الأساس الذي يبني عليه أهل العالم توجهاتهم
نص المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جمعكم فأوقفَكم على بابه الوسيع، ومدَّ لكم حبلَ الاتصال بعبدِه وحبيبِه الشفيع، أدِم اللهم صلاتَك وسلامَك على حبيبك البصير السميع، الذي به تسمع دعاء الداعين، وبه تلبِّي نداء المنادين، وبه تهدي مَن شئتَ من العالمين، صلِّ على مَن أرسلتَه رحمةً للعالمين، وختمتَ به النبيين وجعلتَه سيدَ المرسلين، وجعلتنا به خيرَ أمة أُخرجت للناس، وعلى آله وأصحابه الأكياس، ومن تبعهم بإحسانٍ على ممرِّ العصور يبني على أقومِ أساس، وأي الأساسات يبقى مما تُبنى عليه المسالك، وتُبنى عليه الوِجهات، وتُبنى عليه المعاملات، وتُبنى عليه الأخلاق، وتُبنى عليه الأفكار، في شرق الأرض وغربِها، أي أساس أقوى؟ أي أساس أبقى؟ أي أساس أعظم؟ أي أساس أدوم؟ أي أساس متين؟ غير أساسِ المصطفى الأمين، غير أساسِ أهل حضرته من النبيين والصدِّيقين، والشهداء والصالحين؛ فالويل والخِزي والهلاك على مَن خالفهم، يكون مَن كان، وإن شيَّد البنيان، وإن مَلَك الإنس والجان، وإن كان له في هذا العالم ما كان، هباءٌ منثور، عمّا قريب، ينقل من القصور إلى القبور، بل عما قريب، يُنفخ في الصور، النفخة الأولى فالثانية، فيأتي ليومِ البعث والنشور، فتراه بعد غروره وغيِّه لما أنه لا أساس له عاضّاً على يديه، نادماً، حزيناً، خائباً، يدعو بالويل والثبور، ويُقال ( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا )، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
هذه قصة العالم، قصة الوجود، قصة جميع المكلَّفين من الإنس والجن أجمعين، ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ الله وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) وقد قال الله هذا الكلام في مَن تظاهر بمظهر الإسلام والطاعة والعبادة والخير وقام ببناء مسجد في صورة مسجد بلا نيَّة صالحة، فما تظن؟ من يبني بعد ذلك الحضارة أو يبني بعد ذلك الثورة أو يبني بعد ذلك الماديات أو يبني بعد ذلك التكنولوجيا، لو مسجد بنيتُه ما عندك نية فهذا حالك وهذا مصيرك! (أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) أينجح بعد ذلك بِناء القصور؟ أو ينجح بعد ذلك بناء الفنادق، والنزل، أو بناء ديار السينما؟ أي شيء يُقام على أي أساس أتم وأقوى..
أحضروا قلوبكم، أحضروا عقولكم، إن أكثر الناس لا يعقلون، وأكثر الناس لا يعلمون، على أي أساس يبنون، وقد جعل الله لنا أقوى الأساس، وأرسل إلينا خيرَ الناس، فما لنا وللوسواس الخنَّاس؟ يختلسُنا اختلاس، ويختلس أعمالَنا ووجهاتِنا وهو عدو حُذِّرنا منه كما سمعتم (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ) وما كلفك تذهب مكان بعيد، قال لك فاستعذ بالله أنا عندك هنا، (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، قال أنا الذي سأعيذك منه وانتهت مسألته، (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) يخنس إذا ذُكر الكبير، إذا ذُكر العليّ، إذا ذُكر العظيم، إذا ذُكر الرحمن، امتلئ بذكرِ الرحمن وهو أبعد ما يكون منك، يمتلئ قلبك بذكر ربي، وأنت في المجمع فيكون أبعد ما يكون منك بوسوسته وبسبسته وبمكرِه وخديعتِه وبكل ما عنده، ماذا يساوي إن عرَفنا الرب؟ وإن صدَقنا مع الرب، وإن أقبلنا بالكليّة على هذا الرب، وما تدري أن مِن وصفه أنه يُقبل على من أقبل عليه؟
مَن هو هذا؟ إنه رب العالمين، أرحم الراحمين، رب العرش العظيم يقبل على من أقبل عليه، ويتوجه إلى مَن توجه إليه، (من تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً) مَن يَعرِض عليكم أحسنَ من هذا العرض؟ من يؤتيكم أحسنَ من هذه المقابلة ومن هذه المعاملة؟ هذه معاملة ربِّنا لنا ولكم وللأمة، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون، ولكن أكثر الناس لا يعقلون، فتجدهم حتى وهم في أواخر شعبان لا يحسون بمعنى شعبان ولا رمضان لأنهم لم يحسوا برجب أيضاً، والسبب ضعف الصلة عن رب رجب وعن رب شعبان وعن رب رمضان، وهل رب الزمان إلا واحد؟ فما عرفوا قدر الزمان لبُعدِهم عن رب الزمان ولا عرفوا قدر المكان لبعدهم عن رب المكان، ولو اتصلوا برب الزمان والمكان لاستفادوا من الزمان واستفادوا من المكان ولأنزلوها منازلها بميزانه الذي لا يخسر، ميزانه الذي لا يفنى، ولا ينقلب، ولا ينتهي ميزانه جل جلاله.
أما موازين الوساوس التي عند أكثر الناس أهل الحنادس، أهل الظلمات من هنا ومن هناك فموازينُ خائبة خاسرة، لا يبقى لها أثر، يبان عوارها، يبان بطلانُها، لكن ميزان ربك هو الذي يبقى ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين)، ما هذا حتى لا يعرف الواحد مَن حواليه ولو كان الذي حوله ولده أو أمه أو أبوه، ما هذا؟ هذا ما نسيته أيام ما كنت في الدنيا أنزلنا عليك الميزان تعرف به حقائق هذا الوزن فتغافلت، (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)، أما الذي كان في الدنيا أخذ من الله الميزان ووزن، فالميزان راجح، وإذا ورد عند الميزان ورد مورد الذي يُكرم، ومورد الذي يُحسَن إليه من قِبَل الأرحَم جل جلاله، فالميزان للأصفياء وللأولياء وللصالحين إكرام وإجلال لإظهار شانِهم، لإعلاءِ مكانِهم ومقامِهم، عليهم رضوانُ الله تبارك وتعالى، بل وإذا ثبت رجحان الميزان لهم، قيل لهم أنت أهل الشفاعة، قفوا، من يزن من أصحابكم؟ من يزن من أولادكم؟ من يزن ممن له بكم صلة؟ فالميزان لهم شرف، وتكرِمة يُكرمهم الله سبحانه وتعالى بها.. كيف واليوم يومهم، (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ) يوم يبدو فيه بطلان الأفكار ذي الكثيرة ، كل ساعة جابوا للناس أفكار أفكار أفكار أفكار على مدى الأعصار، كفار وأشرار، كلام باطل، ما يساوي شيء، فاليوم يومكم يا أهل ميزان الحق، ذي الوزن الصحيح اليوم يومكم، (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)..
أي يوم هذا؟ قال الله يوم ظهور عظمتي.. أنتم يا محصورين في أجزاء من الأرض هذا اليوم يوم نطوي السماء كطي السجل.. ليست الأرض فقط.. أرض وما بينها وبين السماء والسماء.. ( إذا السّمَاءُ انفطَرَت * وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجّرت) عظمة عظمة.. عظمة عظمة.. عظمة الرب.. قل لهؤلاء المحصورين في أجزاء من الأرض قصِّروا من كِبركم.. أجيبوا داعي محمد خيرٌ لكم..
يا أهل الصناعات أجيبوا داعي الذي خلقكم وخلق ما صنعتم.. يا آل البروج.. يا آل الأموال.. يا آل أسلحة الدمار.. يا آل جيوش الأرض.. أجيبوا داعي رب الأرض والسماء خيرٌ لكم.. وإلا فستصير عمَارُكم وتكنولوجياكم والذرة التي عندكم وأسلحة الدمار هباءً منثوراً.. وأحدكم يعضُّ على يديه ويُحشر كالنملة يوطأ بالأقدام فما ينفعه من هذا شيء ونتكلم بالحق.. ونتكلم باليقين ونتكلم بالصدق.. ما عندكم أدلة على هذا المستقبل تساوي في القوة عُشر معشار ما نستدل به.. نتكلم عن المكوِّن الخالق.. عرفناه.. عرفناه إذا أرسل إلينا.. عرفناه إذا أنزل علينا.. عرفناه إذ تجلى.. عرفناه إذ أولى.. عرفناه إذ أعطى وهدى جلّ جلاله.. فيا ليت من لا يعرف قلد العارف.. يا جاهل قلد من يعرف خير لكم.. يا أرباب متاع الأرض بما فيها أنتم في ضعف.. أنتم في عجز.. أنتم في قصور حتى تستجيبوا لداعي رب الأرض والسماء.. رب البطون والظهور، الملك الحق دائم الملك الذي لا يزول ملكُه، والخلق خلقُه والأمر أمرُه والسعيد من أسعد والشقي من أشقى ولم يشركه أحد.. لا أولاً ولا آخِراً ولا ظاهراً ولا باطناً.. لكن أيام طيِّ الحقائق هذا واختبارنا معاشر أهل الأرض كلنا.. اختبارنا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.. لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك.. ( وَليَعْلَمَنَّ اللهُ الذينَ آمَنوا وَلَيَعْلمَنّ المُنافِقِين) ( فليعلمَنّ الله الذينَ صَدَقوا وَلَيَعْلمَنّ الكَاذبِين)
اختُبرنا بهذه الأوهام والخيالات ولكن أي عاقل ما يطرأ على باله وفكره تفكير صحيح.. من أين جئت أنا؟ من أين جئت؟ ومن أين جاء هذا العالم الذي حواليّ.. أوتيتُ عقلاً لا أصدق فيه تكوينَ كأس صغير من نفسه بلا سبب.. فهل أجي للكون كله وأنسى مسبِّبه؟ وأنسى مكونه ومنشؤه وخالقه؟ أعقل هذا؟ أثقافة هذه؟ أوعيٌ هذا؟ أمعرفة هذه؟ أتقدمٌ هذا؟ هذا الغباء.. هذا البلادة هذا الانحطاط هذا الخسار هذا الهلاك بعينه.. أأمشي على ظهر الأرض لا أدري من أين جئت وإلى أين أصير؟ لا أدري لأي مهمة خُلقت على ظهر الأرض.. أي ثقافة إذاً عندي؟ ثقافة عيني أو أذني أو بطني؟ أي ثقافة؟ ثقافة بيوت؟ إذا أنا ما دريت من نفسي من أين جيت ومن خلقني وما مرجعي وما مهمتي في الحياة؟ فأي ثقافة بعد ذلك .!؟ أبني مصانع كثيرة؟ أي وعيٍ عندي؟ أي فهم !! ولكن أكثر الناس لا يعقلون، وقد وهبهم الله ما يستطيعون أن يتعقَّلوا فيعقلوا.. وأن يتفكروا فيُدركوا (إنا خَلقنَا الإنسَانَ مِن نطفة أمشاجٍ نبتليه).. نختبره.. فأعطيناه مؤهلات الاختبار ( فجعلناه سميعاً بصيراً).. وهذا السمع والبصر وهذا أثر خير البشر.. كم مناهج في الاقتصاد من أيامه إلى اليوم لعبتم بها في الشرق ولعبتم بها في الغرب وتفشل!؟ لم لا تلتفتون إلى منهاجه؟ ولم تتعامَون عن إنقاذ وضعكم في منهاج هذا النبي، وفي ما بلَّغه عن الرب الأعلى جل جلاله.. مشاكلكم الاجتماعية مِن حضارة إلى حضارة، ومن عصر إلى عصر، تشكون منها وتتعبون .. وقد حلها وجاء بحلها وأقامها على أساسها المتين، فلم لا ترجعون إليه ولم لا تنظرون ماذا قال عن المجتمع وكيف تُبنى لبناته وكيف تؤسَّس مؤسساته؟ فهل وجدتم عبرَ التاريخ أجمل أو أكمل مما جاء به هذا المفضل؟ ليس نتيجة فكر بشر، ولا نتيجة عقل يتفكر.. ولكن حقيقة ( فإنك بأعيننا ) واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا.. حقيقة (من يطع الرسول فقد أطاع الله ).. حقيقة ( وإن تطيعوه تهتدوا ) (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..) هذا خير البشر.. وهذه سيرته وهذا ما خلَّفه فينا مُنقذاً لأهل الشرق ولأهل الغرب.. لمن قرُب لمن بعُد.. ومناديه يناديه وربنا الهادي.. اللهم انشر الهداية في الأمة ولإن اشتد ما اشتد من أزمات هنا وهناك فهي مؤذنة بأن الحق ينشر الهداية وينشر الخير لأن هذه سنَّته وهذا وعده لصاحب الرسالة.. فيا سعد المقبلين المتوجهين الذين يدركون حسن توديع شعبان، وحسن استقبال رمضان، بما فيه من خيرات المنان وعطاياه الحسان وجوده من غير حسبان.. قال عليه الصلاة والسلام: ولو تعلم أمتي ما في رمضان لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان.. يا رب أحسن لنا خاتمة شعبان.. يا رب بلغنا جميعاً رمضان واجعلنا من خواص أهل رمضان.. يا ذا الفضل والامتنان.. يا ذا الجود والإحسان.. يا كريم يا منان يا الله..
أترون الأسبوعين الباقيين معكم؟ فيها تقسم حظوظ رمضان.. إن الله يكتب أجره ونوافله قبل أن يُدخله.. ويكتب إصره وشقاءه قبل أن يدخله.. من قبل ما يدخل رمضان هذا مسعود برمضان وهذا شقي.. هذا مقرب وهذا مبعود من قبل ما يدخل.. فهذه أيام الكتابة أنتم فيها.. أحسِنوا تغانمها وارفعوا إلى الرحمن نيات يرضاها في معاملاتكم معه في السر والجهر.. سر السر.. في سر السرّ.. الخلوات في الخلوات.. حيث تغيب عنك أعين الخلق الذين تراهم.. وخلق لا تراهم ما غابت عيونهم ، واترك هؤلاء وهؤلاء.. الخلق الذين تراهم والذين لا تراهم.. قل لي برب العرش.. ونظره فوق نظر الجميع.. وعلمه فوق علم الجميع جلّ جلاله.. (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ).. يا مخلوق.. يا مخلوق.. أما تهاب الخالق؟ أما تعظم الخالق؟ الخلوات الخلوات.. سر السر.. حيث لا يطلع عليك إلا الحق جلّ جلاله.. تغيب عنك العيون التي أنت تراها.. تغيب عنك العيون التي تراها.. وعيون لا تراها.. ولكن فوقها مولاها جلّ جلاله.. فوق هؤلاء وهؤلاء..( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون) ومن هم؟ (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).. هذا لا تبصرهم أنت.. تشوف ما أحد يشوفك.. الجماعة عندك.. تصلح عملك يكتبونه عليك.. واترك الجماعة وكتابتهم.. ربك وربهم ملكك وملكهم.. من بيده أمرك وأمرهم.. من إليه مرجعُك ومرجعهم.. أين هو؟ ( فلنسئلنَّ الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين ).. نحن الذين أرسل إلينا.. قال الله هؤلاء الرسل أحبابي أصفيائي أنا بسألهم.. ولنسئلن المرسلين.. ( فلنقصنَّ عليهم بعلمٍ وما كنا غائبين ) لا وقت ما بلَّغ هؤلاء ولا وقت ما كذَّب هؤلاء وخان هؤلاء.. ما كنا غائبين.. كنا حاضرين معهم.. ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرَّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) لو راقبتموه لراقبَ أحوالَكم ليصلحَها، وراقب أمورَكم ليجمِّلها.. وراقب شؤونكم ليكمِّلها..
اقبوه تروا كيف معاملته، ولا أحسن من معاملة رب العرش.. ما أحسن من معاملته.. لا شركات ولا مؤسسات ولا دول ولا شعوب.. ما أحسن من معاملته.. عامله.. ترَ كيف يعاملك.. من بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون جلّ جلاله وتعالى في علاه.. يا ما أحسن حال الذين يودعون شعبان بدخول اندراجهم في هذه الدورة التي تعقد وتقام.. ختماً حسن.. واستقبال حسن لشهر الإحسان ولشهر الامتنان.. يصفون بواطنهم.. يغتنمون ما يُلقى إليهم، كؤوس تُدار في الليل وفي النهار وعطايا كبار من الملك الغفار.. لو لمح منها بارق لامح لما رضي إلا أن يكون مع أهلها، ولاحتقر كل بيت وكل سكن وكل أهله وكل ولد، وكل دكان وكل تجارة وكل وزارة في العالم.. لأنها عطايا الباقي جلّ جلاله، ومِنح الدائم سبحانه وتعالى.. الله يوفر حظنا منها.. ويوفر حظنا من الباقيات الصالحات.. يوفر حظنا من الإقبال الصادق عليه.
اغنموا ساعاتكم وتوديع هذا الشهر الكريم.. اختمه لنا بخير يا رب العالمين، واجعلنا من خواص أهل الشهر المُقبل.. شهر رمضان الذي ينادي مناديك فيه: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، فإذا كان أول ليلة فتِحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب الشهر كله.. وغلِّقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب الشهر كله.. وزُيِّنت الجنان وزُخرفت، ونظر الرحمن إلى خلقه.. فأول ليلة من رمضان ليلة نظر خاص.. ومن نظر الرحمن إليه لم يعذبه أبداً..
ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة تداوي كل ما بنا من أمراض سقيمة..
