أعلى منال جمع القلوب على المتعال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جمعكم على أبوابه، وساقكم ووفقكم للِّياذ بأعتابه، وللتبعيَّة لسيد أحبابه، الذي خصَّه الله تعالى بقرآنه الذي جعله المهيمنَ على كتابه، اللهم لك الحمد شكرا ولك المنُّ فضلا، فبارِك لنا في أعمارنا بركةً نرقى بها أعلى الذرى، مع خواص خيارِ الورى الذين استقاموا على قدمِ حبيبِك أشرفِ الخلق طُرا، فخرجوا بذلك عن أن يؤسَروا بشيء من نفوسهم أو شهواتهم أو أهوائهم، أو قطَّاع الطريق على عبادك من شياطين الإنس والجنّ، فكانوا في مأمنٍ وحصنٍ حصين من عندك، استقاموا به على ما أحببتَ فكانوا في مَن أحببت، فوهبتَهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ممن قلتَ عنهم في كتابك (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ*نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) فأي خير يبقى في الدنيا والآخرة لا يُعطونه؟ وأي شر يبقى في الدنيا والآخرة يصل إليهم؟ والولاية لهم من رب الدنيا والآخرة، (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ) التي حبستموها عن مشتهياتها القصيرة الحقيرة القليلة الساقطة الفانية الزائلة المنقضية في الدنيا، حبستموها عن الشهوات القصيرة الزائلة، فاليوم لكم ما تشتهي أنفسكم إلى الأبد إلى الخلود إلى الدوام، دهر الداهرين، أبد الآبدين، (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ*نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).
فيا سعد من أنزله النُّزل، ضيّفه الغفور الرحيم سبحانه وتعالى، ويا خيبة من لم يدخل دائرة نُزُل الغفور الرحيم، ولم يُدعَ إلى مائدة الغفور الرحيم، يا خيبته ويا حسرته، ولو فرضنا أنه ملك الدنيا مِن طرفها إلى طرفِها، من أيام آدم إلى أن تقوم الساعة، فيا خيبته! ويا خسرانه! ويا حسرته! ويا ما أسوأ حاله! ومن ذا يملك الدنيا من طرفها إلى طرفها، حتى يوم واحد فكيف من أيام آدم إلى أن تقوم القيامة، والله لو ملك الدنيا مِن أيام آدم إلى أن تقوم الساعة كلها، من أقصاها إلى أقصاها، ولم يدخل دائرة النُّزُل من الغفور الرحيم فهو خائب خسران لا ربحَ له، لا فوزَ له، لا نعيمَ له، لا خيرَ عنده، لا خيرَ عنده، لا عاقبةَ له، إنما العاقبة للمتقين.
فيا أيها النازلون إلى ساحة موائد نُزُل الرحمن، وضيافة الرحمن، تهيؤوا لأن يقبلكم فيدخلكم في نُزُله الأكبر، دار الكرامة والنظر، حيث المرافقة لخير البشر، وللنبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
أم أعجبتك مرافقة الفجار؟ أو الفساق؟ أو من ذا الذي أعجبتك مرافقته فأخّركَ وثبَّطك عن أن تلحق بالركب بصفاء القلب وحسن المعاملة على منهاج الرب جل جلاله وتعالى في علاه، الذي ارتضى لك في افعل كذا ولا تفعل كذا، تمتثل ما أمر وتنتهي عما نهاك عنه، مخلصاً لوجهه معظّماً له، هذا هو السبيل للفوز بضيافته الكبيرة، (نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ).
أتبعَ ذكر هذا النُّزُل بالأبواب المنفتحة للدخول إلى هذا النُّزل فقال ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) دعا إلى الله جل جلاله وتعالى في علاه، ما أكثر الدعاة للأغراض، للأطماع، للمقاصد الدنيّة، لأنفسهم، لشيء من شؤون هذا العالم، لأحزابهم، لطوائفهم، لقوميّاتهم، لكن هؤلاء دعاة إلى الله..
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ) لا يدعوك إلى إنسي ولا جني ولا ملَك ولا أرض ولا سماء ولا حزب ولا طائفة ولا جماعة ولا دنيا ولا دولة ولا شيء من شؤون الدنيا ووزاراتها ومؤسساتها، لكن يدعوك إلى الله، جل جلاله وتعالى في علاه.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا) استقام على المنهج، كان داعياً إلى الله وهو مقبل على الله، وهو واصل إلى الله، (وَعَمِلَ صَالِحًا) وأعلنَها لأهل الوجود، إنني من المسلمين، (وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، لا تُغروني ولا تُغووني ولا تهدِّدوني، إني من المسلمين، أنا قد أسلمتُ لله رب العالمين جل جلاله، فلا أحد منكم يهيّب عليّ بسلطانه، ولا بماله ولا يُغريني بوزارته ولا برئاسته ولا يظن أنه ينال مني بتهديده ولا بتخويفه، إنني من المسلمين، أنا أسلمت لله رب العالمين.
(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ*إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ*وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) فهي وصيةُ الأنبياء والأصفياء والأولياء في كل زمان، الإسلام لله رب العالمين، الاستسلام لله بالخروج عن أن يستحوذ عليك ويمتلكك شيء من هذه الترَّهات، من هذه البطالات من هذه المعروضات، من هذه العروض من قِبَل ذاك وذا وذاك من هنا ومن هناك، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) توالت الوصية والتواصي بها (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ*أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ) يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم، وصلت إليه الوصيّة (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي) تخضعون لمن؟ تخافون من؟ تنقادون لمن؟ تعظمون من؟ من تعبدون؟ (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
ومن غيَّر، ومن بدَّل، ومن دخل هواه باسم الدين، أو بالتنكر للدين، فباسم الدين مثل اليهود والنصارى، غيروا وما بدلوا ما جاء به الرسل وخانوا الأمانة وحرَّفوا كلام الله سبحانه وتعالى، (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ)، قل لا، (قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، فما هو إعلانكم وشعاركم وعلَمكم ورأيتكم؟ (قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، فمن لم يمشِ في هذا الطريق، قالوا ما قالوا وظهروا بأي مظهر، وبدَوا بأي صورة في الوجود، (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) والحمد لله والمقصود الهداية، الله ينشرها في البريّة، الله ينشرها في البريّة، ذا المجالس متصلة بأسرار جندِ الليل، وبها يقضي اللهُ بإسلام ذا وذاك، هنا وهناك، (فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا) يبقى البقيّة الباقية المغرورون بمصالحهم ودنياهم المصرون، ولو أن يهلك الناس، ولو أن يموت نصفُ أهل الأرض أو ربعهم أو ثلثهم لا يبالون في سبيل تحقيق المصلحة، وما أدري، يخطط لموت الناس وهو سيموت قبل كثير من الذين خطَّط لموتهم، هو سيموت قبل كثير من الذين خطط لموتهم، ما أسفهَهم، وما أتفه مطالبهم.
(وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) هذا الذي آمنت به سيكفيك إياهم، لا يخوّفك شيء منهم، (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ)، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)؟ يكفي أو ما يكفي؟ (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ)، (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* صِبْغَةَ اللَّهِ) يصبغ بها من شاء وعسى نصطبغ بها، كما صبغ بها النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، يصبغنا الله بصبغة الدين، صبغة الإسلام، بصبغة الإيمان، بصبغة الإحسان، بصبغة الصدق مع الله، بصبغة الإقبال الكلّي والقبول عنده تعالى في علاه، (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) وبعد ذلك ( قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ)؟ مالكم تريدون تناقشون في ماذا أنتم؟ في ماذا تريدون أن تحاوروننا؟ (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) الذي خلقنا وخلقكم وخلق كل شيء، تناقشونا في العمل بشريعته، في تطبيق أمره؟ منين جئتم أنتم؟ فيكم عقول أم ما فيكم عقول؟ واحد منكم لا خلقنا ولا أوجدنا ولا أعطانا ولا أعطانا بصر ولا خلق الأرض اللي نمشي عليها ولا الهواء الذي نستنشقه ولا خلق الطعام الذي نأكله وبعد ذلك يقول تعالوا خلوا ربكم ودعوا هدي ربكم عندي نظام ثاني عكس امشوا عليه، (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ)؟ فيكم عقول بلا عقل تتكلمون بلا منطق، بلا وعي (أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)، (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)، (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء).
ومن صُبِغوا بصبغة الله، لهم شأن إذا جاء رجب، يعلمون أنه الشهر الذي في مثله أُسرِي بسيد العجم والعرب، ونُشِرت له رايات التخصيص من قِبَل الرب، حتى وقف الملأ الأعلى تحت الركاب، ولم يخترق الحجابَ إلا سيد الأحباب، ووقف جبريل عند سدرة المنتهى، وصعد الحبيب وقال (اصعد)، قال "لا أنت اصعد، أنا لا أصعد"، (أفي مثل هذا الموطن يترك الخليل خليلَه؟)، قال "يا رسول الله، لو تقدمت شبراً لأحرقتني الأنوار، ولكن أنت أُذِن لك، أنت إن تقدمت اخترقت وأنا إن تقدمتُ احترقت، فاقدم (وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ)
وقدم السيد المعصوم، صلوات ربي وسلامه عليه، حتى جاوز السبع الطباق ووصل إلى حضرة الإطلاق، نازلته من الحضرة الأحدية غوامر النفحات القربية، وأولتهُ جميل الهبات ونادته بشريف التحيات، بعد أن أثنى على تلك الحضرة بالتحيات المباركات الصلوات الطيبات، فيا لها من نفحات غامرات وتجليات عاليات في حضرات باهرات تشهد فيها الذات للذات وتتلقى عواطف الرحمات وسوابق الفيوضات بأيدي الخضوع والإخبات
رُتَب، رُتَب، رُتَب، انتبه تقول إنها عند أحد من ملوك الأرض.. عيب عليك ، انتبه تقول لي دولة كبرى عيب عليك، عار، استبعد هذا من قلبك، رُتبُه فوق الكل، أسمى من الكل،
رُتب تسقط الأماني حسرة دونها ما وراءهن وراء
عقل الحبيب ومن يعقل مثل الحبيب، عقل الحبيب صلى الله عليه وسلم في تلك الحضرة من سرها ما عقل، واتصل من علمها بما اتصل، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)
سبحان الله. هذا وهو في عالم الدنيا، قيل للكبار أهل حضرة الله العظماء، سادتنا الأنبياء، أكرم الخلائق على الله في الدنيا (قَالَ لَن تَرَانِي)، وقيل لهذا (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) سبحان الله. ما هذا العطاء؟ ما ذا الاختصاص؟ ما هذا التميز؟ يارب صل على سيد المرسلين، وخاتم النبيين وبجاهه عليك اصبغنا بصبغة الإيمان أجمعين، واجعل لنا في هذا الشهر ترقياً مع المترقِّين في مراتب اليقين، مع أهل التمكين يا قوي يا متين، واكفِنا والأمة شرور الظالمين، وارزق الأمةَ استكفاءَ شرورهم بصدق الرغب إليك، وحسن الإقبال عليك، والعمل بشرعك المصون آمين يا الله، آمين.
فإذا قام صلحاء الأمة، والذين أدركت قلوبُهم أسرار النداء الإلهي، بحسن العمل بشرع الله، وصدق الالتجاء إلى الله، في ذلك الحل، وفي ذلك رفع ما أشكل ودفع ما أعضل، ومن دون هذا، من يفرج الكرب غير الله؟ (وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ) لا إله إلا هو، (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ) صدق الله، نستنصرك فانصرنا يا الله، (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) يا خير مغيث، بك نستغيث، وإياك نستغيث، ولك نستغيث، فأغِثنا بالغياث القريب السريع الحثيث، يا الله، يا سريع الغوث غوثاً منك يدركنا سريعا، يا الله، يا الله
وأول هذا الغوث أن تخرجَ من مجمعنا هذا وقلبُك على الله مجموع، قد زال منك هذا التفرق، وهذا التمزق، وهذا التشتُّت، بالتعلق بالدنايا التي أتعبتك، وحجبتك، وأخَّرتك، وأبعدتكَ وحرمتك، ومنعتكَ الخيرَ الكثير، يارب العرش نستغيثك فأغث، ونوِّر هذه القلوب، لكل حاضر ولكل مَن يسمع، ارفع عنهم حجاب الظُّلمة والغفلة والبُعد وتفرُّق الهمّ هنا وهناك، واجمع قلوبنا عليك ياربنا حتى نفوز ونحوز السعادةَ يوم تجمع الأولين والآخرين، (إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ) فارزقنا الاستعدادَ ليوم الجمع بجمعِ قلوبنا عليك، يا الله، يا الله.
ومن مظاهر الجمع، ومن آثار الجمع، ومن وسائل جمع القلوب على الله الاستغفار وكثرة الاستغفار، فأكثِروا في هذا الشهر من الاستغفار، وفي مدى الأعمار، يغفر لكم الغفار.. اغفر لنا يا خير الغافرين.
يا الله، يا الله، ذنوبي وذنوب كل واحد من هؤلاء مَن لها؟ من يغفرها؟ من يخلِّصنا من شرِّها؟ من يدفع عنا ضرها؟ لو آخذتَ الواحد منا بواحد منها نزعتَ الإيمانَ من قلبه فمات ميتة السوء، ميتة الجاهلية فتخلَّد في النار، فيارب أنت لذنوبنا هذه فاغفرها كلَّها، وسامحنا فيها كلَّها، ونجّنا من شرّها كلها، وادفع عنا ضرّها كلها.. يا الله.
وفي من يحضر مجامع هذا العطاء الأكبر، مَن تُغويه نفسه وتُرديه مرة بعد الأخرى، فعجّل بإنقاذه يارب ليستقيم، على الصراط المستقيم، لا يغرّه الرجيم، ولا النفس الأمارة ولا الهوى ولا الدنيا الغرّارة يا عالم السر والنجوى يا الله، يا الله، يا الله.
اجعل لنا كل ليلة من ليالي شهرنا هذا خاصة وأعمارنا عامة خيرا من الليلة التي قبلها، كل يوم خيراً من اليوم الذي قبله، وكل ساعة خيراً وأشرف وأنور من الساعة التي قبلها، وكل نفَس ولحظة حتى نلقاك على خير الأحوال، وأجمل الأحوال، وأنور الأحوال، وأحسن الأحوال، وأزكى الأحوال، يا مجيب الدعاء يا جزيل النوال، يا الله، يا الله، يا الله.
بأهل القلوب الحاضرة، والملائكة المكرمين ارحم هذه القلوب الغافلة، والجاهلة، والمعرضة، والناسية، يا ربي بدِّل الغفلة بذكرٍ، وبدِّل الإدبار بإقبال، وبدِّل الجهل بعلمٍ، وبدِّل الغفلة بالذكر والإقبال عليك، يا الله، يا مداوي القلوب داوِ قلوبنا، أصلِح قلوبنا، طهّر قلوبنا، نوِّر قلوبنا، يا الله، يا الله، يا الله..
تعلَّق بأذيال الصدق وقل صادقاً يا الله، يا الله، يا الله، فلو علم صدقَك أجابك، وإذا أجابك قرَّبك، إذا قرَّبك أحبّك، وإذا أحبّك فلك ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، هذا هو المُلك لا مِرا بلا انعزال ولا اختلال.
ملك لا يوجد من يستطيع بحيلة أن يزحزك عنه ولا أن ينزعه منك، لا بحروب ولا بمظاهرات ولا بخطط، ولا باتصالات إذا أعطاك هذا الملك فأنت ملكٌ أبد الآبدين، (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا* عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا* إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا) طوبى لهم بجزاء الرحمن وبالشكر من الرحمن، شكر الرحمنُ مسعاهم.. ولكن المسعى الآخر من يشكره؟ الذين سعوا للنفوس الذين سعوا للأحزاب الذين سعوا للطوائف الذين سعوا للحكومات الذين سعوا للملك، الذين سعوا للمال، من يشكر سعيَهم؟ من لهم؟ يا ويلهم! ولكن هؤلاء (وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا) مِن قبل الحق الذي خلقكم، كلام حق وصدق، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا* فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وامشِ في هذا الطريق وحده ولا تلتفت يمنةً ولا يسرة، (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)، واستمسك بالحبل (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا* وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا) اغنم صفاءك واغنم رضاه واغنم عطاه واغنم إدناه واغنم رضاه سبحانه، واغنم تقريبه واغنم محبته، واغنم ملكه الذي يؤتيك إياه ودع الآخرين، (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)، (إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) قوم نظرهم قصير، فكرُهم صغير، عقولهم ما انفكت من العقال، معقّلة، (إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا)، وهم في غفلتهم (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) أحكمنا صُنعهم وأتقناه وأمسكنا زمام أمورهم، (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ) ومكَّن لك تمكين سبحانه، وشدّ الأسر حتى لو في عينك هذه، ترتيبها وترتيب الأجفان شيء شد من الأسر وترتيب عظيم، متقن، إذا امتلأ باطنك من أثر الشراب، من أثر الطعام، شيئاً من البول أو البراز لا يخرج إلا بأمرك، ولو قفزت ما يتسرب منه شيء، ما هذا؟
تعجب بعض الأعراب في البادية عقله اشتغل، ما كان عليه عقال عقله اشتغل كان يمشي والقربة معه يأخذ فمها ويقمّطه تقميط ويربطه تربيط قوي بيحطها على الجمل ويمشي في الطريق وبعدين لا ينزل منها قطر، قال سبحانك، هذه فمها إلى فوق مربطّين عليها بحبالنا والماء يتسرب منها، وأنا جعلت في بطني ما جعلت وأمشي على قدمي والمخرج من أسفل ولا يخرج شيء.. ما هذا الأسر ؟ ما شي حبال عندي ربطت بها نفسي ولا شي من هذه الأشياء، فكان معنى (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلا) سبحان الغني عن كل أحد، (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا).
اتخذوا إلى الله سبيل، أكثروا الاستغفار وسيدكم وقدوتكم محمد بن عبد الله، في المجلس الواحد يُعد له مائة استغفار، قال عليه الصلاة والسلام (توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة)، (إني أتوب إلى الله في اليوم والليلة مئة مرة) صلوات ربي وسلامه عليه.
"وإن كنا لنعدُّ له في المجلس الواحد مئة مرة من قوله (رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم) بعد قليل تسمعه يقول (رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم)، هذا المعصوم الطاهر، خطايانا من هنا وهنا، شي من العين وشي من اليد وشي من الرجل ما تستغفر؟ (رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم) تسمعها ثالث مرة رابع مرة في المجلس الواحد مائة مرة، تُسمع من الأطهر الأنقى، الأصفى الأتقى، محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.
فنعم القدوة لنا، (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا) جعلنا الله وإياكم منهم، واصدقوا في توجهكم إلى الله، واعلموا أن أمور يقضيها ويبديها ولا يبتديها، والعاقبة للمتقين (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
ويا فوز من صدق مع الله ومات على الإخلاص لوجه الله، والوفاء بعهد الله، فله من عند الله سبحانه وتعالى، ما لا يعلمه إلا الله ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) واغتنموا كل ما يقع في أيديكم، وتقدرون عليه في حسن استعماله، بشرع الله لشرع الله، ولأجل الله ولنصرة الله، وكونوا عباداً لله، مخلصين لوجه الل
، (قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
حقِّقنا بحقائق الإسلام، ومِن بعد الليلة اطلب الرّقيَّ في الإسلام، هل تعرف الرقيَّ في الإسلام؟ التحقُّق بحقيقة الإسلام، يسلم المسلمون من لسانك ويدك، هل تعرف أو لا تعرف؟ يسلم المسلمون من لسانك ويدك، بعضنا يرى نفسه خيّر من يده ما يضرب أحد ولا يسرق حق أحد، لكن لسانه كل يوم عشرة عشرين ثلاثين لسانه اتصل تكلم عليهم، دع المسلمين يسلمون من لسانك، وكن في رجب افتح صفحة جديدة مع الرب، ما تمس لسانك من المسلمين ولا يدك (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ونِعْم الحقائق في الإسلام، ونعم المرتقى في الإسلام، يارب حققنا بحقائق الإسلام ، كما أنعمت علينا بالإسلام فزِدنا منه، كما أنعمت علينا بالإيمان فزِدنا منه، كما أنعمتَ علينا بالعافية فزِدنا منها، كما أنعمتَ علينا بالعمر فبارِك لنا فيه، فبارك لنا فيه، فبارك لنا فيه.
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان، اللهم بارِك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان، وإذا فتح لك باب البركة في رجب وشعبان حتى الملك سينبهر مما انطوى لك من فيض فضل الله وقُسم لك من مجلسك قبل أن تقوم، يارب بارك لنا في رجب، بارك لكل واحد منهم في ليالي رجب وأيام رجب، لا يجري منهم إلا ما تحبه يارب، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، ما أحلاه من اسم، اسم ربك، اذكر اسم ربك، واسألك ربَّك، وقل يا الله، يا الله، يا أقرب إلينا من حبلِ الوريد، مزِّق حجابَ البعد عنا تمزيقا، يا الله، يا الله، يا الله، نوِّر قلوبَنا، ارفع ظلمتَها، وكدورتَها، ومعايبَها، وشرورَها، واملأها إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، يا مقلب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك، يا الله، بارِك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان، أعِنا على الصيام والقيام، واحفظنا من الآثام، اجعل في هذه الأشهر فرجاً للمسلمين، غياثاً للمؤمنين، وجمعاً للقلوب عليك يارب العالمين، هذه القلوب المفرَّقة طال منها التفرُّق في الالتفات إلى ما سواك، والتعلّق بمن عداك نسألك بأسمائك وصفاتك، وذاتك ومحبوبيك أن تجمعَها عليك فاجمعها ياربنا، اسمعنا يا سميع الدعاء، ولا تخيِّب لنا فيك الرجاء، يا أكرم مرتجى، اجمع هذه القلوبَ عليك يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، وقلوبَ مَن يسمع ومَن سيسمع اجمَعها عليك، اجمَعها عليك، اهدِها إليك، خُذ بها إليك، خُذ بها إليك، خُذ بها إليك، خذ بها إليك، خذ بها إليك، أخذَ أهل الفضل عليك، يا الله، يا الله، يا الله، يارب العالمين ويا أكرم الأكرمين والحمد لله رب العالمين.
02 رَجب 1435