الغايات والنهايات الكبرى للعالم بخلود المكلفين في إحدى الدارين ومجالي تفضُّل الخلاق بإرسال المرسلين

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 4 ربيع الثاني 1447هـ، بعنوان: 

الغايات والنهايات الكبرى للعالم بخلود المكلفين في إحدى الدارين ومجالي تفضُّل الخلاق بإرسال المرسلين

 

نص المحاضرة مكتوب:

 

الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام، والذي جعل في البقاء والدوام من أسرار ما كان في الأزل والابتداء؛ تجليَّاتٍ ومِنَحاً وعطايا تستمر في الخلائق؛ جوداً من كرم الخالق، وتنتهي الغايات إلى ما كَتَبَ من إبقاء وإدامة الدارين: الجنة والنار، وكل منهما ملأى من الإنس والجن المكلفين.

 

النهاية الكبرى لجميع المكلفين

  • وتنتهي بعد ذلك عواقب جميع هؤلاء المكلفين:
    • إلى فوز وسعادة لمن آمن بالمرسلين وما جاءوا به عن هذا الإله،
    • وإلى شقاء وعذاب أليم لمن خالف أمر الله وأمر رسله مِن كل مَن اِغترَّ بنفسه أو بهواه واتبعه، ومن كل من اغتر بعلمه أو حضارته أو قوته أو قدرته أو فكره، أو كل مَن اغتر بأحد مِن بني جنسه من الإنس أو مَن اغتر بأحد مِن الجن، فانقطع عن العبودية للإله وشهادة الحق: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وانقطع عن العمل بمقتضى ذلك من الالتزام بمنهج الله -جل جلاله وتعالى في عُلاه-،
      • والمنادي ينادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت، يا أهل النار خلود فلا موت.

 

أحوال الخلائق في الآخرة والخلود فيها

  • أمَّا عامة ما اغتر به المكلفون إنسًا وجنًا على ظهر الأرض:
    • فقد تبدَّل وتغيَّر تبدد وانتهى،
  • وبقيت الجنة والنار والأرواح وما يُكوّن الله لها من الأجساد عند النفخة في الصور، فيقومون، وأجساد أُدخِلت فيها الأرواح -كما خلَق أجسادهم أجساداً في بطون الأمهات وأدخل فيها الأرواح- فيُعيدهم أجساداً في بطون الأرض أُم الجميع.
  •  ويُدخل فيها الأرواح فتقوم (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ) [الزمر:68-70]، جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه.
  • هذه الحقيقة لغاياتِ الخليقة، ونهايات هؤلاء الخليقة، والمستقبل الأكبر الأدوم الأخطر لهؤلاء الخليقة من جميع المكلفين،
    • لا يملك أحد منهم أن يغادر هذه النهاية، ولا أن لا يحضر فيها، ولا أن يَرِد مواردها،
    • كما لم يملك أحد منهم أن لا يُخلَق أولاً بيد خالق نفسه، وأن يجيء إلى الأرض بأمره سبحانه، وأن يتعمَّر فيها العمر الذي قَدَّر له،
    • ما أحد منهم ملَك أن يدفع من ذلك شيئا، ولا أحد منهم يملك أن يدفع من الحضور في الموقف والحكم بدخول الجنة أو النار والخلود فيهما، لا يملك أحد أن يتخلَّص من ذلك، ما يقدر أحد أن يبتعد عن ذلك!
    • (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:47-49]، "..يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت".
  • فبقي في ذلك الدوام؛ آثار التجلي من الله الخالق ذي الجلال والإكرام على المقبلين عليه والمؤمنين به بأنواع الإنعام: "أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

 

ما يقال لكل داخل للجنة أو للنار

  • يُقال لكل داخل إلى جنة الله -جعلنا الله وإياكم من أهلها ومن السابقين إليها ومن يُدخلهم إياها بغير حساب يا رب الأرباب-، يُقال لكل داخل: "إن لكم أن تحيوا فيها فلا تموتوا أبداً، وأن تَشِبُّوا فلا تَهرموا أبداً، وأن تَصِحُّوا فلا تمرضوا أبداً، وأن تَنعموا فلا تبأسوا أبداً"،

  • وفي الدار الأخرى (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) [هود:106]، ويُقال لهم: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون:108]، ويُقال: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:8-11]، نعوذ بالله من غضب الله!

  • هذه النهايات الكبرى كل ما فيها مُرتَّب على ما كان خلال هذا العمر القصير الذي نحياه على ظهر الأرض.

 

عظمة خيرية أمة النبي محمد ﷺ

وفي هذا العمر القصير، تكرَّم العليِّ الكبير بإنزال الكتب، والإيحاء إلى النبيين واصطفائهم، وقيامهم بتبليغ المكلفين من الإنس والجن؛ بشارة ونذارة، إلى أن جاء الخاتَم، الكامل، الأشرف، الأنظف، الأطهر، الأنور، الأسعد، الأمجد.. محمد، فكان تجلِّي الله على الأرض ومن فيها وعلى الإنس والجن وسواهم من سائر الكائنات؛ تجلياً أعظم بالمِنَن والمواهب والرحمات، له الحمد له المنّة.

  • ولازَمَت الخيرية هذه الأمة من أيام بعثته إلى آخرهم، وإلى أن تَهِبَّ الريح التي تَخْطَف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ وهذه الأمة خير أمة.
  • ومهما تمكَّن عدو الله إبليس من الضحك والكذب والخداع لكثير، من صغارهم وكبارهم، ورجالهم ونسائهم، وإنسهم وجنهم، وملوكهم ومملوكيهم، وأفرادهم وجماعاتهم، وحرفهم عن سواء السبيل؛ فلا يزال في الأمة أهل خير وهدى واتصال بالملأ الأعلى،
    • بل اتصال بالعلي الأعلى من أوسع الأبواب؛ باب سيِّدِ الأحباب، ومن آثار السُّنَّة والكتاب؛ علماً، وذوقاً وحالاً، وتحقُّقَا بحقائق العبودية؛ حتى تتولاها الربوبية؛ فتتلاشى العبودية في الربوبية، ويصير عند الرب، فتتلاشى العبدية في العندية،
      • فهو عند ربه وهو على ظهر الأرض، وهو يمشي على ظهر الأرض ويأكل ويشرب؛ وهو مذكور في الملأ الأعلى، وممدود بإمدادات رب الأرض والسماء، فيكون شأن لحياته وشأن لوفاته، وعلى حسب مكانته ودرجته من الفهم عن الله والاتصال بوحي الله والإخلاص لوجه الله، مفيداً ونافعاً بأنواع الفوائد والمنافع لمحيطه ومن حوله، ويمتد ذلك على حسب ما قُسِمَ له من المَدِّ الإلهي والفيض الرباني.
  • ولا يزال في الأمة طائفة ظاهرين على الحق،
  • ولا يزال في الأمة خلفاء عدولٌ، ينفون تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين،
    • فضلاً من الله ونعمة.
  • ويكون لوجودهم ووفرتهم أثرٌ كبيرٌ في التجلي بالإفضال وجزيل النوال.
    • ويكون لموت أحدهم ثُلمة في الإسلام، لا يسدها إلا خَلف ٌمنه، يقوم بحق: العلم والعمل على وجه الإخلاص والخوف من الله والورع والصدق مع الرحمن جل جلاله وتعالى في عُلاه.

 

من آثار رجال السند وأرباب الفضل فينا

ومن هنا ظهر في الأمة الأكابر والأخيار والصالحون الأطهار الأبرار، المؤثِرون لله على كل ما سواه؛ بسر ما آثرهم سبحانه، وقدَّمهم على من سواهم، واختصهم بخصائص ومِنَن منه.

  • ونذكر منهم ما هو متصل بهذا المجمع وما يدور فيه من رجال السَّند، كثير من شيوخنا وآبائنا وعلمائنا وأرباب الفضل والسر فينا:
    • من أمثال سيدي الوالد -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، والذي كان السبب المباشر في إبراز هذه المِنَن وهذه النِّعَم؛ بصبره وصدقه وإخلاصه وتضحيته وبذله لروحه وتقديمه لحياته وماله وكل ما عنده، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
    • وكان في أقرانه من أكابر أهل الفضل والعلم من شيوخنا الذين اتصلنا بهم،
    • والكل عبرهم اِمْتَدَّ فيض الكرم الإلهي الرباني من البحر النبوي المحمدي؛ فقامت به آثار وشؤون!
      • نُطالع ثمراتها، ونُطالع مخرجاتها، ونُطالع منتجاتها.. في كثير من أحوال الإنس والجن في شرق الأرض وغربها؛ بأصابع قدرة وإرادة ربانية تُحوِّل بها الأحوال كما يشاء، ويُجري بها النفع والخير كما يشاء جل جلاله وتعالى في عُلاه.
    • وكان لهم شيوخ من أرباب الرسوخ والصدق مع الحيِّ القيوم -جل جلاله-، ممن اتسعت لهم الفهوم وقويت منهم العزائم، ووفوا بحق العهد الرباني.
  • وهكذا سلسلة السند؛ حتى يبرز الأكابر، كالفقيه المقدم ومن اتصل بتلك الدائرة، وله أخذ عن الشيخ شُعَيْب أبي مَدْيَن المغربي، وله أخذ عن سيدنا عبد القادر الجيلاني.

 

حبال الاتصال النوراني بسلسلة السند

ثم لا تبق في هذه السلسلة نورانية ربانية محمدية في شرق الأرض وغربها؛ إلا وهناك حبال اتصال بها من خلال هذه السلسلة المباركة الطيبة، -وإن تسلسل الأمر فيهم أباً عن جد- فلهم مع أهل أعصارهم وأزمانهم وبني عمومتهم وبقية خيار الأمة اتصالات اقتضتها الوراثة لمحمد، وألزمتهم بها النيابة عن أحمد، والحملُ لسِرِّه..

هم الحاملون السر بعد نبيهم ** ووُرَّاثه أكرم بها من وراثةِ

 عليهم رضوان من الله، فكانوا أهل رحمةٍ للعالمين، وأهل شفقةٍ بالخلق أجمعين، وأهل إرادةٍ لبثِّ الخير ونشر الهدى فيما خفي وفيما بدا.

 

الحبيب عبدالقادر الخرد وجماعة ممن فقدناهم

وكان من المتصلين بهذا الأصل المباشر لنا جماعة ممن فقدناهم: حبيبنا علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ، حبيبنا سالم بن عبد الله الشاطري، حبيبنا عبد الله بن محمد بن علوي بن شهاب الدين، وجماعة من أقرانهم. وكان من جملة أقران الحبيب سالم الشاطري والحبيب المشهور: حبيبنا عبد القادر بن سالم بن علوي الخرد، أعلى الله درجاته وجمعنا به في أعلى جناته. وكان حاضراً معنا أيام افتتاح هذه الدار، وله فيها القصيدة وتخميسها: أشرقت أنوار دار المصطفى، وتمنى تمنيات أن يكون دار للنساء فقامت دار الزهراء، وتمنى أمنيات أن يأتي الأجيال ويأتي الناس وحقق الله كل تلك الأمنيات.

 وكان استقاؤه من سر المجالسة لمن أدركهم من شيبان الوادي وأئمته؛ كالحبيب علوي بن عبد الله بن شهاب الدين، وله الأخذ التام عن سيدي الوالد عليهم رحمة الله، ومن في طبقتهم من نجوم وبدور أكابر..

  • كلهم نور، وكلهم أدب، وكلهم صدق مع الرب، وكلهم إيثار لله على ما سواه، وكلهم استعداد للمعاد، وتهيؤ للقاء الأكابر في حضرة الطاهر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

خاتمة الحبيب محمد بن علوي بن شهاب

منهم مَن قضى نحبه وهو في الدعوة إلى الله تعالى وفي القيام بالتبليغ، كحبيبنا محمد بن علوي بن شهاب الدين عليه رحمة الله تبارك وتعالى:

عبر الحياة مضى للنُّصحِ مُحتَضِنًا *** لا تعتريه مشقَّاتٌ ولا مَلَلُ

حتى قضى النَّحْبَ يدعو الناس مُحتَسِبًا *** في حضرة الصدقِ من للخالقِ اِمتَثلُوا

أَكرِم بِذَا مِن خِتَامٍ فيه مَفْخَرَةٌ *** وفيه رجوى وفيه القصدُ والأملُ

عليه رضوان الله تبارك وتعالى

قضى الحياة بأعمالٍ مًنَزَّهَةٍ *** يبدو على ظهره من عِبئها ثِقَلُ

خوفًا لمولاه لا في سمعة ورياء *** فبينه والرياء البِيدُ والقُلَلُ

تقرأ سطوراً من الأنوار بيِّنَةً *** في قَامَةٍ قد كساها النُّبلُ والوَجَلُ

إذا نظرتَ إليه في مهابته ***  ترى  مثالاً لأسلافٍ له رحلوا

 قد سار سيرتهم واختطَّ خطتهم *** كذاك كان إلى أن جاءه الأجلُ

عليهم رضوان الله تبارك وتعالى..

 

التهيؤ للأمانات الكبيرة

وكم من أقرانٍ نُعَدِّد ممن اِنْصَبَّ نظرهم على هذه المسالك، وهذه الدعوات، وهذه التوجهات، وهذه الخدمة للقرآن والسنة، وللمصطفى محمد، وشريعته، ومنهاجه، ومِلَّتِه، وآل بيته وعترته، وصحابته، وأهل خلافته ولعموم أُمَّتِه.

  • وهي أماناتٌ كبيرة تنتشر منها خيرات وفيرة،
    • ويُهيَّأ مَن يُهَيَّأ من المقبلين للدخول في الحظيرة، حظيرة القُدْس؛ المحظور على من لم يتقدس، المحظور على من لم يتطهَّر ويتصفَّى،
    • ومقعد الصدق الذي لا يقعد فيه إلا الصادقون.

 والمتقون رجاله وحضوره *** …

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر:54-55].

في مقعدِ الصِّدقِ الذي قد أشرقت *** أنواره بالعِنْدِ يا لَكَ مِن سَنَا

والمتقون رجاله وحضوره *** يا ربِّ ألحقنا بهم يا ربنا

يا ربِّ واجعل فيهم حبيبنا عبد القادر بن سالم بن علوي الخَرِد، وبوّئه المنازل العُلا والدرجات الكبيرة في الحظيرة القدسية وفي مقعد الصدق مع الصدِّيقين، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

 

من سيرة الحبيب عبدالقادر الخرد

انصبغ بصبغة العلم وصبغة الوجهة إلى الله، وصبغة السند المُتلَقَّى، فتكوَّنت عنده معارف ولطائف، أمره شيخنا الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف في آخر عمره عندما ضَعُفَ وصار يجلس في البيت أن يقيم الدرس للناس في جدة في بيته في ليلة كل اثنين، ودام لمدة سنوات، وفيه المنافع، مشيراً إلى أنه ممن حمل من النور ما يجب أن يُستفاد منه وما يجب أن يَبلُغ الخلق، وكلَّفه بذلك وقام به -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-، وكان مشاركاً بوجهته ونيته وأدبه وحضوره وعلمه وشعره ونثره -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، كما كان والده حبيبنا سالم بن علوي، وكان جده الحبيب علوي من أولياء الله، ومن أرباب السلوك القوي القويم على الصراط المستقيم؛ بالقلب السليم، والوعي والفهم لما أوحى الله ولما تلقى رسوله وتلقاه عنه أصفياء الله والصالحون من عباد الله.

 

حقيقة البضائع الغالية

وهي بضائع لا يمكن أن يَقرُبَ من قدرها وثمنها جميع ما في الشرق والغرب، مما يَغتَرُّ به الناس، ويلهو به الناس، ويُعظِّمه الناس، ثم يعود إلى حقيقته: لا شيء (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ) [النور:39]. لا يُكرِم إلا أهل تقواه، ولا يُكرم إلا أهل الصدق معه، ويُخذل كل من سواهم ويُهينهم (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج:18]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13].

  • وإذا جئنا لأهل التقوى وجدنا تقياً وأتقى وأتقى..
  • وإذا الرأس محمد سيد الناس، فهو الأكرم بكل مقياس بكل قياس.. صلوات ربي وسلامه عليه. رزقنا الله حسن المتابعة له والدخول في دائرته.

 

فقد السيد عبدالرحمن بن حسن الجفري

وفي هذه الأيام فقدنا السيد عبد الرحمن بن حسن بن أحمد الجفري -أعلى الله درجاته-، ممن صبغهم الله بصبغة اتصال بأهل هذا المنوال والنصيب من هذا الإرث والتركة لمولى بلالٍ ﷺ، واتصل، وأقبل، وأجرى الله على يديه ما أجرى من الخير، الله يُعلي لهم الدرجات ويجمعنا بهم في أعلى الجنات.

وقبله فقدنا الحبيب محمد البكري بن محسن الحامد بن الشيخ أبي بكر بن سالم -أعلى الله درجاتهم-، وعدد ممن فقدناهم في الوقت القريب. الله يجعل جمعنا بهم في الدرجات العُلا، وعلى حوض النبي المورود، وتحت لواء الحمد، وفي ظل العرش، وفي الفردوس الأعلى.

فيَا ربِّ واجمعنا وأحبابًا لنا  ***  في دارك الفردوس في أطيَبِ مَوْضِعِ

وجميع ما آتيتهم وتفضَّلت به عليهم من المساعي الخيرات والأعمال الصالحات.. تقبلَّها منهم، وزدهم من فضلك ما أنت أهله، وبارك لنا في أولادهم، بارك لنا في أحفادهم وأسباطهم، بارك لنا في قراباتهم. وأمتعنا ببقية من في زمننا من أهل النور وأهل العلم وأهل الخشية وأهل الذوق، وأهل الاتصال بهذه السيرة؛ التي بالاتصال بها يُدرك السِّر ويُقرَب من الإله البر -جل جلاله- ويُتَّصل بالحبيب الأطهر ﷺ.

 

دعاء وتوجه إلى الله

أمتعنا الله بالبقيَّة، وكثَّر فينا أرباب العلوم والفهوم والصدق مع الحي القيوم، عرباً وعجماً، ينشرهم الله في شرق الأرض وغربها؛ يحيي بهم حقائق الاتصال به وبرسوله، ويُظهر بهم دينه في المشارق والمغارب.

يا من يصطفي من يشاء لإظهار دينه ونشر سنة أمينه: اجعلنا فيمن تصطفيهم واجعلنا فيمن ترتضيهم لهذه العطايا الكبيرة يا أرحم الراحمين.

وكما مننتَ بجعل هذه المراكز محلُّ عقدٍ لألوية الدلالة عليك والدعوة إليك والانخراط في السِّلْك الذي يجري في خير فُلْك؛ نسألك اللهم أن تُتِمَّ النعمة علينا وعلى الحاضرين والسامعين، وأن تجمعنا بأحبابنا هؤلاء في دار الكرامة، وأن تبارك في الأهلين والأولاد والذرية لنا أجمعين، ولا تجعل فيهم محروماً ولا مطروداً ولا مقطوعاً عن هذا الرَّكب المبارك؛ حتى تجمع الكل في دار الكرامة ومستقر الرحمة..

فيَا ربِّ واجمعنا وأحباباً لنا *** في دارك الفردوس أطيب موضعِ

فضلاً وإحساناً ومناً منك  *** يا ذا الجود والفضل الأتم الأوسعِ

يا أرحم الراحمين، الله يجعلها ساعة إجابة ويجعل الدعوات مستجابة، ويُمطِر على ساحات قلوبنا من صيّب فضلِه سحابة؛ نرقى بها مراقي الإنابة، وندخل في أهل الاستجابة، ونُكرَم من الرَّبِّ -سبحانه وتعالى- بما هو أهله، ويُذيقنا لذَّة وصله، ويُعاملنا بفضله، ويجعلنا عنده من أهل الفضل العظيم..

فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحق والهدى *** ويا ربِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ

وعُمَّ أصولًا والفروع برحمةٍ *** وأهلاً وأصحاباً وكل قرابةِ

وسائر أهل الدين من كل مسلمٍ *** أقام لك التوحيد من غير ريبةِ

وصلِّ وسلم دائم الدهر سرمداً *** على خير مبعوث إلى خير أمةِ

محمدٍ المخصوص منك بفضلك *** العظيم وإنزال الكتاب والحكمة

والحمدلله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

03 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

25 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية