(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 12 محرم 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
أسرار العناية والمحبة الربانيَّة وتفرُّعاتها من حضرة سيد محبوبيه إلى مَن سبقت لهم السعادة
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
الحمدُ لله الذي عَظُمَ كرمُه وعَمَّت نعمُه وجَلَّت أياديه، ولم يزل سبحانه وتعالى يُوالي مَن يواليه ويُقَرِّب مَن تقرَّبَ إليه ويُدنِيه، ويَهَبُهُ ويُعطِيه ويَرفعُه ويُرَقِّيه، لا إله إلا هو رَبُّ العرش العظيم، خَلَقَ الخلْقَ ليَربَحوا عليه لا ليربَح عليهم جلَّ جلاله، وخَصَّ سبحانه وتعالى مِن بين العباد وأجناسِ الموجودات الإنسَ والجنَّ والملائكة، ثم خَصَّصَ الإنسَ بجَعْلِ النبوَّة والرسالة فيهم وجعل الخلافةَ فيهم على ظهرِ هذه الأرض؛ وأن يجعل الصفوةَ المُنتقَاة مِن جميعِ البريَّة مظهره فيهم ومظهره في قالبِهم: زين الوجود "محمد" صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله خلاصة الجوهرِ الإنساني وسِرِّ معنى الشُّهودِ العِيَانِي.
اللهم أكرِمنا بحُسنِ المتابعة لرفيعِ القَدرِ عبدِك المصطفى، وأثبِتنا به في أهلِ الصدقِ وأهلِ الوفاء، وارزقنا صدقَ الإقبالِ عليك في جميعِ الظاهرِ والخفاءِ، يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين.
سبحانَ جامعِكم على أثرِ دعوةِ الحبيبِ الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التي انتشرَت أصداها ومعناها في بقاعِ الأرض، يَهدِي اللهُ بها مَن يشاء، ويَهدِي اللهُ إليها مَن يشاء ويَهدِي الله فيها إليه مَن يشاء، جلَّ جلاله وتعالى في علاه، وقد أُمِر صاحبُ الختمِ للرسالة أن يُنَادِيَنا بهذا النداءِ معشرَ الناسِ أجمعين {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} "آمنوا بالله" وأين تعرفون الله؟ وأين تتحققونَ بحقائقِ الإيمانِ بالله؟ قال هذا عبدي بوَّأتُه أعلى مراتبِ المعرفة بي والإيمان بي وبكلماتي فاتَّبعوه {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} هذا ".." قمة الإيمان.. هذا الذي يؤمن؛ وأنتم آمِنوا بالله أَقبَل منكم تبعيَّتَكم له وانتماءَكم إليه وإن لم تعرفوه، وإن لم تبلغوا قدرِي فيما مكَّنتُ فيه المقرَّبين مِن عبادي مِن الإيمان بي.. وهذا سيِّدُهم والرسول {النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
اللهم ارزقنا اتِّباعَه، اللهم ارزقنا اتِّباعَه، اللهم ارزقنا اتِّباعَه..
وشَرِّف باتباعِه قلوبَنا وجوارحَنا، وديارَنا ومنازلنا، وأهلينا، وأعمارنا ومُكثَنا على ظهرِ هذه الأرض؛ لنتشرَّفَ بأنوارِ متابعتِه ونتائجِ متابعتِه وأسرارِ متابعتِه في قبورِنا، وفي برازخِنا، ويومَ العرضِ عليك {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
وكل ما يَتَحَدَّثُ عنه العارفون مِن شؤونِ الصحابةِ والتابعين والأولياء الذين تَوَزَّعوا في الأماكن وفرَّقَهم اللهُ تعالى على ظهرِ هذه الأرض وانتشروا هنا وهناك؛ إنما يتحدَّثون عن سِرِّ عنايةِ الله ورعايةِ الله ومحبةِ الله جَلَّ جلاله وتحت دائرة: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، ومِن سِرِّ اتباعِه جاء اتباعُ الخلفاءِ الراشدين، ومن سِرِّ اتباعِه جاء اتباعُ العلماءِ العاملين، ومِن سِرِّ اتباعِه جاءَ اتباعُ الأولياءِ العارفين، ومِن سِرِّ اتباعِه جاء اتِّباعُ المشائخِ الصادقين المُمَكَّنِين المُرَبِّين المُزَكِّين؛ كلها داخلةٌ في دائرةِ اتِّباعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهو الذي يقول لنا: (مَن أطَاعَ الأمير فقد أطاعني -إذا أمَّر عليهم أحدًا في سَرِيَّةٍ – ومن يَعصِ الأميرَ فقد عصاني) و: (عليكم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّين مِن بعدي) والقائل: (اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي. قالوا: ومَن خلفاؤك يا رسولَ الله؟ قال: قومٌ يأتون مِن بعدي يروُون أحاديثي ويُعلِّمونَها عبادَ الله) فنِعم الخلفاءُ لسيِّد الحنفاء محمد، أولئك الأئمة الشُّرَفَاء، ثبِّتنا على دربِهم يا رب.. برحمتِك يا أرحمَ الراحمين وجودِك يا أجودَ الأجودين.
وتُحَدَّثونَ عن هذه المعاني وأسرار المثاني وسِرُّ القُربِ والتَّدَانِي بملاحظةِ كَرَمِ الذي عمَّ كرمُه القاصي والدَّاني.. رَبُّ العالمين، رَبُّ العرش العظيم، رَبُّ السماوات والأرضين، رَبُّ كلِّ شيء، مليكُ كلِّ شيء، مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، الذي لا يجوزُ لمَن آمنَ به أن يَنصَرِفَ لطلبِ رِفْعَةٍ أو مكانةٍ أو حقائقِ عِلْمٍ مِن غربيٍّ ولا شرقيٍّ ولا عربيٍّ ولا أعجميٍّ ولا إنسيٍّ ولا جنيٍّ ولا مَلَكٍ سواه هو سبحانه وتعالى، وما مَدَّ مِن خيوطِ التعليمِ بواسطةِ الملائكةِ والنبيِّين والصالحين مِن عبادِ الله جَلَّ جلاله وتعالى في علاه؛ فإن كان الشرف والسموُّ ورفعة فهو هناك فقط.. هل تعرف معنى فقط؟ والله فقط.. ما في غيره حقائق شرف، ما في غيره حقائق عِزَّة..
والله ما نالَ ذرَّةً مِن الشرف فرعونُ بمُلكِه، ولا قارونُ بمالِه، ولا النمرود في مُلكِهِ، ولا قومُ عاد الذين كذَّبوا النبيَّ هود.. والله ما عندهم ذرَّةٌ مِن شرف.. أيُّ شرفٍ عندهم!؟ أيُّ كرامةٍ عندهم!؟
كانت عندهم قُوَى {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} والله ما نالوا ذرَّةً مِن الشرف، ما نالوا ذرَّةً مِن حقيقةِ الشرفِ والكرامةِ والسعادة.. ولا كفارُ زمانِنا، ولا الكفارُ مِن قبلِهم، ولا مَن يكفرُ بعد زمانِنا، والله ما نالَ الشرفَ إلا النبيُّون وإلا أتباعُ النبيِّين بصدق -رزقنا اللهُ حسنَ اتِّباعهم- وهذا سيِّدُهم وإمامُهم ورأسُهم "محمد" الذي إذا بدأ نورُه فلا يَسَعُ موسى إلا اتباعه، ولا يَسَع عيسى إلا اتباعه، ولا يَسَع ولا يَسَع آدم إلا اتباعه، ولا يَسَع نوح إلا اتباعه، ولا يَسَع هود إلا اتباعه، ولا يَسَع صالح إلا اتباعه، ولا يسع إبراهيم إلا اتباعه، ولا يَسَع إسماعيل إلا اتباعه، ولا يَسَع إسحاق إلا اتباعه ولا يسع يعقوب إلا اتباعه، ولا يَسَع يوسف إلا اتباعه.. هؤلاء الكبار.. فكيف مَن سواهم؟ والله ما لنا غيره اتِّباعه، وما لنا إلا اتباعُه رفعةً وشرفاً، وكرامةً، ومحبةً، وعِزَّةً، وسعادةً، وأَمْنَاً، وطمأنينة، وقُربَاً، وخيراً، ورزقاً، وهدىً، ونوراً {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}
ومِن سِرِّ اتباعِه كل ما تسمعون عن الوادي الميمون أو عن اليمن عامة أو عن حضرموت خاصة أو عن تريم -وهو حرم الإقليم الذي خُصَّ بخصائصَ كثيرة- كل ما تسمعون مِن هذا السِّر، مِن هذا النور، مِن هذا البر، مِن هذا الخير، مِن هذه المعاني، ولِمَا خَبَأَ الله في أرواحٍ وقلوبٍ صدَقَت واعتلَت وارتفعَت وأَخْبَتَت وأنابَت وخشعَت وخضعَت وتواضعَت، وتمَّ لها سِرُّ الاتصالِ بأوجهِ معانيه وأعظمِها؛ خَبَأَ اللهُ أن يجعلَ مِن جملةِ ذلك في ضمنِ ما بَثَّه في الوجودِ حظَّا وافراً مِن مواطنِهم ومِن منازلِهم ومِن ساحاتِهم ومِن حِمَاهم؛ ما يبعثُه مِن أنوارٍ يهدي بها مَن يشاء ويُقَرِّب بها مَن يشاء ويفتح بها مَن يشاء، يتعرف الواحد على اسم واحد منهم أو يرى صورةَ الواحد منهم فيتَّصل بالله، يَقرُب مِن الله، يتصل بمحمد؛ أبواب فتحَها الربُّ إلى حبيبِه إليه جَلَّ جلاله، وسبب للاتصال بالقرآن الكريم؛ لأنهم
هُمُ القوم الذين هُدُوا ** وبِفَضلِ الله قد سُعِدُوا
ولغَيْرِ الله ما قَصَدُوا ** ..
فصارت رؤيتُهم تدلُّ على الله، ومحبتهم توصلُ إلى الله، واتِّباعهم يهدِي بهديِ الله
ولغَيْرِ الله ما قَصَدُوا ** ومع القُرآنِ في قَرَنِ
رَبِّ فانفعنا ببركتِهم ** واهدِنَا الحُسنَى بِحُرْمَتِهِم
وأَمِتْنَا في طَرِيقَتِهِم ** ومُعَافَاةٍ من الفِتَنِ
وفي ضمنِ ذلك الإشارات النبوية العامة والخاصة: (تركت فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي؛ كتاب الله..) -فحَثَّ على كتابِ الله ورغَّبَ فيه، ثم قال: (.. وعترتي آل بيتي، أُذَكِّركم الله في آل بيتي) وقال: (فإنَّ اللطيفَ الخبيرَ أنبأني أنَّهما لن يتفرَّقا) صدق محمد صلى الله عليه وسلم، كلُّ مَن جاءنا بكلام مِن الكفار أو من المسلمين خلاف هذا فهم الكاذبون ومحمد صادق (لن يتفرَّقَا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض يوم القيامة)
يا رب معهم نَرِد الحوض.. مع الكتاب والعِترة نَرِدُ إلى حوضِ نبيِّك محمد..
وأنت إذا كنتَ مع الكتابِ العزيز والعِترة في الدنيا وَارِدَاً على حوضِ سُنَّتِهِ وحوضِ شريعتِه وحوضِ متابعتِه وحوضِ محبَّته وَرَدْتَ مع الكتاب والعِترة حوضه المورود يومَ القيامة الذي تُصَبُّ فيه ميزابان مِن الكوثر (مَن شَرِبَ منه شربةً لم يظمأ بعدها أبدا)
أَورِدْنَا معهم على الحوضِ المورود، يا بَرُّ يا معبود، يا كريمُ يا مقصود، يا منَّان يا موجود، يا واسع يا مشهود
يا الله.. يا الله
أنت الذي دعوتَ، وأنت الذي وَهَبْتَ، وأنت الذي مَنَنْتَ، وأنت الذي أَنْعَمْتَ، وأنت الذي وفَّقتَ، وأنت الذي جَمَعْتَ، وأنت الذي أبديتَ الدعاء مِنَّا، وأنت الذي تقبلُه، وأنت الذي تُجِيب، وأنت الذي تَهَب، وأنت الذي تَمْنَح، وأنت الذي تُعطِي، أنتَ أنتَ وحدَك لا شريكَ لك سبحانَك، آمنَّا بك وبرسولِك وما جاء به عنك مِن جميعِ الإيمان بملائكتِك ورُسلِك وكُتبِك وقَضائك وقدرِك واليوم الآخر.. فزِدنا إيمانا، وهَبْ لنا إحسانا، وامنحنا عِرفَانَا، وعُمَّ بالخير أَقْصَانَا وأَدْنَانَا..
يا الله .. يا الله ..
وفَّقتَ وفتحتَ الأبواب وجمعتَ ورَبْطتَ بالأحباب وسَكَبْتَ غيثُك السكَّاب، اللهم فلا تَحرِم ساحةً مِن ساحاتِ قلوبِ الحاضرين ولا السامعين ولا المتعلِّقين إلَّا ملأتَها من صَبَّابِ غيوثِ سواكبِ تفضُّلاتِك العِندِيَّةِ الرَّحمَانِيَّةِ الصَّمَدَانِيَّة القَيُّومِيَّة يا حيُّ يا قيوم يا الله..
هذا العطاءُ الواسعُ والرزقُ الذي لا يمكنُ أن يُكتسَبَ مِن خلالِ ثمارِ الأرض ولا مِن بحارِها ولا مِن جَوِّها؛ ولكنك تُنزلُه مِن خزائنِ الفضلِ الربانية وتمنحُه مَن شئتَ مِن عبادِك، وفِّر حظَّنا منه وَفِّر قِسمَنا منه، وَفِّر نصيبنا منه، وفِّر اللهم عطاءنا منه، وَفِّر اللهم سِهَامَنا منه، وسِهَامَ كُلِّ حاضرٍ وسامعٍ يا خَيْرَ حَاضِرٍ وخَيْرَ سامعٍ.. يا الله.. يا الله
يَطِيبُ ويَلَذُّ لنا دعاؤك وتَتَرَوَّح أرواحُنا حين يَثبُتُ في قلوبِنا رجاؤك، سبحانك سبحانك سبحانك يا حيُّ يا قيُّوم، ما أطيبَ نداءَك، وما أَلَذَّ دعاءَك؛ فإنه فِقْهٌ مِن العبد أنه عَبْدٌ يُقابِل حضرةَ الربوبية فَيَسْعَد مع مَن سَعِد {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} فما شَقِيَ مَن بك اسْتَسْعَد، ولا خاب مَن على باب بحرِ جودِك وَرَد، وأنت الله نِعمَ المَلَاذُ ونِعمَ المستنَد ونِعمَ المرجعُ ونِعمَ المقصد
يا إِلَهي وَمَليكي ** أَنتَ تَعلَمُ كَيفَ حالي
وَبِما قَد حَلَّ قَلبي ** مِن هُمومٍ وَاِشتِغالي
فَتَدارَكَنا بِلُطفٍ ** مِنكَ يا مَولى المَوالي
يا كَريمَ الوَجهِ أغثنا ** قَبلَ أن يَفنى اِصطِباري
قَد كَفاني عِلمُ رَبّي ** مِن سُؤالي وَاِختِيارِي
يا سريعَ الغَوثِ غَوثاً ** مِنكَ يُدرُكُنا سَريعا
يَهزِمُ العُسرَ وَيَأتي ** بِالَّذي نرجو جَميعا
يا قَريباً يا مُجيباً ** يا عَليماً يا سَمِيعَا
قَد تَحَقَّقَنا بِعَجزٍ ** وَخُضوعٍ وَاِنكِساري
قَد كَفاني عِلمُ رَبّي ** مِن سُؤالي وَاِختِياري
لَم أَزَلْ بِالبابِ واقِفٌ ** فَارحمن رَبّي وقوفي
فَارحمن رَبّي وقوفي.. فَارحمن رَبّي وقوفي
وَبِوادي الفَضلِ عاكِفٌ ** ....
يا إلهَنا: ما يَعُوقُ قلوبَ أحدٍ مِنَّا، مِن الحاضرين ومِن السامعين معنا مِن الوقوف ببابِ فضلِك فأَذهِبْ تلك العوائقَ وأصرِف تلك القواطِع، ولا تَخذُل أحدًا مِنَّا أن يَعكُفَ قلبُه على شهواتٍ محرماتٍ أو على زائلاتٍ وفانياتٍ وعلى غرورٍ وباطلات.. يا ربِّ صُنْ قلوبَنا، يا ربِّ احرس قلوبَنا، وأكرِم قلوبَنا وقلوبَ أهالينا وأولادِنا بالعكوفِ على باِبك بوادِي إفضالك،
"وَبِوادي الفَضلِ عاكِفٌ"
وإنَّ كثيراً مِن قلوب الذين أسلموا غُشَّت وخُدِعَت فَعَكَفَت على التُّرَّهَاتِ والبَطَالاتِ والخيانات والبُعدِ والغفلات فَيَا مُخَلِّص خَلِّص هذه القلوبَ مِمَّا نازلَها مِن هذه الشوائب، وتُبْ علينا وعليهم يا خيرَ توَّاب، وارفعنا إلى عليِّ المراتبِ وأكرِم هذه القلوبَ بالعكوفِ بوادي فضلك
وَبِوادي الفَضلِ عاكِفٌ ** فَأَدِم رَبّي عُكوفي
وَلِحُسنِ الظَنِّ ألازِم ** فهو خِلّي وَحَليفِي
وَأَنيسي وَجَليسي ** طولَ لَيلي وَنَهاري
قَد كَفاني عِلمُ رَبّي ** مِن سُؤالي وَاِختِياري
حاجَةً في النَّفسِ يا رب ** فَاقضِها يا خَيرَ قاضي
وَأَرِح سِرّي وَقَلبي ** مِن لَظَاهَا وَالشُّوَاظِ
في سُرورٍ وَحُبورٍ ** وإذا ما كُنتَ راضي
فَالهَنا وَالبَسْطُ حالي ** وَشِعاري وَدِثَارِي
قَد كَفاني عِلمُ رَبّي ** مِن سُؤالي وَاِختِياري
رَبِّ فاجعل مجتمعنا غايته حسن الختام
وأعطِنا ما قد سألنا مِن عطاياك الجِسَامِ
وأكرِم الأرواحَ مِنَّا بلقاءِ خيرِ الأنام
وأبلغِ المختارَ منَّا مِن صلاةٍ وسلام
وفِّر اللهمَّ مِن مواهبِك الكبيرةِ ومِنحكِ الوفيرة يا حيُّ يا قيُّوم يا الله؛ حتى تَنتَهِض مِنَّا الهِمَم والعزائم لنستقيم، ونهتدي بهديِ نبيِّك الكريم، ونقوم بِحَقِّ دعوتِه إليك ودلالتِه عليك؛ فنستجيبَ لدعوتِه إذ دعانا إليك، وندعو بدعوتِه إليك، ونهتدي بهديِه ونهجِه به إليك..
يا الله: مواهب لا تحرمْها أحداً مِنَّا، وخُصَّنا بأعلاها، وأحلاها، وأَوْفَاهَا، وأصفاها، وأتمِّها، وأَكرَمِها، وأَنعَمِها يا خَيْرَ مُنعِم يا كريمُ يا الله..
وفي مقدمة عَامِنا ومُفتَتَحِهِ تَنتَهِضُ قلوبٌ مِن قلوب أهل "لا إله إلا الله" كثيرة في المشرقِ والمغرب تَقِفُ على بابك وتَعكِف بوادي فضلك وتُقبِلُ بالكُليَّةِ عليك فتُقبِل بوجهِك عليها فَنَرَى أبوابَ الفضل تفتَّحَت وغيوثَ العطايا سَحَّت وآثار البلايا ارتفعَت وزالَت وانكشفَت واَنْقَشَعَت..
يا الله اجعله مِن أبركِ الأعوامِ وأسعدِ الأعوام على جميعِ أهلِ الإسلام، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّول والإنعام، يا حيُّ يا قيُوم يا الله..
أنت المحتاج إليه وهو الغنيُّ عنك، أنت المضطرُّ إليه وهو القاهر مِن فوقك، وأنت الذي تحتاج إليه في كُلِّ لمحةٍ وكُلِّ نَفَس فاصدُق معه، وأقبِل عليه، وتوجَّه إليه، وتذلَّل بين يديه، ونادِه، وخاطِبه، وادعُه فهو يسمعُك وهو أقربُ إليك مِن حبلِ الوريد.. فَقُلْ: يا الله
يا نعمَ السميع بصاحبِ الجاهِ الوسيع عبدِك الشفيع نَقِّ قلوبَنا عن الشوائب، واسقِنا مِن أحلى المشارب، وارفعنا عَلِيَّ المراتب، واجعله مِن أبركِ الأعوامِ علينا برحمتِك يا أرحمَ الراحمين، وحقِّقنا بالتوبةِ وارزقنا صِدقَ الأَوْبَة، وارفع لنا عندك الرُّتبَة، اكشف عنَّا وعن الأمة كُلَّ كُربَة، وعامِلنا بما أنت أهله وألحِقنا بخواصِّ أهلِ المحبة.. يا الله .. يا الله
أنت ربُّنا، أنت سيِّدُنا، أنت مولانا، أنت خالقُنا، أنت رازقُنا، أنت باعثُنا، أنت إليك مصيرُنا، أنت البصيرُ بِنَا، أنت السميعُ لنا، أنت القريبُ مِنَّا، أنت المحيطُ بنا..
يا اللــه بأسمائك وصفاتِك وذاتِك العليَّة اقبلنا على ما فينا وأقبِل بوجهِك الكريم علينا.. يا الله.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
اِتَّجِهُوا إليه، وتَذَلَّلُوا بين يديه، واطرقوا أبوابَ كرمِه خاضعين لجلالِه مُتَرَجِّين لفائضِ إفضاله وقولوا:
يا تَوَّاب تُبْ علينا.. يا تواب تُبْ علينا ** وارحمنا وانظر إلينا.. وارحمنا وانظر إلينا
12 مُحرَّم 1443