(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى ليلة الجمعة 17 شوال 1445هـ، بعنوان:
أقوى علامات الصدق في الإيمان ولاء الرحمن ومحبوبيه وتعظيم شعائره ومتابعة صفوته الأمين
الحمد لله رب العالمين، مَن بفِضْله جَمَعكم ليُضاعف لكم فضله، وبطَولِه أحضَركم ليُضاعف لكم طَوْله، وبجُوده أوفدكم ليُضاعف لكم جوده، إنه الله، إنه الله، إنه الله.
تعرَّف إليكم بمحمد بن عبدالله ﷺ، وبما أوحاه إليهِ وبعثه به إليكم، وخَتم به النبوّة والرسالة، وجعلَكم به خير أمة، فلله الحمد شكرا، وله المنّ فضلًا وطولا. لا إله إلا هو، منه المبتدأ وإليه المصير، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
خصَّصنا بهذا البشير النذير، والسراج المنير.. صلوات ربي وسلامه عليه، صاحب القدر الكبير لدى الإله الكبير، فلا يدري قدره عند مولاه الكبير إلا مولاه الكبير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله. وهو الشافع الأعظم في يوم الرجوع والمصير، وفي يوم الهول الكبير، وهو صاحب مقام "أنا لها"، فاسمع لها، وعِهَا عن الصادق المصدوق، أكرم مخلوق على الإله الخالق -سبحانه وتعالى-
صلى الله على سيدنا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، و جعلنا وإياكم منهم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين.
أولئك الأقوام هم مرادي ** ومطلبي من جملة العبادِ
وحبهم قد حل في فؤادي ** أهل المعارف والصفا والآداب
لم يُرِد ربي غيرهم، فعيبٌ عليّ أن أريد غيرهم، لم يرتضِ ربي سواهم، فحرامٌ عليّ أن أرتضي سواهم. جعل ولاءهم من ولائه، وجعل ولاءهم قربة إليه، وجعل ولاءهم علامة الإيمان به، وجعل ولاءهم ثمن الدخول إلى دائرة قُربه وحِزبه، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55-56].
أي: مَن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا يكن من حزب الله {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، فتكونُ من حزبه إذا واليت أهل قربه، إذا واليت أهل حُبه، ولاؤك لله ولرسوله وللذين آمنوا فَيْصَل؛ فَيْصَل بين الصدق والكذب، بين الإيمان والنفاق. والكاذبون والمنافقون تميل قلوبهم إلى الفجار، إلى الأشرار، إلى البعيدين عن الله -تبارك وتعالى- وقد قال صاحب الرسالة ﷺ: "لا تقولوا للمنافق سيدنا" لا تقولوا يا سيدنا، لا تقولوا يا سيدي للمنافق، "فإنه إن يكُ سيدكم فقد أسخطتم ربكم"، غَضِب عليكم جبار السماوات والأرض، سيدكم منافق؟ المُقَدّم بينكم منافق؟َ -والعياذ بالله تبارك وتعالى- أو أحد من هؤلاء الغافلين!
لكن: "إنَّ من إجلال الله توقير ذا الشيبة المسلم"، مَن شاب شيبة في الإسلام توقيره من إجلال الله، وهذا إذا قلتَ له سيدنا سَخَط عليك الجبَّار! فأقِم شان الولاء، واصدُق مع المولى -جل جلاله- ولا تُوَالِي إلا أولياءه، ولا تُحِب إلا محبوبيه، ولا ترتضي إلا مَن اِرْتَضَاهم.. إن كنت عبده حقًا، إن عرفتَ عبوديتك لهذا الإله!
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..} وفي القراءة الأخرى: {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].
كُلُّ ما يُفعل في معصية الله ورسوله ﷺ -بأي صورة وتحت أي مسمى- ضلالٌ مبين، حقيقة من حقائق القرآن، حقيقة من حقائق البيان. إن سمّوه هيئة، وإن سمّوه جماعة، وإن سمّوه تقدُّم، وإن سمُّوه تطوّر.. وإن سموه ما يسمونه؛ ما كان مُتضمّنًا معصية الله ورسوله ﷺ فهو الضلال المبين، وهو الجهل، وهو الخِزي المُوجِب لظهور الخِزي في يوم يُخزَى كل مَن كفر، ويُخزَى كل مَن استكبر، ويُخزى كل مَن اغترّ، ويُخزَى كل مَن انقطع عن خير البشر {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم:8].
بذلك نعلمُ أنّ: محبتنا للمؤمنين عامّة من محبة الله، ومحبّتهم خاصّة من أخصّ محبة الله -تبارك وتعالى- ومن جليل محبة الله: أنَّ ولاءنا للمؤمنين عامة من ولاء الله؛ فكيف بولاء خاصة المؤمنين؟ أنَّ توقير المؤمنين عامّة من علامة الصدق مع الله -جل جلاله- و: "بحسب امرئٍ من الشر أن يَحقِرَ أخاه المسلم" فكيف بتوقير خاصة المؤمنين؟
حقيقة أنبأ الحق تعالى عنها بأن رَبَطَ الإيمان به بالإيمان بملائكته وكتبه ورسله.
وهكذا جعل الصِّدق في محبته له علامة واحدة: اتِّباع حبيبه {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31]. لا أحد منكم يكابر ولا يزايد ويقول: أنا عرفت الله، وأنا عرفت أحكام الله، وبيروح مع الله! معك مدخل من ذا الباب أو لا؟ ومن أين تعرف الله عليك؟ ومن أين عرفت الله؟ إن معك محبة لهذا الإله؛ فمُصطَفَاه ﷺ أمامك؛ اخضع له وانْقَد واتبعه {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ..} فمقدار إيماننا تحكيم هذا الحبيب ﷺ: في عينيّ، في أذنيّ، في لساني، في فرجي، في يدي، في قدميّ، في أعضائي، في قلبي، في أسرتي، في أقوالي، في أفعالي؛ تحكيم هذا المصطفى ﷺ مقدار إيماني بالله عالم السر والخفاء {لَا يُؤْمِنُونَ} حلف بربوبيته رب العرش العظيم! {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ..}، ومُجرّد التحكيم غير كاف لتحقيق الإيمان {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ..} يُحِبّون ما حَكَمْت به.
قال له سيدنا سعد: "خذ من أموالنا ما تشاء ودع ما تشاء، والذي تأخذ أحب لنا من الذي تدع"، "واصِل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وحارِب من شئت، وسالِم من شئت، ونحن حربٌ لمن حاربت، وسِلْم لمن سالمت". هذا وعي الإيمان، هذا لسان الصدق مع الرحمن، هذا منطق الإدراك لعظمة ملك الأملاك ومكانة حبيبه المصطفى لديه ﷺ.
بذلك كله نعلم ما غشَّنا به إبليس؛ من الضحك علينا، وإدخال تمجيد الفانيات للقلوب، وتمجيد الحقيرات للقلوب، تمجيد وتعظيم البعيدين عن الجبار -جَلَّ جلاله- المقطوعين عن الإله -سبحانه وتعالى- فكان غش غُشَّ به كثير من أهل الإسلام. "ولو أن عابدًا عبد الله سبعين سنة بين الركن والمقام -عند الكعبة المشرفة- ثم مات لم يحشره الله إلا مع مَن يُحِب"
أين محبة قلبه يروح معهم.. ولو عبد الله كم من سنة عند الكعبة وفي قلبه محبة يهودي روح معه، صهيوني روح معه، نصراني روح معه، ملحد روح معه، وذي العبادة أين راحت؟ هذه ستضحك بها على مَن هذه العبادة؟ تقف أمام رب البيت توالي أعداء رب البيت؟!
وبذا قال قائلهم: رُبَّ طائف بالبيت ورجل بخراسان أقرب إلى البيت ورب البيت من هذا الطائف. وهو هناك في خراسان؛ لأنه قلبه مع رب البيت، ولأنه مُتأدّب مع رب البيت، ولأنه مُرضي لرب البيت -جل جلاله- وهذا الطائف غافل يطوف في غفلته، وربما يطوف وهو يفكّر في دنياه، وربما يطوف يتشوّف في قصور الدنيا! وبيت الله جنبه! وهو يتشوف هناك! هذا طائف بمن ذا؟ يلعب ولا يضحك على؟! وما يُقصَد البيت إلا لربّ البيت، ما أحد يجي لعند البيت لأجل البيت، حتى صاحبك أنت تروح لبيته لأجل البيت أو لأجل صاحب البيت؟ ما بتروح لعنده وإذا جيت بتشوّف البيت وترجع؟ ما يُقصَد البيت إلا لأجل ربّه! وبذلك كان هذا البيت شعيرة من شعائر الرحمن: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران:96-97].
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة:97].
يعني يقول لنا الله: شعائري أقمتها بينكم للصلة بي، للتحقق بحقائق الإيمان بي، ولو كانت هناك وسيلة يُوصَل بها إلى الله من دون الشعائر لامتحت الشعائر ولما كان لها فائدة؛ لكن الله خالقنا قال: الطريق إليّ من هذه الأبواب، الطريق إليّ من هذه الشعائر.
{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. قال: تقواي منوطة بتعظيم شعائري، أي: معالم ديني.
ولا شعيرة أعظم من عبده محمد ﷺ، الذي كتب اسمه على قوائم العرش، وما خلق مَلَك ولا نبي إلا بعد أن مجَّدَ هذا المصطفى، وبعد أن خلق نور هذا المصطفى ﷺ، ثم أخذ المواثيق على أنبيائه أن يؤمنوا به و ينصرونه.. صلوات ربي وسلامه عليه، وأخذوا المواثيق على أممهم.
وهكذا كان الشأن في حقائق هذا الإيمان! فهل يجيء يتفلسف علينا متفلسف ويقول: إن إبليس كان موحِّد ما رضي يسجد لآدم! والملائكة؟ في إيمانهم شك عندك؟ أو عندهم شرك لأنهم سجدوا لآدم؟ لا والله، أنت وإبليس روح شل توحيدك، وخلّنا مع الملائكة وإيمانهم، وخلّنا مع الملائكة وطاعتهم، ولن نؤمن حتى نُعَظِّم ما عظَّم الله ومَن عظّم الله، {مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ *وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ} [الحجر: 32-35]. هل تظاهر بالإباء عن السجود لله؟ هل تظاهر بتحقير الحق؟ -تعالى في علاه-؟ أبى السجود لآدم وحقَّر آدم؛ فغَضِبَ عليه رب آدم؛ لأن ربّ آدم أمر الملأ الأعلى أن يعظّموا آدم، ونصبه في شأن من الشؤون شيخًا لهم.
{قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}، قال للملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32]. قال: تعال أنت الذي نحن كوّنا الآن جسدك قريب كُنْ شَيْخًا على أولئك الذين عبدوني من مئات السنين.. تعال لهم {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33]. تمشيخ عليهم، لِمَ؟ لأن الأمر له، لا لمِلَك ولا لإنسي ولا لجني، الأمر له.
ومَن الأمر له -جل جلاله- بيَّن لنا: طُرق الوصول إليه، طُرق الإقبال عليه، طُرق الإيمان به، ما الذي يرضى مِنَّا به، ما الذي يغضب علينا به. ومَن سيغيّر به يقدّم ويؤخر؟ كيف يعني؟ مَن غيره يبدّل ويغيّر؟ ما لأحد مُلْك معه، وما لأحد حق معه -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
فالله يرزقنا حقائق الإيمان، والله يرزقنا حقائق اليقين.
وعند ظهور الحقائق واشتداد الأحوال على الخلائق، في يوم الهول الأكبر؛ يكون اللجأ إلى حضرات الأنبياء. فبالله عليكم، هل يُنادى في ذاك الموقف ويُقصَد: متفلسف وإلّا متطور وإلا قائد جيش أو رئيس دولة أو مليونير أو ملياردير؟ حد يُقصد منهم؟
لم؟ لأنَّ الحقيقة قد وضحت، لا قيمة لهذه الأشياء ولا مكانة، حتى عند الكفار والفجار اتضحت الحقيقة، حد منهم يقصد بعضهم البعض؟ : تعال يا رئيس الحزب الفلاني نحن الآن في شدة! انتهوا.
آدم: اذهبوا إلى نوح، اذهبوا إلى إبراهيم، هل رأيت مَن؟ من في الموقف؟ مَن الكريم؟ مَن العظيم؟ اذهبوا إلى موسى، اذهبوا إلى عيسى، اذهبوا إلى محمد، ومحمد ﷺ يقول "أنا لها" {عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
هذه الحقيقة، ما بيكمل إيمانك بها إلا في ذاك اليوم؟ ويل لك إن لم يكمل ذاك اليوم! حتى الملاحدة الكبار كلهم يؤمنون بهذه الحقيقة!
من الآن صَدِّق وأيقِن بهذه الحقيقة، وارتبط بخير الخليقة ﷺ، وارتبط بكتابه، وارتبط بسُنّته، وارتبِط بأهل بيته، وارتبِط بأصحابه، وارتبط بوَرَثته وخلفائه على وجه الخصوص، وارتبِط بأمُّته على وجه العموم! وإلا لا ارتباط ولا انضباط، ولا وصول ولا رضا من البر الوصول -جل جلاله وتعالى في علاه-
حقائق تحدَّث عنها الوحي الكريم، وذُكِرت على ألسن الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم، ونطق بها لسان كل حَبْرٍ عليم.
فيَا رَبِّ ثبِّتنا على الحق والهدى ** وياربِّ اقبضنا على خير مِلَّةِ
وبارك في جمعنا، وانظر إليه نظرة تجمعنا بها يوم القيامة في زمرة المظلل بالغمامة، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، وأظِلّنا بظل لوائه، وأوردنا على حوضه المورود.
يا بر يا ودود، يا ذا الكرم والجود، يا عالم الغيب والشهود، يا من ليس لنا إلا هو معبود، وليس لنا إلا هو مقصود، يا من هو واجب الوجود، ولا وجود لغيره إلا بإيجاده، يا من هو المشهود لأهل محبته ووِداده.
يا الله: بارك في أحبابنا وما قاموا به من هذه الأعمال والذكرى للحبيب عليّ المشهور، التي هي ذكرى للسُّنَّة، وذكرى للشريعة، وذكرى للطريقة، وذكرى للاتصال، وذكرى للإقبال، وذكرى للاقتداء والاهتداء، وذكرى لجميع أهل الهداية، ولجميع أهل العناية والرعاية؛ لأنهم صف واحد، لأنهم حزب واحد، لأنهم أُمَّة واحدة، لأنهم محل نظر الواحد -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-
قالوا اليهود لسيدنا المصطفى: من يجيء لك بالوحي من الملائكة؟، قال: "جبريل"، قالوا: هذا جبريل عدو لنا هذا، قد نزل بالعذاب على قومنا وجماعتنا، لو كان غير جبريل يجيء لك بالوحي ممكن نتبعك. وهي لعبة هي؟ أنزل الله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 97].
{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ..} هم إلا قالوا جبريل بس! قال الله قل لهم {مَنْ كَانَ عَدُوًّا} إلا انتوا عاديتونا وعاديتوا الملائكة كلهم؛ بعدائكم لواحد! اسمه "جبريل" {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98]. -والعياذ بالله تبارك وتعالى-
آمنَّا بك، وبملائكتك، وبرسلك وأنبيائك، وبكتبك، وبجبريل وميكائيل، وأحببنا كل من أحببت، فارزقنا الصدق في ذلك، نحب بحبك الناس، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك، هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد، وعليك التكلان.
اللهم انظر إلى أمة الحبيب ﷺ، تشفيهم بها من العلل والأمراض، وتكفيهم بها شر الزَّيْغ والضلال والإعراض، وتُحوّل بها أحوالهم إلى أحسن الأحوال. إلهنا: مَن يمسي الليلة وأنت عنه راض فاجعل أهل جمعنا ومن يسمعنا منهم، ولا تُخَلِّف أحدًا منا، نُمسي وأنت عنَا راض، ونُصبح وأنت عنَّا راض، ونحيا وأنت عنَّا راضِ، ونموت ويموت كل فردٍ منا وأنت عنه راض..
يا الله.. يا الله.. يا الله.
ولا تدع بقعة من بقاع الأرض إلا أشرقت فيها النور، وإلا بثثت فيها نور عبدك الهادي إليك في البطون والظهور، اللهم واجعلنا أسبابًا لنشر الهدى، وادفع عنَّا جميع الزيغ والرَّدَى.
إلهنا، والذين تمادوا في الطغيان والفسوق والفجور والظلم والعدوان اقطعهم واردعهم وامنعهم بما شئت وكيف شئت، يا قوي يا متين، ياقوي يا متين، يا قوي يا متين، اكفِ شر الظالمين، إليك استندنا وعليكَ اعتمدنا، وبك تحصَّنا وبك آمنا، فانظر إلينا، واعفُ عنا وسامحنا، وتولنا بما أنت أهله.
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:147].
نظرة لأهل السودان، نظرة لأهل السودان، نظرة لأهل السودان يا رحمن، ترفع بها البلايا والآفات والعاهات، والاعتداءات والتعدّيات للأموال والأنفس والأعراض، يا رب حوِّل الحال إلى حالٍ جميل، وهيئ لنا ولهم وللمسلمين في المشرق والمغرب سبيل رُشْدٍ، يُعَزُّ فيه وليُّك، ويُذَلُّ فيه عدوك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى عن المنكر، يا حيُّ يا قيوم يا برّ..
الطف بأهل رفح، والطف اللهم بأهل غزة، والطف اللهم بأهل الضفة الغربية، وأكناف بيت المقدس، والطف بالمسلمين في المشارق والمغارب، يا دافع المصائب، يا كاشف الكُرَب، يا دافع البلايا والآذايا، يا رب يا رب.. تدارك أمة حبيبك الأطيب، أغِث أمة حبيبك الأطيب، أصلِح أمة حبيبك الأطيب، وارحم موتانا وأحيانا برحمتك الوسيعة.. يا الله.. يا الله.. يا الله.
{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4].
{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف:8].
يا حيُّ يا قيوم، يا مُسعِدَ السُّعداء، يا عالم ما خَفِيَ وما بدا، لا إله إلا أنت، تداركنا، أغِثنا، خذ بأيدينا، أصلح ظواهرنا وخوافينا.. يا الله.. يا الله.. يا الله، برحمتك يا أرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين.
17 شوّال 1445