(535)
 (364)
 (604)
 شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب الموطأ لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الأصبحي، برواية الإمام يحيى بن يحيى الليثي، كتاب الوصية، باب الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ وَضَمَانِهَا.
فجر الأربعاء 26 محرم 1444هـ.
باب الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ وَضَمَانِهَا
2244- قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ أَوِ الثِّيَابِ أَوِ الْعُرُوضِ، فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ جَائِزٍ، فَيُرَدُّ وَيُؤْمَرُ الَّذِي قَبَضَ السِّلْعَةَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ سِلْعَتَهُ. قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِلاَّ قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ مِنْهُ، وَلَيْسَ يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَهَا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نُقْصَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ، فَبِذَلِكَ كَانَ نِمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا لَهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ نَافِقَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ سَاقِطَةٌ، لاَ يُرِيدُهَا أَحَدٌ فَيَقْبِضُ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ، فَيَبِيعُهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَيُمْسِكُهَا وَثَمَنُهَا ذَلِكَ، ثُمَّ يَرُدُّهَا، وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ يَقْبِضُهَا مِنْهُ الرَّجُلُ فَيَبِيعُهَا بِدِينَارٍ، أَوْ يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا دِينَارٌ، ثُمَّ يَرُدُّهَا وَقِيمَتُهَا يَوْمَ يَرُدُّهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا مِنْ مَالِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ، إِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ.
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ السِّلْعَةَ، فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى ثَمَنِهَا يَوْمَ يَسْرِقُهَا، فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَأْخَرَ قَطْعُهُ إِمَّا فِي سِجْنٍ يُحْبَسُ فِيهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي شَأْنِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَهْرُبَ السَّارِقُ، ثُمَّ يُؤْخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ اسْتِئْخَارُ قَطْعِهِ بِالَّذِي يَضَعُ عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ، وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلاَ بِالَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعاً لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخَذَهَا، إِنْ غَلَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ.
الحمد لله مُكْرِمنا بشريعته وأحكامها، وبيانها على لسان المبعوث بها وإمامها، سيِّدنا مُحمَّد صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله المُطهّرين وأصحابه الأكرمين النَّاشِرَة للمِلَّةِ أعلامها، وعلى مَن تبعهم بإحسان واقتدى بهم في شؤون الشَّريعة وعمل على مقتضاها في شؤونه في إقدامها وإحجامها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسلين المُتَرَقِّين أعلى المراتب والدرجات التي أَذِنَ الله لأهلها بتفضيلهم وإكرامها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكة الله المُقرَّبين وجميع عباد الله الصَّالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
تكلَّم الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- فيما إذا فسد البيع، وأُخِذَ بهذا البيع الفاسد ثمن من المُشتري، وسلعة وبضاعة من البائع أخذها المُشتري، فماذا يترتب على هذا من الأحكام؟ وللإمام مالك في هذا اجتهاد غير ما قال الأئمة الثلاثة؛ أبو حنيفة والإمام الشَّافعي والإمام أحمد بن حنبل، عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.
يقول: "باب الْعَيْبِ فِي السِّلْعَةِ وَضَمَانِهَا"؛ يعني: العيب يحدث في السِّلعة بعد ابتياع المُبتاع لها بيعًا فاسدًا يجب رَدُّه، فضمان ذلك العيب وما يحدث فيها من نقص وهلاك من المُشتري الذي قبضها، وكذلك ما يحدث فيها من زيادة ونماء؛ فإن هذا كلُّه للمُشتري عند الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-.
"قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ"؛ أي: يشتريها "مِنَ الْحَيَوَانِ" مثلًا "أَوِ الثِّيَابِ أَوِ الْعُرُوضِ"، أو غير ذلك "فَيُوجَدُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ جَائِزٍ"؛ أي: يظهر أن البيع المذكور كان فاسدًا، "فَيُرَدُّ وَيُؤْمَرُ الَّذِي قَبَضَ السِّلْعَةَ"؛ يعني: المُشتري "أَنْ يَرُدَّ إِلَى صَاحِبِهِ"؛ يعني: إلى البائع "سِلْعَتَهُ"؛ هذه المذكورة لأن البيع فاسد، وإن الفاسد يجب رَدُّه. فمَن اشترى شيئًا من الحيوان وغيره شراءً غير صحيح؛ فيُرَدَّ لأجل الفساد لأن المُبتاع يرد على البائع، ولا خلاف في أن البيع الفاسد مردود ولكن الخلاف بعد ذلك في كيفية الرَّدِّ وما يُرَدُّ.
قَالَ مَالِكٌ -رضي الله تعالى عنه- في هذه الصورة "فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ"؛ يعني: البائع "إِلاَّ قِيمَتُهَا" التي كانت "يَوْمَ قُبِضَتْ" السلعة "مِنْهُ"، وذلك إذا لم تكن السلعة بعينها موجودة بأن فاتت؛ تصرف فيها، فعليه قيمتها يوم اشتراها في مذهب الإمام مالك -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-. "فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السِّلْعَةِ إِلاَّ قِيمَتُهَا يَوْمَ قُبِضَتْ" السّلعة "مِنْهُ، وَلَيْسَ" له قيمتها في يوم الرَّد "يَوْمَ يَرُدُّ ذَلِكَ إِلَيْهِ"، يوم رد ذلك المبيع إليه، "وَذَلِكَ"؛ أي: وجه إيجاب القيمة يوم القبض، "أَنَّهُ" المُشتري "ضَمِنَهَا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا"، فكان في ضمانه من يوم القبض لأن ضمان البيع الفاسد بالقبض، "فَمَا كَانَ فِيهَا"؛ أي: في السّلعة "مِنْ نُقْصَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ"؛ أي: بعد القبض "كَانَ عَلَيْهِ"؛ يعني على المُشتري "فَبِذَلِكَ"؛ أي: سبب النقصان "كَانَ نِمَاؤُهَا" كما أنَّ النقص عليه نماء السّلعة "وَزِيَادَتُهَا" أيام كانت بيد المشتري "لَهُ"؛ يعني ما كان في السّلعة من نقص بعد يوم القبض، فعلى المُشتري كذلك ما كان من نماء فللمشتري.
يوضِّح ذلك يقول: "وَإِنَّ الرَّجُلَ"؛ يعني المُشتري "يَقْبِضُ السِّلْعَةَ فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ نَافِقَةٌ"؛ لها قيمة ورائجة بين النَّاس وثمنها غالي "مَرْغُوبٌ فِيهَا، ثُمَّ يَرُدُّهَا" بسبب تبيُّن فساد البيع في وقت رُخْصَت فيه، ما عاد لها تلك القيمة "ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي زَمَانٍ هِيَ فِيهِ سَاقِطَةٌ" عن العيون، كاسدة غير مرغوب فيها، قد نقص ثمنها، "لاَ يُرِيدُهَا أَحَدٌ"؛ ما يميلوا النَّاس لها؛ ما يرغبون فيها. قال: "فَيَقْبِضُ الرَّجُلُ"؛ أي: المُشتري "السِّلْعَةَ مِنَ الرَّجُلِ" البائع، "فَيَبِيعُهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ" على سبيل المثال، "وَيُمْسِكُهَا وَثَمَنُهَا ذَلِكَ"، في ذلك اليوم عشر دنانير "ثُمَّ يَرُدُّهَا"، في اليوم الذي "وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا" في السوق في ذاك اليوم دِينَارٌ واحد نقَصَت. "فَلَيْسَ لَهُ"؛ يعني المُشتري "أَنْ يَذْهَبَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ" البائع "بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ" لأن المُشتري لو لم يمسكها عنده، لباعه البائع في زمان نفاقها وزمان غلائها بعشرة دنانير.
ففي مذهب مالك لا بُدّ أن يؤدي المُشتري إلى البائع عشرة دنانير وهو قيمتها في يوم أخذها منه، وبالعكس كذلك "أَوْ يَقْبِضُهَا" السّلعة "مِنْهُ" من البائع "الرَّجُلُ" المُشتري "فَيَبِيعُهَا بِدِينَارٍ"، هذا قيمتها ذاك اليوم "أَوْ يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا ثَمَنُهَا" حال القبض "دِينَارٌ". بعد ذلك تبين فساد البيع والبضاعة قد غَلِيَت، وصار النَّاس يرغبون فيها وارتفع ثمنها، قيمتها يوم يردها عشرة دنانير، فنفس الحكم عندما مالك قال: "فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي قَبَضَهَا"؛ يعني: المُشتري "أَنْ يَغْرَمَ لِصَاحِبِهَا" البائع "مِنْ مَالِهِ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ"، لأنه إنما اشتراها بدينار واحد. إذا ردّها حال كونها عشر دنانير، كأنه أعطى البائع من عنده تسعة دنانير؛ يعني: في حكم مذهب الإمام مالك: التغيير للقيمة كتغيير البدن. فكما ليس له أن يأخذها سليمة قيمتها عشرة ثم يردُّها معيبة، فكذلك ليس عليه أن يأخذها ناقصة في بدنها وقيمتها دينار ويردّها بعد تمامها ونمائها وقيمتها عشرة. وكذلك الزيادة والنقصان في القيمة؛ يعني إذا زادت قيمتها ففات عنه ردها لأن حوالة الأسواق مؤثر عند الإمام مالك، فلا يردها حينئذ عنده بل يرد قيمتها دينارًا واحدًا، قال: "إِنَّمَا عَلَيْهِ"؛ يعني: المُشتري "قِيمَةُ مَا قَبَضَ يَوْمَ قَبْضِهِ".
وهكذا يقول المالكية: إن كان المبيع له مثل، مثل المكيلات والموزونات والمعدودات، أو لا مثل له مثل الحيوان والثياب والعروض، الذي له مثل أن هذا ردّه، بأن يرد للبائع ما أخذ منه إن كان باقي كما هو، فإن عُدِمَت تلك العين؛ يَرُد مثلها في الموزونات والمكيلات من الحبوب ونحوها لأنها مِثْلِيَّة؛ موجود مثلها يقوم مقام وجودها، ولا تفوت بتغيُّر أسواقها لأن تغيُّر عينها لا يفيد ردها. أمَّا المنقولات وما يتحوَّل، فإذا فات عند المبتاع كانت عليه قيمته يوم قبضه، كما ذكر الإمام مالك هذا في بيان مذهبه.
فعلمنا أنَّ البيوع الفاسدة إذا وقعت ولم تَفُتّ بإحداث عقدٍ فيها؛ يعني صاحبها الذي اشترى بعقد فاسد، ما تصرف فيها، ولا باعها، ولا وهبها، وعليه الرَّد، حكمها الرَّد؛ يعني: يردّ البائع الثمن والمُشتري البضاعة المثمونة. فإذا قُبِضَت وتصرَّف فيها، إما بعتق بالنسبة للمملوك أو بهبة أو بيع أو غير ذلك من سائر التصرّفات، فهل هذا يوجب القيمة؟ وكذلك إذا نَمَت أو نقصت؟
فالبيوع الفاسدة عند الإمام مالك تنقسم إلى مُحرَّمة وإلى مكروهة.
إذًا قول الإمام أحمد مثل قول الإمام الشَّافعي: إذا حكمنا بفساد العقد لم يحصل به ملك، سواءً اتصل به القبض أو لم يتصل، ولا ينفذ تصرُّف المُشتري فيه لأن العقد تبيّن أنه فاسد بل يجب عليه أن يرجع. فإذا هو باعه على واحد ثاني؛ يرجِّع للثاني ثمنه ويأخذ منه البضاعة، ويرد البضاعة للبائع الأول ويقبض منه ثمنه؛ لأن كل تصرفاته ما تنفذ بعد أن تبيّن فساد العقد؛ فتصرفاته لا تنفذ، بخلاف مذهب الإمام مالك كما سمعت كلامه في الموطأ -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-.
إذًا؛ فَرَّقَ الحنفية بين البيع الفاسد والبيع الباطل، ويقولون:
فرَّقوا بين الفاسد والباطل في عامة الأبواب. كما فرَّق الشَّافعية في الحج، بين ما يفسد به الحج ويجب المُضيّ فيه والقضاء عليهم في العام المقبل، وبين ما يُجبَر من ترك الواجبات بدَمٍ ونحوه من الجُبران من الإطعام وغيره كما هو مقرر، فعندهم فَرْقٌ بين هذا وهذا، فمَن ترك ركن ما حجّه صحيح بحال، ومَن ترك واجبًا صحَّ بغير جدال لكن عليه الوبال والدم للاختلال.
عند الأئمة الثلاثة، لا فرق بين البيع الفاسد والبيع الباطل، مترادفان عندهم. الحنفية سبب بطلان البيع عندهم يرجع إلى اختلال ركن البيع، وشرط من شرائط الانعقاد؛ فهذا يعدونه باطل. وأمَّا إذا بطل شرط من شرائط الصِّحَّة؛ فيعدونه فاسد غير باطل، فعندهم في هذا التفصيل.
أيضًا إذا تصرف المُشتري في المبيع، وكان البيع بيعًا باطلًا، بأن باع ووهب؛ فما ينفذ تصرفه عند الأئمة الثلاثة.
إذًا تصرُّف المُشتري في المبيع، وكان إذا كان البيع باطل فتصرفه ببيع أو هبة أو غير ذلك كلُّه لا ينفذ عند الأئمة الثلاثة لأنه ما ملكه أصلًا؛ ما دخل في ملكه؛ فيكون تصرَّف في ملك غيره بدون إذنه؛ فتصرفاته مثل تصرفات الغاصب، لا تنفذ، ويجب أن يرد كل شيء إلى مالكه، فهذا التصرُّف لا يمنع الرَّد؛ لعدم نفوذه، هكذا يقول الأئمة الثلاثة.
وهكذا. فإذا تلف المبيع في يد المشتري فأيضًا هذا عند الأئمة الثلاثة يلزمه ضمانه بالمثل في المثلي، والقيمة في المتقوّم.
وهذا حُكم إذا كان البيع فاسد؛ فالرَّد مُتفق عليه. يجب أن تُرَد، ويرد المبيع، يكون مع نمائه المتصل والمنفصل وأجرة مثله مدة بقاؤه في يده. وإن نقص، ضَمِن نقصه لأنه مضمون، هكذا يقول الأئمة الثلاثة.
"قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ السِّلْعَةَ، فَإِنَّمَا يُنْظَرُ إِلَى ثَمَنِهَا يَوْمَ يَسْرِقُهَا"، فإن كان ثمنها في ذاك الوقت الذي سَرَق يبلغ إلى ربع دينار؛ يعني يصل إلى حد القطع؛ كان ذلك عليه، مع أنه حبسوه وبعد أن حبسوه، رخصت البضاعة، يقيمون عليه الحد، وإذا أن قيمة البضاعة نقصت على ربع دينار!
فعند مالك يقول: "فَإِنْ كَانَ يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ" وقت يوم يسرقها "كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنِ اسْتَأْخَرَ قَطْعُهُ إِمَّا فِي سِجْنٍ يُحْبَسُ فِيهِ حَتَّى يُنْظَرَ فِي شَأْنِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَهْرُبَ السَّارِقُ"، هرب شرد السَّارق، وهو بعد مدة حصَّلوُه والبضاعة التي سرقها كانت ثمنها ذاك الأيام نصاب قطع اليد وأما الآن قد رخصت؛ لا عِبْرَة بأنها رَخُصَتْ فيما بعد عند الإمام مالك، فلا يضع عنه الحد. قال: "ثُمَّ يُؤْخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ اسْتِئْخَارُ قَطْعِهِ بِالَّذِي يَضَعُ عَنْهُ حَدًّا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ سَرَقَ، وَإِنْ رَخُصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلاَ بِالَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِ قَطْعاً لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ أَخَذَهَا"، أخذها وهي ما تساوي إلا قليل، وطاردوه لمّن حَصَّلُوه وبعد مدة والسّلعة هذه قد غلَت وصارت نصف دينار ما هو ربع دينار، نصف دينار أو بدينار كامل!
ثم بعد ذلك يأتي بالنسبة لإقامة الحدود أنها تُدرأ بالشبهات، إذا وقع الاختلاف فيها يُدرأ إقامة الحد. يقول: لو أخرجها وقيمتها ثلاثة دراهم، فلم يُقضَ حتى نقصت قيمتها؛ قُطِع.
وانتقل إلى ما يتعلَّق بالقضاء.
رزقنا الله الاستقامة، ورزقنا تصحيح المُعاملات في الظواهر وفي الخفيات، والتقيُّد بالشرع المصون لنسلَمَ من الآفات والفُتون، وسوء العواقب في الدُّنيا ويوم يُبعَثون. اللَّهم ارزقنا الاستقامة على الشَّريعة، ورقِّنا في مراتبها الرَّفيعة، واجعلنا من أهل العلوم النافعات والأفهام الوسيعة، وانظمنا في سلك حبيبك المُصطفى مُحمَّد مَن خصَّصته بأعلى الرُّتبة الرَّفيعة، وصلِّ عليه وآله وصحبه ومَن سار في دربه وعلينا معهم، بِسِرّ الفاتحة، وإلى حضرة النَّبي مُحمَّد ﷺ.
18 صفَر 1444