استمداد القوة من الحق لأهل دعوة الحق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على كرمِه بدعوتنا إليه، وانتخب لإيصال أسرار هذه الدعوة الإلهية لنا إليه تعالى انتخب لها الأنبياء والمرسلين، فختمَهم بسيدنا وهادينا، معلمنا ومرشدنا، ومنادينا ( ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) حقِّقنا بحقائق الإيمان، (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ* رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) لا تجعل في مجمعِنا ولا في مَن يسمعنا من يُخزى يوم القيامة، ولا مَن يتعرض للخزيِ يوم القيامة، جنِّبنا الحسرة والندامة، واجعلنا في أهل الكرامة، الداخلين إلى دار المُقامة، مع الذين أنعمتَ عليهم يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين.
وكل ما يصدُّ عن الله تبارك وتعالى، فهي دعوةُ عدوِّه وأهلِ صفوف عدوه، من أولئك الذين حقَّ عليهم القول، وحقَّت عليهم الكلمة، أنهم أصحاب النار (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) أجارنا الله من ذلك، ولذلك فإن جميعَ تلك الدعوات مهما أخذت مجالَها في الحياة، وجالت هنا أو هناك لا تزال محصورةً ومقصورةً وصغيرةً وحقيرة أمام دعوة الله، جل جلاله، على ألسن أنبيائه ورسله، فكانت القوة فيها قوة اتصالٍ بهؤلاء العباد بالإله القويّ، وكانت الغواية في تلك اتصال بالمرجوم الغويّ، فاتصلوا بالرجيم الغوي، الشيطان الرجيم، فليس لهم من حقائق القوة إلا أوهام، ولا من حقائق القدرة إلا أوهام، ولا من الغلبة والنصر إلا أوهام ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) فصلِّ على عبادك المرسلين، واجعلنا معهم مِن جندك يا أكرم الأكرمين، يا أقدر القادرين، يا قوي ومَن سواك ضعيف، يا مولانا اللطيف، يا أرحم الراحمين يا الله.
والذين انتموا إلى دعوة الله ودعوة رسوله، على حسب صفائهم ونقائهم وصدقهم وإخلاصهم، استمدوا تلكم القوة من الإله القوي جل جلاله وتعالى في علاه، مشارٌ إلى هذه القوة بقول الله تعالى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ) مشاهده حقِّيّة، ومراياه صدقية، (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ* وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)، ليس بمُتّهم، أمينٌ خالص، (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ* فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ* إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ* لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) اللهم ارزقنا الاستقامة، واجعل في هذه القلوب صدقَ طلبِ الاستقامة، على المنهج الذي يرضيك حتى نحوزَ الكرامة، في الدنيا والقيامة ودار المقامة، آمين.
قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ* نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) يا غفور يا رحيم، هذا عطاؤه لمن آمن واستقام (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، وجاءت الآية مصداق لقول النبي لمن استوصاه "قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال (قل آمنت بالله ثم استقم) آمنا بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم ارزقنا الاستقامة، اللهم أكرمنا بالاستقامة، اجعل هذه القلوب مستقيمة، اجعل عيوننا مستقيمة، وأسماعنا وآذاننا مستقيمة، وألسننا مستقيمة، وفروجنا وبطوننا وأيدينا وأرجلنا مستقيمة، يا الله، على ما تحبه وترضاه يا الله، حتى نحوز هذا الخير العظيم (أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا)، كلام مِن مَن؟ من الله يبلغه الملائكة، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا) مقابل هذا كل الذين لم يتحققوا بالإيمان والاستقامة، من يقول لهم لا تخافوا ولا تحزنوا؟ أوهامهم؟ شياطينهم؟ نفوسهم؟ أحزابهم عصاباتهم، يقول لك، ولكن كلامهم يصل إلى أي مدى، المصدر حقه ضعيف، المصدر ساقط، كيف بتكون النتيجة؟ سقوط، المصدر ساقط، حزبه وجماعه الشيطان يقول لا تخافوا لا تخافوا، أنت ممتاز أنت على حق، بعد ذلك تتقلب الأمور ويتعب في الدنيا ويتعب في الآخرة، لكن هؤلاء من الذي يقول لهم لا تخافوا ولا تحزنوا؟ الله، يبلغه إليهم ملائكته، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) ليس وعد الصدق كالأماني والظنون، إنكم صدقتم المأمون، فالآن تنظرون وتعاينون ما كنتم به مؤمنين، مما بلّغكم الأمين، تنظرون وتعاينون، (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، أما أولئك فكان يمنِّيهم أصحابهم وأغبياؤهم وأغوياؤهم إلى رأسهم إبليس فإلى ماذا ينتهون؟ (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ) بأشياء كثيرة، ثم لا يتحقق شيء فيقول لهم في القيامة إذا اشتكوا (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) ، لماذا تصدقوني!؟ أمامكم أصفياء وأولياء وصالحين أهل نور، أعرضتم عنهم صدقتمونا أنا المظلوم، فهل اليوم تلوموني؟ يا من تركتم النور ومشيتم في الظلمة، وتركتم الأنبياء ومشيتم مع الأشقياء.. اللوم علي أو عليكم؟ أنتم خبثاء ارتضيتم بدعوة الشر والفساد، هل تحتجون عليَّ أمام الله؟ (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) هذاك وعد الحق، الذي تكلم به الأنبياء والأولياء، واليوم الجنة لهم.. أنتم معي في النار هنا، ندخل وسطها وإلى الأبد، هذه الغاية هذه النهاية، هذه نهايات العالم نهايات المكلفين في الوجود، يقصّها علينا البر المعبود، سبحانه وتعالى، ويرويها لنا عنه زين الوجود صلوات ربي وسلامه عليه، فمن يُصِم آذانَه عن هذا الحق؟ ثم ينصت لأقوام الفساد والضلال من هنا أو من هناك، (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
ترون المظاهر في هذه القوة عند أرباب الفتوة، قوة سيدنا الصديق بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وقيامه ونهضته، حتى أخرجَ في بعض الأيام من وسط المدينة ستة جيوش، فرَّقهم هنا وهنا وهنا، ووصلت كتبه إلى الأقطار إلى الشام إلى اليمن إلى الأرض التي امتد عليها الإسلام، لينصروا، فتحرك الشباب، تحرك النشيطون لأجل النصرة، ومنهم مِن هذه الأراضي، ومن هذه قارة الصناهجة وغيرها من أماكن في حضرموت وفي بقية أجزاء اليمن، وصلوا إلى المدينة المنورة، فكان سيدنا أبو بكر يرسل الجيوش، في يوم واحد أخرج ستة جيوش، ويرسل ويرسل، ويرسل، حتى ظهر من امتنع عن أداء الزكاة، تحرك في قلبه محبة المال، قال هذا كان يسلمها للنبي محمد ويصلي علينا، وصلاته زكاة لنا .. ولا شيء لأبي بكر، فقاتلهم..
