(535)
(363)
(339)
(604)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، في مسجد مقام سيدنا جعفر الطيار، في الكرك، الأردن، 6 ربيع الأول 1447هـ بعنوان:
مكانة المصطفى وميزان الإيمان للمكانة
تحدث في الخطبة عن محبة النبي محمد ﷺ وتعظيمه، والاقتداء به في كل شؤون الحياة، مع التحذير من تأثير الماديات والأهواء التي تطمس هذا الميزان، والدعوة لصدق الاتباع وتجديد العهد مع رسول الله ﷺ.
الحمدلله، الحمدلله الواحد الأحد الفرد الحي القيوم، مَن عَنَت له الوجوه وخضعت، وهي واقفة بين يديه وهو الحاكم ومن سواه محكوم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بيده ملكوت كل شيء، منه المبتدأ وإليه المرجع والمصير، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا فضل إلا لمن فضَّله، ولا كمال إلا لمن كمَّله، ولا جمال إلا لمن جمَّله، ولا مكانة إلا لمن كانت له المكانة لديه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وصفيه ونجيّه وخليله، ختم به النبيين وجعله سيد المرسلين، وجعله أكرم الأولين والآخرين عليه، وأحبَّ جميع الخلائق إليه.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك الصفوة المُنتقى وحبيبك القدوة الأتقى، سيِّد أهل الأرض وسيِّد أهل السماء، شفيعك المُبتغى، صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم عليه وعلى آله وأهل بيته الطاهرين وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن والاهم فيك واتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله.
فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا يرحمكم الله، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
وإن من تقواه ﷻ إقامة الميزان في نظرنا إلى الأشياء، في تحقُقنا بحقائق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أن نتَّقِيَهُ في اعتبار الكائنات والوجود من حيث الأفضلية ومن حيث التشريف والتكريم والتبجيل.
فميزان الله يقتضي:
ومن سواهم لا مكانة لهم عند الخالق البارئ، فلا مكانة لهم عند المؤمنين بالله من حيث التعظيم والإكبار.
تكون الكائنات كلُّها لها المكانة من حيث أنها خَلق الله، ومن حيث الدعوة إلى الله تعالى، ومن حيث التعاون على الخير، ومن حيث التعاون على إقامة أمر الحق، ومن حيث التخلُّق بما أحب الله منا أن نتخلَّق به ولو مع الحيوان.
أما من جهة التبجيل والتفضيل والتكريم فلا! إلا لأنبياء الله وملائكته وللصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ومَن سواهم لا مكانة له ولا قدر.
يجب علينا أداء الواجب نحوهم: من البر والقسط للصغير والكبير، والجار ولو كافرًا، ولكن لا تجوز المودَّة ولا الإجلال ولا التكريم (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)،
(لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وإذا قام هذا الميزان استقام فكر المؤمن على ما أنزل الله في القرآن وبلَّغه سيد الأكوان في أنحاء حياته، في حركاته وسكناته وجميع معاملاته.
أيها المؤمنون، إقامة الميزان أنَّ الأكمل على الإطلاق في الخلائق حبيب الخالق صلوات ربي وسلامه عليه، يقتضي ألا نُحِب في الخلائق أحدًا مثله، فما بعد محبة الله إلا محبة أبي القاسم محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
وقد صرّح الله لنا بذلك بيانًا واضحًا في كتابه العزيز، فليستمع قلبك وليستمع عقلك وروحك، آمراً نبيه أن يُبلِّغنا هذه الحقيقة في هذا الميزان: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ).
إن كان شيء من الكائنات أحب إليكم من ربكم ومحمد وجهاد في سبيل الله، أي أن تختاروا خطة القيام بأمر الله لا تؤثر فيكم الأهواء ولا الشهوات ولا أنظمة الشرق ولا الغرب، ولكن منهج الله تنصرونه في اتباع محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، إن لم يكن منكم ذلك فتربَّصوا، تهديدٌ ووعيدٌ من الجبار الكبير ﷻ، (حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) نُصرة أهل الاتباع ومحبة الله ورسوله، وخذلان من أحب غيرهم وقدم غيرهم عليهم وذلك فسق (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
أيها المؤمنون بالله، نصوص صريحة في كتاب الله ﷻ ، وحسبُكم أن الإله الرحمن جعل رحمته الخاصة مخصوصة بأتباع الأنبياء، وبعد بعثة محمد لا يرحم بالرحمة الخاصة ولا يكتُبها إلا لأتباعه.
واستمع النص صريحًا في كلام ربّك: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ) - عظَّموه وأجلُّوه - (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، جعلنا الله وإياكم من أولئكم المفلحين.
أيها المؤمنون، إذا تذكّر الناس في هذا الشهر ميلاد سيد الكون، وأن الله لم يجعل ولادة أحد من بني آدم قبله ولا بعده مثل ولادته، وما قارنها مِن عجائب وما قارنها من آيات، لتمتلئ الأمة بإقامة الميزان في تفضيل حبيب الرحمن، وتقديمه في المحبة والتعظيم والاقتداء والاهتداء بهديه الكريم.
أيها المؤمنون بالله جل جلاله وتعالى في علاه، لا بد من إقامة هذا الميزان، فقد لعبت فيه علينا أهواءٌ وشهواتٌ وأفكار وتخبيطات، حتى بعضها باسم الدين جاء، يريد أن ينظُرَ مِن محمد إلى بشريته لا إلى خصوصيته، وإلى مجرد كونه مخلوقًا آدميًا لا إلى حقيقة كونه موهوبًا ربانيًا رحمانيًا عظيمًا، أكرم الأولين والآخرين على الله، وهو القائل كما روى الترمذي في سننه: "أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ".
أيها المؤمنون، يجب أن يقوم هذا الميزان، ولقد صحَّ في الحديث أنه ﷺ أقبل على جماعة من أصحابه فسمِعهم يتذاكرون، وهذا تذاكُر الصحابة، قال أحدهم: إن لله في خَلقه عجبًا، إنه اتخذ مِن خَلقه خليلًا، اتخذ إبراهيم خليلًا.
فقال الثاني: نعم، وما هذا بأعجب من موسى، كلمه الله تكليمًا.
فقال الثالث: نعم، وما هذا بأعجب من عيسى، خلقه الله سبحانه وتعالى من غير أبٍ وجعله كلمتَه.
وقال الرابع: وما هذا بأعجب من آدم، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واصطفاه.
فسلم عليهم النبي وقال: "قد سَمعتُ كلامَكم وعجبَكم أنَّ إبراهيمَ خليلُ اللهِ، وهو كذلكَ، ومُوسى نَجيُّ اللهِ؛ وهو كذلكَ، وعيسَى روحُهُ وكلمَتُهُ؛ وَهوَ كذلِك، وآدمُ اصطفاهُ اللَّهُ وَهوَ كذلِك ألا وأنا حَبيبُ اللَّهِ ولا فخرَ وأنا حاملُ لواءِ الحمدِ يومَ القيامةِ تحتَه آدمُ فمن دونَه ولا فخرَ وأنا أوَّلُ شافعٍ وأوَّلُ مشفَّعٍ يومَ القيامةِ ولا فخرَ، وأنا أوَّلُ من يحرِّكُ حلقَ الجنَّةِ فيفتحُ اللَّهُ لي فيُدخِلُنيها ومعي فقراءُ المؤمنينَ ولا فخرَ".
يُرشِد إلى تذكر صفاته صلوات ربي وسلامه عليه.
املأ قلوبنا يا ربنا بمحبتك ومحبة رسولك، وأحينا على ذلك وتوفنا على ذلك، مستقيمين على أقوم منهاج، مترقّين بأعلى معراج من غير زيغ ولا اعوجاج، يا رب العالمين ويا أكرم الأكرمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيهِ وعذابه الأليم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، المُنشئ البارئ الواحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الموجد المكوِّن الماجد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، عبد الله الخالص المخصوص مِن الله بأجل الخصائص.
اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المهداة والنِّعمة المسداة، السراج المنير، عبدك البشير النذير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه إلى يوم المصير، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد،،
عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله. فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا يرحمكم الله، (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وإن من تقوى الله أن لا تنصرف من هذه الجمعة إلا وقد استقام الميزان في قلبك: أنَّ الأفضل عِندك من هو أفضل عند ربك، وأنّ الأرفَع عِندك من هو أرفع عند ربك، وذلك محمد، فالنبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ولاؤُك لهم من أجل الله ومحبتك لهم من أجل الله تعالى في علاه.
فأقِم الميزان يا أيها المؤمن بالرحمن، في نفسك وأسرتك، واحذر ما تلعَب به علينا تلك المنشورات وتلك المسموعات والمرئيات مما يُغيِّر المشاعر ويصْرِفها عن استقامة الإجلال والإكبار لله ورسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم.
وقال الله: (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا).
أيها المؤمنون، بل الإيمان لا يتحقَّق حتى نرى من اتصَل بِمحمد من هذه الأمة فنحبه ونواليَه، كسادتنا الأنصار، وقد صح في الحديث: "آيَةُ الإيمَانِ حُبُّ الأنْصَارِ، وآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأنْصَارِ"، وكالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
وكيف من كان من السابقين الأولين من آل بيت المصطفى المختار؟
كمن أنتم في جواره الإمام جعفر الطيار بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، المُخاطَب مِن جَناب النبوة بقوله: "أشبَهْتَ خَلقي وخُلُقي".
وقد كان يقول في أخيه سيدنا علي: "لا يُحبُّكَ إلا مؤمنُ ، ولا يُبغِضُك إلا منافقٌ".
فكان يقول: لو علفت المؤمن بسيفي ما ازداد لي إلا حبًا، ولو سقيت المنافق عسلًا ما ازداد لي إلا بغضًا، بعد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها المؤمنون، وبهذا يصلح حال الفرد منا والأسرة والعشائر والمجتمعات والشعوب والدول، أن نقيم هذا الميزان ونقتدي بسيد الأكوان، فنُقَدِّم ما جاء عنه من أوامر ونواهي وتعاليم، ونقتدي به في ذلكم الصراط المستقيم، ألا وهو ذو الخصائص القائل: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَىٰ النَّاسِ كَافَّةً"، وفي رواية: "إِلَىٰ الْخَلْقِ عَامَّةً"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها المؤمنون، ونختم بما جاء في الصحيح: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ".
بهذه الأوصاف يحيا الفرد والأسرة والعشيرة والمجتمع والشعوب والدول، وبفقد هذه الصفات تحصل الخربطات واللّخبطات وتنزل الآفات، وتتغير الصفات والحالات، (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
فأقيموا ميزان الله ولا تطغوا في الميزان، (وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ).
وأكثروا الصلاة والسلام على عبد الله وحبيبه محمد، فقد بدأ ربكم بنفسه وثنّى بالملائكة وأيّه بالمؤمنين، فقال مُخبرًا وآمرًا لهم تكريمًا وتشريفًا وتعظيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم أَدم صلواتك على عبدك المختار سيدنا محمد،
وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازره في حاليِ السعة والضيق، خليفة رسول الله أبي بكر الصديق.
وعلى الناطق بالصواب، حليف المحراب، المنيب الأواب، الوقّاف عند آيات الكتاب، أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب.
وعلى الناصح لله في السر والإعلان، من استحيت منه ملائكة الرحمن، أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب، أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب.
وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السنة.
وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء. وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين.
وعلى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وأهل بدر وأهل أُحُد وأهل غزوة مؤتة، وأهل البيعة عند العقبة وأهل البيعة تحت الشجرة، وجميع أصحاب نبيك الكريم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا تصرفنا من جُمعتنا إلا وقلوبنا عليك مجموعة بأنوار اليقين والإيمان، والصدق معك في السر والإعلان، وإقامة الميزان على ما تُحِبّه منا، لا نقدم عليك ولا على رسولك نفسًا ولا أهلًا ولا مالًا ولا صغيرًا ولا كبيرًا، ونقتدي به ﷺ في شؤوننا وأحوالنا وأقوالنا وأفعالنا سرًا وجهرًا.
اللهم وتدارك الأمة واكشف الغمة، وعجِّل اللهم برفع البلايا والأذى عن المستضعفين والمظلومين في غزة والضفة وأكناف بيت المقدس وفي جميع أقطار الأرض.
اردد كيد الفاجرين الكافرين الظالمين المجرمين المعتدين، ولا تُبلغهم مرادًا في أحد من أهل لا إله إلا الله.
اللهم اجمع شمل أهل لا إله إلا الله على ما تحبه وترضاه، وخذ بيد ملك هذه البلاد الملك عبد الله الثاني وولي عهده ومن معهم من البطانة الصالحة إلى كل خير وهدى وسداد، وتقوى وإرشاد واتباع لخير العباد، وأعزنا وإياهم وشعبهم والمسلمين من البلايا والأنكاد والفساد، وموجبات الشر والضر في الدنيا والمعاد.
يا مجيب الدعوات، اغفر لنا وللحاضرين، واغفر لآبائنا وأمهاتنا ومَن سبقنا بالإيمان من أهل لا إله إلا الله أجمعين، مغفرة واسعة لا تغادر ذنبًا ولا حَوبًا ولا صغيرة ولا كبيرة، يا خير الغافرين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد وعبادك الصالحون، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
07 ربيع الأول 1447