شرح عقيدة أهل السنة والجماعة -7- الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

شرح عقيدة أهل الإسلام-7- الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم
للاستماع إلى الدرس

شرح الحبيب عمر بن حفيظ لكتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للإمام شيخ الإسلام عبد الله بن علوي الحداد، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية العشرين بدار المصطفى.

نص الدرس مكتوب:

وأنه تعالى حكيم في فعله، عدل في قضائه، لا يُتصور منه ظلم ولا جور، ولا يجب عليه لأحد حق، ولو أنه سبحانه وتعالى أهلك جميع خلقه في طرفة عينٍ لم يكن بذلك جائراً عليهم ولا ظالماً لهم  فإنه ملكه وعبيده، وله أن يفعل في ملكه ما يشاء، وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ، يثيب عباده على الطاعات فضلاً وكرمًا، ويعاقبهم على المعاصي حكمةً وعدلاً، وأن طاعته واجبةُ على عباده، بإيجابه على ألسنة أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام. 

ونؤمن بكل كتاب أنزله الله، وبكل رسول أرسله اللّه، وبملائكة الله، وبالقدر خيره وشره، ونشهد أن محمداً، عبد الله ورسوله، أرسله إلى الجن والإنس، والعرب والعجم، بالهدى ودين الحق؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وأنه بلغ الرسالة، وأدي الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة؛ وجاهد في الله حق جهاده؛ وأنه صادق أمين، مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة، وان الله فرض على العباد تصديقية وطاعته واتباعه؛ وأنه لا يقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه حتى يؤمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وبجميع ما جاء به وأخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة والبرزخ.

الحمد لله مُكرمنا بسطوع أنوار ختم النبوة على يد المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله صحبه وسلم ، فأشرقت الأنوار وهدى الله من شاء من الخلق في السر والإجهار ، فأدركوا الحقيقة فدخلوا في دوائر خير الخليقة، و( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة:7]، نسأله أن يصلِّي ويسلِّم على النور المبين عبده المصطفى محمد الأمين وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وعلى آله وآلهم وصحبه وصحبهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين ، وقد حدثنا عن الإلهيات وأشار إلى ذكر الملائكة والأنبياء والكتب ، ويحدَّثنا عن خاتم الأنبياء والمرسلين .

(( ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ))، عبدُ الله الذي ارتقى في التحقق بالعبدية والعبودية والعبودة لله تبارك وتعالى ما لم يتحقق به سواه ، فهو العبد المحض الخالص وهو المتحقق بحقائق العبودية التي هي شرف كل عبد من أهل الأرض والسماء ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) [مريم:93]، ولكن مراتبهم عنده ، تتعلق بما يعطيهم من معرفة هذه العبودية وذوقها والتحقق بها ، فكان أعرف الخلق بالعبودية لله المعبود ، محمد زين الوجود صلى الله وسلم عليه وعلى آله وكان أعظمهم تحققا بالعبودية ، ولذا قال: « فَإِنَّمَا أَنَا عَبْد -الله ورسوله-، فَقُولوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ » ، وقد ذكرها الله تعالى في أشرف المواطن في تنزيل الكتاب العزيز: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) [الفرقان:1]، وفي الإسراء والمعراج ، فقال سبحانه : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) [الإسراء:1]، وقال في ذكر المعراج وما نازله من الوحي المخصوص: ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) [النجم:10]، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛  فهو عبد الله الحق ، العبد المتحقق بحقائق العبودية ، الذي قال ،  وقد رؤي يقول في إحدى جلساته للطعام : أتأكل هكذا يا رسول الله ؟ قال : « إِنَّمَا أَنا عبد آكل كَمَا يَأْكُل العَبْد، وأجلِسُ كما يجلسُ العبدُ » ، فهو سيد العبيد عليه الصلاة و السلام ، وأعظم الخلق تحققا بالعبودية لله ذي الجلال والإكرام .

 سيدنا محمد عبد الله ورسوله الذي خُصص بالرسالة الخاتمة الكاملة الشاملة ، المبعوث بها إلى الخلق كافة ، (( نشهد أن محمدا )) ، وأصل محمد إسم عند العرب للذي كثُرت خصاله الحميدة ، أو كثُر حمد الناس له: 

  • فمن كثُرت خصاله الحميدة يقال له: محمد .
  • ومن كثُر حمد الناس له على معروف أو إحسان يقال له: محمد .

وهو جامع الصفات الحميدة ، وأحق أن يُحمد من البشر ، فما في الخلائق أحد أوسع نعمة على الخلق من محمد عليه الصلاة والسلام  ، فهو أحق أن يُحمد من جميع من يستحق الحمد من الخلائق صلوات ربي وسلامهُ عليه ، سمَّاه جده عبد المطلب بإشارة من أمِّه وإلهام من الله تبارك  تعالى ، وهكذا اسمه محمد وأحمد في الكتب السابقة ، والنبي الطاهر الأمين الى غير ذلك من الأسماء ، ومن العجب أنه لم يُشتهر هذا الإسم فيما قبل ، وحُفِظ  حتى قرُب وقت ولادته ، وكثُر تحُّدث علماء اليهود والنصارى بخبر نبي يولد هذه الأيام يسمى محمد ، فولد في ذلك العام عدد من الأبناء ، فبعض الذين وصَلَهم الخبر عن أهل الكتاب سمَّى ولده محمد ، رجاء أن يكون هو النبي ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [الأنعام:124]، إنما هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، الذي حملت به آمنة بنت وهب صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ، فكان نحو خمسة عشر من الأبناء الذين سُموا في ذاك العام بمحمد ، ثم اشتهر الاسم بعد ، فبدأ الناس يُسمون به ، وفي الصحابة عدد ممن اسمهم محمد ، ثم قال « تسمَّو باسمي ولا تكتنَوا بكُنيتي » ، وكنْيته أبو القاسم. ولما بُعث وحسده بعض النصارى ، وقد جاء إلى ما عنده من الصحف التي فيها اسم محمد ، فبدَّلها إلى أحمد ، وفي بعضها أحمد؛ من أجل يقول للناس ما هو هذا إن هو إلّا أحمد !  فأنزل الله في القرآن: ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) [الصف:6]، هذاهو الاسم ، أنت بدلَّت الذي هو نفسه ، هو واحد ، محمد وأحمد؛ هو  بنفسه صلوات ربي وسلامه عليه  .

(( أرسله سبحانه و تعالى إلى الجن والإنس والعرب والعجم ))، والإنس والجن عرَبهم وعجمهم ، إرسال تكليف بمنهج من الله يمشون عليه ، وكانت رسالته إلى بقية العالم والكائنات تشريفًا لهم ببعثته إليهم ؛ فهم يشهدون أن محمدا رسول الله ، الأرض تشهد ، والسماء تشهد ، والكواكب تشهد ، أنه رسول الله ، والحيوانات والجمادات ، حتى حنَّ الجذع إليه ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبهِ والمنْتمين إليه .

يقول: (( بالهدى ))، (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ))، (( الهدى)) ، الحق الذي لا ضلال فيه ، ودين الحق الإسلام ، وقيل أن الهدى القرآن ، وقيل هو السنة وقيل هو الإسلام نفسه ، الهدى ودين الحق، ليظهره : يرفع أمره ويعليه على الدين كله ، على مختلف الأديان الأخرى . فنبينا ودينه مرفوع على جميع الأديان في الدنيا ثم في البرزخ ثم في الآخرة ، وكم يُحاوَل من الصدِّ عن دينه ، ومن النيل من دينه ، ومن التكذيب به ومن النيل  من ذاته ﷺ، ومن صفاته ، ومن أخلاقه ، ومن سبه ، ومن الكذب عليه ، وكل ذلك يفتضح ويتلاشى ويذهب ؛ ويبقى مرفوع الذكر ، محمود السيرة ، عاطر الأوصاف ، طيب الشمائل عليه الصلاة والسلام  (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) [الشرح:4].

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) [الصف:9]،  ومن جملة الظهور مع استحواذ كثير من الكفار على مجالاتٍ في الحياة ، لم يقدروا على دحض  هذا الدين ، بل كبارهم في سلطاتهم يضطرون إلى أن يعترفوا بأن هذا دين ، وأنه من الأديان القائمة في الأرض ، وأنه لا يمكن مكابرته ، ولا إنكاره ، سبحان الله ، وهم يودون ألايعترفوا به ولا يذكرونه ، ولكن على الرغم من ذلك ، فالحكم تحت أمر الذي قال: ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) [الصف:9]، فكان من ظهورهِ بقاء هذا الدين ، وحفظهِ مع كثرة المفاسد والفتن الصادَّة عن الدين ، والمضيِّعة للمنتمين للدين عن التحقق بحقائق الدين ؛ ومع ذلك فلا يوجد في العالم ديانة أسرع في الانتشار من دين الإسلام ، وكلما حاولت طائفة أوجماعة تشويهه ، والنيل منه ، أو صد أصحابه عنه ، أو صرفهم عن العمل به ، ينتشر الإسلام في بلاده ، وفي قومه ، وفي جماعته ، ويجيء الإسلام يدخل من هنا ومن هنا ، وهو يحارب هنا ، ويجيء من هنا ؛ ليعلم سرَّ قوله: ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [الصف:9]، ( وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [الصف:8]، فِرَق من المشركين والكافرين يكرهون ظهور الإسلام ، يكرهون شعار الإسلام ولو كرهوا، قال تعالى: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ) [الصف:8]، لكن من بيده الأمر ما رضي ذاك ، ويأبى الله ، إذا كان ويأبى الله فمن ذا الذي يمشي بالقوة ؟؟ يأبى الله خلاص ، إذًا باقي حكمه لا ملائكه فضلا عن بشر ولا غيرهم لا في الشرق ولافي الغرب ؟؟ يأبى الله، الله أبى، خلاص انتهت المسألة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، فالحمدلله على هذا النور الساطع المبين، الله يثبتنا على درب هذا النبي الأمين 

 

هو النور المبين به اهتدينــا *** هو الداعي إلى اقوى سبيل

اتانا داعيا بالحق يدعـــــو *** إلى الإسلام بالقول الثقيل

فبادر بالاجابة كل عبـد *** مطيع للآله وللرسول

وانكر كل ذي كفـر وبغـــي *** واعرض كل ختال ضلول

ففاز المقبلون بكـــــل خيـر *** وعقباهم إلى الظل الظليل

وخاب المعرضون وكان عقبا *** معاصيهم إلى الخزي الويل

[الحبيب علي بن محمد الحبشي]

فحمدًا لربٍّ خصنا بمحمــــد *** وأخرجنا من ظلمة ودياجر

إلى نور إسلام وعلم وحكمة *** ويمن وإيمان وخير الأوامر

[الحبيب عبدالله بن علوي الحداد]

 

يقول:  الجن والأنس ، من أعظم خصوصياته ، كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس كافة ، وجاء في رواية إلى الأنام ، والأنام يعني الخلق ، وفي رواية الخلق كافة ، فيشمل الإنس والجن وغيرهم من الكائنات ، صلوات ربي وسلامه عليه ، قال: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) [الصف:9].

 ونشهد: نؤمن ونوقن ونعتقد (( أنه بلَّغ الرسالة ))، أحسن البلاغ ، اجتهد في ذلك أعظم الاجتهاد ، وما انتقل من الدنيا حتى تركنا على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها ، (( بلّغ الرسالة ))، وهو وصف واجب لكل نبي ، لكن نبينا بلاغه أوسع وأعظم ، وهو مرسل إلى العالمين أجمعين ، ودين خاتم شامل لمصالح الخلق على مختلف العصور والأوقات والتطورات في جوانب الحياة إلى أن تقوم الساعة ، منهج تام كامل قويم سليم لا يصلح في كل عصر، في كل ظرف، في كل طور من أطوار الحياة للناس إلا هو، لا يُصلح الناس إلا هو عظمة ومعجزة كبيرة ، يكونوا ما يكونوا ويتطوروا الى ما يتطورون ، ينقلبوا إلى ما ينقلبون ، ويكتشفون ما يكتشفون ، ويصنعون ما يصنعون ؛ فلا يجدوا ما يصلحهم إلا هذا المنهج ، إلا هذا المسلك ، إلا هذا الدين، كل من خرج عنه هلك ، وكل مشاكلهم ولو كانوا كفار ناتجة عن أعمال ومسالك تخالف هذا المنهج ، كل المشاكل من أولها إلى آخرها. مخالفة هذا المنهج هو مشكلتهم ، هو مصيبتهم ، لأنه منهج ليس وليد فكر بشري ، ولا عقل يغلط وفكر يزهق، ولكن اختيار ربٌ حكيم قادر عليم ، أعلم بخلقه (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ) [البقرة:140]، لا إله إلا هو ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [المائدة:50].

ولذا تسمع بعض أصوات بدافع الفطرة أو التأمل المنصف العقلي وحده ، لما جاءت أزمتهم وسببها الكبير الربا ، وفارق الناس مبالغ كبيرة في ليلة واحدة ، كان أمس يملك ملايين ووصلت إلى البلايين ، وفي اليوم الثاني تلاشت، وبعض الناس تجننوا ، وبعضهم انتحروا ، وأصاب ما أصاب من المسلمين وغيرهم ، فلما نازل ذلك، كتبتْ بعض الأقلام من الكفار: إن وقوعنا في هذه المصيبة لما قمنا به من الربا ، وكان النصارى -علماءهم- واليهود أفتوا بحلِّ الربا ، وهو محرم في الشرائع كلها ، وصل إلى هذا، فأخذوا يقولون لماذا ؟ هذا منهج عند المسلمين ، من محمد جاء به ، فيتعلق أيضا بالاقتصاد ، لماذا ما تجربونه ؟ لماذا ما تطبقونه ؟ ويكتب بعضهم يقول نحن في حاجة إلى أن نتأمل هذا الإسلام لننقذ أنفسنا من المآزق ، هذه أصوات تحدث عندهم ، تُنشر في بعض صحائفهم ، ويحبوا أن لا تصل إلى المسلمين ، وأن لا يعرف بها أحد منهم ، لأنهم انهالوا عليهم بأنهم أصحاب العظمة وحدهم ، وأن الدين ما ينفع ، وبذلك تتلطخ أفكار كثير من المسلمين ، اتهموا ربهم في منهجه ، وصدَّقوا فَسقة كَذَبة ما يساوون شيء ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [المائدة:50]؛ فلا سبيل ولا مخرج للبشرإلا منهج رب البشر .

يقول: (( أنه بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة أحسن الأداء ))، ففي سبيل ذلك ، وفي القيام به ، هاجر وسافر وغزا 27 غزوة، وبعث 47 سرية ، وجاع وبكى كثيرا ورُمي بالحجارة ، وشُجَّ جبينه وكُسرتْ رباعيته ، وشُقت شفته السفلى ، وعَصَب الحجر على بطنه من الجوع ، ووضع السلا فوق ظهره ، وتحمّل كل ذلك ، فمن مثله مؤديٍ للأمانة ؟

وأسوة المكروب في اصطبــار *** في كل ما لاق مــن الكفـار

  حتى رُمي بالفرث والأحــجار *** وما دعا إلا علـــى رجــال

 ولم يزل للحـق في اجتهــــــاد *** وبعد فرض الغزو والجهاد  

 ما قر فــي ظــل ولا بــــــلاد *** إلا على الكفار في الــقتال

[الحبيب عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه]

يخرج صلى الله عليه وسلم وهو ما بين الرابعة والخمسين من عمره إلى الثالثة والستين ، في هذه الفترة يخرج 27 خرْجة التي هي بخصوص الغزوات ، غير خروجه في حجة الوداع ، وغير خرْجاته قبل الهجرة ، هذه خروجاته في الجهاد وحده بنفسه ، فلهذا كان في بعض الأيام يرجع من منطقة إلى المدينة أسبوع ، يخرج ثاني مرة،و أحيانا يومين ، من أُحُد رجع المغرب وصبَّح الفجر إلى حمراء الأسد ، نفس اليوم الثاني ، رجع من أُُحد في المغرب و بات تلك الليلة وبعد صلاة الفجر صبَّح إلى حمراء الأسد، خرج ، مع أنه رجع بجروح كثيرة من غزوة أحد ، وفي اليوم الثاني مباشرة خرج ، ما مال إلى الراحة ، ولا أخلد إلى المُكُث في البيت والجلوس .