ما هذه القوة اللي عند أبي بكر!؟ ومن هذا الفرد اللي يواجه الشدائد هذه التي حدثت بعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فنُصر عليها، وأُيِّد فوقها.. هذه قوة الاتصال، قوة الروابط المعنوية الروحية في محمد بالرب القوي، (ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)، اتصل بالقوي جل جلاله، حتى مرت أيام في المدينة لا يُشاهَد فيها إلا من خلّفه كِبَر أو كان مريضا، أو النساء والأطفال، هم اللي ملئوا المدينة، الناس خرجوا، في تلك الأيام، وما هي إلا السنة الأولى والسنة الثانية انقشعت الغمة ولا ردَّة ولا منع زكاة، وقامت قومة الإسلام، يقول "والله لو منعوني عِقالَ بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلهم عليه، ولو لم أجد إلا الشجر والحجر لقاتلتهم به، أما أن ينقص الدين وأنا حيّ فلا" انتهت المشكلة كلها، فما توفي إلا وانتهت هذه المسألة وقامت القومة التي هيأت لسيدنا عمر أن يفتح الأمصار وامتد الفتح في الأنصار، وترتبت على ما قبلها، وكانت تلك القوة التي قامت على حقائق الصدق والبر والعدل، في خطبته التي خطبها بعد وفاة النبي يقول "ولّيت عليكم ولست بخيركم، ألا إنّ أقواكم عندي الضّعيف حتى آخذ حقه" الضعيف المظلوم هذا أقواكم عندي، "وإن أضعفكم عندي الظالم القوي حتى آخذ الحق منه، فإن رأيتموني استقمت فأعينوني، وإن رأيتموني اعوججت فقوّموني" قام أعرابي، -اليوم يتكلمون على الحرية والديمقراطية، ويتشدقون بها .. ولم يجدها الناس؟ قوانين تفرض على رقاب الناس في الشرق والغرب فأين هي؟ - يقوم الأعرابي يقول "لو رأيناك اعوججت لقومناك بالسيوف" ولم ينتقده الخليفة ولا أحد من الصحابة، وهذا البِر الذي خلّفه محمد صلى الله عليه وسلم، والعدل الذي خلّفه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهكذا، ثمرة معاني هذه القوة المعنوية، والتي كان منها ما كان من هؤلاء الخلفاء عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، حتى برز مبرز من مبارز القوة في أن يمسك المصحف بيده، والمؤامرات تُحاكُ عليه، ويؤذى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فإذا دخلوا عليه بسيوفهم ليقتلوه كان آخر ما يُسمع من قوله "اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد" هل رأيتم القوة هذه؟ هذه العظمة، ويخرج الدم فأول ما يقع على قوله (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
ومضى وجاء الخبر، وأخذ سيدنا علي يرفع صوته على الحسن والحسين، أين كنتم؟ ألم آمنكُما على حراسة عثمان؟ كيف وُصل إلى عثمان؟ أخبروه بما حصل من الدسّ والكذب والغلبة من الواقع وخرج الأمر عن سيطرتهم وعن قوتهم، قام الأمر، فكانت مظاهر القوة عند هذا الخليفة، صاحب العلم والعدل والعقل والبر والإنصاف، عليه رضوان الله تبارك وتعالى، يحاسب مولاه الذي ولّاه على بيت المال "كيف أعطيت الحسن عسلا من بيت مال المسلمين؟" قال "يا أمير المؤمنين ما وجد إدام لعشاه، وإنما أعطيته على سبيل القرض"، وسيرده إلى بيت المال، قال "فاستحللت لذلك مَن ممن يستحقه من أهل بيت المال؟ لا أراك بعد اليوم تقرض الحسن شيء" "يا حسن رد العسل مضاعفا إلى هذا البيت ولا تقترض من بيت المال شيء" هل توجد حكومات عرفتها بهذه الصورة؟ هل توجد دول عرفتها بهذه الطريقة؟ هذه القوة التي قامت في الأمة ونحن في خيرها وبركتها.
ومن مظاهر قوَّته عليه رضوان الله تبارك وتعالى، كيف هؤلاء الذين قاتلوك ما تسبي منهم ولا تأخذ لهم غنائم، قال اسكتوا إنهم مسلمون، إنهم مؤمنون.. هل رأيت القوة؟ ليست مطامع، كلما تقاتل مسلم ومسلم، وقال الذي يقتل الله أكبر والثاني يقتل يقول الله أكبر ولا أحد منهم كبّر الله، لو كبروا الله لكفَّ يده ذا أو ذا، ما كبّروا الله، كبّروا عقولهم، كبّروا آراءهم، كبّروا دنياهم، كبّروا أحزابهم، ولو كبّروا الله لا ذا قتل ولا ذا قتل، ولكنها فتن أصابت الأمة، يارب اكشف الغمة، يا ربنا اكشف الغمة، ياربنا أجلِ الظلمة.
قال لحرَّاسه في أول ما تولى الخلافة، ما لكم؟ قالوا نحرسك، قال "ممن تحرسوني من أهل الأرض أو من أهل السماء؟" قالوا يا أمير المؤمنين أهل السماء ما لنا طاقة فيهم، ولا سبيل إليهم، لكن من أهل الأرض.. قال "فاذهبوا فإنه لا يحصل من أهل الأرض شيء حتى يتخلى حرسُ السماء" أنا قدنا مُواعَد بليلة يجينا واحد يضربنا هنا، حتى يخضب من يده والله لا أحد قبله يقدر يمسنا ولا يقدِّم أجلي، ولا حد يقدر يؤخره عني، معي خبر صادق من صادق، صلى الله عليه وسلم، يقول فلما كان ليلة وفاته نظر في السماء إنها للَّيلة التي وُعدت، وكان قبلها قبل أيام يقول أين هذا الذي يضرب مني هذه فيخضبني على هذه ما أرى إلا قد أبطأ.. قوم صدق، قوم أهل محبة لقاء للحق سبحانه وتعالى، ومضى على سبيل القوة وجاء، ذلك الوقت عند وصيَّته، في أواخر لحظاته يا حسن إن أنا متُّ فاقتلوه بي لا تمثّلوا به ولا تعذبوه، ولكن اضربوه بالسيف، يرعى حق الوصية لأشقى الأمة، وعنده خبر أن هذا أشقى الآخرين من الصادق نفسه، ( إن أشقى الأولين - الأمم السابقة - عاقر ناقة النبي صالح، اسمه قدار، (تدري من أشقى الآخرين يا علي؟) قال "الله ورسوله أعلم"، وضع يده على محل الضربة صلى الله عليه وسلم، قال (أشقى الآخرين يضربك على هذه) وضع أصبعه في محل الضربة، هذا قبل الضربة بأربعين سنة، (يضربك على هذه فيخضب منك هذه) فما جاوزت الضربة محلَّ الإصبع الشريف، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ومضى عليه رضوان الله تعالى، وجاءت القوة في هذه الدعوة عند الحسن بن علي، سلّم الخلافة الظاهرة قال "خذ، احقن دماء المسلمين، واحفظ على المسلمين حرمتَهم وكرامتَهم، وخذ هذه الخلافة الظاهرة" أنا قد ورثت محمد، في أسراره وأنواره ومعارفه وعلومه، أتراني أُنازعك على هذا المظهر؟ وعلى هذه الصورة واللعاعة؟ خذها ، واحقن دماء المسلمين، فكانت القوة، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
وتوالت هذه المعاني وتوالت حتى يذكِّرنا بها، الأخ الذي جاءكم من كندا يذكركم بالحبيب أحمد مشهور عليه رحمة الله، قوة من قيدون خرج ولا من حضرموت امتلأ بقوة الإيمان واليقين والرابطة بالقوي، جئنا إلى إسبانيا وإلى غرناطة وذكرُ أحمد مشهور الحداد هناك، في قلوب تأثرت بنوره وبسببه تعلقت بالله تبارك وتعالى
ما هذا الرجل؟ كان صاحب لسان كان صاحب خطابات كان صاحب دعايات!! ما عنده شيء من هذا، معه صدق مع الرحمن، لكن من وسط القرية هذه اكتسى بحلّة النور، أيام صباه في طفولته، وهو صغير، يرِد إلى القرية أحمد بن حسن العطاس الإمام العظيم، ويأتي وقت الفجر وهو مستيقظ آخر الليل مع جدته، تقول يا ولدي اليوم الحبيب أحمد بن حسن سيصلي بالناس في المسجد الفلاني في البلاد، أريد لك بركة من الصلاة لا تقعد عندي اليوم اخرج، واذهب إلى المسجد وصل خلف الحبيب أحمد بن حسن، وصلى خلفه صلاة الفجر، كان سمعه يقرأ سورة (وَالْفَجْرِ) في صلاة الفجر، وأشرق به نور فجر في قلبه، كان يردد هذا الصوت إلى آخر عمره عليه رحمة الله، ويقول سمعت الحبيب أحمد يقرأ بهذه النغمة فيقول كذا وكذا، يقلد نغمته نغمة الحبيب وهو يقرأ، من أيام الطفولة هذا سراية القوة، كم ورد إلى أفريقيا قبله وبعده من أهل ألسن متكلمين من جهات عديدة، ما حصل الأثر، ولا حصل الخبر، ولا حصل الإسلام الذي حصل على يده عليه رضوان الله تبارك وتعالى..
وكان يقول لي ما أنا صاحب شيء، وإن كان شيء وهبنا الله فمن الدعوة إلى الله، شان الدعوة إلى الله، حتى في أول خروجنا إلى حضرموت، يقول يا ليتني شاب أقوم بالدعوة إلى الله، أدركوها، كانت قوتهم بالاتصال بالقوي، لا اعتمد على دعايات ولا على وسائل إعلام ولا على فريق عمل معه يتحرك ولا على شي من هذه الأمور، كان مخلصا صادقا، مع الحق، قال لي: مكثت سنين لا أذهب إلى المدينة حتى أرى الحبيب صلى الله عليه وسلم يأذن لي بالدخول، فإذا دخلت المدينة لا أنصرف حتى أراه يأذن لي بالانصراف" ومكث السنوات على ذلك، فرأيته مرة يقول "وأنت يا ولدي أحمد، مدينتُنا مأذون لك في دخولها متى شئت وخروج منها متى شئت فلا تنتظر مني إشارة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا سر القوة التي عندهم، من هنا استمدوها، في خضوعهم، في أدبهم، في تواضعهم، في خشوعهم، في إنابتهم إلى الحق جل جلاله، وهو المسار الذي عليه الأخيار بعد الأخيار على ممرِّ الأعصار، ولهم الألوية تنشر في جميع الأقطار، من لواء المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
خير داعي دعانا للطريق السويّة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
هو النور المبين به اهتدينا ** هو الداعي إلى أقوم سبيل
دعانا إلى حقٍ بحقٍ منزّل ** عليه من الرحمن أفضل دعوة
أجبنا قبلنا مذعنين لأمره ** سمعنا أطعنا عن هدى وبصيرة
فيارب ثبتنا على الحق والهدى ** ويارب اقبضنا على خير ملّة
فخذوا هذه القوة، أمامكم الآن معروضات كثيرة، هذا يقول لكم تقووا بنا، وهذا يقول لكم تقووا بحزبنا، هذا يقول لكم تقووا بدعمنا، وهؤلاء يقولوا لكم تقووا بسياستنا، وهؤلاء يقولوا لكم تقووا بمستقبلنا، وهذه دعوة من الرحمن يقول تقووا بي وحدي، فاستجيبوا لما يحييكم
وإن شاء الله نستجيب لداعي الله، بدعوة رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم
(رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)، فالله يقوينا وإياكم على القيام بأمره كما يحب، ويحيي قلوبنا
بحرمة هادينا ومحيي قلوبنا ** ومرشدنا نهج الطريق القويمةِ
دعانا إلى حقٍ بحق منزل ** عليه من الرحمن أفضل دعوةِ
أجبنا قبلنا مذعنين لأمره ** سمعنا أطعنا عن هدى وبصيرةِ
فيارب ثبتنا على الحق والهدى **ويا رب اقبضنا على خير ملةِ
وعُمًّ أصولاً والفروع برحمةٍ ** وأهلاً وأصحاباً وكل قرابة
وسائر أهل الدين من كل مسلم ** أقام لك التوحيد من غير ريبة
وصل وسلم دائم الدهر سرمدا ** على خير مبعوث إلى خير أمة
محمد المخصوص منك بفضلك** العظيم وإنزال الكتاب وحكمة
وعلى آله وصحبه وآبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
19 جمادى الأول 1435