(228)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 3 صفر الخير 1443هـ في دار المصطفى بتريم، بعنوان:
آثار دعوة المبعوث بالحق وعجائب دوامها وانتشارها في أمته
الحمدُ لله على ما يُرينا ويُري الأمَّة مِن ثمراتِ غَرسِ المصطفى محمدٍ ونتائج جِدِّهِ وجُهدِهِ، وما خَصَّهُ الحقُّ سبحانه وتعالى به في قلبِه من الرَّحمةِ التي هي أصلُ الرَّحمَاتِ الي يُبرِزُها الرحمنُ للبرايا في الظَّواهِرِ والخَفَايَّا؛ وعبَّر عنها بقوله: (إنَّما أنا رحمة مهداة) وحدَّثَ عنها إلهه فقال له: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وهي آياتٌ مِن آياته، ومِن معجزاتِه بقاءُ هذا الخير إلى قلوبٍ تمتلئ بمعاني من شريف المحبَّة والرَّغبات العالية المُتَحَرِّرَة مِن آثارِ النفوسِ ودعواتِ إبليسَ وجندِه المُزَيَّنةِ المُزخرَفةِ بأصنافِ الأقاويلِ والأباطيلِ والأضاليلِ والزخارفِ واللَّهو التي أصابت قلوباً كثيرة. فتجد مثلَ هذا القلب – إشارة إلى طالب بريطاني تحدث قبله- من حدودِ نحو العام كان دخولُه إلى الإسلام، وشهر له في تريم؛ ويذوق مذاقَ طلبِ المرافقةِ للنبوَّة! أن يتخلَّصَ من آفاتِ الانقطاعِ عن الرَّكبِ الأعلى في الآخرة؛ هذه آثار "محمدٍ في أُمَّتِهِ وآثار دعوته صلى الله عليه وسلم، ثم يذوق مذاقَة أنَّ مثلَ هذه البلد التي عُجِنَت بنور إرثِه ومتابعتِه وخلافتِه صار لها شأن! ربما ما يَصِل إلى هذا الذوق كثيرٌ مِن أهل الإسلام والإيمان!
والذي تحدَّثَ عنه أن ما تُصادفُه الأجسام مِن تعبِ حرارة الجو ما كانوا يعتادونها في أجسادِهم تَخِفُّ بنورِ المحبة وسرِّها، وقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول في المدينة فيمن سكنَها وصبرَ على لَأْوائها وشدَّتِها: (.. كنتُ له شفيعا)؛ يُعَلِّمنا أنَّا إذا جئنا إلى مثلِ تلك المواطن أن لا ننظرَ إلا المحبوبَ فيها، وإلا الطيّب فيها، وأن يَسهُل علينا لأواؤها وشدَّتُها التي فيها ثم نظفر بالشفاعة والمرافقةِ لنبيِّ الشفاعة.
وتلكم الغايات التي تنتهي إليها أمانيّ أهلِ هويَّةِ الإيمان؛ مَن صَدَّقَ الرحمنَ فيما أنزل على المرسلين وصدَّقَ حبيبَه الأمين صلى الله عليه وسلم المبعوث مُصَدِّقًا لجميعِ النبيِّين والمرسلين الذين نابوا عنه قبلَ وجودِه. وقامت النيابةُ بعد وجودِه فينا بيَّنةً واضحةً بحمدِ ربِّ العالمين جلَّ جلاله..
{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} سيدنا ومولانا: سَمِعَت آذانُ قلوبِهم ذاك النداءَ ولا تزالُ تُسمِعُه بفضلك قلوبًا ترتضيها وتنتخبُها إلى آخرِ الزمان؛ اللهم فلا تدع قلباً في الحاضرين والسامعين إلا أسمعتَه النداء، ورزقتَه طيِّبَ الإجابةِ والتلبيَّةِ لذاك الهدى، يا ربَّ العالمين، يا عالمَ ما خفيَ وما بدا زَيِّن قلوبَنا بسماعِ النداء والمُنَادِي، وتلبيتِه على الوجهِ الذي يُرضيكَ في الخافِي والبادي.. يا الله..
وإذا فتحَ مِن خزائنِه -جَلَّ جلاله- ما ينظر به إلى قلبٍ يَستجِيبُ له الدعوةَ في حاضرٍ أو سامعٍ فيُمسِي ليلتَه وحالتِه أخرى غير ما كان عليه؛ وهو أجَلُّ، وأعلى، وأرفعُ، وأعظمُ، وأغلى؛ من سِرِّ السَّماعِ لنداءِ المنادي والارتباطِ به وهو أكرمُ هادي صلى الله عليه وسلم، فما أعظم ما يؤتي الحقُّ مَن قَبِلَ فيه هذا الدعاءَ وأكرمَه بسماعِ النداء {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
يا ربَّ العرش ما حَضَرَ الحَاضِر ولا استمعَ المُستَمِع من حيث ما هو لهذا الكلام إلا وهو يرجو منك عفواً ومغفرةً وقُربَاً منك ومِن رسولِك المصطفى محمد؛ فلا تُخَيِّبنا ولا تخُيِّبهم {وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ} ولا تُعَرِّض أحدا مِنَّا ومنهم للخزيِ يوم القيامة.. يا الله {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}
اللهم وقد قلتَ عن أولئك القوم: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} فاستجِب لنا، واقبل ما أعطيتَنا ووفَّقتَنا له من العملِ الصالحِ في ذكورِنا وإناثنا.. يا الله {..لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ..} – هل تجدون عند غيره أحسن؟!- {وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ} -هم وحضاراتهم وعسكرُهم وجندهم وتكنلوجياهم وما عندهم-: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ..} -القوم أولئك– {..لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا..} – ضيافة- {..نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ} فَيَا فوز مَن استجابَ لهذه الدعوة..
وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا..} ما يغرُّهم شيء مِن هذا الذي يُلعَب على الناس {.. لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ما الذي وجدوه مقابلَ هذا الزائف؟ {أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} حَصَّلُوا الدائم، حَصَّلُوا الباقي، حَصَّلُوا الكنوزَ العظيمة، حَصَّلُوا نعيمَ الأبد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
اجعلنا من المفلحين يا الله، لا تدَع في المجمع ولا مَن يَسمَع إلا كتبتَه عندك مُفلِحَاً مُبَارَكَاً مُوَفَّقَاً مشكورًا سعيُه نَاجِحَاً..
يا الله .. يا الله.. يا الله..
وفرجًا للمسلمين عجِّله، وكشفًا للشدائد والكروب أسرِع به، وغَوْثَاً منك أغِثنا به والعباد
يا سريعَ الغوث غوثاً منك يُدرِكنا سَرِيعَاً ** يَهزِمُ العُسرَ ويأتي بالذي نرجو جميعاً
يا قريـــبا.. يا قريــــبا
هو القريبُ اللي جاء بكم، وهو الذي فتح لكم بابَ الدعاء، وهو الذي وفَّقكم لدعائه، وهو الذي يسمعُكم وهو الذي يُجيبُكم
يا قريباً يا مجيباً يا عليماً يا سميعاً ** قد تحقَّقنا بِعجَزٍ وخُضوعٍ وانكسارِ
قد كفاني علمُ ربِّي من سُؤالِي واختِيَاري
حاجةً في النفس يا ربِّ فاقضِهَا يا خيرَ قاضي ** ....
ارفعوا حاجاتِكم.. أهلَ الجمع وأهلَ الاستماع ارفعوا حاجاتِكم إلى القريبِ المجيب النَّاظر لكم، مَن بيدِه ملكوتُ كلِّ شيء، وسَهلٌ عليه كُلُّ شيء.. لا إله إلا هو
حاجةً في النَّفسِ يا رب فَاقضِهَا يا خير قاضي** وأرِح سِرِّي وقلبي من لَظَاهَا والشُّوَاظِ
في سرورٍ وحبورٍ وإذا ما كُنتَ رَاضِي ** فالهنا والبَسْطُ حالي وشِعَارِي ودِثَارِي
أما تعلمون أنَّ استجابتَه لمثلِ هذه الدعوة في هذه الساعة يُطفئ نيران مؤتمراتٍ كثيرةٍ تُعقَد وتخطيطات تُدَبَّر.. وتذهب بلاش {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} فهذه مجالي قوَّتكم في الاتصالِ بالقوي.
ثبَّت الله قلوبَكم وأقدامَكم على المنهجِ السَّويّ، وحماكم وأهليكم وأولادَكم في عباداتكم وعاداتِكم مِن كُلِّ شيطانٍ مُضِلٍّ غويٍّ، ثَبِّتهم يا رب، وأصلح لنا ولهم شأننا في الدارين يا ربَّ الدارين بسيِّدِ الكونين، وفرِّج الكروبَ عنَّا والأمةِ أجمعين.
واجعل أيامَنا في قُربٍ منك، وفي دُنُوٍّ مِن حَضرتِك، وفي فَهمٍ عنك، وفي معرفةٍ بك، وفي رضوانٍ منك، وفي محبةٍ منك ومحبةً لك؛ كُلُّ ذلك يَزدَادُ على مدى الأنفاس حتى نلقاكَ وإلى الأبدِ يا ربَّ العالمين.. يا أول الأولين، ويا آخرَ الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا راحمَ المساكين، ويا أرحم الراحمين: حَقِّق لنا كُلَّ ذلك وزِدنا مِن فضلِك ما أنت أهلُه.. والحمد لله رب العالمين.
03 صفَر 1443