن رجاه ما خاب

يا واقفين في رحاب مَن لا يخيبُ راجيه، ولا يردّ داعيه، توجّهوا إليه، توجّهوا إليه وتذللوا بين يديه، ونوبوا عن الأمة، كيف لا يهمنا والشهر يقبل والمؤمن يُعدّ عدَّته من النفقة لأجل العبادة ولأجل القيام، كيف لا يهمه أنه يقبل الشهر وفي الأمة من يُعدّ للشهر أن يقاتل إخوانه، أن يسفك الدماء الحرام، صاح النبي صلى الله عليه وسلم وخوّفنا من شرّ المنافقين، يُعِدّون العدة في رمضان لتتبع العورات، تجاوزوا تتبَّع العورات، وتجاوزوا السباب والشتم، ويُعدّون العُدة ليستحلوا دماء بعضهم البعض، أغراهم عدوّهم، وضحك عليهم، وحَسْبُهُم أنهم في انطلاقاتهم يعرفون طرف خيوطهم، لجوءٌ إلى العدوّ، أهذا شأن المؤمنين؟ أهذا شأن المسلمين؟ أهذا شأن أتباع الحبيب الأمين؟ وشأنُهم إلا (إذ تسْتغِيثونَ رَبّكم فاسْتجَابَ لكُم) شأنهم (لقد نصَرَكم اللهُ في مَوَاطِنَ كثيرةٍ وَيَوْمَ حُنين إذ أعْجَبَتكُم كثرَتكم فلم تغنِ عَنكم شيئاً)، يا من يعجب بالكثرة، يا من يعجب بالجمهرة، يا من يعجب بالحماس، يا من يعجب بإثارات الناس، لا تغرّك! لا تغرّك! فلن تنفعك ولن تضرّك، والنفع والضرّ بيد واحد، يقلِّب القلوب كيف يشاء، ويا مقلِّب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك..

ورسوله ينادي: ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقابَ بعض. ونادى أهل القلوب من أمته في أفراد أهل القلوب من صحابته: استفتِ قلبَك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك، وإن أفتاك المفتون وأفتوك، هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، هل بعد هذا تظن أن من قال هذه فتواي تمشي بك في القيامة؟ تنجيك وقت الوقوف بين يدي رب العالمين جلّ جلاله؟ استفتِ قلبك إن كان لك قلب، أين تضع رجلك، أين تضع يدك، في تبعيّة مَن؟ وخيط كتيبتك واصل إلى فين؟ حاط رجلك على أي أرض أنت؟ هل تعرف الجهاد في جمعِ شمل الأمة؟ تعال لنجاهد أنا وإيّاك، هذا الجهاد محبوب للرب، أتكون نتائج الجهاد تفريق وتشتيت وإقرار لأعين الكفرة والفجرة وهدم لثروات الأمة الإيمانية والتراثية والعلمية، أهكذا تكون نتائج الجهاد!؟ ما يكون جهاد بهذه الصورة ولن يكون.. ضيّع الناسَ روابطُهم بالشيوخ،  روابطهم بأهل الرّسوخ، روابطهم بتربية النبوة، ضيّع الناس أدبُهم مع الله، وأدبُهم مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأدبهم مع الصحابة، وأدبهم مع أهل البيت الطاهر.. وما نتائج إساءة الأدب إلا السوء، والله يتدارك المسلمين، الله يغيث المسلمين، الله يجمع شملَ المسلمين، الله يدفع البلاء عن المؤمنين.

 ومن يعرف يبذل شيء، يقرّب القلوب من الله ويقرّب القلوب لبعضها البعض على دائرة الإيمان ويكبت عدوَّ الله إبليس الذي طمعُه التحريش فليجاهد، هذا الميدان وهذا الفرس وهذا الجهاد الذي سيجني صاحبُه خير العواقب، وسيُحشر في زمرة خواصِّ المجاهدين، وأما الذي يمضي على غير بصيرة لا يدري في أيّ مسير مسيره فأمره مخطر.

 ذكر النبي هذا التشابك بين الأمة وهذا التضارب وهذا التداخل بالشحناء والبغضاء والعدوان، وأصدر نصائحه، أين أذهب؟ قال: الزم إمام المسلمين وجماعتهم، إن لم تكن جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت. هذا سيد الشجعان، هذا المأمون على تنزيل الرحمن، هذا خير الناصحين لبني الإنسان، هذا محمد المصطفى من عدنان، يا رب صل عليه وارحم أمته، يا رب صلّ ولُمَّ شمل أمته، يا رب صلّ عليه وتدارَك أمته، يا رب صلّ عليه وأغِث أمتَه..

 يا سريع الغوث غوثاً منك يدركنا سريعا** يهزم العسر ويأتي بالذي نرجو جميعاً

 يا قريباً يا مجيباً يا عليماً يا سميعاً ** قد تحققنا بعجز وخضوع وانكسار

 يا رب العالمين ويا أرحم الراحمين

 تدارَك الله هذه الأمة بدرِك من عنده، وأغاثَهم بغياث من عنده، ودفع الآفات والبلايا عنهم..

 يا رب نظرك لإخواننا في سوريا، يا رب نظرك لإخواننا في مصر، يا رب نظرك لإخواننا في بورما، يا رب نظرك لإخواننا في العراق، يا رب نظرك لإخواننا في تونس، يا رب نظرك لإخواننا في ليبيا، يا رب نظرك لإخواننا في اليمن، يا رب نظرك لإخواننا في يمننا وشامنا وشرقنا وغربنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا ذا القوة المتين فرّج عنا، ارفع سلطة أعدائك من على صغارنا وكبارنا ورجالنا ونسائنا، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به حبيبك محمد..

 وإلا فالدعوة موجَّهة أن يُستقبل رمضان بكفّ السبّ، بكفّ الشتم، فضلاً عن ظلم المال، فضلاً عن ظلم الأعراض، فضلاً عن ظلم الدماء، أشدُّ ما يكون، وأعظم ما يلطَّخ به اليد دم لا يحلّ لك تلغ فيه، فتخرج من الفُسحة إلى الضيق، قال صلى الله عليه وسلم: لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً. بل قالوا البعيد الذي ما شارك بيده، يشارك بكلمة من لسانه فيدخل دائرة القاتلين، قال صلى الله عليه وسلم: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة كان شريكاً له فيها. شريكاً للقاتل والعياذ بالله تبارك وتعالى، من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة لقيَ اللهَ مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، ولو قُتلت نفسٌ ظلماً في أقصى المشرق فرضيَها رجلٌ في أقصى المغرب كان شريكاً لأصحابه.. الله يحقن دماء المسلمين، الله يتدارك أهل لا إله إلا الله أجمعين.

 على المتصلين بالدين أن يعرفوا حرمة لا إله إلا الله، وعلى كل من خُدعوا بأي فكر من هنا أو هناك أن يعلموا أن مِنَّة الله عليهم بلا إله إلا الله لا يساويها شيء، وأن مرجعَهم في صلاح أمرِهم في العاجلة قبل الآجلة لهذه الكلمة، جعلنا الله من خواصِّ أهلها المتحقِّقين بحقائقها..

 فأحسِنوا الاستقبال للشهر الكريم، شهر العطاء والمنح، يا باغي الخير أقبل.. نكون منهم إن شاء الله، ويا باغي الشرّ أقصر، الله يطهِّر ديارنا منهم ولا يجعل في بيوتنا أحداً ممن يبغي الشر.

 والنظرة أول ليلة من رمضان، ينظر إلى عباده، ومن نظر إليه لم يعذبه أبداً، نسألك نظرة من نظراتك، وأول ليلة من رمضان المقبل علينا اجعلنا جميعا منظورين بعين رحمتك، وأهلنا كلهم من يسمعنا، وأهالينا وأهاليهم أجمعين، وأولادنا وقراباتنا، وجيراننا يا خير الناظرين لا تحرمنا خير تلك الليلة، ليلة تُزيَّن فيها الجنان وتفتح أبوابها وتغلق أبواب النيران وتنظر إلى عبادك، اجعلنا فيها منظورين بعينِ رحمتك يا أرحم الراحمين يا الله.

 سألناك بالكتاب المنزَّل والنبيِّ المرسل ورمضان وما حلَّ فيه وما جُدتَ على أهليه أن تجعلَنا من أهل النظرة في أول ليلة من شهرِنا هذا المقبل علينا يا الله، يا الله، يا الله، وهيئ قلوبَنا للطهارة في الشهر المبارك، وللنقاء عن الأدران والاتصال بسيِّد الأكوان، اجعله قدوتَنا يا كريم يا منّان وارزقنا حسن متابعته في كل شان، حققنا بحقائق الصيام واجعلنا في المقبولين، حققنا بحقائق القيام واجعلنا في المقبولين، أعنَّا على تلاوة القرآن على النحو الذي يرضيك عنا واجعلنا من المدَّكرين المقبولين يا أرحم الراحمين، وتوجهوا جميعاً إلى رب العالمين، وقولوا يا الله، أدرِكنا وأمة الحبيب، عجِّل بغياثك يا قريب، تولَّنا يا مجيب، يا أرحم الراحمين.

تاريخ النشر الهجري

27 شَعبان 1434

تاريخ النشر الميلادي

05 يوليو 2013

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية