(536)
(228)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 30 جمادى الثانية 1445هـ، بعنوان:
تذكرة حمل إلهنا لنا في الجارية ( سفينة نوح ) واغتنام موسم شهر رجب وما يليه
الحمد لله مُحيي قلوب مَن أراد لهم سعادة الأبد؛ بصدق الوجهة إليه في الغيب والمشهد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد الفرد الصمد، بيده ملكوت كل شيء وإليه مرجع جميع الكائنات؛ فهو القيوم الصمد، ونشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه الأمجد، وصفيّه الأطهر الأسعد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على منهجه الأرشد، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل الهدى والرَّشَد، وعلى آلهم وصحبهم ومن تبعهم، وعلى ملائكة الله المُقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ونسأل الله واهب الأعمار أن يُبارك لكلٍّ مِنَّا في عمره، وما قضاه له أن يُمضيه على ظهر الأرض من هذا الوقت ومن هذا العمر ومن هذا الزمن المحدد المعيّن؛ المترتب عليه كل ما يجري في البرزخ، ثم في القيامة، ثم في إحدى الدارين؛ الجنة دار الكرامة أو النار الموقدة {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} أجارنا الله منها، وأجار منها أهلينا، وأجار منها أولادنا، وأجار منها أصحابنا، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
اللهم أجِرنا من النار، يا خير مُجِير، وليس غيرك منها يجير، وأدخلنا الجنة مع المُقربين الشهود، والرّكع السجود الموفين لك بالعهود، إنك رحيم ودود وأنت تفعل ما تريد
سيدنا ومولانا، ويمضي علينا شهر جمادى الثانية لنستقبل شهر رجب، وشهر من الأشهر الحرم، فرد من بينها، وبينه وبين رمضان شهر يغفل عنه الناس؛ تُعرض فيه الأعمال على الرب، ويأتي بعده سيِّدُ الشهور رمضان، فمن كتبتَ يا ربّ له من أمة محمد ﷺ أن يحضر هذه الأشهر فاجعلها موسم فوز أبديّ له، وسببًا للقرب الذي لا يزال يزيد ولا يبيد، وسببًا لرضوانك الأبدي السرمدي، وسببًا لصلاح القلب والقالب، وسببًا لكشف الضُّر والبلاء والشدائد عن أمة حبيبك جامع المحامد ﷺ ؛ فإنها من خير المواسم، وفيها من جود الإله الرّاحم -جل جلاله وتعالى في علاه-.
ويذكر بعض أهل السيرة أنّ فيها كان الحمل بالمصطفى ﷺ في شهر رجب، وكذلك كان فيها حملُنا جميعًا في سفينة نبي الله نوح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، وفي مثل هذا الشهر شهر رجب الأصبّ الذي تُصبّ فيه الرحمة صبّا -وفّر الله حظنا منها- في مثله حقَّت الكلمة على المعاندين والمضادين للنبوّة، والمغترين المتكبرين من قوم النبي نوح، وأمره الله أن يركب في السفينة، ثم قال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} أخشاب ومسامير دُسُر، رُبِطَت بها هذه الأخشاب حتى كانت سفينة فيها النبي نوح ومن معه من المؤمنين من الإنس، وهم نحو الثمانين ما بين رجل وامرأة، في نتيجة تسع مائة وخمسين عام يدعو، ما أحد آمن إلا الثمانين معه {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} كما قال الله -جل جلاله- ومعه من الحيوانات البر أصناف الحيوانات {فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ}
وهذه الألواح والدُّسُر أمام هذه الأمواج الكبيرة الخطيرة ما تكون يا رب؟ قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} هذا الذي كذّبوه وآذوه وضربوه وسبّوه واستهزأوا به، وهو صابر تسعمائة وخمسين عام، حامل دعوة الحق، حامل نور الهدى، والقوم يلاقونه: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} ويغشّون ثيابهم لمَّا يتكلم معهم، ويقابلونه هذه المقابلات وقد يضربونه، حتى يُغمى عليه، ثم يفيق ويرجع يدعوهم مرة أخرى، صلوات الله على نبينا وعلى النبي نوح وعلى الأنبياء والمرسلين. فهو أحد أولو العزم من الرُّسُل الذين قال الله عنهم مخاطب سيدهم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}، يعني مجريات هذه الحياة غرائب وعجائب، يا ويل مَن كفر، يا ويل من استكبر، يا ويل من كذب ثم اغتر، بقوة أو بجند أو بمباني أو بأموال.. أو بما إلى ذلك، بأي شيء كان غير الله اغترّ به. ولم يزل أهل الكفر على مدى القرون مُغترون بشيء من هذه الأشياء، إلى من في زماننا هذا وإلى من في وقتنا هذا..
والحاملون للهدى والحق يصبرون فقد خلقهم الله -تبارك وتعالى- على ظهر هذه الأرض؛ لأجل الاختبار والامتحان، ولأجل أن يُلاقوا من الصبر ما به ترتفع الدرجات، ومن الشكر ما به ينالون المزيد {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}، {ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}، {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ..} وقد علمنا أن الأمر هو كله له والقدرة كلها له {..وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا..} علّمنا الحلال والحرام، وبيّن لنا الطريق للوصول إليه وإلى رضوانه، المُفضِيَة إلى الخلود في جنات الخلود {..وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}
توكلنا على الله، يا رب توكلنا عليك، لنا وأهلنا وأولادنا وأصحابنا، وطلابنا، وللمسلمين في المشارق والمغارب، توكلنا عليك {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ..}
{..وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ماعاد باقي إلا تحديات.. باقي إلا تحديات واستعراض عضلات.. وبنعمل وبنصلِّح، وهكذا يفعلون، دائم يفعلون هكذا دائم يعملون هكذا من وقت إلى وقت، و: {لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ} هم الذين يقولون أرضنا وحقّنا هم الذين سيخرجوا منها وهم الذي سيذهبون وأنتم تسكنونها.
كما قال في قوم سيدنا موسى الذين اتبعوه -وهم قليل بالنسبة لقوم فرعون، قليل بالنسبة لجيش فرعون وحده ما هو رعية فرعون كلها، الجيش حقه، منهم ألوف ومئات الألوف، فهم قليل عندهم- ولكن قال تعالى: {وأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}
والذي قبله دُمِّر والذي بعده دُمِّروا، تظنون الذين في زمانكم لن يُدَمَّرون؟ والله كل مَن عاند سيُدمَّر، كل من كابر سيُدمر، بيد واحدة هي التي دمرت الأولين من المعاندين والمعارضين والكافرين الفاجرين الصادّين عن سبيل الله، المؤذين للأنبياء والمؤذين لعباد الله الصالحين، ويقول سبحانه وتبارك وتعالى: {أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} هي هذه.. العالم إلهه واحد، والمُلك مُلك مَلِك واحد، وسنته هي هذه {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا} -جل جلاله-
فاغنم! اغنم صلتك بهذا الإله، القوي، الدائم، الباقي، الحي الذي لا يموت، اغنم صلتك بهذا الملك الذي بيده ملكوت كل شيء، وإليه يرجع الأولون والآخرون ثم يحكم، وعنده لا حكم لإنسيٍّ ولا لجنيٍّ ولا لأفرادٍ ولا لهيئاتٍ ولا لجماعات ولا لأمم ولا لأحزاب.. ولا حكم لأحد؛ الحكم لواحد {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ} - {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، و: {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} -جل جلاله وتعالى في علاه- فيجمعهم ويحكم بينهم، فيَا فوز مَن اتصل بهذا الإله، وأقبل عليه.
الله يُقوِّي صلتنا وإياكم به، في كل ليلة من ليالي أعمارنا، في كل يوم من أيام أعمارنا، في كل ساعة من ساعات أعمارنا. وإلا فكما جاءنا في الخبر: "كل يوم لا أزداد فيه علما.." أي: ما أزداد فيه معرفة بالله ولا قُربا ".. فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم". ما الفائدة من اليوم هذا؟ ما فائدة بقاء أحدنا يوم أو ليلة أو ساعة من الساعات على ظهر الأرض؛ إن لم يزدد فيها قربا؟ إن لم يزدد فيها حُبّا؟ إن لم يزدد فيها معرفة؟ إن لم يزدد فيها صِلة ورابطة بالله؟!
هذه الكنوز المعروضة عليكم من قِبَل ربِّ المُلك والملكوت على أيدي الأنبياء والمرسلين، يغرونكم عنها، ويصرفونكم عنها بما يدعونكم إليه من التُّرَّهات والبطالات والفانيات والزائلات والحقيرات!
