كلمة في مجلس توديع طلاب الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن 1446

للاستماع إلى المحاضرة

كلمة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مجلس توديع طلاب الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة، عمّان، الأردن، ليلة الأحد 28 صفر 1446هـ

نص الكلمة:

(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)

هو الذي ألَّف بين قلوب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في هذه الأمة، وإن سبق التأليف في آل وأصحاب وأنصار الأنبياء من قبل؛ لكن هذه الأمة هي التي هي الأفضل، رأس التأليف كان بين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار - عليهم رضوان الله -

وسرت السراية، وأنتم تقتطفون هذه الثمرات، جمع منكم، كثير منكم لهم جهود ولهم أعمال ولهم وجهات في بلدانهم،

  • وكثير منكم تهيئوا لأن يُفتح بهم أبواب كثيرة،

  •  كثير منكم تهيئوا لأن تُسَد بهم ثغرات كثيرة،

  •  كثير منكم تهيئوا لأن يحيَوا الحياة الطيبة التي وعد الله بها (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ )[ النحل:97 ].

  • وتحاببتم برَوحِ الله سبحانه وتعالى وفي الله ومن أجل الله  جل جلاله.

ومرت بكم الأيام، كما سمعتم بما فيها، وجاء الآن الختم والتوديع لأحبابنا الذين كنا نجالسهم في خلال هذه الليالي، "ما تجالس اثنان في ساعة في ليل أو نهار، إلا سألهم الله عن صُحبتهما أهل أقاما حق الله فيها".

 

والحمد لله على ما وفّق أهل الخدمة جزاهم الله خير، وأهل النشاط جزاهم الله خير، وأهل التدريس جزاهم الله خير، والذين حضروا وساقتهم العناية، جعل الله الكل مفاتيح للخير ومغاليق للشر، وكلكم برز من قلوبكم مطالب ورغبات عظيمة ما تكون إلا في المؤمنين: رغبة اللقاء في دار الكرامة، والاستظلال بظل العرش، والوفادة على الحوض المورود، والمرافقة لحبيبه ﷺ، وتِلكُم هي الغاية التي ينتهي إليها كل مقبول منا في هذه الأعمال، وفي هذا الجهد وفي هذا الانتباه.

 

وسمعتم أنّ من مظاهر الرحمة العظيمة همنا بشأن هذه الأمة وحسرتنا على من يموت كافراً، وإمامنا كان يقول له الله - سبحانه وتعالى - (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) من شدة الحسرة، ويُخفِّف عنه ويقول له سبحانه وتعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَشَأ نُنَزِّل عَلَيهِم مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّت أَعناقُهُم لَها خاضِعينَ﴾ [الشعراء: 3-4]

ولكن الحق تعالى ما يريد مُجرد خضوع الأعناق، ولكن خضوع القلوب لمن شاء ومن سبقت له السعادة، وقد اقتضت حكمته أن يجعل هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، والله يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، ومن أسباب إدخال كثير من الناس إلى هذه الجنة.

 

في عجائب تحدث عنها ﷺ، تعجّب من آثار الجهاد في سبيل الله، فقد يتسبّب أن القاتل والمقتول يأخذ أحدهما بيد صاحبه ويدخلون الجنة معًا، وكان واحد في الكفر ولكن واحد آخر مقاتل مجاهد في سبيل الله قتله فحاز به الشهادة، ثم هدى الله هذا وآمن وندم على ما كان، يلتقيان في القيامة، ويقول: كنت تدعوني إلى هذا الخير.. يقول: أنت كنت سبب نيلي للشهادة لولا كفرك في تلك الأيام وإلا لا أحصل على الشهادة هذه! يأخذ بيد هذا ويدخلان الجنة!

انظر كيف إلى خطر لمَّا ينحرف الأمر ويلتقي المسلمان فالقاتل والمقتول في النار، انظر الفرق الكبير بين هذا وهذا، لمَّا  كان في سبيل الله ومن أجل الله أدّى حتى إلى أن القاتل نفسه يرجع مرة أخرى ويدخل مع هذا إلى الجنة، وأمَّا إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، نعوذ بالله من غضب الله.

 

الحمد لله على كل ما أنعم، وكل الأيام التي مرت والمجالس والكلمات التي سمعناها حبال توصل وتُقرِّب، وعهود مُتّصلة بالعهد الأول (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف:172 ]

فارعوا هذه العهود وتمسكوا بهذه الحبال، وانشروا إلى بيوتكم وأسركم وأهليكم وأهل بلدانكم وأهل زمنكم كل ما قدرتم عليه من هذا الموروث النبوي، والنور والرحمة، والميعاد إلا هناك؛ مهما التقينا في هذه الدنيا، ومهما تجالسنا ولو في مكان واحد ولو سنين، غايته لابد من الافتراق، لكن في لقاءات في البرزخ شأنها طيب.

ولقاءات في مواقف القيامة مع أنه يوم الهول العظيم؛ لكن ما أعجب ساعات تحت ظل العرش يتخاطب فيها أصحابها، وتُبسط لهم موائد تحت ظل العرش، والناس في تعب ويقال: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) [الحاقة: 24]

 وما أسرار التلاقي تحت لواء الحمد! يضمك ويضم معك آدم، وشيث ابن آدم ونوح، ويضم معك هود وصالح، ويضم معك إبراهيم وموسى وعيسى، كلهم تحت اللواء هذا، وأنت موجود تحت اللواء!

ومن تحاببتم وإياهم في الله موجودين ويتلاقون، لقاءات عجيبة؛

ثم بعد ذلك عند دخول الجنة، هذا لقاء لا افتراق بعده أبدا، وهو مرادنا، فالله يكرمنا وإياكم.

فيَا ربِّ واجمعنا وأحبابا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ

 

الله يسرّ قلب نبيكم بما يعْرِضْ عليه من نيات كل واحد منكم في المجلس هذا؛  إذا عُرِضَت عليه نيات كل واحد منكم في المجلس:

  • تكون سبب لسرور قلبه،

  •  ويتعجّب لها الأوائل الذين نصروه وقاموا معه ويفرحون بها،

  • ويتوجهون بالدعوة لنا إلى الله تعالى أن يُثَبِّتنا وأن يرعانا، ولا يُخلِّف أحد منا، حتى يموت كُلٌّ مِنَّا على حقائق الإسلام والإيمان والإحسان والمحبة للرحمن.

نُحِبٍ لقاءه وهو يحب لقاءنا، وهو يحب لقاءنا..! ومهما أحب العبد لقاء ربه واجب عليه.

وكم مقدار محبته؟ لكن ما الشرف الذي في: والله يُحب لقاءه؟! تعرف تفكر فيها هذه؟ هو يحب لقاءك! هو يحب لقاءك أنت! أنت من أنت يا عبد؟ أنت مَن الذي كنت عدم؟! رب السماوات والأرض، رب العرش، يُحب لقاءك؟! من أنت؟! وما يكون حالك إذا هو أحب؟ هو أحب لقاءك؟ لا إله إلا الله، ما هذا العطاء؟ وما هذا الفضل؟! الله يكرمنا وإياكم ونجتمع إن شاء الله هناك.

 

وسامحونا طوّلنا عليكم المجلس وما كان فيه، ونحن يحتاج من جالسنا وصبر معنا إلى صبر، 

ونحتاج من كل من جالسنا إلى مسامحة، يسامحونا ويعفو عنا، وبينكم البين تواهبوا، كل ما كان بينكم هنا، أرى كل واحد منكم ربي وفقه ووهب، وبذل ما في وسعه، الحمد لله على ذلك، ومع ذلك كل منكم يُسامح الآخر، ويعفو عن الآخر؛ لأننا لنا غرض وهو أن يعفو هو عنَّا، ولا نجد سبب لنيل عفوه أكبر من أن نعفو عن بعضنا البعض، فإن الجزاء من جنس العمل، فالله يسامحنا ويعفو عنا، ويُبلِّغنا وإياكم، ويجزي علمائنا وصلحائنا والذين حضروا من أهل الهم وأهل الوجهة إلى الله تعالى خير الجزاء، ولا يجعله آخر العهد منا ولا منكم، ويكتب لنا الاجتماع في دار الكرامة وفي مواقف النور كلها.

فيَا ربِّ واجمعنا وأحبابا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضع

فـــــــــــضـــــــلا وإحـــــســـــانــــا ومــــــــــنّــــــــــا مـــــنـــــك

 

 

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

22 ربيع الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

25 سبتمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية