(209)
(536)
(568)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المجلس الأول للدعوة إلى الله في شعب النبي هود عليه السلام، ضمن محور القواسم المشتركة وحماية أسس الدين، ليلة الجمعة 6 شعبان 1445هـ بعنوان:
حقائق وعجائب تلبية القلوب لنداء الرحمن واستجابتها لدعوته ودعوة رسوله ومؤدّى التلبية والاستجابة إلى فسطاط الإيمان في الدنيا وكريم المراتب في العقبى
(يمكنكم الاطلاع على الصور أسفل الصفحة)
الحمد لله الحيّ القيوم خالق السماوات والأرض، وجامع الأولين والآخرين ليوم العرض، يوم يقول المُكذّبون والمُنكرون والمُلحدون والرَّادُون لدعوات الأنبياء (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) فتجيبهم الملائكة (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
وصدق المرسلون، صدق الله وصدق رسله، صدق الله وصدق أنبياؤه، صدق الله وصدق خاتمهم وإمامهم محمد بن عبد الله الصادق الأمين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وعلى النبي هود وآله وصحبه، وعلى آدم وشيث بن آدم وإدريس، وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب، وموسى وهارون، وعلى داوود وسليمان وعلى زكريا ويحيى وعيسى بن مريم وآلهم، وما بينهم من النبيين والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، عدد ما خلق وملء ما خلق وعدد ما في الأرض والسماء وملء ما في الأرض والسماء، وعدد ما أحصى كتابه وملء ما أحصى كتابه، وعدد كل شيء وملء كل شيء، كل صلاة من تلك يملأ الله بها قلوبنا إيمانًا ويقينًا ويقبلنا في مجامعنا هذه وينفع بها العالمين، وينظمنا بها في سلك حبيبه الأمين وجميع أهالينا وأُسرنا، ويجعل قلوبنا مُلبِّية لندائه، مستجيبة لدعوته ودعوة رسوله خاتم أنبيائه، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وآلهم وأصحابهم وتابعيهم وعلينا معهم وفيهم.
أيها الجمع الكريم المبارك: تتهيّأ القلوب في مثل هذه المواطن ومثل هذه المجامع، لأن تُلبّي وأن تشعر بعظمة النداء لعظمة المنادي، وأن المُكوِّن المبدع الفاطر تكرَّم فنادى وأرسل الرسل، ودعانا على ألسنتهم إليه تكريمًا لنا وتشريفًا وتفضُّلًا منه علينا جل جلاله وتعالى في علاه.
من أعرض عن ذلك الفضل وذلك الكرم وذلك الإحسان لا يغنيه ولن يغنيه أبدًا وسرمدًا أي شيء آخر سِوى ذلك كائنًا ما كان، مِن مظاهر هذه الحياة وزخرفها ومالها وثرواتها وسلطاتها وشهواتها وأهوائها، وجميع ما فيها، والله ليس فيها شيء يكفي عن هذا الفضل ولا يُغني!
من حُرِم هذا الفضل فهو الشقي وإن ملك الأرض وولى وعزل، من حُرِم هذا الكرم الإلهي بإعراضه وإدباره فهو الخسيس وهو اللئيم وهو المبعود وهو المطرود وهو المعذَّب وهو المحجوب، (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) والعياذ بالله تبارك وتعالى، (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) مِن أنواع الذنوب والمعاصي التي ظنوا فيها راحة أو لذة، فما جَنوا منها إلا غمًّا وهمًّا وكربا في الدنيا وليس عاقبتها لكل من رفض دعوة الله إلا عذابًا شديدا لا يطيقه في العُقبى، تلكم هي الحقائق (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
وإن الذين يخرجون عن هذا الغرور هُمُ الذين يتهيّئون في زمانكم هذا وهذه الأوقات المُقبلة لأن يصطفّوا عند افتراق الناس في فسطاط الإيمان الذي لا كفر فيه ولا نفاق، كما أنهم متهيئون بهذا الإدراك وبإدراك هذه الحقيقة وذوقها والعمل بِمُقتضاها أن يصطفّوا في الثمانين الصّف من هذه الأمّة في يوم القيامة، والثمانون الصف من هذه الأمة هم أهل الجنة وأربعون من بقيّة الأمم، أهل الجنة يوم القيامة: مئة وعشرون صفًّا ثمانون من هذه الأمة وأربعون من بقيّة الأمم، مع أننا لسنا في الأمم قبلنا إلا كمثل شعرة بيضاء في جلد ثور أسود، لكن بالنسبة لدخول الجنة ثُلثي أهل الجنة من أمة محمد بن عبد الله ﷺ.
فالحمد لله على هذه النعمة، هم بهذه المدارك والعمل بِمُقتضاها يتهيئون لأن يستظلّوا بظل العرش وأن يجتمعوا تحت لواء الحمد، حيث النبي هود موجود، ومن قبله النبي نوح موجود، ومن قبله النبي إدريس موجود، ومن بعده النبي صالح موجود تحت هذا الظل، تحت لواء الحمد.
ومن قبلهم شيث بن آدم وآدم موجود، ومَن بعدهم أيضًا من قوم موسى ومن قوم إبراهيم عليه السلام، ومَن بعدهم ومَن قبلهم إلى عيسى بن مريم، و"لواء الحمد - يقول سيدنا - بيدي يوم القيامة، آدم فمن دونه تحت لوائي" أنعِم بك وأنعم بلوائك، ولا يدخل تحته إلا أهل الجنة مَن رحمهم الخالق ورضي عنهم، وكل من خالفك يا عبد الله يا محمد، يا عبد الله يا أحمد، يا عبد الله يا بشير يا نذير، يا عبد الله يا سراج منير، يا عبد الله يا خاتم الأنبياء، كل من خالفك وكل من عاندك وكل من خرج عن دربك وسبيلك وقد وصلته دعوتك، فلهم جهنم وبئس المصير، (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا) والله إنها الأمنِية التي يتمنونها وتُنازِل قلوبهم وإن جحدوا وإن عاندوا وإن ألحدوا، سيتمنّون أنهم اتّخذوا مع هذا الرسول سبيلا، وسيعلمون أن العلائق التي قامت بينهم لأجل قضاء شهواتهم وأغراضهم في الحياة الدنيا شؤم عليهم وسوء عليهم وشقاء عليهم، (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا).
إن أهل هذه القلوب المستجيبة لنداء الله وجعل الله قلوب جميع الحاضرين والسامعين والمتعلقين بهم ومن في بيوتهم منها يا أكرم الأكرمين، إن أهل هذه القلوب المُلبِّية لنداء الله خالقها جل جلاله وتعالى في علاه، وهل مِن نداء ستصادف أعظم من هذا النداء؟ أنِداء نفوسهم أم نِداء نفوس غيرهم؟ أم نِداء أهوائهم أم نِداء أهواء غيرهم؟ أم نِداء غربي أو شرقي أو عربي أو عجمي أو إنسي أو جني يكون أعلى من هذا النداء؟! أو أحسن أو أجمل أو أفضل؟ لا يُصادف مخلوق نداء أعذب ولا أطيب من نداء الخالق، مِن نداء البارئ المُصوِّر الفاطر الموجد المُكوِّن، الذي أحاط بكل شيء علماِ وأحصى كل شيء عددا، وهو على كل شيء قدير مالك الملك جل جلاله وتعالى في علاه.
تلبية هذا النداء شرف ما فوقه شرف، نداء من الرب تُلبِّيهِ أنت بواسطة ما آتاك من هذا الجهاز القلب، الذي لا يفوق أي جهاز على الإطلاق في المخلوقات والمصنوعات، هذا الجهاز الصالح لمعرفة الإله، هذا الجهاز المُهيّأ لِتجلّي الحق تعالى في علاه وظهور نور الحق فيه، جهاز غالي مقامه عالي موهوب بالفضل الرباني ما يستطيع أن يهبك إياهُ أحد غيره أصلاً لا من قريب ولا من بعيد ووهبه بالفضل والاحسان، مِن دون أن تسأل، من دون أن تطلب، مِن دون أن تتسبب بأي سبب.
(واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أوتيتم هذه الأجهزة الغالية أيها الأحباب، أجهزة ما تلتقط حجاب وراء الحجاب ومادة ومن وراء المادة، جهاز يلتقط معرفة المُكوِّن، يوقِفك وأنت في الدنيا قبل الآخرة على لَذّة لا المشروبات ولا المطعومات ولا المنكوحات ولا الملبوسات ولا المركوبات ولا السلطات ولا الجاهات والسُّمعة في العالم يساوي عُشر معشار ذرةٍ من لحظة من لحظات تلك اللذة! هذا وأنت في الدنيا، أما حقائقها فأكبر والله وأجلّ، ثم ينادي أصحابها بِذاكُم التلطُّف وذاكم التكرُّم "هل رضيتم"؟ يقولوا يا ربنا كيف لا نرضى؟ ألم تبيُّض وجوهنا؟ ألم تُنجنا من النار؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تعطينا وتعطنا؟ والرحمن يقول: "ألا أعطيكم ما هو أفضل من ذلك"؟ يا ربنا ما أفضل من ذلك؟ يقول تعالى "أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
فلا ترى ماذا يُنازِلهم، لا تستوعب ماذا ينازل بواطنهم وأرواحهم ومشاعرهم من لذة لا تُكيَّف ولا تُصوَّر بالأوهام، "أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا، "لبَّوا النداء في الدنيا فكان النداء الأطيب في تلك العُقبى "أحل عليكم رضواني" قبلتم شريعتي، قبلتم منهجي وقرآني، قبلتم سنة نبيي ولبيتم، وأنا اليوم أُحِلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا".
يا أهل الجمع: ليس ليس في العالم شيء يُكتسب أغلى مما يُكتسب في هذه المجالس! وعِزّة الله المعبود الحي القيوم الذي بيده ملكوت كل شيء: ما يُكتسب في مثل هذه المجالس تَرِكةُ محمد بن عبد الله، ومواريث أصفى أصفياء الله وخاتم أنبياء الله وأحب أحباء الله، المليء القلب بالرحمة، المليء القلب بالعطف والحنان، ولذا مثل هذا المجلس مع أنه ما عُقِد إلا بفضل إلهي رباني خالص ومَنّاّ من الرحمن، يُصادف من ذاك القلب فرحًا واغتباطًا وعطفا ولُطفاً ورأفة ورحمة مِن عبد موصوف من قبل السيد الخالق للعبيد، بقوله (لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)، بالمؤمنين رؤوف الرحيم، بهذه المعاني نستطيع أن نقول قولًا ينفُذُ عند علام الغيوب، هنا وفي يومٍ تُقلَّب فيه القلوب أن المجلس من مجالسه أو أن المجلس مجلسه، لأن الأمر أمره والدعوة دعوته والسُّنة سُنته، والقرآن هو الذي نزل عليه، والمنهج منهجه والباب هو إلى الرب، والمهمّة مهمته والأمّة أمته، والذريّة ذريّته والإرث إرثه، فماذا معنا في المجلس غيره؟ مجلسنا كله منه ومنسوب إليه، بكم اشتريتم الجلوس فيه؟ من هيّأكم؟ من وفّقكم؟ من أحضركم؟ من يسّر الأمر لكم؟ من كتب أن نلتقي هذا الملتقى بهذا المعنى وتحت هذه التنزّلات وتحت صفوف ملائكةٍ إلى السماوات، خبر المجلس هذا وإن كان يُنشر بعض هذه الأجهزة هنا وهناك خبره في السماء أرجح وأوسع وأكبر وأرفع، شأنه في السماء أعظم مِما يشعر به أهل الأرض، هو الذي وفقكم، هو الذي أحضركم، هو الذي منحكم، وما نرى صادقًا يحضر فيأخذ مِن سرّ الاجتماع وسرّ الوِجهة إلى الرحمن صِدقًا في الوجهة إلى الحق جل جلاله وتعالى في علاه إلا هُيِّئَ من ذلك المجلس لمجالس في البرزخ، ومجالس في مواقف القيامة في ظل العرش تحت ذاك اللواء على الحوض.
وأقول إن السُّعداء في القيامة هم أهل ظل العرش وأهل لواء الحمد، وأهل الحوض المورود حوض نبيّنا وأحواض الأنبياء هم هؤلاء السعداء ليسوا غيرهم، ومع ذلك أقول: إن هؤلاء السعداء ليسوا على مرتبة واحدة ولا درجة واحدة، لا في ظل العرش ولا تحت لواء الحمد ولا على الحوض، فَمِن وارد أول من وارد آخر ومن وارد متوسط، ومن مأذون له أن يشرب بيده ومن مَسقيٍّ بيد علي أو يد فاطمة، ومن مَسقيٍّ بيد الحبيب، ومن مسقيٍّ بأيدي أهل الكساء كلهم بمن فيهم سيدهم وإمامهم، فهل استوى أهل الحوض؟ والذين في ظل العرش كذلك وتحت اللواء.
وماذا تحت اللواء؟ ماذا تحت اللواء؟ ما من نبيٍ إلا هو تحت ذاك اللواء، وأصحابهم وآلهم وخيار أممهم، والمؤمنون من أممهم كلهم تحت ذاك اللواء، فما الذي تحت هذا اللواء؟ نظرُ الحاكم في يوم القيامة، نظر مالك يوم الدين بالعناية والرِّضا عن هؤلاء، تحت اللواء سيدهم، حامله بيده، فلو رأيتَ قُرب خواصِّ وَرَثته من خواص أحبابه وهو حامل ذاك اللواء بجانبه الشريف، وما يتلألأ من أنوارهم في حقائق ذلكم المنّ الرباني والود الرحماني لقُلتَ هذا الملك الكبير، ولقُلتَ هذا الفضل العظيم، ولقلتَ أين أنا في غفلة عن أمرٍ ليس كمثله أمر، فهو في حد ذاته وفي مطويِّه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والجنة بعده، مَن لم يدخل تحت هذا اللواء لم يدخل الجنة، ومن لم يرَ وجه صاحب هذا اللواء لم يرَ الجنة، وجميع أهل الجنة يجتمعون تحت هذا اللواء، المُرفرف سرّه ومعناه على مثل هذه المجامع.
فيا رب اجمعنا تحت اللواء، وهم تحت اللواء من حاضر أول، ومن حاضر متوسط ومن حاضر في الأخير، ومن قريب ومن أقرب، ومن منظور ومن أعظم نظرًا، ومِن ومِن ومِن.. تحت هذا اللواء، وفيهم مِن هذه الأمة من ترقُبه أعينُ الأنبياء كلهم غِبطةً له على قربه من سيدهم، ماذا تحت اللواء؟ تحت اللواء عجائب، تحت اللواء غرائب، تحت اللواء مواهب، خير المجامع في الدنيا مجامع تُثمِر الحضور تحت هذا اللواء، تُثمِر الوصول إلى تحت هذا اللواء، تُثمر القرب تحت اللواء إلى ما هو أقرب وإلى مَن هو أقرب.
أحبابنا: هيُّئوا أنفسكم، فإن غُرور الناس بدعوات الأنفس والأهواء والشهوات تقطعهم عن إدراك هذه الأذواق وهذه الحقائق، فلا يُتصوّر مقدار ما يُحرمون ومقدار ما يُفوّتون ومقدار ما يُضيّعون، ومقدار ما يفوتهم من العطاء الكبير والمَنّ الوفير والفضل العظيم من الإله العظيم.
أحبابنا: بِتذوّق ذرّة ورؤية لمحة من هذه المعاني زهِدوا في الدنيا وما فيها وهانت عليهم، وقال سيدنا عمر بن عبد العزيز: "إنّ لي نفسًا توّاقة ذوّاقة" قالوا له كنت في أول شبابك -توفّي وهو صغير-، لكن كنت في أول شبابك قد يؤتى إليك بِحُلّة تلبس لباس بأربعمئة درهم غالي، تلمسه بيدك تقول ما أحسنه لولا خشونة فيه لو كان ألين من هذا، ما تقنع به، والآن وقد وُلِّيت الملك يؤتى لك بثوب بأربعة درهم، ليس أربعة مائة فتمسكه وتقول ما أحسنه لولا ليونة فيه، هذا ليِّن لو شيء أخشن من هذا، يأتوا لك بخشن، قال نعم، لأن لي نفساً تواقة ذوّاقة، كلما ذاقت شي تاقت إلى ما فوقها، حتى وصلت من هذه الدنيا إلى المُلك عندكم الذي أكبر شيء عندكم فتاقت إلى ما فوقها، نفسي تاقت احتقرت كل الذي عندكم هذا من المُلك وما دونه أصبح عندي حقير، نفسي ما عاد تُحِب هذا، قال الآن أنا تواق إلى ما فوق المُلك الدنياوي ولهذا رأيتموني بهذه الصورة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
ولما وزنوا عنده يومًا مِسكًا لبيت المال وضع يده على أنفه لا يشم المسك، قالوا مالك يا أمير المؤمنين؟ قال إنما ينتفع بريحه وهذا ملك لبيت المال ما هو لي، لا أشمه قبل المسلمين، ورعًا، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
وكان مِن كريم ما أجرى الله على يده مع هذا العدل رفع سبّ آل البيت على يده من المنابر التي اجترأت في سنواتٍ ماضية تسبّ الآل الأطهار، فرفعها الله على يد عمر بن عبد العزيز، فلو لم يكن في صحيفته إلا هذا وحده لكفاه أن يدخل تحت اللواء، ولذا يذكر أهل السيرة لما قبروه إذا ورقة ساقطة من السماء ينظروا فيها براءة من الله لعمر بن عبدالعزيز من النار، رضي الله تعالى عنه، وعن جميع الصادقين والمخلصين.
