(390)
(535)
(339)
(610)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك ليلة الجمعة 7 جمادى الثانية 1447هـ في دار المصطفى، بعنوان:
إدراك الحقيقة في عظمة الخالق ورسله والمآل والمصير وواجب مؤمني الإنس والجن في القيام بذلك
الحمد لله الذي تعالت مِننه عن الإحصاء والتِّعداد، ولم ينقطع عن شيء من كائناته الإفضال والإمداد، هو الحق القيوم، الملك الذي ليس لملكه من نفاد، وإليه مرجع الجميع في يوم الحشر والمعاد، ثم استقرار المكلفين في إحدى الدائرين، والسيد للكونين شفيع الثقلين، جد الحسن والحسين، محبوب ملك المملكة الأعظم وصفيه الأكرم، صلوات ربي وسلامه عليه.
فيَا معشر الإنس والجن من المكلفين على ظهر الأرض: مَن قد مضى مِن الإنس والجن أضعاف وأضعاف وأضعاف آلاف أضعافكم، وأنتم ومن سيبقى من الإنس والجن أو سيظهر إلى وقت النفخ في الصُّور.. جزء صغير من الذي مضى من الخلق الكثير؛ ليقترب الوعد الحق، وليُجمَع الأولون والآخرون، وليحكم الحاكم، ولا معقب لحكمه، ولتنتهي الظلمات والأوهام والخيالات، وهي التي عليها تقوم هيئات ومؤسسات ودول على ظهر الأرض.. على ظنون وأوهام وخيالات وصور لا حقائق لها! (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ..) أي الزُّرَّاع (..نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ..) والخبر خبر الآخرة (..وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ)[الحديد:20]. هذا الذي في الآخرة: عذابٌ شديد ومغفرة من الله ورضوان.. ما شيء غير هذا، عذابٌ شديد ومحله النيران ودركاتها التي في أسفلها المنافقون وكبار المجرمين على ظهر الأرض (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)[النساء:145].
ومحل المغفرة والرضوان: دار الجنان، جعلنا الله من أهلها، وأهلينا كلهم، وأولادنا كلهم، وقراباتنا كلهم، وجيراننا كلهم، وطلابنا كلهم، وأصحابنا كلهم، في الجنة يا رب اجمعنا، اجعل مآلنا الجنة، اجعل غايتنا ومصيرنا إلى الجنة حيث المغفرة والرضوان، يا كريمُ يا منَّان، يا رحيم يا رحمن.
لا يقطعنا عنها ظَنٌّ ولا خيال، ولا اغترار بمال ولا بعيال (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)[التوبة:55]، -والعياذ بالله تعالى-، (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الزمر:15].
يا ربِّ صلِّ عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار في دربه، واجعلنا ممن سار في دربه، يا الله.. يا الله.. يا الله.
(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) وأين معاني السباق هذا؟! أُسرنا تَركَت السِّباق إلى المغفرة وإلى القرب من الخلَّاق! بل رَضِيَت أن تفتَح في ميادين ديارها دعوات الأشرار ودعوات الفجار! وإدخال أفكارهم وتأثيراتهم المقيتة الهابطة على رجالنا ونسائنا! عبر جوالات وأجهزة نخَرَت وسط الديار! فقدوا: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)!
وتحوَّل السِّباق إلى متابعة مَن لا خَلَاق له ولا أخلاق عنده ولا يحبه الخلَّاق!
ما هذا الانحطاط! ما هذا الانحدار! ما هذا السقوط!
(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ..) أفراداً وأسراً ومؤسسات ومجتمعات: (سَابِقُوا) هذه مهمتكم، إذا صدقتم الحقيقة عن الخالق (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ..) وجُهِّزَت وأُقيمَت وبُنيَت (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ..)[الحديد:21].
(لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) والآية تَنسِف كُلَّ ما يُعَدُّ قدوة وتبعية غير المرسلين من ذهن كل مؤمن بالله، (لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) بس.. هم أهل هذا المآب، هم أهل هذا المصير. فأي شيء مقدار غير الرسل؟ أي شيء مقدار غير النبيين ممن يخالف النبيين؟
وإذا بُعِثُوا في النفخة الثانية بعد غَيْبَتِهم ومَرْقَدِهم بين النفختين (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا..) سيقول هذا الكلام مَن في عصركم ومَن قبل عصركم أو يأتي من الكفار كلهم.. رئيسهم ومرؤوسهم، صغيرهم وكبيرهم، سيقولون هذا القول: (مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا)؟ وستُجيبهم الملائكة: (..هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)[يس:51-52].
ومعنى (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ): كذَبَت هيئاتكم ومؤسساتكم وزعماؤكم الذين خالفوا المرسلين، كذَبوا وراح خبرهم وأفكارهم بلا شيء، والخبر عند الرُّسل وما جاؤوا به (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
وهذه القيامة التي تَجمَعُ الأولين والآخرين بقدرة قادر يستوي عنده خَلقُ الفرد وخَلقُ المليار.. كله سواء، كله سواء!. وخلق الأرض وخلق السماء..كله سواء، وخلق الإنسان والحيوان والنبات في قدرته سواء، لا يُعجزه شيء. والموقف الذي سيأتي ما هو إلا كما قال: (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)[يس:53]. يقولون في غفلاتهم وظنونهم وأوهامهم في الدنيا: (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ..) سنرجع؟ وسنجتمع كما يقول الأنبياء هؤلاء وأتباعهم؟ (..أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ..) إن كان صدقا ورجعنا (كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)، قال الله: (..فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ)[النازعات:10-14].
ماذا يُعجزنا؟ ماذا يفوت علينا؟ ماذا يخرج عن قدرتنا؟ (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ)[لقمان:28]، يعني في قدرته الله استوى الواحد ومليارات المليارات..سواء عند الجبار الأعلى، عند القادر العظيم -جل جلاله وتعالى في علاه- (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[لقمان:28]، جل جلاله وتعالى في علاه.
صلِّ يا رب على هذا المصطفى..
فأين ذهبت قيادته من قلوبكم وحَلَّت قيادة مَن؟ أين ذهبت قيادة محمد من قلوب زوجاتكم وبناتكم وحَلَّت قيادة مَن؟! أين ذهبت قيادته من مجتمعاتكم وحَلَّت قيادة مَن؟! اتقوا الله! لا مخلوق فوق رسول الله! لا كائن أعظم من محمد بن عبد الله!. لا يجوز أن تتخلَّف قيادته عن مؤسساتنا، ولا عن تجاراتنا، ولا عن زراعاتنا، ولا عن أفكارنا، ولا عن أقوالنا، ولا عن أفعالنا! (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)[النور:54]، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)[آل عمران:31].
هذا محل القيادة الكبرى المنتخبة من قِبَل عالم الأمور سراً وجهراً، رب الدنيا والأخرى، رب الأرض والسماء انتخب لنا هذه القيادة، نستبدلها بمن؟! (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65].
يا معشر الإنس والجن المؤمنين: اتقوا الله فيما لُعِب به عليكم وخُدعتم به، من أطروحات طُرِحَت، أخرجت من قلوبكم عظمة العظيم، وحلَّت فيها عظمة رجيم ولئيم وساقط هابط لا يُغني عنكم من الله شيئاً، ولا يملك لكم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. لو تحرَّك فيه عِرق سقط في محله ولم يعرف يقوم، تحت قدرة الحي القيوم! (مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا)[هود:65]. ارجعوا قيادة زين الوجود إلى أحوالكم وشؤونكم، فنِعمَ القائد هو، ونِعمَ القدوة هو، ونِعمَ الهادي هو (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ..) لا غِشَّ فيه ولا غِلَّ ولا وهم ولا خيال ولا ضلال (..صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)[الشورى:52-53].
أحيوا سننه، وتشرفوا بها، وتزينوا، واعتزوا، وافتخروا.. في ألبستكم، في أغذيتكم، في معاملاتكم، في صلواتكم، في عباداتكم، في عاداتكم، في مزارعكم، في مصانعكم، في مناسباتكم، مناسبة ولادة، أو مناسبة قدوم غائب مسافر، أو مناسبة بناء بيت، أو مناسبة زواج، أحيوا قيادة محمد، أحيوا سنن محمد في مناسباتكم، إن كنتم مؤمنين!.
حكِّموه! حكِّموه حتى يكون له الأمر! ما هو لامرأة غافلة ألهاها مسلسل، أو مجالِسات ساقطات!، أو شاب تأثر بشبان لا صلة لهم بالله وهواهم يمشي وسط المناسبات مخالفة للشرع، مخالفة للسنة، مخالفة للأمر، وإدخال سنن يهود، وإدخال سنن ملحدين، وسط الديار!
يليق هذا بأهل الإيمان؟ يليق هذا بمن صدَّق الرحمن؟ يليق هذا بمن آمن أنَّ محمداً خاتم النبوة وسيد أهل الفتوة؟! يا ربِّ صلِّ عليه.
"إنَّ الله حرَّم الجنة على الأنبياء حتى أدخلها أنا، وحرمها على الأمم حتى تدخلها أمتي"، فيَا فوزَ الصادقين من أمته -والله بجعلنا منهم-، ويا فوز أهل الاتباع من أمته -والله يجعلنا منهم-، ويا فوز أهل الاقتداء من أمته، والله يجعلنا منهم.
وخيارهم من فقراء المؤمنين معه في أول لحظة يصل فيها إلى باب الجنة، قال: "أنا أول من يأتي باب الجنة فأُحَرِّكُ حِلَقها ومعي فقراء المؤمنين، ولا فخر".
يا رب صلِّ عليه..
الباب مفتوح، ولكن أدَب زين الوجود! يحَرِّك الحِلَق حقَّ الباب.. ويقول له سيدنا رضوان: من بالباب؟ محمد. مرحباً بك، بك أُمرت، أمرني ربي أن لا أدع أحداً يدخلها قبلك. يا ربِّ صلِّ عليه. فتبتهج الجنان عند إشراف طلعته الغرَّاء، ويزيد نورها، وتخضرُّ فوق الاخضرار أشجارها، وتتأثر أبنيتها وأنهارُها فرحاً وطرباً بقدوم حبيب الرب.
يا رب صلِّ عليه، يا رب أحيِ فينا سُنَّته، يا رب أحيِ فينا أخلاقه، يا رب اجعله قائدنا وإمامنا.
ولو حضر مَن حضَر من الأنبياء.. ما كان لهم باب إلى الله ولا وسعهم إلا اتباع هذا الحبيب، وإذا اجتمعوا في القيامة كان هو خطيبهم، وكان هو إمامهم، ولا يشفع منهم أحدا حتى يفتح باب الشفاعة، ولا يدخل أحد منهم الجنة حتى يفتح باب الجنة، ولا يدخل أحد من كبار مُقَرَّبي وصِدِّيقي أممهم حتى يدخل من لا حساب عليه من هذه الأمة، ولو كانوا من عوام المؤمنين، قبل أن يدخل الصديقون من الأمم السابقة، قبل أن يدخل المقربون من الأمم السابقة. من أجل عين تُكرَم ألف عين، من أجل أنَّ نبيهم محمد حبيب الواحد الأحد، حتى يدخل آخر واحد ممن لا عذاب عليه من أمة محمد.. يُؤذن للأُمَم بعد ذلك: تعالوا يا أنبياء، تعالوا يا صديقين والمقربين والعارفين والشهداء.. تعالوا، لكن بعد دخول هؤلاء؛ من أجل مكانة محمد عند رب الأرض والسماء، عند رب الجنة والنار.
يا ربِّ صلِّ عليه..
كما سمعتم في أهل الضلال يقولون يعلمونهم الثقة بالنفس! النفس ذي التي تأمر بالسوء، النفس هذه التي تغرك، النفس هذه التي تدعوك للنار! أتثق فيها؟ ويلك لك إن وثقت بها! ثق بالله، زَكِّ نفسك، نوِّر نفسك، طهّر نفسك، وثِقْ بالله -جل جلاله-. و: من اعتمد على نفسه فقد سعى إلى هدم أُسِّه.!
لا اعتماد إلا على الله، ولا توكُّل إلا على الله. ولكنهم هكذا يلعبون بالخلق ليقطعونهم عن الخالق -جل جلاله-!
ثم ما سمعتم في هذه الألعاب الرياضية من كرة القدم وغيرها، وأنَّ فيها صورة الاجتماع وصورة المُحاسَنَة والمجاملة وصورة الأخوة، لكن كل واحد يبحث عن نفسه فقط!. هذه بنفسها صور الدول المقطعة عن الله، هي بنفسها، هذه بنفسها صور المؤسسات المقطعة عن الله في ظهر الأرض كائنة ما كانت.. هي بنفسها! كذب وغش وغدر وخيانة!
ولسان الصادقين من الأمة في كل زمان نادى في الزمان الأول: الله ابتعثنا، الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
ونِعمَ الإله الذي ابتعثنا، وصلَّى الله على رسوله الذي أحسَن تعليمنا وأحسَن إرشادنا. نفسي الفداء لعينه التي بكت من أجلنا كثيراً، نفسي الفداء للسانه الذي سألت الله لنا كثيراً، نفسي الفداء لقلبه الذي رحمنا رحمة لم يرحمها لنا آباؤنا ولا أمهاتنا ولا رحمنا بها أنفسنا بأنفسنا (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[الأحزاب:6]، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[التوبة:128].
يا ربِّ صلِّ عليه، واجزه عنا خير الجزاء.
ربنا لا تحرم هذه العيون رؤية وجهه الشريف، يا الله.. في البرازخ وفي القيامة، على الحوض المورود، وتحت لواء الحمد، وفي ظل العرش، وعند المرور على الصراط، وفي الجنات يا رب، وفي الجنات يا رب، في زمرته احشرنا، وبعين عنايته انظر إلينا، واقبلنا بجاهه عندك يا ربنا. وانظر إلى أهل المجلس والمستمعين والسامعين والمشاهدين حيثما كانوا نظرة تربطهم بها بحبيبك ربطًا لا يَنحَلُّ أبداً، وتَصِلهُم به صلة لا تنقطع أبداً. يا الله: نجني خيراتها وثمراتها وحلاواتها سرمدا.. آمين آمين آمين.
وانظر إلى المؤمنين..
نظرة تزيل العنا عنَّا ** وتُدنِي المنى مِنَّا ** وكل الهنا نُعطَاه في كل حين
اللهم إن في الأرض من إبليس وجنده من يريدون نشر الفساد والضر والشغب والتعب والأذى..رُدَّ كيدهم في نحورهم يا رب، وخالف بين وجهاتهم وكلماتهم يا رب، واجمع قلوب المسلمين على الوجهة إليك والصدق معك. يا الله: مَن باعوا أنفسهم لغيرك أنقذهم قبل الوفاة، واجعل اللهم بيعتهم لك، فإنك اشتريت من المؤمنين أنفسهم وأموالهم. فيا فوز مَن وفَّى، ويا خيبة من غدر! ومن خان الإله الأكبر! وباع نفسه لغير الله تعالى! يلعبون بها كما شاؤوا ويسخرونها كما أرادوا للضر والإفساد -والعياذ بالله تعالى-!
"كل الناس يغدو فبائع نفسه فمُعتقها أو موبقها"، والموبقون هم الأكثر!
أعتق رقابنا يا الله، أعتق نفوسنا من النار ومن العار، ومن البيع لغيرك يا ربنا، وارزقنا البيع معك، كما قال رعيلنا الأول من صحب نبيك لمَّا قرأوا الآيات: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:111]. صاحوا وقالوا: رَبِحَ البيع، لا نَقِيلُ ولا نَستَقِيل، لا نقيل ولا نستقيل. ووفوا، عليهم رحمة الله.
فيا ربِّ احشرنا في زمرتهم، وارزقنا الوفاء كما وفّوا، وأصلح اللهم سرنا وعلانيتنا، وأعذنا من كل سوءٍ أحااط به علمك، يا عالم ظواهرنا وخفياتنا، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين *** يا أرحم الراحمين فرج على المسلمين
06 جمادى الآخر 1447