فقل لعبيد النوم والمفارش والسرر؛ ما علمتم لم خُلقتم ؟ ولا ما مهمتكم في الحياة ؟  خففوا من هذه الغفلة الزائدة والوطئات ، ما أسرع مرور الحياة ، ألكم مهمة في الحياة تقومون بها ؟؟ أم أنتم عبيد الوسائد والفرش ؟؟ يرجع يبقى يومين، ثلاثة أيام، يخرج ، مرة ثانية يجلس شهر، شهرين ، نادر أن يستمر شهرين مباشرة متواصلة وهو في المدينة المنورة بعد فرض الغزو والجهاد ، نادر،  شهرين، ثلاثة أشهر نادر، ولكن في خلال ذلك يخرج يرجع ويخرج يرجع ، ويخرج ومع ذلك قال: «  لولا أنه يشق على -جماعة من- المسلمين أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية »، يعني 47 الثانية فوق 27 كان بيخرج فيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، قال ولكن لا أجد ما أحملهم عليه ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، فصار من أجلهم ينتظر، يتأخر، يرسل بسرية ، وقال لولا ذلك ما تخلفت خلف سرية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .فهكذا مضت حياته الكريمة:

وما مضى حتى اقام الدنيا *** وصار سهلاً واضحا مبينًا

فلم تخف امتــــــــــــه فتونًـــــا *** بل عُصِموا في الجميع عن ضلالِ

[الحبيب عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه]

 

وهيأ العالم له ، وكاتَبَ أهل الشرق وأهل الغرب ، وكل الملوك والرؤساء الذي لهم أثر ومكانة في العالم ، كاتَبَهم قبل وفاته ، والعجيب كاتبَهم قبل فتحه لمكة ، مكاتبة واثق بخالق؛ صادق واثق، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فكاتبَ هؤلاء الملوك ؛ وبهذا علِمْنا خصوصيته في البعث للخلق عامة ، فما يقول فرقة من النصارى اسمهم عيسوية، يقولون إنه مبعوث للعرب، مُرسل للعرب ؛ هذا كلام فارغ ، طيب إذا كان تصدقون أنه مرسل ، مُرسَل ما يكذب ! هو قال بعثت للخلق كافة ، قولكم أنه مُرسل ، فكلامه يقول إلى الخلق كافة ، فكيف أنتم تقولوا إلى العرب !! كلام باطل . ما هو مُرْسل أصلا، هو مُرْسل ، ما دام مُرسل خلاص، مرسل ما يكذب ، وكيف كاتبَ هرقل ؟ كيف كاتب كسرى ؟ كيف كتب إلى ملوك الأعاجم يدعوهم إلى الإسلام ؟ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، فهو مُرسل إلى جميع العالمين .

((ونصح الأمة ))، بخير النصح ، وتحمَّل من أجلهم وكان يترك بعض الأعمال التي يحب أن يعملها خشية أن تُفْرض عليهم ، فيشق على الأمة ويكون عليهم تعب ، حتى صلاة التراويح في رمضان ، لما صلَّى خلفهُ جماعة في أول ليلة، تسامع الناس فملأوا المسجد ثاني ليلة ، تسامع الناس ، فضاق بهم المسجد، جاءوا إلى الخارج، فلم يخرج الليلة اللي بعدها ، لما خرج في صلاة الصبح قال لهم : "فإنَّه لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ -البارحة-، ولَكِنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْتَرَضَ علَيْكُم"، فصلوا في أماكنكم، فترك الصلاة بهم جماعة خشية أن تزيد فوق الصلوات الخمس فريضة أخرى فيعجزون عنها فيعذَّبون ؛ نصُح كامل للأمة ، نصح صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وبيَّن ببيانات شافية ، والعجيب بالدقة، ذكر الأخبار والأحكام ، وما واجب الأمة في كل ظرف ، والذي فات منها كثير والذي حُفِظ كافٍ ، الذي حُفِظ منها وبقي في الأمة كاف لكل ظرف ولكل زمان ؛ هدايةً وبيانًا ، وكيف يتصرفون ، وكيف يتعاملون ، كافٍ المحفوظ عندنا هذا وحده كاف ، مع أن الذي فات شيء كثير ، ولكن ما يكفي الخلق لبيان الكتاب وبيان حُكم الله، حُفِظ على الأمة فضلًا من الله تبارك وتعالى وكرامةً لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام .

نصح الأمة (( وكشف الغُمَّة ))، غمة الفجور والفسق ، غمة الظلم ، غمة الضلال ، غمة موجب شقاء الدنيا والآخرة ، الغمة الموجبة لشقاء الدنيا والآخرة كشفها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:

 وأوضح الطريق بالجمال *** من بعد أن كانوا على ضلال 

 (( كشَفَ الغُمة )): أنواع الجهالة والفسق وموجبات الشقاوة والشر والاعتداء والعدوان للناس على بعضهم البعض ،  (( كشف الغمة ))، وحوَّل المتضادين المتقاتلين إلى إخوان متحابين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . 

لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ . ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ . ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ كفًّا من شعير يواريهِ إبطُ بلالٍ

(( وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده ))، ولقد أوذي في الله ما لم يؤذ أحد ، وأخيف في الله ما لم يخف أحد ، قال: "ومرت علي شهران وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ" ، خلال الشهرين ، الغذاء كله كف من الشعير ، شهرين كاملة ، وماشي معه غيره هو وسيدنا بلال ، لوقلنا لك: بس عش على الشعير ! هذا أنت بس حتى يوم واحد! بتضيق ، وبتقول إيه وضع ذا ! ما اعتدته شيء ثاني ! أنواع خبز ثانية ورز وروتي وفول وخصار وشراب ، إيش هذا ؟ شهرين كاملة ما معه غيره صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم  وصبر، وفي بيته كان يستطيع كل يوم يذبح ما شاء ويجلب ما شاء ، "فكان يمر عليه الهِلَالِ ثُمَّ الهِلَالِ، شهران لا يُوقَدُ في بيته نار، يقتاتون التَّمْرُ والمَاءُ" ، إلا أن بعض الأنصار قد يبعث له لبن ، فيشرب مع ذلك اللبن ، فيمر الشهران وما أُوقدت نار في بيته لأجل الطبخ مافي، شهرين كاملة ، اليوم بيت من مثل هكذا ؟ جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين عليه الصلاة والسلام .

(( صادق أمين ))،  أصدق الخلق وأعظمهم أمانة ، قال : (إنِّي لَأمِينٌ في السَّماءِ أمِينٌ في الأرْضِ ): 

سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً ، يقول الشاعر لأخيه .

(( مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة ))،  فكثرت وتعددت معجزاته عليه الصلاة والسلام: 

  1. فانشق له القمر ، 
  2. وحن إليه الجذع ، 
  3. ونبع الماء من بين أصابعه عليه الصلاة والسلام ، 
  4. وكثَّر الله على يديه القليل ، 
  5. وأبرأَ  كم من مريض وعليل ، 
  6. و ردَّ العين لقتادة ، 
  7. ورد اليد لمعاذ بن عمرو ، بعد أن تعلقت بجنبه وكان في غزوة بدر ، وضُرِب شقه فتدلَّت يده وكانت معلقة بجلدة في جنبه ، قال فآذتني ، فتمطيتُ عليها برجلي حتى قطعتُها وقال : قاتلتُ عامة يومي باليد الأخرى ، فلما انتهت المعركة قال حملتها إلى النبي فجئت بها إليه ، فأمسكها مني فبصق عليها فردها الى مكانها فعادت كما كانت ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، 

فهو أعظم الخلق من الأنبياء معجزات صلوات ربي وسلامه عليه عليه وهكذا ، جعل الله معجزاته باهرة وصادقة ، وبعض اليهود ينكرون الرسالة بعد سيدنا موسى عليه السلام ، وكذَّبوا بسيدنا عيسى ، إما يقولون ماشي نسخ ، ولا يحل النسخ ، ولا فهموا معنى النسخ  وأنه واقع في شرائع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بأمر الله تبارك وتعالى ، وجاءتهم المعجزات على يد النبي عيسى فكذبوا بها ، فلا حجة لهم فيما يقولون إلا إتباع الهوى والباطل .

(( فأنّ الله فرض على العباد تصديقه وطاعته واتباعه ))، محمد رسول الله ( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) [النور:54]، ( وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) [النساء:59].

(( وأنه لا يُقْبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه وتعالى ، ما يقبل حتى يؤمن برسالة محمد ، وبجميع ما جاء به سيدنا محمد )) ، ومن قال إنا أشهد أن لا إله إلا الله وهو ربي كريم ، عظيم ، واحد أحد  ، فرد ، صمد ، خلقنا إليه ، إليه المرجع ونبعث إليه ، ونُحشر، وعنده جنة ونار، وله كتب ، أتؤمن بمحمد؟ قال، لا؛ أنت كافر ! ما يُقبل هذا الإيمان حتى تؤمن بمحمد أنه رسول الله وعبده وإلا فأنت كافر لاتدخل الجنة قط . لا يقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه وتعالى حتى يؤمن به ، يعني آمن به في الصورة ، لأنه من آمن بالله حقيقة ، ما يكذب أحد من رسله ، يؤمن بمحمد وجميع الرسل ، ولكن إيمان في الصورة بالله تعالى ، فإلإدعاء بأنه آمن بالله ، يؤمن بالله وتُكذِّب وحيه؟ ! وتكذب تنزيله ! وتكذب ختمه النبوة والرسالة ! أنت كافر بالله ، ادعى الإيمان بالله. 

كما قال الله في الذين قالوا من اليهود للنبي محمد ، من يأتيك من الملائكة ؟ قال : جبريل ، قالوا هذا عدونا وعدو بني إسرائيل ، هذا الوحي ما نؤمن به ، فأنزل الله : ( قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ ) [البقرة:97-98] هم ما قالوا نحن أعداء الله والملائكة قالوا جبريل بس ، قال الله : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ ) [البقرة:98]، بمعاداتهم لجبريل قال الله عاديتونا أنا ، وعاديتم ملائكتي ، وأنا عدو لكم ، أعوذ بالله من غضب الله . كما أن من كذَّب بنبوة غيره من الأنبياء الذين ذُكِروا في القرآن كافر ، فمن باب أولى من كذَّب بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ، والتصديق بنبوته تقتضي التصديق بجميع الأنبياء لأنه بُعث مصدقا لهم ، لا يؤمَن ولا يُقبل إيمان عبد وإن آمن به سبحانه ، حتى يؤمن برسالة محمد وبجميع ما جاء به وأخبر عنه من أمور الدنيا والبرزخ والآخرة .

وسيحدثنا عن ما يسمى بالسمعيات وتأتينا إن شاء الله خلال يومين ونحوها ، حتى نكمل ما ذكر في الكتاب من هذه السمعيات ، فصلى الله على خاتم الرسالة ، سيد أهل الدلالة ، حبيب الله محمد وآله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه،  من النبيين والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم وفيهم ، ورزقنا وإياكم كمال الإيمان ، كمال اليقين ، كمال التصديق ، كمال الاتباع ، كمال الاقتداء ، كمال الاهتداء به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فيما خفي وما فيما بدا. 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى  آله وأصحابه

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

10 شوّال 1436

تاريخ النشر الميلادي

26 يوليو 2015

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام