حال الأمة في الاستضاءة بسراج صاحب الإسراء والمعراج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي خصَّكم بصاحب المعراج والاسراء، ورفع به لكم القدرَ إلى سامي الذُّرى، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرِّم على حبيبك الهادي الذي جعلته سيد أهل الدنيا والأخرى، وعلى آله وصحبه، ومن سار في دربه من أهل محبته وقُربه، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى أهل الصلة به من الملائكة المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الحق تبارك وتعالى، خالقكم، وخالق الأرض، والسماوات، ومافيها ومن فيها، وخالق كل شيء، رتَّب وقدَّر أن تكونوا في هذه الأمة، وأن تعيشوا في هذا الزمن المحددِ على ظهر الأرض، لتنقضي الآجال، يُثبت ما يصدُر من المكلفين من الأقوال والأفعال، والنيات والأحوال، ليكون بعد ذلكم اللقاءُ بالكبير المتعال، والخروج إلى البرازخ، ثم إلى ساحة المحكمةِ الكبرى، حيث الحكم على كل مُكلَّف مِن حاكمٍ (لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)، ولا رادَّ لأمره، جل جلاله، ولا ترى في تلك المحكمة إلا حكماً بسعادة لا شقاء بعدها، أو بشقاوة لا سعادة بعدها؛ وإذا بالأصناف، المتكاثرة، وأهل الأعمال المتنوعة المتناثرة، وأهل الوجهات الباطنة والظاهرة تحولوا إلى فريقين اثنين، وسكَّان دارين اثنين، لا ثالث لهما، (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، ويستقر كلٌّ مكانَه، ثم يكون من الأخبار العظيمة الكبرى أن يؤتى بقضيةِ الموت، وحقيقة الموت، الذي يجري لهؤلاء وهؤلاء، وجرى عليهم في انتقالهم مِن أطوارٍ قد مضت، تُعرض هذه الحقيقة مُصوَّرةً مُشاهدةً للأعين، بصورة كبشٍ، يعرف أهل الجنة، وأهل النار، أن هذا مجلى ومظهر لحقيقة الموت، ويُنادى يحيى، يا يحيى، يا ابن زكريا، قُم وخذ المُديَة واذبح الموت، وينادي المنادي، "يا أهل الجنة خلوداً فلا موت، ويا أهل النار خلوداً فلا موت"، هذه قضية من أكبر القضايا المُقبلة على الخلائق، يزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم إلى الأبد، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنِهم إلى الأبد، وكثير من صلحاء الأمة وأخيارها كانت بينهم وبين رب السماوات والأرض بكيات، وطرق لبابه، بخشية، وإنابة، وتذلُّل، وافتقار، خوفاً من أن تأتي تلك الساعة وأحدهم لم يزل في النار فلا يخرج منها أبدا، فإن الخروج قبل ذبحِ الموت يكون للعُصاة الذين ماتوا وفي قلوبهم أثرٌ من الإيمان، ولو مثقال ذرة، أدنى أدنى مثقال ذرة، فيُخرجون منها حتى يخرج آخرهم، ثم تأتي هذه القضية، فييأس أهلُ النار من الخروج، ويأمن أهل الجنة من الخروج، من جنة الله تبارك وتعالى (لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا)، أي تحوُّلاً إلى مكان آخر، ولا إلى شأن آخر..
من يتحدث عن هذه القضايا الكُبرى؟ إن الذين ألهتهُم شؤونُ السياسات، وشؤون الاقتصاد، وشؤون الأحزاب، أهل اللعب، ما درَوا بأنفسهم، ولا دروا بالحقائق، والمنادي يناديهم أخرُجوا من اللعب إلى الجدّ، (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ*وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ)، من دام منهم مغتراً بهذه المظاهر القاصرة فويلٌ ثم ويلٌ له، وستأتي ساعة النداء هذه ويعلم أين سيكون.
أيها المؤمنون، أصحاب صاحب المعراج، بكم يُرتجى تقويم الاعوجاج، إذا استضأتم بنور هذا السّراج، ومضيتم في منهاجه خيرِ وأقومِ منهاج، منهاج المأمون، منهاج حبيب الذي يقول للشيء كُن فيكون، منهاج مختارِ من يعلم ما تسرُّون وما تعلنون، منهاج خاتمِ الأنبياء، منهاج سيد الأصفياء.. عظِّموه، وقوموا بحقّه، مادامت فيكم عينٌ تطرف، لا عُذرَ لكم أن يُخلص إلى هذا المنهاج، ولا أن يُبعثر بهذه الأقاويل، والأباطيل، والأضاليل، وهذا الهزل والهزوّ، ( قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)، وفيهم داير في أفكار كثيرة، انتظم لخدمتها وتجنَّد، صفحاتٌ ومجلات وفيسبوك ونت وغيرها، مما هو دائر على ظهر الأرض، في حقيقة وحيِ زخرفِ القولِ الغرور، من أعداء النبيين، (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)، وهم في هذه الدائرة الضيقة، يلعبون، لا يعقلون سرَّ الخَلْق ولا سرَّ الوجود، لا يُدركون من أين جاؤوا ولا إلى أين يذهبون، ولا لماذا خُلِقوا على ظهر الأرض، ولا عرفوا خالقَهم، أفيغرُّكم بعد ذلك شيء من أقاويلهم؟ وشيء مما عندهم؟ إنهم الحُججُ على أنفسهم وعلى مَن سواهم، في النُّكران والجحود للمُوجِد المُنعِم عليهم بالأسماع والأبصار والأفئدة؛ فيهم أربابُ العِناد الذين يحبون أن يضلَّ الناس وأن يفسدَ الناس، لهم تشبُّث بمطامع ما أقصرها، وما أحقرها، من أجلها يهُون عليهم أن يموت الألوف، لا.. بل أن يموت الملايين، لا يهمهم ذلك، في وقتٍ يكثُر التشدُّق فيه بحقوق الإنسان، وبالإعطاء للحريات إلى غير ذلك مما تسمع من هذه القواميس الزخرفية الغرورية، التي تملأ الجوَّ كلاماً؛ والفعل والتصرف والعمل والتنفيذ خلافٌ وضِدَ، وبأي الاعتبارات يُعتبر الانسان؟ أتكفي هذه الدعاوى؟ أتكفي هذه الأضاليل؟
أيها المؤمنون بالله جل جلاله، مُهمة تقويم الاعوجاج البشري على ظهر الأرض، مهمةُ النبيين، ختمهم محمد، وخلفتموه، خلفتُم النبي الخاتَم، فعظِّموا المنهاج، الذي بعثه اللهُ به إليكم، لا تقدموا عليه سواه، لا ينطفي نورُ سراج منهاجِه وسط دياركم، ولا بين أبنائكم وبناتكم، حتى تتعشَّقوا، أو يتعشَّقوا بشيءٍ من الإغواء وبشيءٍ من الدوافع المختلفة سِيَر المخالفة لسيرته، المناهج المخالفة لمنهاجه، المسالك المضادَّة لمسلكه، في منطق أو في زيٍّ، او في لباسٍ، أو في معاملة مالية أو اجتماعية، في ما يتعلق بمختلف شئون الحياة، فإن خالقَ الحياة، بعث ابنَ عبد الله، وأرسل ابن عبدالله، وائتمنَ ابن عبدالله، وكلَّف ابن عبدالله، وشرَّفه وشرّفنا به، فيارب ثبتنا على دربه، ويارب اسقِنا من شربه، ويارب اجعلنا جميعاً في حزبه، وما حزبه إلا حزب مولاه، تعالى في علاه، (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، ألحِقنا اللهم بهم يارب العالمين، ويا أكرم الأكرمين.
إن الاستخفافَ بمنهاج هذا المصطفى، الذي دبَّ وقام عليه أثرُ الدّاء، وهو داءُ الأمم، داء الأمم، الحسد والبغضاء، داء الأمم قبلَنا، مُهلك الأمم قبلنا، علّة الأمم قبلنا، وهي علّة الأمة أيضاً ، وهي مصيبة الأمة أيضاً، ولا يفرح الشيطان بمثل تنافُرهم، وتدابُرهم وتناحُرهم، فإن يطمع في شيء ففي التحريش بينهم، ( دبَّ إليكم داء الامم قبلكم، الحسد والبغضاء، هي الحالقة، حالقة الدين لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ) ما رأيتم أماكن الحلاقة؟ في واقع مسارات الأمة اليوم حُلِق وحُلِق من هنا ومن هناك، وسُخّرت طوائف وأعداد، لمعاداة ولحلقه بعد أن حُلق فيهم أيضاً باسمه هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين، والمأمون ما يمثِّل عبث، ولا ينطق عن هوى، ولا يتكلم إلا بنُصح، ولا يقول إلا حق، صدق وهو الذي أشار إلى لسانه وقال: (اكتب، والذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق)، قال تعالى:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، أنت لا تعرف إلا صوالين حلاقة الشعر، كيف تحول رأساً ووجهاً بعد الحلْق، خلافَ ما كان قبل الحلْق، ومنه حلقٌ مستأصل ومنه حلق جزئي في جوانب..
كذلك يُعمل بالدين، كذلك يُعمل بالدين، وهذه آلات الحلاقة فيه، الحسد والبغضاء، دبَّت لما استصغر أفراد الامة المنهاجَ العظيم، منهاج النبي الكريم، لمّا أهملوه، لمّا استخفوا به، لمّا هانَ عليهم، فلا يهون إلا في نظرِ من أراد الله أن يهينه، وهو معنى نظرة تحليلية وكلمة تطبيقية للواقع، يقول (فإذا فعلتم ذلك سلَّط الله عليكم ذُلّاً، لا ينزعه منكم حتى تعودوا إلى دينكم) تعودوا إلى تعظيم منهج النبي، إلى إكبار منهج النبي..
أينطفئ سراج منهجه وسط دارك؟ من حيث تشعر ومن حيث لا تشعر؟ تأتي المناسبة عندك فيغيب رسول الله، ويغيب منهاجه، وتغيب آدابه، وإذا بالعادات معادية، والألفاظ مخالفة، والآلات مُحرّمة، والازياء خبيثة، أهكذا ينطفئ سراج منهاجه وسط مناسبتك؟ ثم تتعجب ما الذي أصابنا ولماذا نحن كذا ولم تسلَّط علينا ذا وذاك، أنت الذي كان ينتظر منك، أن تقوم الاعوجاج، أطفأت نور السراج في دارك؟ وفي منهجك ثم تتعجب ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء! ولكن يؤدب هذا بهذا وينبه هذا بهذا، ويسلّط هذا على هذا ويسخِّر هذا لهذا .. لحِكَم، ليست عبث
ونزولهم وطلوعهم ليست في الكون على عِوَج
حِكَم نُسجت بيد حكمت ثم انتسجت بالمنتسج
فهل يُقرأ في صفحات التاريخ ماضيه وحاضره إلا حقائق انفعالات الكون تحت هيمنةِ المكوّن بسر ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) الكل في قبضته وتحت يده، (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).
وجموع الوجهة إلى الله، المتعلقة بالمعراج وصاحبه، وبالإسراء وصاحبه، إمام النبيين، إمام الملائكة، إمام المقربين، إمام الصدّيقين، إمام كل محبوبٍ لله، إمام كل مرضيٍّ عنه من قِبَل الله، مقدَّم الكل، المقدَّم على الجميع، المفضَّل على الجميع، طه الشفيع ذا الجاه الوسيع، نبيكم الذي به شُرفتم، سلوا اللهَ أن لا تمر عليكم ذكرى إسرائه ومعراجه، إلا وسرَت في قلوبكم من أنوار ذلك الاسراء، ومن أنوار ذلك المعراج، ما يقوم لكم به حُسن الاستضاءة بنورِ هذا السراج، ويتلألأ سراجُ منهاجه في أقوالكم، في أفعالكم، في مقاصدكم في نياتكم، في معاملاتكم، قوانين قوانين، أنظمة أنظمة من هنا ومن هناك، أليس معنا ميزان؟ لا يمكن أن نقبل به منهاجاً ولا نظاما ولا تجربةً ولا فكراً إلا إن اتفق مع ميزان أصفى، وأوفى، وأكرم وأعظم وأجلّ من عند الأعلم، من عند الأكرم، من عند الخالق، من عند الرحمن، فميزان الحق والباطل عند مَن آمن بالله وبمحمد، لا عند مَن صنع ولا عند من اخترَع ولا عند من فكَّر ممن ضيَّع نفسه، وأراد أن يضيّع الغيرَ معه.
فيا أتباع صاحب الإسراء والمعراج، قوَّم الله لكم كل اعوجاج، ثبَّتكم على أقوم منهاج، وروَّح أرواحكم بنسيم الاقتداء بهذا النور، اللهم نوِّر به قلوبَنا، نوَّر به قبورنا، نوِّر به عقولَنا، ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)،( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)، عظِّموا منهاج الله، كسِّروا آلاتِ حلقِ الدين مِن الحسد والبغضاء، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، واشكروا المُنعم الذي مدَّ لكم هذه الحبال، وأوصل إليكم هذه الخيرات الجِزَال، مجامع مربوطة بمولى بلال، بباهي الجمال، بأوثق الحبال، ذاكم فضلُ الكبير المتعال، عقد لواءها مِن قبل، وظهرت آثارها فينا، يحيي الله بها قلوبا، ويغفر فيها ذنوبا، ويكشفُ بها كروبا، ويقرِّب بها بعيدا، ويردُّ كم من شقي بها فيُحوِّله سعيدا، ( إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ*وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ*ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)، جل جلاله وتعالى في علاه.
فاستشعِروا حكمةَ الحكيم في كلِّ ما يدور، في هذا الوجود في البطون والظهور، فما منه شيء خارجٌ عن قدرته، ولا عن إرادته، ولا عن حُكمه، ولا عن حِكمته سبحانه وتعالى، ( لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) والمظاهر تظهر بصور، وبحجابات أسبابٍ تلوحُ للأبصار، لكن عند البصائر المسبِّب فوقها، (الم*غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) أصلا لا شي يتغير في حكمة الحكيم وعظمة العظيم هو هو، وفي قبضته كلُّ شيء، قبل ما غُلِبوا وبعد أن غُلبوا وبعدما ترجع الغلبة لهم ويغلبون، كله منسوج بحكمة واحد، واحد، واحد، واحد، هو الواحد، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)..
بحلِف يمين قطّاعه *** ماحد يحرِّك باعَه
في معصية أو طاعة *** إلا أن حرَّكها الله
(يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء)، يخفض من يشاء ويرفع من يشاء، (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء)، ( وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ)، وانتهت القضية هنا! وما عدا ذلك صور، وما عدا ذلك مظاهر، فوقها القاهر، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، فاحمدوه إذا سيَّركم في الوِجهة إليه، في الإقبال عليه.. يا من أكرمتَهم فجعلتَهم في خيرِ الأمم أتمِم عليهم النِّعم، ابسُط لهم بساطَ الكرم، وقوِّ رابطتَهم بخيرِ العرب والعجم، ثبِّتهم على طريقهِ خير لقَم، يا عليُّ يا أكرم يا أرحم الراحمين.
ونسعد في هذه الذكرى منك يا ربنا ببشرى، تُصلح بها شئونا طُرّا سراً وجهراً، وهذه الثلَّة ومن يسمعها، من أمة حبيبك نتوجه إليك بحبيبك صاحب هذه الذكرى والعظمة التي عظّمته بها، أن تتدارك أمتَه وتغيثَهم فأغِثهم يا مغيث، بغياثِك الحثيث، وادفع عنهم شرَّ كلِّ خبيث، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا رحمن يا رحيم.. يا الله.
اصدقوا التوجهَ إليه تعالى في علاه، وادعوه لكم وأهليكم، وأسرِكم ومن في دياركم وأهل بلدانكم، وللأمة في المشارق والمغارب، وعسى يثبت الأقدام، ويتولانا في الدنيا والبرزخ ويوم القيام، يربطنا بخير الأنام، لا يخرج أحدٌ منا عن دائرته، ولا يتخلّف عن فريقه، إنه أكرم الاكرمين.
فنادوا أكرمَ الاكرمين واسألوا أرحم الراحمين، وادعوا ربَّ العالمين، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ) لا إله إلا الله، تعالى (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)، جل جلاله..
يجيب المضطر إذا دعاه، فاطلبوا معنىً من التحقق بالاضطرار إليه، أما ترون ما هو دائر على إخوانكم على كثير من أهل ملّتكم هنا وهناك، سواء من هذه التسلُّطات، والاختبارات والامتحانات الكبيرة، أو من ذلك الغيّ، والضلال وإيثار الفانيات والجهل بأمر الدين، والتدابر والتقاطع في الأرحام والعقوق في الآباء والأمهات وشُرب المُسكرات والمخدرات مضادة للمنهاج، مضادة لنور هذا السراج، هذا أصاب الأمة فاسألوا اللهَ أن يكشف الغمّة، اسألوا الله أن يرحم الأمة، اسألوا الله يحوّل الأحوال إلى أحسنها، فيا من جمعتهم على بابك عجّل الإجابة لنا ولهم، ونادوا الرحمن وقولوا يا الله، قولوا يا الله، تعالى الله في علاه يسمعكم ويجيبكم، يا مَن هو بنا أرحم وبحالنا أعلم، نسألك يا مولى الجود والكرم بالحبيب الأعظم أن تكشف عنا كلَّ همٍّ وغمّ، وأن تدفعَ هذه النقم، يا الله، يا الله، يا الله..
وإذا نازلتِ الخشيةُ قلوبَ الملائكة ما عرفوا الالتجاء إلا إلى الله، ولا نادوا إلا يا الله، وما كان مرجعُ الأنبياء والمرسلين إلا الله، ولا ملجؤهم إلا إلى الله، ولا كانت نهاية ومرجع المتقين والمقربين والصدِّيقين إلا الله، وما كان التجاؤهم إلا إلى الله، ولا دعاؤهم إلا يا الله، وإنا ندعوا الله مع أنبيائه وملائكته وأوليائه ونقول: ارحم يا رحيم وتدارك وأغث يا الله، يا الله، يا الله، يا الله..
ارحمنا بصاحبِ هذه المعجرة، ارحمنا بصاحب هذه الآية، من قلتَ في حقِّه (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وقلت عنه (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى*فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى*فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى*مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى*أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى*وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى*مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ) صلّ على ذلك البصر وصاحبه يا أرحم الراحمين، بصِّرنا به، نوِّر به بصائرَنا (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)
يا من أريتَه هذه الآيات، أرِه فينا ما تقر به عينه، ويُسرُّ به قلبه، وأرِنا في الامة ما تفرح به قلوب الصالحين، ويُسر به قلوب المتقين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، أجِب دعاءنا، لبِّ نداءنا، حقِّق رجاءنا، اغفر أخطاءنا، سامِحنا في ما جنينا، وعافِنا واعفُ عنا، واختم لنا بأكمل الحسنى، يا الله.
ثبِّتنا على الإيمان واختم لنا بالإيمان، ولا تُمِت أحدا منا إلا متحقِّقا بحقيقة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، واجعلها آخر كلامِنا من هذه الحياة يا الله، يا الله، نعم قل يا الله، وادع الله، وارجُ الله، ونادِ الله، واسألِ الله، وتوجّه إلى الله، وتذلَّل لله، واخضع لله، واخشع لله، وارقبِ الله، واشهدِ الله، اصدق مع الله، وتذلَّل لعلاه، وقل يا الله، وقل يا الله، وقل يا الله، وقل يا الله، وقل يا الله، وقل يا الله، قل يا الله، قل يا الله، وقل يا الله، وقل يا الله، يسمعك الله، ويراك الله، ويعفو عنك الله، ويغفر لك الله، ويتجاوز عنك الله، ويجيبك الله، ويغيثك الله، ويرحمك الله.
لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أحينا عليها يا حيّ، أمتنا عليها يا مميت، ابعثنا عليها يا باعث، اجعلنا من أسعدِ الأمّة بسرِّ الإسراء والمعراج، وبركةِ الإسراء والمعراج، في هذه الآية العظيمة، بهذه البيّنة الفخيمة، اجعلنا من أسعدِ الامّة بنورِها، وبخيُورها، وببركاتها، وبأسرارها، يا حيّ يا قيوم يا الله..
واشمل بهذا الخير من يسمعنا، ومن في ديارنا، وأهلينا، وأهل لا إله إلا الله في المشارق والمغارب من مضى ومن هو حاضر ومن ياتي إلى يوم الدين، أهل البرازخ وأهل الحياة يارب العالمين ويا أكرم الاكرمين، عبادك بين يديك، يا من يعطي ولا يبالي، ويرحم ولا يبالي، ويقرِّب البعيد ويحوِّل الشقيَّ إلى سعيد، تُبدي وتعيد، وأنت الغفور الودود ذو العرش المجيد، فعالٌ لما يريد، اللهم اجعلنا ممن سبقَت لهم منك الحسنى، تولَّنا بما أنت أهله حسّاً ومعنى، برحمتك يا أرحم الراحمين.. والحمد لله رب العالمين..
21 رَجب 1434