(364)
(535)
(339)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المجلس الكبير في استاد سلطان ناصر الدين شاه، بولاية ترنغانو، ماليزيا، ليلة الأربعاء 23 ربيع الثاني 1447هـ بعنوان:
نصرة الله ورسوله ضرورتها وحقيقتها وأوصاف أهلها
الحمد لله العليِّ العظيم، العزيز الحكيم، خلق الخلق لِحكمة وطوى عليها علمه، وتكرَّم بإرسال الرُّسُل وإنزال الكتب مِنَّةً ورحمة، هو الغني عن كل شيء وكل شيء محتاج وفقير إليه، وميَّز العقلاء سبحانه وتعالى من بين الخلق بمزايا أعطاهم إياها وجعل للمكلفين سؤالاً عن ذلك، والمرجع إليه وهو يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلِّ شيء قدير.
ونشهد أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا محمد عبده ورسوله، خاتم النبيين وإمام المرسلين، رحمة الله للعالمين، أكرم قدوة برزت للخلائق أجمعين، على متابعته تترتّب محبة الله الكريم، وبمخالفته تحلّ الفتنة ويحصل العذاب الأليم.
قال الله تعالى عنه: (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، وقال: (قُل إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
وقال: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ).
وقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وقد اجتمعتم إيماناً به ومحبةً له، واقتداءً بهديه الذي جاء به، فما شرع لنا الاجتماع على ذكر الله إلا رسول الله، وما علمنا فضيلة الصلاة على رسول الله إلا من سيدنا رسول الله بما أوحاه الله إليه، وهو القائل: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشراً"، والقائل فيما روى الإمام الترمذي بسند حسن وغيره: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة".
فتقبَّل الله منكم وأجزل مثوبتكم، وجعلكم من أنصاره وأنصار رسوله المصطفى، ولا شرف في الدنيا مثل من أن يتشرَّف المؤمن بنصرة الله ورسوله،
فنسأل الله أن يُصلي ويُسلم على عبده وحبيبه المصطفى أحمد، وعلى آله وصحبه ومن سار على منهجه الأرشد، وعلى جميع آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين أهل المقام الأعلى الأسعد، وعلى آلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى جميع ملائكة الله المُقرّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلى أهل مجمعنا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين. وجعلنا الله وإياكم من أنصاره وأنصار رسوله الأمين.
أيها الجمع الكريم المبارك، كل مُكلّف على ظهر الأرض لم ينصر الله ورسوله تمرُّ حياته في نصرة غير الله ورسوله، وكل نصرة لغير الله ورسوله عاقبتها وخيمة ونهايتها شدائد أليمة، وخيرات الدنيا والآخرة على الحقيقة لأنصار الله ورسوله، والحق تبارك وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
وبحكم سنة الله في الحياة، إذا قام أنصار لله ورسوله فلا بد أن يُناوئهم وأن يُحاربهم وأن يعاديهم كفار يحبون الفساد في الأرض، قال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ).
إن أنصار الله ورسوله لا يقاتلون كافرًا لم يعتدِ ولم يظلم ولم يَصُدَّ عن سبيل الله، بل قال الله تعالى: (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا)، ثم قال: (فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا).
فما يقتضي الكفر وحده أن نقاتل ولا أن نحارب، ولكن عندما ينطلق الكافر يظلم ويفسد ويصدُّ عن سبيل الله، وإلا فعامة الأنبياء والمرسلين تعايشوا مع أصناف من الكفار سنينًا عديدة. ووقع في بعض الأوقات صلحٌ واتفاق بينهم وبين طوائف الكافرين.
ولذا جاء في الشريعة الغراء أن الكافر ما بين حربي، وما بين مُؤَمَّن، وما بين معاهَد. والمؤمَّن والمعاهَد يُحفظ ماله وعرضه ودمه كما يُحفظ مال المسلم وعرضه ودمه.
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن سيدنا صاحب الرسالة ﷺ قال: "من قتل معاهدًا أو ذميًا لم يَرَحْ رائحة الجنة"، فلن يجد الناس في العالم كله نظامًا ولا قانونًا أجمل ولا أكمل من هذا النظام الإلهي.
وأي حجة وأي منطق وأي عقل لمن يقول: دعونا نفسد ونغيِّر أديانكم وقيمكم ولا تتصرفوا معنا إلا بالإحسان؟! قال تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
والذين ينصرون الله ورسوله يحملون للخلق كلهم إرادة الخير والإنقاذ والإسعاد، وحتى في أشد أحوال أولئك الحربيين المقاتلين، شرع رسول الله ﷺ أن لا نقتل امرأة ولا صبيًا ولا أن نقتل مُدبرًا ولا نُمثِّل بأحد منهم. أي نظام في الوجود والكون خير من هذا وأحسن؟ بل أي نظام يماثله ويكون مثله سواء؟ (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
وكان ﷺ كلما أرسل سرية ليقاتل الحربيين قال: "ادعوهم إلى الله، فوالله لأن تأتوني بإسلامهم أحب إليَّ من أن تأتوني بأموالهم وسباياهم".
أما مدَّعو العدل والحرية في زماننا فهم الذين يستمرون ولو سنتين كاملتين على الإبادة الجماعية، ولا يسلم من بطشهم صبي ولا امرأة ولا عُزَّل ولا ساكن في البيوت، ولا مساجد ولا مستشفيات ولا خيام للاجئين، ولا مضطرين للتغذية يأتون لأخذ المساعدة والغذاء فيُرمَون ويُرجَمون.
أي حرية هذه؟ أي عدل هذا؟ أي نظام هذا؟ أي تطور هذا؟ أي تقدم هذا؟ هو الظلم الشنيع والجاهلية الجهلاء.
وأي نظام في العالم وصل طعام والغذاء إلى الأسرى من المحاربين أحسن مما يصل إلى المجاهدين المقاتلين؟ هذا نظام محمد لا نظام هؤلاء الأدعياء.
رجع من بدر ومعه سبعون أسيرًا فقال: "أحسنوا إلى الأسرى"، فكان الصحابة يخصونهم بأحسن الطعام ويأكلون أدوَنه، وسمع واحدًا يئن، قال: "مِمَّ ذا؟" قالوا: من شدة الوثاق عليه. قال: "خففوا الوثاق عليهم كلهم، لا يئن منهم أحد"، ما أطاق أن يسمع أنينًا من أسير حربي كان كافرًا، وأمر بالتخفيف عنه، فأي إنسانية هذه؟ ما أعظمها!
وبدل أن يرِقُّوا ويرحموهم كثَّفوا الضرب عليهم والإبادة لهم.
أيها الجمع الكريم، لا عزة على الحقيقة لأحد على الأرض إلا بإسلام، ولن يجد غير المسلمين نظامًا يحمي الأموال والأعراض والدماء كمثل نظام الإسلام.
وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب: "إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
أيها الجمع المبارك، تأملوا قول الله: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، فمن هم الذين ينصرون الله؟ قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ).
فلا يكون ناصرًا لله من يترك الصلاة ولا من يضيعها ولا من يعمل مبطلاتها ولا يتفقَّه في دينه.
قال تعالى: (وَآتَوُا الزَّكَاةَ)، فلا يكون ناصرًا لله ولا لرسوله من بخل ومنع الزكاة الواجبة، إنما أنصار الله أهل البذل والتضحية والعطاء، اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّه) ؟
قال تعالى: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ). ولما نزلت هذه الآيات قال الصحابة: "ربح البيع، فلا نُقِيل ولا نستقيل".
وبحمد الله تبارك وتعالى، كان لأهل ماليزيا خبر طيب في أيام هذه الشدائد ومناصرة إخوانهم المسلمين في مسرى رسول الله وبيت المقدس، فالله يتقبل منهم ويزيدهم من كل خير، ويرزقهم الإخلاص لوجهه والدوام في نصرة الله ورسوله.
فإن الله يقول للمؤمنين: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
ومن كان يعطي ويبذل للفقير وللمسكين ولذي الحاجة فهو أهلٌ أن يكون من أنصار الله ورسوله.
قال تعالى: (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ)، فلا يكون ناصرًا لله ورسوله من يرضى بفعل المنكر بعينيه أو لسانه أو أذنيه أو فرجه أو بطنه أو يده أو رجله أو قلبه.
رزقنا الله وإياكم نصرته ونصرة رسوله، ومن الجميل أن كان انطلاقكم من أجل الدين، لا لمجرد أمر سياسي ولا غيره، ولكن من أجل الله ورسوله، من أجل الدين، من أجل الشريعة، من أجل لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وقد جعل الله تبارك وتعالى لنا النموذج الأكبر في أوائل الأنصار لله ورسوله من هذه الأمة وهم المهاجرون والأنصار، وهذه أوصافهم في كتاب الله فلنتبعهم ولنقتدِ بهم.
قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
فوظيفتهم الصبر والتحمل لما جاء من بلاء، والسماح بأن يُقدَّم المال فداءً لأجل الله ورسوله. كما قال في الآية الأخرى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ).
وذكر مقاصدهم وأغراضهم وأهدافهم فقال: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)، هِمّتهم كبيرة، ومقاصدهم عالية؛ يبتغون فضلًا من الله لا حدَّ له ولا غاية ولا نهاية، ومنه الجنة التي يخلدون فيها، ويبتغون ما هو أعظم من ذلك: رضوان ربهم عنهم، ويستشعرون ربهم ورسوله أمام أعينهم وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
وهذه الشهادة العظيمة لهم من الله: (أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
هذا النموذج الأول، ومن ينصر الله بعدهم فصفته أيضًا في القرآن: أنهم يعرفون قدر أولئك الأوائل من المهاجرين والأنصار، ويدعون لهم ويتضرعون.
(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)، فيَشهدون سبقهم وأوليتهم فيحبونهم ويوالونهم، بل ويتّبعونهم كما شرع الله ذلك في كتابه.
قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ).
وقال: (وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا)، فقلوب أنصار الله ورسوله منزهة عن الغل عن المؤمنين.
فهذه صفة أنصار الله ورسوله، نسأل الله أن يجعلها فينا وأهلينا وأولادنا، ونتوجه إليه أن يحشرنا في زمرتهم، ويرزقنا الاقتداء بهم، فنُعظِّم شريعة الله، ونتفقّه في دين الله، ونبذل في سبيل الله، ونكثر ذكر الله ودعاءه.
قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
ومن أسباب نصرة الله لنا رعايتُنا لحق الضعفاء والفقراء. قال نبينا ﷺ: "إنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم بدعائهم".
تقبل الله منكم وجعل ما تقومون به ذخرًا لكم عنده.
اللهم إنا وهذا الجمع نحبك ونحب رسولك والمهاجرين والأنصار، فحقِّقنا بهذه المحبة، وزدنا منها، وكما جمعتنا على ذكرهم فلا تُفرِّق بيننا وبينهم يوم القيامة، فإن نبيك يقول: "في كل قرن من أمتي سابقون"، فألحقنا يا ربنا بالسابقين، واحشرنا في زمرة النبي وأصحابه وأهل بيته.
اللهم لا تجعل في قلب أحد من الحاضرين قدوة غير رسولك وآله وصحبه، وارزق كلًا منا القيام بأمرك كما تحبه، اجعل بيوتنا بيوت الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ونقرأ فيها القرآن ونذكرك كثيرًا، ونُحيي فيها سنة نبيك، فتنزّل الرحمة على صغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، آناء الليل وأطراف النهار.
اللهم وفِّق أهل ترنغانو لكل خير وزدهم من كل خير، وخذ بأيدي العلماء والحكومة في البلدة وأعوانهم على الخير إلى كل ما تحب وترضاه، وخذ بيد رئيس ماليزيا ومن يساعده على الخير وأيِّدهم من عندك بتأييد، واجعلهم من الذين يحبون رعاياهم ورعاياهم يُحِبونهم، ويدعون لرعاياهم ورعاياهم يدعون لهم، واجمع كلمتهم واجمع كلمة المسلمين، وألِّف بين قلوبهم.
ولا تصرفنا مِن هذا المجمع إلا وقد نظرت إلينا، ولا تصرفنا مِن هذا المجمع إلا وقد نظرت إلينا، وأقبلتَ بوجهك الكريم علينا، وملأتَ قلوبنا بالإيمان واليقين، وغفرتَ لنا ما مضى وكتبتَ حفظنا فيما بقي، وقبلتنا أنصارًا لك ولرسولك، مُخلصين صادقين، نبتغي فضلًا مِنك ورضوانًا.
حقِّق رجاءنا، واستجب دعاءنا، وصَفِّ قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واكشف كروبنا، وادفع البلاء عنا، واختم أعمارنا بالحُسنى، واجعل آخر كلام كُل منا من حياته الدنيا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، مُتحققًا بحقائقها، محشورًا في زمرة كُمّل أهلها.
يا الله، هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، قال نبيك ﷺ: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، وها نحن نتوب إليك، ونستغفرك يا من لا يغفر الذنوب إلا هو، فلا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته.
نبيت الليلة وصحيفة كل واحد منا بيضاء قد محوتَ ما بها من سيئات، ولا تخذلنا بعدها إلى معصية ولا خطيئة، نُلِحّ عليك، ونطلبك وندعوك، ونستغيث بك، ونلوذ إليك، ونستجير بك، ونتوكل عليك. ولا ملجأ ولا منجى لنا منك إلا إليك.
فأسرع بإغاثتنا يا الله، أسرع بإغاثتنا يا الله، وأصلح شأننا كله، يا مصلح الصالحين، يا أرحم الراحمين.
نسألك لنا ولهم وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
جددوا توبتكم إلى الله، قولوا جميعًا:
نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، ونتوب إليه، ونتوب إليه، ونتوب إليه.
اللهم اجعلها توبة نصوحًا، زكِّنا بها قلبًا وجسمًا وروحًا، اللهم اجعلها توبة نصوحًا، زكِّنا بها قلبًا وجسمًا وروحًا، اللهم اجعلها توبة نصوحًا، زكِّنا بها قلبًا وجسمًا وروحًا، لا تغادر ذنبًا ولا إثمًا.
يا خير الغافرين اغفر لنا، يا خير المتجاوزين تجاوز عنا، يا أكرم المسامحين سامحنا، يا الله أقبِل بوجهك الكريم علينا.
وجددوا إيمانكم، وقولوا جميعًا، ما دلنا عليه رسول الله ﷺ أنه يجدد الإيمان:
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله. محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبدًا، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.
زدنا إيمانًا يا ربنا، وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله ﷺ قال لجماعة من الصحابة: "هل معكم غيركم؟" - يعني مشركًا أو منافقًا أو يهوديًا - قالوا: لا. فقال: "ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله"، ولقنهم إياها ثلاث مرات، ثم بشرهم فقال: "إن الله قد غفر لكم".
يا من غفرتَ لهم اغفر لنا في جمعنا هذا، يا من غفرتَ لهم اغفر لنا في جمعنا هذا. وثبِّتنا على ما تحب، وأدخلنا فيمن تحب، واجعلنا عند الموت مِمّن يحب لقاءك وأنت تحب لقاءه، وما تكرّمتَ علينا به في الجلسة فاحفظه علينا، فإنا نستودعك كل خير آتيتنا، فكن لنا حافظًا يا خير مستودَع.
نسألك لنا ولهم من خير ما سألك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك نبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ).
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، تقبل منا بسر الفاتحة.
23 ربيع الثاني 1447