أحبابنا: أمامكم وقد جئتم إلى الشِّعب أن تشربوا من الشعوب السائلة المُتدفِّقة بأذواق المعارف واللطائف على أيدي الأنبياء، وسيدنا النبي هود واسطة بيننا وبين صاحب المقام المحمود، وقد أُخِذ عليه العهد مع جميع النبيين أن إذا بُعث أن يؤمنوا به ويتِّبعوه.
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) يعني عبده محمد (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ).
محمد صاحب منزلة عند الرب، محمد صاحب محبوبيّة عند رب العرش، محمد ما يُطيق عقلٌ من عقول الملائكة فضل عن مَن سِواهم أن يتصوّر حقيقة مكانته عند الإله، محمد حبيب الرب، محمد اندرجت النبيون تحت لوائه فهم.منه وإليه، فتستبدلون به من؟
ارثوا أصحابكم وإخوانكم استبدلوا بِحظهم مِن محمد فاجرًا وفاسقا وبعيدًا اغتروا بكلامه، وقلدوه في زيّه ومشوا وراه في أفكاره مساكين! استبدلوا ماذا بماذا؟ وأخذوا مَن مقابل مَن؟ إن كان (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) في التفاوت بين أطعمة في الدنيا، فكيف التفاوت بين من يُضيِّع محمدًا ويأخذ له بعيد فيخزيه يوم القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى!
هذه الأفكار التي انتشرت والمستجيبون لها على خطر عندما يأتي قريب وقت افتراق المسلمين الفسطاطين أن ينحرف إلى فِسطاط النفاق الذي لا إيمان فيه، فمِن خلال وجهاتكم ونياتكم وتفكيركم الآن في مثل ذا المجمع جئتم للشِّعب المبارك لتسقى أرواحكم من سحائب الفضل، ومن ينابيع الحكمة والعلم والنور الذي بعث الله به بدر البدور، وقال (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ) نعم الهادي الله، بهذا النور بهذه الواسطة (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) سُبل السلام، سُبل السلام الحقيقي، سُبل الأمان الدائم، سبل الأمان من الخوف الأكبر، (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
أحبابنا أحضِروا قلوبكم، اصدُقوا مع علام غيوبكم والأعلم بعيوبكم وبذنوبكم، ولن تجدوا طبيبًا ولا معالجًا لكم من الذنوب ولا من العيوب غيره وغير مغفرته سبحانه وتعالى، وستره الجميل وتبديله السيئات إلى حسنات، وليس لنا غير هذا الإله، ولا أرفع عنده مِن وجاهة أنبيائه ورسله وأصفيائه وأحبابه جل جلاله، فنحن بعد ذاته وأسمائه وصفاته نتوسل إليه بأنبيائه ورسله، وبالنبي هود وزين الوجود والأنبياء والمرسلين وورثتهم، أن ينظر إلى قلوبنا ويجعلها قوية في تلبية ندائه، صادقة في تلبية ندائه، دائمة على تلبية ندائه، صادقة في تلبية ندائه، دائمة على تلبية ندائه، مجيبة لدعوته ودعوة رسوله بكل المعاني، واهبة في ذلك أرواحها وأنفسها وأموالها وأوقاتها وأفكارها وطاقاتها، موقنةً بأن البيعة رابحةٌ (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى) وهذا الاشتراء منه تنزُّل، وإلا نحن ملكه أصلا، إيش يشتري ملكه؟ نحن ملكه، قال سأسميكم بائعين، وأنا سأشتري منكم لكن اقبلوا كرامتي بأن تبذلوا طاقتكم في نُصرتي ونُصرة رسولي وتتخلوا عن الأهواء والشهوات وسأسميكم بائعين وسأقول أنا اشتريت منكم وسأجعل لكم ثمن، فضل في فضل في فضل، وإحسان في إحسان والأمر كله له، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) أنتم تريدون ضمانات؟ تغترون بمن يعمل لكم جهاز عليه ضمان سنة أو سنتين يقولون لهم إلى عشر سنين نضمنه لك ونصلحه لك ونؤمّنه لك، قال رب العالمين تريد ضمان مني؟ (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)؟ هي شركات ولا دول أوفى من الله بالعهد؟ يكذبون عليكم ويقولون لكم وكم خانوا، لكن رب العالمين قال أنا وعدي لا يُخلف.
(وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سمعها الصحابة وذاقوا لذّة معانيها، قالوا ربح البيع فلا نقيل ولا نستقيل، لكن تعرف شروط العضوية للدخول في البيعة هذه؟ (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ) تسعة شروط وادخل، وأنت مِمّن باع وقَبِل الرحمن ومنهم فاشترى، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى) وهو منجز وعده (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
أحبابنا: يجب أن تَسْرِي إلى قلوبنا وعقولنا وقلوب أهالينا أنه مرت علينا سنوات وأوقات يُتلى علينا أخبار الغافلين والغافلات؛ فصار عندنا الآن كثير من الرجال والنساء هِمّتهم إما في لُقَم أو في خرق أو في مباني.. وراحت عقولهم ورائها إلى حد أن بعضها تافهة وحقيرة لكن أخذت الفِكر، وأخذت العمر وأخذت الهمّة، وخلَت كثير من البيوت عن الاستغفار في الأسحار، وعن السجدات في جوف الليل، وعن مُناجاة الرحمن من وسطها، كانت بيوت المسلمين سعيدة بمناجاة الرحمن من وسطها، يناجي قلب صغير وكبير، وكان سلفنا في حضرموت أطفالهم الصغار يوقظونهم آخر الليل وعاد ما يعرفون شيء عادهم من قبل التمييز يقولون خلوه يلعب، يعطونه لعب حقه أو شيء، المهم هذا الوقت ما هو وقت نوم، حتى إذا كبر يعلمونه كيف يقرأ كيف يصلي، إلى أن ينفتح له لذة المناجاة مع الله تبارك وتعالى.
ويقول سيدنا الإمام العدني عن هذا المعنى:
نُصِبَت لأهل المناجاة في حُندس الليل أعلام
واستعذبوا السّهد وامسوا ** قيام إذ نام من نام
واستقبلتهم لطائف ** بهجات فضل وإكرام
من لذة لا تُكيَّف ** ولا تُصوَّر بالأوهام
قد ذاقها من عناها ** وهام فيها الذي هام
ثم يقول فيه عن نبأ بعض ما نازله من هذا الخير يقول:
يا ذا الذي ناداني ** وقت السحير أشجاني ** نداه لي أسقاني ** من قرقفاه الهاني
سكرت به؛ يعني غِبت عن نفسي وعن الوجود والعوالم والمخلوقات والكائنات أجسامها وأرواحها
سكرت به وافناني ** عن كل ضد ثاني ** من قاصي أو داني ** في العالم الجسماني
خرج عن عالم الحس؛ أين رحت؟
آنست أنس الأنس ** في مهرجان القدس ** وافنيت هيكل نفسي ** وقالبي وحِسي ** وزال وهم اللبسِ ** وحندسات الحدسي ** بالبارق النوراني والوارد الرباني
هذا مقام الوهبِ ** لا يُرتقى بالكسب ** وليس هذا سربي ** لكنني به أنبي ** عن حال أهل القرب ** نعم وإن شاء ربي ** كمثلهم أعطاني ** فهو العظيم الشان
فيا أُسارى الغفلة ** ويا سُكارى المهلة ** أنبيكمُ عن خصلة ** فيها الفضائل جملة ** أكرم بها من ملة ** هي دين خاتم رسله ** المصطفى العدناني ** دينه محى للأديانِ
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ففي تبعيته ان شاء الله، ونثبت على التبعية بإحياء السنة.
أيامكم في الشعب هذا قبلكم: "فكم قد صفا قلبٌ هناك لمذنبٍ" ، وكم ذاقوا لذيذ الوصال في مثل هذه الليال في هذا الشعب المبارك، فاغنموا لياليكم فيه واغنموا أيامكم، وارتبطوا بإحياء سنة هذا المصطفى، ولتلبِّ قلوبكم نداء الرحمن، القلب إذا حَس بنداء مِن فوق؛ امتلأ شوق، وانفتح له باب الذوق ورُفِع إلى فوق.
يا ناظر إلى القلوب: هذه قلوبنا بين يديك، مَن يُطهِّرها غيرك؟ مَن يُصفّيها سِواك؟ من يُنوِّرها إلا أنت؟ من يصطفيها سِواك؟ من يُنوِّرها إلا أنت؟ من يصطفيها غيرك؟ من يُنزِل سر معرفتك فيها إلا أنت؟ فيا رب انظر إلينا، وقد وردنا وجئنا واقتدينا بسُنة نبيك ﷺ وبهدي ورثته الأكرمين، فاقبلنا في جمعنا وانفع بذلك أهالينا وأهل ديارنا وأمة حبيبك محمد ﷺ في مشارق الأرض ومغاربها، فإننا نستغيثك لهم وإننا نستنصرك لهم وإننا نستهديك لهم، وإننا نسألك أن تغيثهم وإننا نسألك أن تكفي الشدائد عنهم، نستغيثك لأهل غزة ولأهل رفح ولأهل الضفة الغربية ولأكناف بيت المقدس، ونستغيثك للمسلمين في السودان ونستغيثك للمسلمين في السودان ونستغيثك للمسلمين في السودان، ونستغيثك للمسلمين في ليبيا ونستغيثك للمسلمين في الصومال، ونستغيثك للمسلمين في العراق ونستغيثك للمسلمين في الشام واليمن والشرق والغرب، فيا غياث المستغيث أغثنا بالغياث الحثيث، وادفع عنا شر كل خبيث، ولا تجعل في مجمعنا ولا من يسمعنا إلا قلبًا مُلبيًا لندائك، مجيبًا لدعوتك ودعوة خاتم أنبيائك.
يا الله يا الله، لا تحرم قلبًا من هذه القلوب، يا الله لا تحجب قلبًا من هذه القلوب، يا الله انظر إلى قلوبنا أجمعين، يا مُقلّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على دينك، يا مُصرّف القلوب والأبصار صرِّف قلوبنا على طاعتك يا الله، ما لنا غيرك وأنت الذي أوردتنا وأنت الذي أوفدتنا، وأنت الذي أحضرتنا وأنت الذي وفّقتنا، فَبِكَ ومنك وإليك نسألك بك أن تُتِمّ نعمتك علينا وعلى أمة حبيبك أجمعين.
يا مُفَرِّج الكروب فرِّج كروبنا، يا دافع الخطوب ادفع الخطوب عنَّا، يا ربِّ أصلح ظواهرنا وبواطننا، وأصلِح اللهم المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، اللهم ووسِّع لنا اختيارك لمن تختارهم من الشعوب ومن الرعايا لِنُصرتك ونُصرة دينك، واجعل جميع أهل الجمع مِمن تختارهم لذلك وترتضيهم لذلك، يا مَلِك الممالك، يا حيّ يا قيوم يا مالك، واسلك بهم أشرف المسالك ونُلِحّ عليك في ذلك، يا باسط اليدين بالعطية، يا ذا العطايا السنيّة، انظر إلينا واغفر لنا في هذه الليلة بجاه خير الورى سَجِيَّة والنبي هود وأرباب الشهود؛ اجعل جميع الحاضرين من الموفين بالعهود.
وما حصل من نقضٍ وإساءة وخيانة في ماضي العمر فاجعل باقي العمر على الوفاء الأوفى، والصفاء الأصفى، في الظاهر والخفاء، يا عالم الظاهر والخفاء يا عالم السِّرِّ وأخفى، بالحبيب المصطفى والنبي هود وأهل الوفاء.. يا الله.