هذه عروض ربكم عليكم، حملها لكم الأنبياء، قال: تزدادون في الأيام معرفة بالله، تزدادون قُربًا من الله، تزدادون معرفة بالله، تزدادون رِضوانًا من الله، تزدادون حُبًّا..
قال سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا..} شركاء يعبدونهم ويرون أنهم الغاية ويرجعون إليهم {..يحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ..} أي: كحبّ الذين آمنوا لله ؟، قال لا : {..وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} أشد حُبًّا لله من حب الكافرين لأصنامهم، ولأموالهم، لثرواتهم، لسياساتهم، لأغراضهم، أشد من حبهم لأي شيء اتخذوه نِدًّا من دون الله تعالى، هؤلاء أشد حبا لله من حب هؤلاء كلهم لمعبوداتهم الفانية الهالكة الحقيرة {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} -جل جلاله-
يا رب نظرة إلى هذه القلوب، وقلوب جميع من يسمعنا ويشاهدنا، ويوالينا في الشرق والغرب، نظرة إلى قلب كل واحد، واملأه بمحبتك يا قريب، املأه بمحبتك يا مجيب، املأه بالصدق معك يا الله {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}
وإذا اجتمع أهل الكفر والزيغ والضلال بحبهم للسُّلطة وحبهم للأسلحة وحبهم للمال وحبهم للشهوات؛ فقابلوا قوما يحبون الله : {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}
أيُنصر مَن يُحب الجاه والمال أو السلطة أو السياسة على مَن يُحب الله؟! كيف يُنصر؟ من الذي ينصر؟! {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ}
ويا إبليس: ضَحِكت على ألوف منّا معشر بني آدم، ومن الجانّ أولادك.. ضحكت على مدى القرون، وسيّرتهم كذا وكذا يُعادون، والله تعالى يُدمِّرهم ويُهلكهم قرن بعد قرن بعد قرن بعد قرن، والباقين ما يعتبرون بالماضين، حتى الذين معك اليوم الآن على ظهر الأرض، وأقول لك: من عهد آدم إلى اليوم عاديت أبانا آدم، وعاديت أولاده، وأردت تنشر الشر بينهم بإغواء وإغراء قابيل على هابيل، وبدأ سفك الدماء من تلك الأيام؛ ومع كل الذي حصل، ومع مَن قُتِل من الأنبياء، ومع مَن أوذي من الصالحين إلى اليوم؛ نحن المنصورون ؛ "لا إله إلا الله" تُدَوِّي في الآفاق، والمنائر تُعِلن : "أشهد لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله" على رغم أنفك، وأنف من معك، أنت وعصابتك، الذين ظنّوا في أنهم في فترة من الفترات يقضون على المساجد في بلدة من البلدان، فما مَرَّت السنوات إلا وتكاثرت أعداد المساجد في تلك البلدة! أنت وعصابتك الذين ظنّوا أن يُحوِّلوا أفريقيا إلى قارة من قارات الكفر التي تُكَذِّب بمحمد؛ ومن حين ذاك القرار الذي أغريتهم وأغويتهم به إلى اليوم تضاعف عدد المسلمين وازداد، ولا يزالون في ازدياد! فنحن المنصورون {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون}
ونحن إنما نسأل الله ألا يبتلينا ولا يختبرنا بتسليط فجار وكفار؛ بذنوبنا، وشؤمنا؛ وإلا فالمصطفى منصور، وما نطلب نحن نصراً غير هذا النصر الذي حكم الله به للمصطفى، الذي قال فيه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}
أصلاً ما أردنا شيء غير هذا نحن، هذا الذي هو محكوم به محكوم به محكوم بيقين، إلا نخاف أنّ أحدنا ينحرف في نيّته وفي قلبه وفي وجهته؛ فيُسَلَّط عليه فاجر أو كافر! وإلا النصر هو النصر؛ ومحمد المنصور، في الدنيا ويوم البعث والنشور.
{ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} يا رب صلِّ على هذا الرسول، واجعلنا معه، واجعلنا معه، واجعلنا معه، اجعلنا معه، بجاهه عندك اجعلنا معه، بمنزلته لديك اجعلنا معه، بمحبتك له اجعلنا معه، بمحبته لك اجعلنا يا ربنا معه، بأهل كسائه اجعلنا معه، بآله وأصحابه اجعلنا معه، بالقرآن الذي أنزلته عليه اجعلنا يا ربنا معه؛ حتى نُحشرَ معه {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وكلنا نقول قولهم: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
{رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
اغنم الموسم الكريم، الليلة القابلة تهلّ عليك أول ليلة من ليالي رجب، وقد جاء أنّ سيدنا علي بن أبي طالب يُفَرِّغ نفسه للعبادة في أربع ليالٍ في السنة؛ أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة التروية وليلة عرفة، هذه من غير ليلتي العيدين المعروفة، وليالي رمضان المعروفة، يُفَرِّغ نفسه للعبادة في هذه الأربع ليال. ولِمَ يفرغ نفسه للعبادة في الأربع ليال؟ لأن معلمه، لأن مرشده، لأن شيخه، لأن دالَّه؛ بيّن له أن فيها الفوز والخير، بيّن له أنها محل تفرُّغ لتلقّي فائضات الجود من قِبل الذي يمطر فائض الفضل من غير حصر ولا عدد. وإلا من رأسه؟ وإلا يُفَرِّغ نفسه هكذا من فراغ؟! لكنه تلميذ محمد، وهو باب مدينته، قال سيدنا المصطفى في حديثه الصحيح: {أنا مدينة العلم وعلي بابها}، يُفَرِّغ نفسه. وفي تفريغه له دعوات، ومن دعواته يقول: "اللهم إن مغفرتك للظالمين وأنا من الظالمين فاغفر لي" في خضوعه في خشوعه في أدبه مع الرب -جل جلاله-
في هذه الليالي المباركة اغنموها، تأتيكم الليلة، وألحوا على الله بالمغفرة والتوبة؛ فإنه يحب التوابين ويحب المتطهرين؛ وشهر رجب شهر التوبة، وفَّرَ الله حظَّنا منه ومن لياليه وأيامه.
كان فيه حملنا في سفينة النبي نوح، وقال تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. وقال لنا مُخاطباً ؛ لأنه ما أحد موجود إنسان اليوم على ظهر الأرض -حتى المعاندين هؤلاء والظالمين؛ إلا كانوا في السفينة مع نوح، لأن غيرهم قد انتهوا، ما عاد بقي إلا الذين ركبوا في سفينة نوح -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام-
فالأصل أنَّ مَن على ظهر الأرض من بني آدم مسلمين مؤمنين إلا ارتدّوا، إلا غيّروا من بعد، وإلا الإسلام هو أصل، أصل دينهم كلهم، أبونا آدم أولهم من أسلِم وحواء، ثم وقَع الخلل من بعده في الذرية، وأرسل الله النبي إدريس، وأرسل الله بين إدريس ونوح رُسُل، ثم جاء نوح -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- فلم يبق آدمي إلا مسلم، حتى ولد نوح الذي شذّ وانحرف {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء} يقول له سيدنا نوح المسألة لا هي جبال ولا حديد ولا خشب ولا حجارة؛ تَصَرُّف الجبَّار الأعلى {قالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}
ورجب وشعبان ورمضان وشوال والقعدة والحجة وهم في السفينة، فوق الماء تحت السماء {وقيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} لا إله إلا الله! لا إله إلا الله!
ويقول لنا ربنا -سبحانه وتعالى-: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ..} سفينة نوح {..حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} وبعد انتهاء أيام هذه الدنيا: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} ما الذي يحصل؟ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ}!
لا إله إلا الله! استرنا بسترك الجميل، واجعلنا من الفائزين بعفوك ومغفرتك، والفوز بالقرب منك ورضاك في ذاك اليوم المُهِيل، يا علي، يا حكيم، يا وكيل، يا كفيل: بوجاهة نبيك المصطفى الدليل -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الشفيع الأعظم في ذاك اليوم، الشفيع الأعظم في ذاك اليوم! فهو المُعَظَّم وهو المُقَدَّم -صلوات الله وسلامه عليه- وبعده الأنبياء والمرسلون. فلا والله، لا شرقي ولا غربي، ولا صغير ولا كبير، ولا عبقري ولا مُفَكِّر، ولا مخترع، ولا آل حزب ولا آل هيئة؛ يُساوون أقدام الأنبياء، ولا يساوون تراب تحت رجل الأنبياء، والأنبياء هم المُعتلون. وفي ذاك اليوم يعرف الكل، وكلٌّ يتمنى القرب من خاتم الرسل.
