أساس الإيمان وعزة الذلة للرحمن ومكانة خير إنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نورٍ أشرق، فتحقَّق به من تحقق، بعد أن اجتمع قلبه على الحق، وتشوّق وتذوّق، فصار بعد ذلك مظهراً مِن مظاهرِ الحق بين الخلق، وذلك ما انتشر في قلوب الذين صدقوا وبحقائق الإسلام والإيمان ثم الإحسان تحّققوا، وفي ميادين الصدق مع الله تبارك وتعالى بعد أن صدّقوا انطلقوا.
وفي تلكم الانطلاقات، اتسعت لهم مجالاتُ المحبّة، فكانت أسرار السوابق في الأزل لمن أحبَّه الله وقرَّبه، وهي آثار حِكَمٍ من الحَكَم، جرى بها منه القلم، عُرضت على السيد الأكرم، كتابٌ باليمين وكتابٌ باليسار، هؤلاء أهل الجنة وهؤلاء أهل النار؛ فهذه الأسماء مِن سرِّ إرادة الله لمن قد تسّمى، تنهالُ عليهم من المعدن الأسمى، أنوار، أنوار، تقلِّب القلوبَ من الظّلمات إلى النور، من الغفلة إلى الحضور، من القسوة إلى الرقَّة مع العزيز الغفور، في الأرض قلوب كثيرة مهيَّأةٌ لهذه الخيرات الكبيرة، كيف يُحرَموها؟ ما ذنبهم؟ لا يعوقهم عن الوصول إلى تلكم الحضائر وجودُ تلك الدعايات والإعلانات والكذبات، عن محمد أو عن دينه، أو منهجه، وعن رسالته، وعن وراثته، وعما جاء به، ولا يعوقهم ذلك الزَّخم من الكذب الذي حلَّ في الناس وبهم ألَم، بأفكارهم وبعقولهم، وبوجهاتهم..
ولكن..!! تعظيمُ غير الله أساس البَوَار والفساد، وأصل الطرد والإبعاد، تعظيم ما لم يأذن العظيمُ بتعظيمه، ولم يجعل فيه حقيقةَ عَظَمة وهذا هو الذي غُشَّت به القلوب، ونال المسلمين منه وبسببه كثيرٌ من المشاكل والكروب، وغفلوا عن حسن السير في أعزِّ الدروب، القائم على محبة للحق، ترتكز على تذلُّل بين يديه، متعمِّق في القلب مِن إدراك عظمته، مِن إدراك جلاله، وهم مع الملأ الأعلى من الملائكة، في ما أدركوا من العظمة والجلال والكبرياء، لم يدركوا إلا الذرّات القليلات، وأنّى لهم أن يُحيطوا بخالق الأرض والسماوات؟ أو أن يحيطوا بعظمةِ خالق الظواهر والخفيّات، ومبدع البدائع سبحانه وتعالى، بجميع المعاني وبجميع الصور المتقلّبات، وكلُّها عليه دلالات وإليه إشارات جل جلاله.
ربكم الذي جعلكم في أمّة خير البريّات، وساقكم إلى منازل الرّحمات، دار المصطفى، في بلدةٍ شُرِّفت بنور المصطفى، وازداد النور فيها حينما أتى مِن ورثته مِن عترته قومٌ حنفاء، اتصلت بهم أرواحُ الشرفاء في هذه البلدة المباركة، فانتشر ذلك النور، الذي خبره وظهوره، في العالم الأعلى أعظم من ظهوره في الأرض، وإدراك أهل السماوات له أعظم مِن إدراك أهل الأرض، ولم يزل الأمر كذلك قائماً على الستر من الله ليذهب أهلُ الأوهام، في أوهامهم وأهل الظلام في أظلامهم، في أعمارهم إلى المبلَغ الذي قُدّر عليهم، ويموتوا على ذلك البُعد ثم تنكشف الستارة، وتظهر الحقائقُ أمام الناس جهارا، وكلٌّ يعرف أين كان ومن كان، وما مقدار صلته بالرحمن وحبيب الرحمن محمد.
سمعتم في مثل الشاب، هداه الله، ونسأله عز وجل أن يهدي أبويه، ويهدي أهله، ويهدي عائلته وأسرته إلى الإسلام، لا يتعرضون للخلود في النار ودخولها، وكم من شباب أمثال هذا، في أوقات انتشرت فيه البلايا والمحرمات والمخدرات والمسكرات والكذبات على الإسلام والتشويهات وما إلى ذلك، ولكن لهم فِطَر خلقها مَن فطر، إذا ذُكِّرت بالحق حنّت وأنّت وطلبت، ومن فيض فضله، أنَّ كريم سُنته أن ييسر السبيلَ إذا قد تعلّق القلب، وإذا قد تشوّق للقُرب من الرّب، جل جلاله وتعالى في علاه.
وسمعتم في مثل ما ذكر لكم من قصة، أن الأساس المرتكز عليه وصولُ هذا النور، محمد، آثاره التي برزت في معنى مسجد، أو معنى من يترجم معاني الفاتحة، أو معنى ترجمة الفاتحة راجعة إليه، ولذلك إذا وصل عند محطة فيها ذكرى أخباره أو شي، أخذت قلبَه ولبَّه، لأن الهادي إلى الله بأمر الله، بإذن الله، محمد بن عبدالله، ولذلك جاء الخطاب من ربّ الأرباب (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ* صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) فماذا عند أهل الكلام الكثير من أهل الأرض؟ ماذا عند أهل الاغترار؟ ماذا عند أهل العُجُب؟ ماذا عند أهل الاستكبار؟ على ظهر هذه الأرض، ألهم ملكُ الأرض؟ أم لهم ملك السماء؟ وهم في وهمِ المُلكِ الصغيرِ الزّائل يذهبون يمنة ويسرة ويجنّدون قُواهم ليتوصلوا على ما توهّموه ملكاً، ويشاهدون أمام أعينهم أنهم في هذا الملك، هذا على غير مرادِهم، وهذا ما يقدرون عليه وهذا فوق مستواهم وهذا ممكن يجي بعد مائة سنة في نظرهم وهذا ممكن يزول، وهذا يأتي بخلاف ما تصوروا، وهذا ينهار عليهم، أي ملك هذا؟ (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ)
يا أهل الحضارات: صيرورتُكم إلى الجبار، يا أهل الرئاسات صيرورتُكم إلى الجبار، يا حكومات يا شعوب يا مؤسسات، يا دول يا صغار يا كبار، يا مغترِّين، يا معجَبين، صيرورة الكل إلى واحد، اسمه الله، هذا اسم عجيب، يُحيي اللهُ به كم من قلوب، والله يجعل قلوبكم تحيا بذكره (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، املأ هذه القلوب طمأنينةً يا مقلّب القلوب.
وهذه الاغترارات السائدة منعت الناس عن إدراك الحقيقة، حقيقة التي سمعتم أخبارها في صوتين سمعناهما في المجلس، صوت صاحب الذكرى في مثل هذه الليلة انتقل إلى رحمة الله الإمام عبدالله بن حسين بن طاهر عليه رحمة الله تعالى، عاش حياته مُدركاً سرَّ الحياة متذلِّلاً لمولاه، يرى أنه سُبِق وهو سابق، ويرى أنه تُقدِّم عليه وهو الأقدَم، ويقول:
كلٌّ تزوّد وولّى ** وين جاء بن حسين
يقول النبي في الحديث: أدبني ربي فأحسن تأديبي. وبسرّ هذا الأدب تعلّم مثلُ هذا الإمام حسنَ الظن في عباد الله، ومخاطبة النفس بالاتهام وبالانصاف وبالتأديب والتهذيب.
كلٌّ تزوّد وولّى ** وين جاء بن حسين
يعني نفسه، عبدالله بن حسين، من عبدالله بن حسين؟ العالم، المنيب، كثير البكاء في الخلوات والظلمات، طويل السجدات، كثير التلاوة للقرآن. 25 ألف لا إله إلا الله كل يوم، 25 ألف صلاة على النبي، بحضور، موفور، بوُجهة، عجب، و25 ألف من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صاحب الأعمال هذه كلها، هو يقول وين أنا..
ما شوف شي زاد عنده ** وين زاده فين
أظنه إذا ولى يقول أهوين
يتندّم ويتحسر في الآخرة، يخاف على نفسه الحسرة، عجب شان هؤلاء القوم مع الحيّ القيّوم، جل جلاله. هم أدركوا سر الحياة، وقاموا بالصدق مع الله، يقول في قصيدته الأخرى :
يا رب ما معنا عمل ** وكسبنا كله زلل
لكن لنا فيك أمل** تحيي العظام الرامّة
وسمعتم كيف كانت الحياة وكيف كانت الوفاة، وكيف كان همُّهم في أداء هذا الواجب، الآن هذا يسلم من قريب قبل سنتين يدخل دائرة الدين يشعر أن هنا أنوار وأسرار واجب نقلها للعالم، وقلوب عندنا ميّتة ما تحس بهذا؟ ما تشعر بهذا؟
جاء الإمام محسن بن علوي السقاف إليه في المسيلة، فرحب به، فأخبره أنه يريد زيارة تريم، فأجابه: يا ما أحسن تريم وزيارة تريم لكن أمامنا مهمة ، أهل تريم على خير وفي خير وفيهم العلماء، أنت عندك علم وأمانة، وهذه القرى محتاجة لهذا النور، محتاجة لهذا الخير، انزل في القرى، ذكِّر الناس، علِّمهم أجِّل الزيارة الآن، هذه مهمتك وواجبك، ومكث عنده أسبوعا أو يزيد، في حواليه من القرى، وبعد هذه المدة رجع إليه، فقال له: الآن اذهب زر تريم، ثم كتب له بعد ذلك: بسبب خروجكم في القرى من حوالينا وسَّعنا الروحة عندنا في العصرية يحضرون الناس بسبب خروجكم وتذكيركم في القرى أقبل الناس على الدين وزادت الروحة عندنا فوسعناها، هذه ثمرة الدعوة. همهم في الناس لإيصال النور، لإيصال الخيور، رغبة في رب الناس لا يريدون من أحد مرتّب يعطيهم ولا وظيفة يوظفهم فيها، ولا سلطة ولا يريدوا صوتا في انتخاب، ولم يقصدوا شيئا من ذي المقاصد، يريدون أن يوفوا للرب العهد، يطلبون رضاه، يبحثون عن رضاه، يبحثون عن رضاه، يقهرون أنفسهم من أجله، يذمُّون أنفسهم من أجله، يقهرون أنفَسهم من أجله جل جلاله.
طلبوه، عرفوه، فأرادوه، فتوجّهوا إليه، فهذّبوا نفوسهم له، ومن أجله جل جلاله، وهذه مسالك النجاح، وسفُن النجاة لأهل الفلاح، عليه رضوان الله، عند الموت لما قالت زوجته لا إله إلا الله قال إن قصدتِ الذكر فاذكري الله سراً أو جهراً وإن قصدت تلقيني فقد مزج الله التوحيد بلحمي ودمي، لا إله إلا الله، هو صاحبها، ومات، وبعد أربعة عشر سنة من وفاته مات أحد أولاده عبدالرحمن، وجاء الحفار يحفر في هذا المكان، فجاءت المسحاة إلى جهة القبر، إلى جهة القبلة، فهدّ الجدار وإذا بهذا الإنسان مطروح كما ساعة وُضع بعد 14 سنة، كأنه الآن مات، روائح مسكية زكيّة، وجسد طريّ، في مكانه، أكبّ عليه يقبّله، لما تجد روحه من المحبّة والمودة وما صبر حتى جاء إلى اليد وخرّجها يقبلها من الكفن، قبل يده وردها محله وجده كأنه الآن مات هذه نتائج تظهر لأهل هذه المناهج.
الصوت الثاني الذي سمعناه: عبدالرحمن بن علي، يصيح يبكي يرثي لحالة الذين أعرضوا، تولَّوا، استبدلوا الصفات الصالحة بصفات ساقطة هابطة ورضوا لأنفسهم بذميم الصفات، بسييء الأخلاق، بالمبغوضات، عند الرب تكون فيهم، صاح عليهم وناح وبكى وقال: تشبهون من؟ وهذا صوت من صوت الحزن على عباد الله، لتحريك القلوب لتنال رضى الله ، وأيضاً عبدالرحمن بن علي لا يريد تصويتاً من أحد، ولا يريد وظيفة من أحد، ولا يريد مرتبا من أحد، ولا يريد مدحا من أحد، لكن من أجل الواحد الأحد ورث محمداً في رحمة الخلق، في نُصح الخلق، في الرأفة بالخلق، في تحريك هِمَم الخلق، في تقريبهم إلى الخالق جل جلاله، فاتضحت السبيل لكل عاقل يدرك سرَّ حياته، سر وجوده، ما يمنع عن التذلل لله، إلا هذا الاغترار بالأوهام والخيالات الباطلات الفاسدات، التي تروّج لها إعلاميّات وطرق ونشرات ووسائل كثيرات، يروّجون لها، ينتزعون من الناس حقائق اليقين والمعرفة أو يسدّون أبوابَها عليهم والعياذ بالله تعالى، ويستبدلونهم بعد ذلك أن يضعوا في محل الألوهية، ومحل النبوّة والعصمة ومحل الولاية سقَطَة، فسقَة، فجَرة، كفَرة، يُحشرون يوم القيامة من أشدّ الناس سواد وجوه وذلَّة تغشاهم من كل جانب يوم القيامة، يُسحبون لهم من حقوق النبوّة والرسالة، يعطونهم من حقوق الولاية يعطونهم، من حقوق الألوهية يعطونهم ما هذا؟ قال لك المفكر الفلاني قال، الولي قال!! الولاية ليس لها مقام عنده، لا ادري ما الذي جعل الكافر ذاك أعظم في نظرهم من ولي؟ الله! بعدين شوف الحديث، قال يمكن ما ادري من رواه لكن في تحليل من عند فلان، الله أكبر، ذحين خصائص النبوة بتجيبها لهؤلاء الفسقة والفجرة، يا مؤمن! أين لا إله إلا الله؟ ليه ذا الغرور إلى هذا الحد؟ دخلوا ساحات قلوبنا، دخلوا ساحات عقولنا، لعبوا بنا من وسط بيوتنا ومن خارج بيوتنا، كشف الله ضرهم عنا وعن المسلمين.
وأمامنا أمر عظيم، وواجب كريم، وكما رأيتم هذا إنقاذ من الكفر، من النار، من البعد من الغفلة، الحمد لله لما جاء إلى ذا البلد رأى أنه أدرك حقيقة من الإسلام، الحمدلله، على ما أدركت، وما وراء ذلك أكبر، هو دين ربك، هو دين خير خلقه محمد، فمهما عرفنا عنه فوراءنا معارف ووراءنا حقائق في عظمة هذا الدين، ويُعرف قدرُه من عند الغرغرة إلى الأبد، يعرف الناس عظمة محمد ودينه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أي الحضارات؟ أي القيادات؟ أي التفكيرات؟ أي أهل المبادئ؟ أي أهل المؤسسات؟ ويقول واحد منهم أنا لها في يوم الحكم الكبير؟ من؟ من منهم؟ من منهم؟ فأنزلهم منزلتَهم واعرف منزلة هذا من هو، تضيِّع سنته من أجل كلامهم؟ تضيع محبته من أجل أباطيلهم وأضاليلهم؟ ليس فيهم من يقول أنا لها، لكن حبيبي محمد يقول أنا لها، في أي موقف؟ موقف كلٌّ خضع فيه، كلٌّ تذلل فيه، والملاكة سكتوا، والأنبياء سكتوا، فمن دونهم؟ من بعد ذلك؟ وهو يقول أنا لها، اعرف القدر، اعرف الحقيقة، لماذا تغرك هذه المظاهر؟ والبلبلة وزخرف القول الغرور، وحي الكفرة يقطعك عن وحي رب العالمين، عن وحي نزل على قلب لم يخلق الله مثلَه في الأرض ولا في السماء، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فيجب أن ندرك مهمتنا في العمر ونتذلل للرب جل جلاله، نطلب حقائق هذه الذلّة، ننفي عنا هذه الخيالات والأوهام الفاسدات من تعظيم ما ليس بعظيم عند رب الأرض والسماوات جل جلاله وتعالى في علاه، (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)، وساعة المحكمة الكبيرة مقبلة، (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) لِم يسحبون على وجوههم؟ لأن الله هيّأ الوجوه تتوجه إليه، فتوجهت إلى معصيته وإلى الكفر به وإلى معاداته فيُسحبون على وجوههم، (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ* إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)
يا أيها المغتر في هذا العالم: بأي شيء كان أمثالك قد مضوا، تريد قبل 100 سنة، تريد 1000 سنة، قبل 2000، أمثالك قد مضوا! (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) ومع ذلك فالأمر مضبوط ومربوط ومزموم، (وكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) فمن يفوز إذاً عند النهاية؟ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) اللهم اجعلنا منهم وأدخلنا فيهم (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) مليك مقتدر، مليك ما يمرض، مليك ما يكذب، مليك ما يغلط، مليك ما يموت، الله، (عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) ونعم العنديّة، اجعلنا عندك يا رب، معهم يا رب
في مقعد الصدق الذي قد أشرقت ** أنواره بالعند يالك من سنا
والمتقون رجاله وحضوره ** يارب فألحقنا بهم يا ربنا
وافتح الباب لفهمِ هذه الأسرار لهذه القلوب حتى يقوموا بمهماتهم، مبرَّئين من العيوب، في ما يبقى من أعمارهم قاصدين وجهك يا مقلِّب القلوب، حتى ينهضوا بالوفاء بالعهد، ويموت كلُّ واحد منهم على المحبّة والودّ، آمين يارب العالمين، لا تسلّط عليهم النّفوس ولا الشياطين، ولا الأهواء ولا الكافرين.
يارب العالمين كن وليّنا وخذ بأيدينا واحرسنا حيثما كنا، واجعلنا في حصنك الحصين، وحرزك المتين، لا تعرّضنا للفساد ولا للضرّ ولا للغفلة ولا للشرّ في ما بطن وفي ما ظهر، يا الله، أنت الخالق ولا خالقَ غيرك، وأنت الرازق ولا رازقَ غيرك، وأنت المليك ولا ملكَ غيرك، وأنت الحي القيّوم، وأنت الدائم الذي لا يزول ملكُه، وأنت الذي تجري الأفلاك، وأنت ملك الأملاك، وأنت الذي بيدك وحدك أمرُ النجاة والهلاك يا ربنا آمنا بمحمد خاتم الرسل، فشفِّعه فينا، وانظر إلينا بك، وسر شهادة أن لا إله إلا أنت، وأن محمد عبدك ورسولك وطِّد لها في قلوبنا، وقوِّها في أرواحنا، سِر بنورها في سرائرنا، اجعلنا عندك من خواص أهلها يا الله، واسعد مع السعداء وقل يا الله، في طلبِ هذا المطلب الأعلى الأسمى، تعلّم هذا الطّلب من الرب، فإنه قلَّ من يطلبه، وقلّ في الطالبين من يطلبه بحقّه، صادقاً فيك، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، يا ربنا، اجعلنا من خواص أهل شهادةِ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثبِّت علمَها في قلوبنا، اغفر لنا ذنوبَنا، اجعلنا ممن تحقق بحقائقها، ولزم طرائقَها، وحييَ ومات عليها، وبُعث يوم الشَّهادة عليها، مع كُمّل أهلها، وسيّد أهلها أرِنا وجهه، وسيّد أهلها أكرِمنا بمرافقته، سيّد أهلها اجعلنا في زمرته، وسيّد أهلها أورِدنا على حوضه المورود، وسيّد أهلها أكرم اكفّنا بمصافحته، واكرِم اللهم شفاهَنا بتقبيله، وأدخِلنا معه إلى دار الكرامة، وأنت راضٍ عنا بجاهه عليك، ومنزلتِه لديك يا الله، يا الله، يا الله، يا غوثاه يا ربّاه، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
17 ربيع الثاني 1436