سعدنا بدعائك، سعدنا بندائك، سعدنا بالتضرُّع إليك، سعدنا بالتذلل إليك، فإنك أوقعتَ في قلوبنا، وأنزلتَ من نورك الخالص من نور الحقيقة، ما أيقنَّا أن لا مُغِيثَ سواك، وأن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك؛ فيَا مَن وهبتنا هذه المواهب: اسقنا مِن أحلى المشارب، وارفعنا إلى أعلى المراتب، وأدخلنا في الصفوَة الأطايب، وتولَّنا في الدنيا والعواقب، يا حيُّ يا قيّوم يا خير واهب.. يا الله.
وقولوا "يا الله"، واصدقوا مع الله، وادعوا الله، وناجوا الله، وقولوا: يا الله، يسمعكم الله، ينظر إليكم الله، يقبلكم الله، يتجلَّى عليكم الله، يكرمكم الله، يرعاكم الله، يتولاكم الله، يأخذ بأيديكم وقلوبكم الله، يا الله: خذ بأيدينا ونواصينا وقلوبنا إليك.. إليك.. إليك، أخذ أهل الفضل والكرم عليك، يا الله.
نَبِيت أول ليالينا في الشِّعْب والقلوب مُلَبّيَّة لندائك، مستجيبة لدعوتك ودعوة أنبيائك وأحبابك وأصفيائك، يا الله.. تلبية تامة كاملة قوية عميقة مستكملة المعاني، واستجابة تامَّة قويَّة راسخة في كل الشؤُونِ فِي الظَّوَاهِرِ وَالْبَوَاطِنِ وَالْقَاصي وَالدَّاني.
يا الله.. (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ) وأقوال هذا الكلام الذي خلّفه فينا من كلام الله وأقواله، وَمَا يِجْرِي عَلَى أَلْسُن جَمِيعِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادهِ مِنْ صَحَابَتهِ وآل بَيْته إلى ساعتكم هذه؛ مِن ندائه.. كلها من ندائه (ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا..) فهل سمع قلبك؟ وأرجو أن يسمع قبل أن نتفرّق!
(ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * ربَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ).
يا ربَّ العباد، يا كريم يا جواد، يا أرحم الراحمين: أنت لنا في الدنيا ويوم التَّنَاد؛ فأحسِن جمعنا تحت لواء الحمد، وفي ظلِّ عرشك، وعلى الحوض المورود، نَرِد كُلنا أجمعون، ونُسقَى مع خواصِّ مَن يُسْقَون، وفي أوائلهم يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين، وجميع أهلنا وأولادنا وأصحابنا وطلابنا وذوي الحقوق علينا، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين، يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، يا ذا القوة المتين، يا راحم المساكين، يا أرحم الراحمين، أنجِز لنا ذلك، وحقِّق لنا ذلك، وهَبْ لنا ذلك، وتفضَّل علينا بذلك، وهو عليك يسير، وإن لم نكن أهلا ولم نستحِق ذلك أصلا؛ فأنت له أهل يا ذا الفضل، أنت له أهل يا ذا الفضل والعطاء الجزل.
يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين.. يا الله: اجمع هذه الوجوه تحت لواء الحمد، وعرِّف بعضها ببعض تحت ذاك اللواء، وفي دار الكرامة والهناء، وأنت راض عنَّا، يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين.
يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا الله.. يا سميع يا الله، يا قريب يا الله، يا مجيب يا الله، يا رحمن يا الله، يا رحيم يا الله، يا معطي يا الله، يا ذا الفضل العظيم يا الله، يا منان يا الله، يا حي يا قيوم.
يا حيُّ يا قيُّوم أحيي القلوب تحيَا وأصلح لنا الأعمال في الدين والدنيا
يا حيُّ يا قيُّوم أحيي القلوب تحيَا وأصلح لنا الأعمال في الدين والدنيا
يا حيُّ يا قيُّوم أحيي القلوب تحيَا وأصلح لنا الأعمال في الدين والدنيا
بِفضلِك ومَنِّك يا أكرم الأكرمين، وزِدنا زيادة، وأسعدنا بأعلى السعادة، وكُن لنا في الغيب والشهادة، ولا تجعل أحدا مِنَّا ولا من أهلينا إلا آئلا إلى فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه، وصفوف أهل كرامته عليك في البرازخ ويوم القيامة ودار الكرامة وفي ساحة النظر إلى وجهك الكريم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
07 شَعبان 1445