وفي مثل هذا الشهر أيضا -على أشهر الأقوال- كان إسراء نبينا ثم معراجه {سبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ووصل -عليه الصلاة والسلام-
وشاهد جنّات ونارًا وبرزخاً ** وأحوال أملاك وأهل النبوةِ
وصلّى وصلّوا خلفه فإذًا هو المُقَدَّمُ وهو الرأس لأهل الرئاسةِ
صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله.. أقام جبريل الصلاة، وتقدَّم صفيّ الله، وصلَّى جميع الأنبياء والمرسلين خلفه في بيت المقدس..
طهّر الله بيت المقدس، خلّص الله بيت المقدس، فرَّج الله على بيت المقدس، والأرض التي بارك فيها حواليه- يا رب تدارك مَن فيها من المسلمين ونوّر قلوبهم، وطهّرها وصفِّها وارتضهم، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، اقذف في قلوبهم قصد وجهك، اقذف في قلوبهم إرادة وجهك، اقذف في قلوبهم طلب رضاك، وأيدهم من عندك بتأييد، ورُدّ عنهم كيد الكافر العنيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعَّال لما يريد، خيَّبت ظنونهم فيما مضى فأتمَّ تخييبهم في الباقي يا قوي يا باقي. ظنّوا أنهم ينتهون من معركتهم في خلال أسبوع أو أسبوعين، أو أقل من ذلك، فتوالت الأشهر، وكل الذي قالوا إنه هدفنا.. ماشي منه، فوق المُلك مَلِك، فوق الكون مُكَوِّن، فوق الوجود مُوجِد، موجود حيّ قيّوم، ما سيَّب ملكه لأحد {قل اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} ولا عِزّ إلا بالطاعة والإيمان، اللهم أعزنا بالإيمان والطاعة، وحسن العبادة، أَعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
فعلى أهل هذه المِلَّة أن يغنموا موسم رجب، ولياليه وأيامه ؛ لا يبقى في بيوتهم برامج أعداء الله، ولا أخلاق أعداء الله، ولا صور أعداء الله، ولا مسالك أعداء الله، ولا تَعَلُّق قلوب أهل أو أولاد بأعداء الله -جل جلاله- يجب تتصفّى بيوتنا، وتتصفّى قلوبنا؛ وإذا تمَّت التصفية فيصفي الله بلداننا {إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ثم يقولون إلا في خطط صعبة وفي ترتيبات..! {والَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} هل تريد تصريح أكبر من ذا؟ تريد تصريح أوضح من هذا؟ الجبار القوي يقول: {والَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
وهكذا جاء دينكم العظيم، يدعو إلى الله والصراط المستقيم؛ لأجل الخلود في الجنة دار النعيم، ويدعو الجميع مَن قَبِل الإيمان ومن لم يقبل أن يكفّوا عن الظلم، والاعتداء على بعضهم البعض، فلا يخرج عن دائرة هذا النظام نظام الإسلام إلا مُعتَدٍ ظالم أفاك أثيم يحب الظلم ويحب انتشار الظلم والعدوان بين الناس، وإلا المسلم وغير المسلم من العقلاء الذين عندهم فطرة وإنسانية؛ هم تحت هذا النظام؛ لأنه إذا أبى الدين يأبى الظلم، لا يأبى معاداة ومعاندة الظلم {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}
هذا في الشريعة الغراء، في نظام الرَّب الذي حمله الرسول الأطيب إلى أهل هذا الوجود؛ الدعوة إلى الإيمان واليقين ومنهج الرحمن، لمن قبله، مَن لم يقبل فـ: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} لكن يُنذَر أن وراءك آخرة، وحياتك الدنيا مضمون لك فيها الدم والعِرض والمال والعقل والحق ما دمت في الدنيا بهذا النظام {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}
والحق يُؤدَّى ولو للحيوانات ولو للنباتات والجمادات في نظام الإسلام، في نظام خاتم الأنبياء الكرام ﷺ، فهو المنهج الذي لا يستطيع شرقي ولا غربي يأتي بأحسن منه، ولا يأتي بما يُقاربه، ولا يأتي بما يدنو من محاسنه {أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، {أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} ! القائم على الظلم، القائم على الغش، القائم على الخداع، القائم على الكذب على الناس -والعياذ بالله تبارك وتعالى- {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} وطائفة من هؤلاء الناس: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} قال الله ستمشون بهذا الطريق؟ لن يُجيب عليكم عبادي من الذين آمنوا بي أنا كفيلهم.. أنا الذي سأُجيب عليكم {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}
{فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} فأين التجارة الرابحة؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} محمد ﷺ.. {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ..} إن قالت لكم نفوسكم ما هو خير فكذبت وصدق الله، وإن قالت لكم عقليات واتجاهات في الدنيا ما هو خير لكم كذَبوا وصدق الله {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} والنتائج؟ {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} هذه من جملة النتائج، إلا أنها يسيرة أمام الأمر الأكبر هذا {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} قال نفوسكم تتعلَّق وأنتم تريدونها تحبونها، وأنا أعددت لكم ما هو أكبر منها، وهذه تأتيكم {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
حَقِّق إيمانك وخُذ بشارة من الرَّب على يد محمد {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وكيف نحصل على هذه البشارة يا رب؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}
أيّد الذين آمنوا من أمة حبيبك محمد على عدوك وعدوهم فيُصبِح المؤمنين بك ظاهرين، من سِرِّ إرادتك في قولك {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} آمين.. آمين
بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان، كلنا يا رب بلغنا رمضان كله، واجعلنا عندك من خواص أهله، يا الله واجعله شهر فرج لأمة النبي محمد، وجمع شمل لأمة النبي محمد، وصلاحا لأحوال أمة النبي محمد، وعجل اللهم بتمام الفرج ورفع الشدة عن أهل السودان، ودفع البلايا والآفات عن أهل العراق، وعن أهل ليبيا، وعن أهل الشام، وعن أهل اليمن، يا ربنا وعن أهل غزة وأهل الضفة الغربية، وعن أكناف بيت المقدس، وعن المسلمين في المشارق والمغارب، وألهمهم رشدهم، وارزقهم الإخلاص لوجهك، ومَكِّن في القلوب أن لا تريد إلا أن تكون كلمتك هي العليا، يا الله اللهم مَكِّن القلوب في ذلك، مَكِّن قلوب المسلمين؛ في أن لا يكون غرضهم من الحركة ولا القيام ولا قتال المجرمين إلا أن تكون كلمتك هي العليا، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، و : {كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
اللهم اجعله من أبرك الأشهر علينا، واجعل للأمة في رجب شعبان ورمضان هذا خيراً كبيراً من عندك، فضلاً جزيلاً من رحمتك، وجمعاً للقلوب ونقاءً لها عن كل شوب، وغفراً للذنوب، وكشفاً للكروب، وفرجاً عاجلاً ولطفاً شاملاً يا علام الغيوب. يا مُقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، يا الله.. بالافتقار والذُّل والمسكنة نرفع أيدينا إليك يا ربنا، يا ملك الملوك، نستغيثك، ونستعينك، ونستنصرك، ونستكفيك شر أعداء الدين فأيِّدنا يا مؤيد، بوجاهة حبيبك محمد، وَادْفَع عنَّا شَرَّ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْفَسَادِ وَالزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، يَا عُمْدَتَنَا، يَا عُدَّتَنَا، يَا مَلَاذَنَا، يَا مَلْجَأنَا، يا اعتمادنا، يَا مَنْ عَلَيْهِ اعْتِمَادُنَا وَإِلَيْهِ اسْتِنَادُنَا.. يا ربنا يا ربنا.. يا ربنا يا ربنا.. يا رب كل شيء، أصلح الشان كله، وادفع السوء وأهله، وحوِّل الأحوال إلى أحسن الأحوال، برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين، والحمد لله رب العالمين..
يا ربنا يا ربنا يا ربنا ** أنت لنا كهفٌ وغوثٌ ومعين
عجِّل برفع ما نزل مَن غيرك ** عزَّ وجل ولاطِفٌ بالعالمين
يا الله
01 رَجب 1445