يا ربي انظر إلى الجمع واجعلهم ممن تُحيي فيهم حقائق اليقين.. وترفعهم في مراتب الدين، وتثبِّتهم وتكفيهم شر الشياطين.. اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام.. بلِّغنا المرام وفوق المرام.. يا رب اجعلنا عندك من خواص أهل رمضان.. واجعلنا من أسعدِ أهل رمضان.. مِن أسعد خلقك بإدراكه وبلياليه وبأيامه وبليلةِ القدر فيه.. وبأوله ووسطه وآخره.. أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار.. وفِّر حظنا من أوله.. وفِّر حظنا من وسطه.. وفِّر حظنا من آخره.. واجعلنا عندك يا ربَّنا من خواص أهله.. لا يبقى في بيتنا محرومٌ من المغفرة.. ولا مقطوع عن الرحمة، ولا مبعود عن العتق من النار.. يا رب عُمّ صغارَنا وكبارَنا ورجالَنا ونساءنا، واجعل لنا في رمضان هذا من قوة الصلة بك ما نرقى به مراتبَ عين اليقين.. وما تأذن به بتفريج كروبِنا وكروبِ المسلمين.. آمين..
اجعله شهر فرج للأمة، وكشف للغمة وإبعاد للظلمة، وإبعاد للنقمة، وحفظ للحرمة، وصلاح كل مهمة .. آمين.. ادع الرحمن وقل آمين.. يقبلك رب العالمين.. الله يجعلكم والسامعين من خواص أهل رمضان.. مِن أفاضل أهل رمضان.. يبسط لكم بساطَ الإحسان.. ويذيقَكم لذة التدان، ولذة تلاوة القرآن، ويجعل صيامكم صحيحاً مقبولاً لديه.. ويجعل قيامكم نزيهاً مقبولاً لديه.. يا رب أسعِدنا بهذه السعادات وزِدنا منك شريفَ الزيادات..
يا عالم الظواهر والخفيات يا مجيب الدعوات.. لك الحمد يا رب الأراضين والسماوات.. ما وقفنا على بابك إلا بفضلك.. وإلا بطولك وإلا بمنِّك.. وإلا بتوفيقك.. لو أردتَ أن ترمي أحداً منا في أي وجه رميته.. ولكن على بابك أوقفتَنا فلك الحمد.. نحن السعداء بك وببابِ فضلك.. نحن السعداء بطولِك ومنِّك.. يا من أوقفتنا على بابك افتح الأبواب لنا.. واسقنا من الكأس الأهنى، وكن لنا بما أنت أهلُه حساً ومعنى يا الله.. يا الله.. اكشف الظلمات عن قلوبهم ، واغفر جميعَ ذنوبهم وخُذ بنواصيهم وقلوبهم إليك يا الله.. إليك يا الله.. إليك يا الله.. لا إلى سواك يا الله.. إليك لا إلى من عداك يا الله.. لا ترمِ بنا إلى غيرك.. لا تصرفنا إلى أحدٍ دونك.. كن لنا يا ربنا.. تولَّنا يا ربنا.. خذ بأيدينا يا ربنا.. أسعِدنا يا ربَّنا بك.. وارزقنا توجيهَ الوجوه إليك وصدق الإقبال عليك.. حسن التذلُّل بين يديك.. يا رب بارك لنا في مجمعنا هذا.. لا ينصرف إلا وقلوبنا اجتمعت عليك.. ووجهتنا صدقت إليك.. يا الله.. عوائق كثيرة عاقت فاكفِها..ادفعها.. اصرفها.. اقطعها.. أبعدها.. أزِلها.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. عن الحاضرين.. عن السامعين.. عن كثير من عبادك المؤمنين، في شرق الأرض وغربها يا الله.. يا الله.. أمة حبيبك.. أمة صفيّك.. أمة نبيك .. أمة محبوبك.. أمة محمد.. أمة أحمد.. أمة الطهر الطاهر.. أمة العلم الزاهر.. أمة البشير النذير.. أمة السراج المنير.. ارحمهم يا رحيم.. ارأف بهم يا رؤوف بما بينك وبين نبيّهم.. اقضِ حاجاتهم.. استر عوراتهم.. اغفر زلاتهم.. أصلح شؤونهم.. ادفع عدوهم.. ادفع عدوهم.. ادفع عدوهم.. ردَّ كيده في نحره.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله..
يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.. أحسِن خاتمة شعبان لنا وبارك في رمضان لنا.. واجعلنا من أهل خواصه ظاهراً وباطناً والحمد لله رب العالمين.
19 شَعبان 1434