ميزة العقلاء ومكانة التعليم الشرعي وآثاره في الحياتين

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في الحفل الختامي والتكريمي لحلقات المساجد ودور الدعوة بمدينة تريم، ليلة السبت 4 ذي الحجة 1446هـ بعنوان:

ميزة العقلاء ومكانة التعليم الشرعي وآثاره في الحياتين

  • 1:27 خصوصية المعرفة والمحبة الإلهية
  • 3:19 نداء للحاضرين
  • 4:19 عظمة المنهج الإلهي
  • 4:55 مهمة إبليس وإرادته
  • 5:58 مآل العمل العظيم
  • 6:37 أهمية الحلقات التعليمية
  • 7:38 مكائد الأعداء ونصر الله
  • 10:42 دعوة الرحمة
  • 11:42 فضل البلدة المباركة
  • 13:08 قصة الحبيب محمد بن علي الجنيد
  • 14:58 ظهور الثمرات بعد سنين
  • 16:15 الحاجة إلى التطوير
  • 16:53 المدرسة الحضرمية وتاريخها
  • 19:20 المسؤولية والتوجيهات
  • 21:47 الدعاء والختام
  • 31:51 ميزان الصدق ونتائجه
  • 25:58 الارتباط بالله لا بالأسباب الزائلة

لمشاهدة الحفل كاملاً:

https://youtu.be/HiC1xV2qDz4

نص المحاضرة:

الحمد لله الملك الحق المبين، وكل ما سواه مملوك. الإله الحق العظيم، وكل ما سواه مألوه، الخالق القوي المتين، وكل ما سواه مخلوق.

تكرَّمَ بالخلق والإيجاد، وجعل التفاضل بين الكائنات والمخلوقات والعباد. وجعل بحكمته الشرف والفخر في روح الكائنات وهم الإنس والجن والملائكة، المميزون من بين بقية الكائنات بميزةٍ عُظمى كبرى شريفة لا يُبلَغُ إدراك مدى عظمتها وشرفها إلى الأبد، وهي خصوصية معرفته تعالى ونيل قربه ومحبته ورضاه.

خصوصية المعرفة والمحبة الإلهية

المعرفة الخاصة، والقُرب الذي يزيد عن قرب بقية الكائنات وإن كانت الكائنات مُسبِّحة بحمد ربها. والمحبة التي تزيد على محبة بقية الكائنات، فالجمادات تُحب إلهها، والحيوانات تُحب إلهها، والنباتات تُحب إلهها. ولكن في الملائكة ثم في القابلية عند الإنس والجن لِمراتب في المحبة تجاوز غاية مدارك ما يحصل من المحبة للحيوانات والنباتات والجمادات.

كذلك شأن الرضا من الله تبارك وتعالى عن هؤلاء، لذلك كان الذي يُهمِل شأن هذه الخصوصية ويجحد هذا الفضل الإلهي عليه من الإنس والجن، عذابٌ لا يُعذَّب به حيوان ولا نبات ولا جماد، وعقابٌ شديد وغضبٌ وحجابٌ وبلايا ما يُقدَر قدرها، لأنه قابلَ العطاء الكبير بجحودٍ وبعناد.

(قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)

نداء للحاضرين

أيها الأحباب، أيها الأكارم من العلماء والأعيان وأولياء الأمور، أيها الشباب، أيها المُدرِّسون الأطياب، أيها الطلاب.

كما سمعتم الإشارات، شأنٌ عظيم نجتمع عليه اليوم مُتعلِّق بالحقيقة الكبرى لهذا الوجود، وهو حمل أمانة نداء الله وخطاب الله ووحي الله فيما بلَّغه وبيَّنه عبده وحبيبه خاتم أنبيائه وسيد أصفيائه وإمام رسله الهداة محمد بن عبد الله ﷺ.

عظمة المنهج الإلهي ومهمة إبليس

فلا والله لا تستطيع حضارات الآدميين في قديم الزمان ولا حديثه، في ماضيه ولا حاضره ولا مستقبله، ولا أفكارهم أن تصل إلى قمة وذروة نور وسناء وأحقِّيّة وصلاح هذا المنهج الإلهي والوحي الرباني والتعليم من قِبَل الخالق الحكيم العليم جل جلاله وتعالى في علاه. فلا يُعرِض عن هذا إلا من كُتب الله شقاءه، يُلهمه السعداء ويُحرمه الأشقياء.

مهمةٌ وأمانةٌ كبيرة تتناقض مع مهمة إبليس وإرادته التي عبَّر عنها وقال للجبار الأعلى قبل هبوط أبينا آدم عليه السلام إلى الأرض: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)، (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).

أنعمتَ وهيَّأتَ وجعلت لهم القابلية للخصوصية الكبرى، لكن لا يشكرونك أكثرهم على ذلك بل يجحدون ويكفرون ويُلحدون ويعصون ويفسقون ويخالفون، والعياذ بالله تبارك وتعالى بدعوة إبليس الرجيم.

مآل العمل العظيم

ولذا أنتم في أمام عملٍ عظيم متصل بالمبدأ الكبير، وبعظمة المآب والمرجع والمصير إلى العليّ الكبير جل جلاله، في يوم التغابن، يوم التغابن، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ).

(فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ). من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى.

أهمية الحلقات التعليمية

إذا كان الأمر كذلك، فما يتعلق بالحلقات للأبناء والدارسين وللشباب في مجتمعاتنا وبلداننا، متعلقةٌ بصلب الوحي والبلاغ النبوي والشريعة والدين وتنزيل رب العالمين جل جلاله.

وبذلك يترتب على إحسان القيام بها سعادة الأبد، والمجد الرفيع الأشرف الأعظم، ومراتب الدرجات كلها في الجنان مرتبة على نتائج هذا الذي يقوم على أساس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله من العلم بحقائقها ومعانيها وتطبيقها.

مكائد الأعداء ونصر الله

إبليس وجنده ينشرون المعاداة لهذه المناهج ولهذا الخير، ولكن واجهتهُم إرادة مريدٍ قويٍّ لا رادَّ لقضائه.(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ)، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). 

وإلا ففي تخطيطات الآدميين من شياطينهم الذين مروا على ظهر الأرض بعيداً وقريباً، فيما قبل قرون وفي هذا القرن، هذا القرن الذي نحن نعيش فيه والقرن الذي مضى، وُضِع في خططهم أن يبثُّوا بين الناس ما ينزع حقيقة الإيمان منهم، وأعدُّوا خططاً طويلة عريضة لئلا يبقى لهذا النبأ والخبر والدين والدراسة مجالٌ ولا ذرَّة على ظهر الأرض.

وعملوا لذلك مؤتمرات، وعملوا لذلك أحزاباً، وأقاموا لذلك دولاً، وتصرَّفوا بأنواعٍ من التصرُّفات، وأنفقوا إنفاقاتٍ كثيرة، بل وصلوا إلى أموال المسلمين أنفسهم لتُصرف في مضادَّة الدين وأمر الدين أو للتقاتل بينهم والتحارب بينهم أو لنشر الفساد فيما بينهم.

وهي أموالٌ من حقوق المسلمين العامة التي حقُّها أن تُصلحهم وأن يستفيدوا منها ما يُصلح معاشهم ومعادهم، وصُرفت في التفريق والتشتيت ونشر الفساد والضُّر ،وانحراف السلوك والفكر بين المسلمين.. وصلوا إلى كل أمثال هذا.

ومع ذلك كله، فلا زلنا نقرأ في المآلات والغايات والنتائج: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

مُلحدو زماننا، فُسَّاق زماننا، مُفسدو زماننا، كالذي قبله والذي قبله والذي قبله إلى أول مُفسد من ولد آدم (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).

دعوة الرحمة

ومع ذلك فدعوة الرحمة التي حملها خاتم الأنبياء إمام الأئمة ﷺ: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ).

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ). (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

فضل البلدة المباركة

ثم إنكم كما قد سمعتم، في وقوفكم أمام هذه القضية بعينها، وكونكم في بلدةٍ سُقيت قلوب الصالحين فيها بلُبِّ الوحي والتنزيل، وحقائق الإسلام والإيمان والإحسان والمعرفة الخاصة والمحبة الخالصة، ورسخت أقدامهم في جميع مراتب مقامات اليقين وأحوال اليقين.

أهل اليقين لعينه ولحقِّه ** وصلوا وثَمَّ جواهر الأصدافِ

راح اليقين أعزَّ مشروبٍ لنا ** فاشرب وطِب وهَنا بخير سُلافِ

 هذا شراب القوم سادتنا.. 

وما نزل من السماء إلى الأرض أشرف من اليقين، فحازوا الشرف الأفخر. 

وأمامكم المهمة الكبيرة اليوم من خلال هذه الحلقات بما أدَّت من خير وكما سمعتم، جزى الله القائمين المتبرعين المتطوعين إدارةً ومعلمين لوجه الله تبارك وتعالى بذلوا جهوداً نرى أنها المُربحة، الربح الأكبر.

قصة الحبيب محمد بن علي الجنيد

وتعلمون ما يُعانيه الناس في حياتهم وحاجات هذه الحياة وما إليها، ولكن أيضاً ذكَّرني بموقفٍ قد كان يذكره السيد الحبيب محمد بن علي الجنيد عليه رحمة الله، قال وأيضاً دُعي لفرصة عملٍ في الخارج، وخرج أبوه إلى عند الحبيب علوي بن شهاب عليه رحمة الله تبارك وتعالى، ويريد منه يأذن لولده يُرتِّب له الفاتحة يذهب يترزَّق الله، يأتي ما يسدُّ حاجتهم.

قال فلما كلَّم الحبيب علوي قال له: البلاد ذي بيروحها أكثر الذين يروحون إليها يتعرَّضون لنقصٍ في دينهم وفسادٍ في أخلاقهم. أترضى لولدك يروح كذا؟ قال للحبيب: كيف ترون الحاجة، قال اسمع، قل له يبقى محلَّه وسيأتي له مُرتَّب بالعملة حق البلد التي أراد يخرج إليها.

قال بعد أيام يأتينا فلان وفلان يقولون أردناك للتدريس هنا وبالعملة هذه.

وكان مخرجٌ ولابد من المخرج، إلا أن الأمور أيضاً تحتاج إلى موازنة وإلى مقارنة وإلى صبر. وغالب النتائج الطيبة الجميلة تكون بعد صبر، وتكون بعد تحمُّل، ولكل شيءٍ جزاؤه، والمعاناة من غير شك كثيرة وكبيرة، ولكنها لها حدود ولها أوقات، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). 

ظهور الثمرات

ولابد من شيءٍ من هذا التعاون وإن كنا نُغبط هؤلاء المجتهدين والمُجِدِّين، وبعد مرور هذه السنوات، 32 سنة على بداية تأسيس الحلقات. أذكر في هذه الساحة أول أول دورة عملنا الختم لها في هذا المكان، لما جاء الحبيب عبد الله بن محمد بن شهاب عليه رحمة الله، قال أنا تمنَّيت أبوي وأبوك يرون هذا الجمع.

كانت تعتصر قلوبهم لجمع الناس على الخير وهدايتهم، وجاءوا في وقتٍ انبهر الناس بحضارة الغرب والشرق وما يطرحونه عليهم وصدُّوا عن كثيرٍ عن التعليم والدين، قال له: أودُّ أنهم يرون يفرحون، قلنا وهم في البرازخ أيضاً ينظرون. 

ويقضي الله تبارك وتعالى ما يشاء من آثار صبرهم، ومن آثار جهدهم، ومن آثار تحمُّلهم للعناء، ومن سُنَّة الله في الوجود كلما ضعفت الأمور جاءت أسباب تجديد وإحياء وقوة من الله تبارك وتعالى، "يَحْمِلُ هَٰذَا الْعِلْمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ" .

الحاجة إلى التطوير

وأقول الأمر كما ذكر السيد أبو بكر، نحتاج إلى إعداد عددٍ من التدريبات والتمرينات للمدرسين ليتَّسع مجال وعيهم وفهمهم وعطائهم، وليتَّسع سرُّ إخلاصهم لوجهه وعلاقتهم به ومحبَّتهم له ودخولهم من باب رسوله إليه في وداد، وعطايا ما لها من نفاد، وجودٍ من أكرم جواد جل جلاله وتعالى في علاه.

المدرسة الحضرمية وتاريخها

وكنا نسمع من أرباب الصدق أنه مهما كانت الحوادث في الدنيا، فلو أصبحت الدنيا عمياء فتريم عشواء, ومهما تنوَّعت الحوادث وتطوَّرت في العالم؛ فإن الله سيجعل من هذه البلدة نشراً لنور الهدى في شرق الأرض وغربها.

ورأينا مصداق ذلك، سواء في الوافدين والواردين أو ما ينشر الله في القلوب أو المتابعين عبر الوسائل هذه المتعددة الكثيرة.(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ).

انظروا إلى هذه النيَّات وما تأسَّس في مدرسة حضرموت، وما تعزَّزت وتقوَّى أصلها وجذرها بعد عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين عند وصول المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى إلى الوادي، تقوَّت أصول المدرسة الحضرمية في المواريث النبوية، وتعزَّزت بالجمع بين الثقلين الكتاب والعترة الطاهرة، خيارهم من خيار خيارهم، من أكبر وأفاضل علمائهم وصلحائهم من العترة جاء بهم الله إليكم في الوادي الميمون المبارك.

ولما درس بعض الكفار المستشرقين تاريخ البلدة والوادي من حين دخل الإسلام ومن قبل الإسلام وبعد الإسلام، تأمَّل قال لولا مجيء أحمد بن عيسى المهاجر كانت حضرموت صفر على الشمال، تاريخها وخبرها؛ لأنه تأمَّل أن الله حفظ لهذا الوادي ولهذه المدرسة قوَّتها بوجود هذا العنصر المتصل بالقرآن، "لن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض".

فكانت انتشارات النور في مختلف قبائل أهل الوادي حتى لا تكاد قبيلة إلا وفيهم من آل الورع ومن آل الصدق مع الله ومن آل الولاية عددٌ في مختلف القبائل، فضلاً من الله تبارك وتعالى.

توجيهات مهمة

والآن مهمَّتكم وأنتم تسمعون من أحبابنا الوافدين من شرق الأرض وغربها، والظروف التي مرَّت بكم ما أثَّرت على انتشار هذا النور وبقاء سرِّ اللطف في بلدتكم وأماكنكم، ووفادة الوافدين وتعلُّم المتعلمين وإقامة هذه الأمور فضلاً من الله تبارك، والله يُتمُّ النعمة علينا وعليكم.

فنحتاج إلى زيادةٍ من الإيمان واليقين والخبرة والمعرفة والاتساع للوافدين. ومهما رأيتم بركةً وتعدُّداً في الوافدين فما هو مُقبلٌ أقوى وأكثر، ويحتاج منا أدبٌ مع الله وشكرٌ له وقيامٌ بالواجب في المحافظة على ما سمعتم من سرِّ التربية التي قام بها فخر البلد وشرف البلد، الشرف الذي يمتدُّ ويتأبَّد إلى البرزخ إلى القيامة إلى دار الكرامة، يبقى شرفٌ ويبقى مجدٌ ويبقى علوٌّ وسموٌّ، وما عدا ذلك فهباءٌ منثور. 

يجب أن نتعاون وأن ننتبه من إقامة الأمور وحُسن الموازنة بين الأشياء، فإن في سُنَّة نبي الهدى ما يُنجي من كل ردى، وما يُقيم لنا المعاش بحُسنٍ والمعاد بما هو أحسن.

فهي الشريعة الكاملة والسُّنَّة الفاضلة، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا). ما نقبل وما لا نقبل، وكيف تمشي لنا الأجور والثواب حتى في مِهناتنا، حتى في أعمالنا، حتى في مواساة بعضنا البعض ومساعدة بعضنا البعض في مختلف حاجات المجتمع إلى غير ذلك.

وماذا نقبله من ذا أو من ذاك، من شرقٍ أو غربٍ، وماذا نرفضه وما الوجه الذي نقبل الأمر عليه فلا يمسُّ كرامتنا ولا قِيَمنا ولا ديننا ولا يلعب بأفكارنا، تحت قائدٍ عظيم اسمه محمد بن عبد الله. قال الله عنه (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا).

الدعاء والختام

فنرفع إلى ربنا حمدنا وشكرنا ونسأله أن يحمد نفسه ويشكرها عنَّا بحبيبه محمد ﷺ وبما منَّ علينا خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، وما خصَّ الله به وادينا وبلدتنا المباركة، وأن يزيدنا نوراً وتقوى واستقامة، يُعيد عوائد هذه الوجهات القلبية في الشرق والغرب ومنهم ومن خواصِّهم صالح القلوب الذين وردوا إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في هذا الموسم وفي هذه الأيام وفي هذه العشر الكريمة المباركة التي نرجو الله أن يجعل مجمعنا فيها من خيار وأرفع وأكرم ما يُعرض عليه ويُحبُّه تبارك وتعالى ويُعرض على رسوله ﷺ.

فما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من أيام العشر، وأنتم فيها غنَّمكم الله خيراتها وغنَّمكم الله بركاتها وغنَّمكم الله أسرارها ومزاياها التي يهبها لأهلها جل جلاله وتعالى في علاه، تستقبلون ليالي التروية وعرفة والنحر وليالي التشريق وكلُّها مُشرقةٌ بالنور. 

فلننتبه من تلك الآداب وتفقُّدنا لبعضنا البعض وما يتعلق بهذه الحلقات، كلٌّ منا يُشارك فيها وما يقوم في الرباط وما يقوم في دور الدعوة وما يقوم في المساجد، وكل ذي قلبٍ صادقٍ مُخلصٍ يريد وجه الله، يدٌ واحدة تريد تنوير القلوب ورضا علَّام الغيوب، والاستعداد للقاء، وعمل ما هو أبقى وأنقى وأتقى للرب.

ميزان الصدق ونتائجه

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

لكن الأمر قائمٌ على الصدق، (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) هذا هو الميزان والقياس، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). أولئك هم الصادقون. اللهم اجعلنا منهم.

ترون منظراً من مناظر الصدق، هذا الذي أسَّس هذا المسجد قبل 650 سنة، يُقارب 700 سنة أسَّس المسجد في ذا المكان. بأيِّ نية؟ بأيِّ قصد؟ وما كان في القرون الماضي يُقصد من وقتٍ إلى وقت، من جاء إلى هنا إلى ماء بارد التي كانت موجودة  هنا ثلاثة وأربعة، وبليلة النصف يخرجون يعملون الختم فيه ومن جاء زائر من وقتٍ إلى وقت.

لكن بعد مرور 650 سنة، إيش يتجدَّد في المنطقة؟ إيش يتجدَّد في المسجد؟ إيش هذه النيَّات؟ هذا هو الصدق، وهذه نتائج الصدق! ولا تزال نتائج الصدق إلى يوم اللقاء (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) والحمد لله.

الارتباط بالله لا بالأسباب الزائلة

هذه الأعمال تقوم بينكم، لو ارتبطت بحزبٍ لذهبت بذهاب الحزب، ولو ارتبطت بحكومةٍ لذهبت بذهاب الحكومة، ولو ارتبطت بدولةٍ لانهارت بانهيار الدولة؛ لكن بحمد الله، هي مربوطةٌ برب الأرض والسماء، هي مربوطةٌ بسيد أهل الأرض والسماء، هي مربوطةٌ بحبالٍ سَنَدٍ إليه قويٍّ، قويٍّ، قويّ! 

فضلٌ من فضل الله، وَجودٌ من جود الله، فالله يُتمُّ النعمة علينا وعليكم، ونتلقَّى الأيام المباركة إن شاء الله بخيراتها وعظيم ثمراتها. 

اقبل يا ربنا حُجَّاج بيتك وزائري نبيك، وأشركنا في دعواتهم وما تُنزل عليهم وما تتفضَّل به عليهم، واجعل لنا قلوباً تتلقَّى الفيض وتتلقَّى الفضل من حضرتك، متعاونين على مرضاتك وما يُقرِّبنا إليك، يا حيُّ يا قيوم يا رحمن، وعفواً على طول الوقت وتأخُّر الزمن، والله يجمعنا وإياكم في كل مقامٍ كريم.

 

 

تاريخ النشر الهجري

17 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

13 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية