تأثرات الإنسان بموجبات الفوز والخسران
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بمشيئته جمعكم لينفعكم، وليرفعكم وليُقبِل سبحانه وتعالى على من سبقت له السعادة منكم بوجهه الكريم. واقبالة مولاكم الكريم شأنُها عظيم، وهي معجَّلُ النعيم في هذا الدار قبل جنات النعيم، ويا سعد من أقبل عليه الرحمن جل جلاله، فإنه يُقبل على بعض خلقه ويُعرض عن آخرين، ومن أقوى العلامات إذا أقبل عليك وجدتَ في نفسك الإقبالَ عليه بكلَّيتك، وعندما تجد الإقبالَ عليه بكليَّتك تجد ما ينازعُك في هذا العالم، ما ينازعًك في سلوك سبيل السعادة قد ذُلِّل، ما ينازعك في سلوك سبيل السعادة قد خُذِل وقد قُطع عنك، وان كان كثيراً، وان كان منوعاً، وان كان يأخذ الكثيرَ من البشر، وإن كان يأخذ الكثير من الإنس والجن، فيهوون في الهاوية، يبعدون بدل الدرجات العالية إلى نزول أسفل سافلين، منقطعين لا إيمان يقوى، ولا عمل صالح على سبيل التقوى، والحق تعالى يقول: ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ*لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) خلقك في أحسن تقويم، أعطاك سمع يمكن أن تستمعَ به إلى أسرار ندائه، إلى أسرار خطابه، إلى أسرار تعليمه وتوجيهه، أعطاك بصرا يمكن أن تدرك به إبصار الحقيقة في ما بثَّه من آيات في جميع أنواع الخليقة، خلَقك على أحسن تقويم، يمكنك أن ترافق حبيبه الكريم، يمكنك أن ترافق أهلَ الدرجات العُلى في جنات النعيم.
لكن قال سبحانه وتعالى ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ) إذ ذهب وراء هواه، إذ ذهب وراء شهواته، إذ ابتُلي بهذه القواطع التي تقطعه وشأنها حقير، تأخذ الخلقَ الكثير وهي حقيرة، وهي قصيرة، وهي فانية، لكنها تأخذ كثير! لكنها تغر كثير، لكنها تخدع كثير، لكنها تغش كثير.. قال سيدنا الإمام الحداد
وازهد بقلبك في الدار التي *** فتنت طوائفا فرأوها غاية الطلب
تنافسوها وأعطوها قوالبهم *** مع القلوب فيا لله من عجب
ولما أعطوها قوالبهم مع القلوب، بعضهم قال لك أنا محرَّر!! وبعضهم قال لك أنا متطور، سلَّمت قلبَك وقالبَك للدنيا الحقيرة الفانية.. أي حرية عندك يا أهبل؟
ما عرفت معنى للحرية، قيود خسيسة تهوي بك إلى أسفل السافلين سميتها حرية! في ميزان عدوك الكذاب ليخدعك ويكذب عليك، ما هذه والله بِحريَّة، وأنت تقصد معصية الكبير، وتُعرض عن الكبير!! وتخرج عن دائرة السراج المنير، ما هذه حرية!! ما هذه إلا قيد من القيود السفلية؟ ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ).
ومَن الذي ينجو من الردِّ إلى أسفل سافلين؟ (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، اللهم اجعلنا منهم. آمنوا، فقويَ الإيمان في قلوبهم، لا يتزعزعون لأقاويل تأتي من هنا ومن هناك، تأخذ بعضَ الناس فكأنها القولُ الحق، وهي أقاويل أهلِ الأباطيل، وهي أقاويل أهل الظنون، وهي أقاويل أهلِ الأوهام، لكن عندنا قولُ الحقِّ علامُ الغيوب، عندنا قولُ الرحمن مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، عندنا قولُ الصادق خير الخلائق، أصدق الناس لهجة، أعظمهم نور وبهجة، ذاكم حبيب الله محمد..
يضيِّعون الصلة به مقابل ماذا؟ يضيِّعون الرابطة به مقابل ماذا؟ وماذا يجدون من وراء ذلك؟ (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) لا والله لا أحد من العايشين في زمننا أو قبلنا أو بعدنا يتمنى في القيامة ليتني اتصلت بالشركة الفلانية، ليتني اتصلت بالحكومة الفلانية، ليتني اتصلت بالحزب الفلاني، لا لا.. بمحمد، الكل، نعم الكل، يتحسر على الصلة بمحمد، صلوات ربي وسلامه عليه ( لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) فأي شيء يأخذك الآن عن هذا الرسول؟ وأنت تعرف اتخاذَ سبيل إلى الرسول ما معناه؟ معناه مفسَّر في الآية الأخرى ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ) اتخاذ السبيل إلى ربك أن تكون مع الرسول (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا)، فإذا اتخذت مع الرسول سبيلا وصلتَ إلى ربك ( فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا ) تتخذ السبيل إلى الجليل بمعيَّة الدليل، إذا كان قال لنا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) ومن أصدق الخلق؟ فلنكُن معه، معه نحيا، ومعه نموت إن شاء الله.. نسأل الله أن لا يقطعنا عنه.
أخذوا بعضَ قلوب بعض أبنائنا وبناتنا.. قطعوهم عن نبينا!! والأب في غفلته والأم في غفلتها، ما دروا بأي داهية دهوا بأولادهم، ضيَّعوا على أولادهم المراتبَ العالية والخيراتِ الباقية، وعرَّضوهم لأن يُحشروا مع وجوه مظلمة، مع وجوه (عَلَيْهَا غَبَرَةٌ* تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) عندنا من أبناء المسلمين مَن لا يفتخر بتقليد الصالحين، ولا بمشابهة المتقين، ولا باتباع النبي الأمين، ويفتخر فرحان وهو سكران، بسكره يريد أن يقلِّد فاسقا فاسدا بعيدا عن الحق سبحانه وتعالى، يقلده في زي أو في منطق ويقول أنا حر وأنا متطور وأنا متقدم.. يا واقع في الغِش، يا مرمي في الخديعة، افتح عين قلبك!
وصار هذا حال الكثير من أبنائنا وبناتنا، لو جاءته مناسبة زواج لا يريد إلا كلام المجون، لا يريد إلا كلام الخلاعة، وزوجته لا تريد إلا ثوب النصرانية الفاسدة، حتى النصرانية المحافظة لا تريد مثله، ثوب اليهودية الفاسقة الماجنة، حتى يهودية عندها أثر محافظة لا تريد مثلها، تريد ذاك الساقط الهابط، وذا الساقط الهابط!! تحب أن تفتخر، تفتخرين بماذا؟ من قال لك إن في هذا فخر!؟ من غشك!؟ ما وجدت زوجا ناصحا، ولا أب عنده حقيقة رحمة، ربما هو بفلوسه جاب لها هذه التشبُّهات بهؤلاء الأخساء، والعياذ بالله، ولا حصلت أم صاحبة عقل أو صاحبة رحمة، لأن أفكار الخلق هذه عُرضة لأن تتأثر وأن تتغير.
ذكروا لكم بعض الذين كانوا في منطقة من تلك المناطق، في بلاد الغرب، محافظين على تراث لهم، وعلى قِيم عندهم، وعلى أخلاق عندهم، ورفضوا أن يبيعوا أرضهم أيضاً، حتى الأرض الظاهرة حافظوا عليها، وقالوا يقوم عليها تراثنا وتقوم عليها قيمُنا، فأعطاهم هدية ( تلفزيون ) هذه هدية!؟ ما بذلوها إلا وهم يعرفون ماذا وراها.
قل للقلوب المعلقة بالنت، على غير بصيرة، على غير هداية من محمد، يمتد أصبعه مقطوعا عن نور محمد، يبحث عن ما لا يليق، يبحث عن ما لا ينبغي!! قل لهم لو جابوا لك هدية وأعطوك فلوس فوقه، فهم يريدون من وراء ذلك أن تشاركهم في الدخول في جهنم، (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) كما قال الله. يريدون اذا عضوا أصابعهم قالوا يا ليتنا اتخذنا مع الرسول سبيلا تكون معهم بجنبهم، بهذا العمل.
بعد العشرين سنة وقد نشروا عندهم التلفزيون، قالوا نريد أن نشتري الأرض، قالوا لا بأس، ماذا حدث؟ قالوا تغيرت القِيم والشِّيم، والبلاد فسدت، مثلُها مثلُ غيرها، غزوا كلَّ بيت بواسطة هذا.. إلا صورة يبين لكم حقيقة: البشر أمانة عند كلِّ مَن عقل، عند كلِّ مَن وعى، أمانة.. أُمِّنوا على أمانة عظمى، أتدري ما تلك الأمانة؟ هي هذا الفارق الدقيق بين ما يرفع وبين ما يخفض، بين حقيقة ما يُسعد وما يُشقي، وكل ما يسعد، وكل ما يرفع الإنسان ويعلي درجاته في شرائع الله الذي خلق الإنسان، ما بخل ربنا على الإنسان، ما بخل، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، كل ما يُسعِد الإنسان حقيقة السعادة في الدنيا والآخرة في هذه الشرائع، ولكن هذه الشرائع تأخذ ماذا من القلوب؟ تأخذ ما ذا من العقول؟ القلوب والعقول عُرضة للتأثر، بأي شيء، بهذا الخير والحق، وبالشر والضلال والباطل والزيغ، عُرضة قلوب الناس لأن تتأثر وينسون الفطرة، التي خلقنا اللهُ عليها.
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم) فيرتدُّون إلى أسفل سافلين، بأصحاب، بأصدقاء، بأفكار تنتشر، بمناظر، بأقوال يسمعونها، بمجالس هابطة، بمجالس فيها جلساء لا ينظر الله إليهم، إلى جلساء ما نظر الحق إلى أحدهم منذ خلقه، ما نظر إليه. هذه المجالس هي التي تحسِّن للناس أفكارَ الباطل، أفكار الشقاء، أفكار البُعد، أفكار الطرد عن حضرة الرحمن، أفكار الانقطاع عن النبي محمد في القيامة، تحسِّنها إليهم.. فما تدري به إلا وهو يتعشق تحسُّنها إليهم.. ابنك وسط البيت في بلاد المسلمين بجنبه مسجد ويسمع الله أكبر كل يوم، وكل معاني الله أكبر لُوِي عنها عقله ليّا!! عرف أكبر شهوته، عرف أكبر شي في الحياة رغباته أو نزواته، أو سُمعته بين أصدقاء سيئين مثله، أو يريد سُمعة في تلفاز أو عند جماعة أو في لعب كرة، وأمثال ذلك. تأمل كيف صار الناس!؟
إلى أين انحط هذا الإنسان ؟
عجبت لمن بالجهل يرضى وربه *** أتاح له من فيض إفضال له فهما
ولم أر في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام
قادر على التمام ولكنه ينقص؟ وهو قادر على أن يكمل، وقادر على أن يرتفع، لكن هذا الإنسان عُرضة للتأثر، لهذا كان من أمانة الأنبياء أن يحوزوا أتباعهم فيحموهم عن مؤثرات السوء، ويحذروهم من رفقاء السوء، ومن قول السوء ، ومن مجالسة أهل السوء، يحذرونهم من ذلك، محاماة ومحافظة عليهم.. ويؤدون لهم الأمانة في أولادهم وأهلهم.
يقول سيدُ من حمل الأمانة صلى الله عليه وسلم: (مُروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع) هل تعرف مدار هذا الإرشاد أو مرماه أين يرمي!؟ حاموا على ساحات قلوب ناشئتكم، لا تتطرقها ظلماتُ الدجالين والكذابين والخداعين فتلوِي بهم من حيث تشعرون ومن حيث لا تشعرون، ثم تندمون ولا ينفع الندم، قوِّموا سرَّ صلتِهم بالحق ورسوله، عبر الصلاة، الصلاة لا تصح إلا بوضوء، والوضوء طهارة، والصلاة لا تصح إلا بعلم، والعلم لا يقوم إلا بارتباط بشيوخ.
قووا الروابط، حافظوا على الروابط في ناشئتكم، قال وهم أبناء سبع إذا علق فيهم وفي نفوسهم ميلٌ عدَّلوه قبل أن يلوي قلوبهم، قبل أن ينزل ويتسفَّل بهم ويسفِّلهم، (واضربوهم على تركِها لِعشر)، إذا بقي عنده انقطاع واشمئزاز وميلٌ في النفس للباطل استعِن بالضرب عليه، (اضربوهم على تركها لعشر)، وفرقوا بينهم في المضاجع) أبناء عشر سنين لا تدَعهُم يبيتون في فراش واحد، لينشئوا على الطهر والعفاف وعلى الصفاء وعلى النقاء وحقائق التقى، من دون ما يعرفوا السوء ولا يحومون حوله، هذه التوجيهات النبوية، وهذا مقتضاها في الواقع.
يقول لك (فرِّقوا بينهم في المضاجع) فتُريه أسوأ خلقِ الله كيف يتضاجعون على أسوأ السوء.. وتفتحه له!؟ يشاهدهم في جواله.. صبي في سبع أو في عشر وحامل الجوال وكل ساعة يتفرج، بدل التسبيح، يشوف له كل ساعة صورة من الصور الخبيثة التي تُظلم قلبَه، التي تُفسد لبَّه، التي تُبعده عن ربه، هذا الوالد غشاش من الغشاشين، قال له إبليس معي مشروع غش، كن عضوا.. قال له لبيك. لو قلت لمحمد لبيك خير لك، محمد قال لك ( فرقوا بينهم في المضاجع وهم في عشر سنين)
هذه إرشادات الحبيب، لكن ذاك شرع لك مشروع الغش، وقال اترك لك عبادتك الصورية، صل واقرأ، لكن ادخل عضوا معي في مشروع الغش للأطفال، لناشئة أمة محمد، فقال الأب هذا الأبله لبيك يا عدو الله، قال له بلسان حاله: لبيك يا عدوا الله. واشترى له بفلوسه وسلمه ولده، وما بالى أن ولده يُجالس من يحسِّن له القبائح عند الله وعند رسوله، أنت لبَّيت عدوَّ الله، معه مشروع غش لأبنائنا وأنت واحد من الأعضاء دخلت معه، لكن لم يكشف أحد لك ذي الحقيقة، لأن جلساءك هم في حجاب مثلك، فما تحضر مثل ذا المجلس، ولا وجدت من يدعوك إليه ويدلُّك عليه.
يا حاضرين: أنتم أمام أمانة، حافظوا عليها وادعوا إخوانكم، كم في البلد من محتاج حاجة اضطرار أن يحضر مثل ذي الساعة ليتصفى فيها أو لينقلب حالُه إلى حال جميل.. مسكين ما هو حاضر، واحد من الحاضرين يعرفه ولكن ما كلمه، ما بذل جهدَه لأن يجلبه حتى يحضر، دعه يدخل المصفاة.. ساعة وصفَّاه الله تعالى، وانتقل في فكرِه أو في حاله وانقطع عن سوء، لو عاش عليه لمات عليه، ولو مات عليه لم يرَ وجه محمد، والعياذ بالله تبارك وتعالى. اعرفوا حق الأمائن، فالإنسان عُرضة للتأثر بما يطرأ وبما يجري..
هل رأيتم الفكرة التي ينشرونها بين الناس، كل واحد يقول دعوه يشوف هذا ويختار ما هو الخير.. هل تعتقد أن كل واحد من بني البشر صاحب عقل راجح ونظر ثاقب وفيصلَة في التفريق بين حقائق الخير والشر!؟ من قال لك هذا؟ الله ما خلق الخلق بهذه الصورة! بل قال لك بصراحة ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) فهل تصدق أن معنى الحرية أن تفتح له الأبواب كلها؟
اتركه يسمع ذا ويسمع ذا ويشوف ذا ويشوف ذا، يشوف ما يضره!؟ مثل واحد يقول دع ولدك يجرب بنفسه ليدخل في النار ويخرج منها ليعرف أنها تحرق، يا أهبل.. امسكه من بعيد، أبعده منها فلا يقرب منها أصلا! بهذا المعنى يقول لك إنه إنسان كبير ويعرف مصلحته واتركه يشوف ذا ويشوف ذا ويختار، هذه قواعد من أين جاءت؟ ما يمكن تطبيقها حتى في أصغر شركة من الشركات التي لها النجاح النسبي في المادة، ما يمكن تطبيق هذه القاعدة أبداً، لابد أن يلتزم، أدنى موظف فيها لابد أن يلتزم، لابد من قانون، لابد من ترتيب أوقات.
عجيب والله .. تريد تلعب بالدين..!! وما بيننا وبين الله تريده ضحكة!!؟؟ قال: دعه يفكر بعقله، ماذا يفكر بعقله!؟ ولم جاءت الرسل!؟ ولم فُرِضت الحدود والعقوبات ولم جاءت الزواجر في الكتاب؟ هل لكي يفكر كل واحد بعقله؟ بل لتستقي العقول إدراك الحقيقة وتخضع.
لهذا لما كان عقال الوادي في ماضي الزمان فرحين بالانقطاع النوعي عن كثير من شؤون العالم في الخارج، كون الوادي بعيدا عن الاتصالات والمواصلات، وما يذهب منه الا النادر ولا يصل إليه إلا النادر، لم؟ رحمة على من يسكن وعلى الأمة أن لا يتأثروا بالضر، أن لا يتأثروا بالشر، جاؤوا لهم بنور خالص صافي من عند الرب، على يد محمد صلى الله عليه وسلم، تربوا عليه، إذا قرأنا تاريخهم رأينا أثر الولاية في عوامهم، أثر الولاية في أهل المِهن منهم، رضي الله عنهم وأرضاهم ما كان ذاك تحجر ولا قصر نظر بل كانوا طوال النظر، كبار العقول عليهم رضوان الله،لكن يعرفونهميش يضر وايش ينفع، إيش يصلح وإيش يفسد بوازين دقيقة ربانية، فرقوا فيها الأمور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) يقول سبحانه وتعالى كذلك في الآية الأخرى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) بالله عليك، من لم يصل إلى هذا من أين له يعرف الفارق بين الخير والشر والحق والباطل؟ ومن أين يعرف الدسائس التي تدخل عليه مِن قِبل عدوه؟ نحن أمام أمانة، نفسي نفسها لو أهملتها وتركتها، لقادتني إلى كل سوء، ولضيّعَت عليّ علمي وضيعت علي عبادتي ولأضعفت عليَّ إيماني إلا أن أزمَّها، إلا أن آخذَ بحقها..
كان الإمام السقاف عليه رحمة الله يقول (خذنا علوم وخذنا عبادات وأعمال فما أدركنا شيء إلا لما رجعنا إلى معرفة النفس)،لما زمينا ام التقوى مع القدوس، والتبعية كاملة لمأمون التزكية، مأمون التزكية محمد، قال (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).
نصح عليه الصلاة والسلام، وتركنا على المحجة البيضاء، لا عذر لنا في الهُوي ولا في الهبوط هذا، لأنه قد بيّن لنا الطريق ووضح المعالم ويسّرها، ودعا الرب فيها كثير كثير كثير، كل ليلة كم من بكية من عين الحبيب نحن في بركتها، وذي الرحمة اللي تنزل في المجلس آثار تلك العين، آثار تلك الليالي والا ما بقي هذا الخير!
كم عوديت الأمة ونُشرت الشرور فيها والخير قائم على رغم الأنوف، لكل من يعادي الله ويعادي رسوله هذا المجلس حتفه، هذا المجلس رغم لأنفه، من رأسهم إبليس الى كل من دخل في دائرته، و(قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ) عادها بتُعمر وعادها بتقوم منها الخير بينشر هنا وهناك، وقلوب في الكفر بتدخل الإسلام من مطر ينزل في المكان هذا، ولربك في خلقه ما يشاء، وله عجائب في تصريف الكون وما فيه، لكن فقدنا اليقين لأننا فتحنا مسامعنا لأهل الغفلة، ولأهل الضلالة ولأهل الزيغ، وكفانا الحق وكفانا محمد الأصدق.
وفينا رسول الله يتلو كتابه *** إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
الله يربطكم به ربطاً لا ينحل، ما تفهمونه من سرِّ الصلة بالحق ورسوله، هذا دخولٌ منكم في دائرة النور الذي أمرنا الله باتباعه، قال سبحانه وتعالى (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وذا النور يرد إلى قلوب كثيرة يقلبها، ادخل في دائرة النور هذا واخرج فالعالم وبيء وبيء بكثير من دعوات الشر حتى وسط دارك، والله يطهر ديارنا
وأنت خذ لك صلة بهذا النور، وروح إلى دارك وروح إلى أصدقائك وروح إلى أولادك، اربط اربط وقَرِّب، محتاجين لهذا، محتاجين نحضر مثل ذا المجالس ومحتاجين نخرج إلى القرى، ومحتاجين نمد حبال الاتصال بهذا النور، لأن الأفكار الأخرى المخالفة له وجدت وسائل للنشر هنا وهناك والناس مساكين عرضة للتأثر، عرضة للتأثر بما يرون وبما يسمعون، وعسى غارة من غارات الله يصلح بها الأمة.
يارب يارب الأمة مرحومة، ونبيُّها خير الأنبياء، ووعدتَه فيها خيرا فأرِنا فيهم عامة وفي من كان منهم في زمننا ووقتنا في شرق الأرض وغربها خاصة سرَّ رحمانيتك بأسرارِ وعودك التي وعدت بها حبيبك الصادق يا من لا يخلف الميعاد، ارفع الضر والفساد، اكشف البلايا والأنكاد، أصلِح الأجساد وكلَّ فؤاد، حوِّل الأحوال إلى أحسنها، كل واحد من أهل مجمعنا ومن يسمعنا زجَّ به في النور، وأدخل إلى قلبه النور، واجعله من دعاة الخيور، وأهل الصدق معك في البطون والظهور، يا عالم السرائر، صفِّ سرائرنا، يا مطلع على البصائر، نوّر بصائرنا، يا من يرى ما في الضمائر، طهر ضمائرنا، نقّ ضمائرنا، صفِّ ضمائرنا، اصرفنا من المجمع عليك مجموعين، عليك مقبلين، وأنت مقبل بوجهك علينا، وأنت مقبل بوجهك علينا، وأنت مقبل بوجهك علينا، أذِقنا لذة اقبالك على من تحب، بإقبالك علينا يا أكرمَ من نحب، يا أعزَّ من نحب، يا من هو أحق بمحبتنا من كل شيء، أنت الله، ارزقنا محبَّتك ومحبة من يحبك، ومحبة كل عمل يقرِّبنا إلى حبك، اجعل حبك أحبَّ إلينا من أنفسنا، وأهلينا وأموالنا ومن الماء البارد على الظمأ.
ادفع عنا غش الغاشين، خديعة المخادعين، وسوسة الشياطين، شر كل ذي شر من الإنس والجن أجمعين، ارحمأهل المجمع واجمعهم في يوم المجمع، في زمرة المشفع، إلى المقام الأرفع، في جنات عدن مع الذين أنعمتَ عليهم، مِن غير سابقة عذاب ولا عتاب يا من للدعاء يسمع، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين،
فيارب واجمعنا وأحباباً لنا*** في دارك الفردوس أطيب موضع..
فضلا وإحسانا ومناً منك يا ذا*** الفضل والجود الأتم الأوسع
والحمد لله رب العالمين.
01 جمادى الآخر 1434