كلمة في مجلس الاحتفال بالذكرى التاسعة والعشرين لافتتاح دار المصطفى بتريم 1446هـ

كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الاحتفال بالذكرى التاسعة والعشرين - 29 - لافتتاح دار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، ظهر يوم الأربعاء 29 ذو الحجة 1446هـ

(يمكنكم الاطلاع على الصور في أسفل الصفحة) 

لمشاهدة مجلس الاحتفال كاملاً والفعاليات (اضغط هنا)

نص المحاضرة:

الحمد لله على ما تُجري يد عنايته الربانية في الأمة المحمدية، مِن سرِّ محبته لمحمد، الذي تفرّدَ في القرب منه، وتفرّدَ في المعرفة به، وتفرّد في المحبة منه، وتفرّدَ في المحبة له، وتفرّدَ في رضوانه، فكان سيد الكل، وكان إمام الكل، وكان ختم الرسل

 يا ربِّ صلِّ عليه، يا ربِّ صلِّ عليه أفضل الصلوات، يا ربِّ سلِّم عليه أزكى التسليمات، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكتك المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اجتماع الأمة على النور 

جمعتكم يد العناية الربانية في حلقات أمة محمد عليه الصلاة والسلام، التي على ممرِّ العصور يشرق فيها النور، وتتأثر بأسرار الصِّلات - التي سمعتم الكلام عنها - بالحق جل جلاله، عبر المصطفى، وعبر ما وَرَّث، وعبر ما خلّف وترك في هذه الأمة عليه الصلاة والسلام. 

ويُقابل ذلك كثيرٌ مما تسمعون مما يناقض ويناهض ويخالف دعوة الله ودعوة رسوله، في فكرٍ أو في سلوكٍ وخُلُقٍ أو في معاملة، يتولاها - كما سمعتم - إبليس وجنده، (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ).

قوة الإيمان بالآخرة حصن للمؤمن

لكن الحق يقول لنا: إن تأثير ه على قدر ضعف اليقين بالآخرة (وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وأما من قَوي يقينه بالآخرة فما يتأثر، ما يتأثر بأطروحاتهم وعروضاتهم، ما يتأثر بزخرف قولهم، ما يتأثر بحياكة مكرهم وتضليلهم وتلبيسهم الحق بالباطل.. إلى غير ذلك، ما يتأثر على قدر قوة إيمانه.

قوة إيمانه هذا الذي سمعتم الحديث عنه في كلام أحبابنا من الإخلاص لوجه الله تبارك وتعالى، ومن قَوِي إيمانه بالله أخلص لوجهه الكريم، ومن أخلص لوجهه الكريم قدَّم أمر الله ونصرته ونصرة رسوله على مرادات نفسه وشهوات نفسه، وملذّات نفسه وإرادات نفسه، وعلى كل شيء سواهما، فيكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ويحب المرء لا يحبه إلا لله.

الولاء والمحبة في الله

إقامة هذا الولاء والعلاقات التي سمعتم أنّ إبليس يجتهد في قطعها، ويجتهد في تفريق الخلق عنها - علاقتهم بالله وبرسوله بمحبة وبمودة وبإيمان - يكرهها إبليس لأن الرحمن يحبها، ولأن رسوله يحبها. (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).

فالمُهم في هذه الواجبات الكبيرة علينا في الحياة أن تُدرِك الأمة عظَمَة ما أتاها من نور الله بواسطة رسوله، وانتشر على أيدي صحابته وآل بيته وورثته، وبقي الحمد لله له السند المتين القوي إلى ذلك الجناب النبوي، فضلاً من فضل الله، يعرفوا قدر هذه النعمة، ويعرفوا قدر نعمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" التي يحتاجون إلى ترجمتها في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.

 توديع العام الهجري

وفي توديع السنين واستقبال السنين - الأعوام الهجرية على وجه الخصوص - هذه الأعوام القمرية التي رتَّب الله عليها الحج إلى بيته، ورتّب عليها الزكوات، ورتّب عليها صوم رمضان - أركان الإسلام تدور على هذه السنوات القمرية - (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).

ونودِّع عاماً بكل ما كان فيه، ونستقبل عاماً جديداً، ووجهتنا إلى رب الأعوام أن يُصلِح كل خاص وعام، وأن يحوّل الأحوال إلى أحسنها. وسمعتم ما جرى في مثل هذا العام من أحوال وشؤون ربانية، شؤون يُبديها ولا يبتديها، (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

التضحية في سبيل الله

فأعزّنا يا رب، وأعزّ ديارنا وأولادنا، وأعزّ طلابنا وأصحابنا، وأعزّ جوارنا وأهل قُرانا وأهل مُدُننا، وأعزّ المسلمين بنور الإيمان واليقين والإخلاص لوجهك الكريم، ولا تُذلّنا بتبعية الهوى، ولا تُذلّنا بتبعية الشيطان، ولا تُذلّنا بتبعية قُطّاع الطريق عن سبيل الله جل جلاله وتعالى في علاه.

واجعل لنا اقتداءً بهذا الفريق الذي ضحّى والذي وهب وبذل، كان الحبيب محمد الهدّار يقول في شيخه الحبيب عبد الله الشاطري: "لو كان في مصلحة الدعوة إلى الله بري لحمه لما تردد في ذلك" - يُبرون لحمه قطعة قطعة ما دام فيه مصلحة الدعوة إلى الله، ورأيناها بعد ذلك في خلفائه، في ورثته، وحبيبنا محمد الهدّار، والحبيب محمد بن سالم، الوالد عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وليس مجرد (لو كان) بل قدّمها مباشرة: لحمه ودمه وعظمه وروحه قدّمها ولا خطر أمامه - كما سمعتم - ولكن قال: إذا ساروا الصحابة في طلب الشهادة مسيرة شهور، تجينا إلى عند الديار ونرفضها أو نردّها! - عليه رحمة الله ورضوانه - 

فكما رأيتم هذه الآثار في تلك الحقبة، كان ممن قدّموا دماءهم حبيبنا أحمد بن صالح الحدّاد، وحبيبنا أحمد بن عبد الله المحضار - عم الحبيب هذا محمد المحضار - فدوا أرواحهم، وكنت أسمع الحبيب إبراهيم يقول: هذه الأرواح الطاهرة دفع الله بها البلاء عن البقية، وإلا كان حال حضرموت واليمن ثاني بعد هذه التشاويش التي جاءت، ولكن قدّموا أرواحهم وبذلوها لله سبحانه وتعالى ونصرة الدين، فرحمها الحق جل جلاله، وحفظ بها الدين، وحفظ بها الشريعة، وحفظ بها الفهم لكتاب الله وسنة رسوله - الذي ما يدخل فيه إبليس يلعب بالناس ويضرب بعضهم ببعض - فهم قويم، فهم صحيح، فهمٌ صادق، فهم على أُسُسٍ ثابتة مُسندة إلى مَن أُنزل عليه الوحي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

الدعاء للأمة الإسلامية

فالله يختم عامنا بخير، ولعله هذا آخر يوم في أيام هذا العام، وبقي معنا فيه ساعات ويرحل العام بما فيه. يا رب اجعله شاهداً لنا لا شاهداً على أحد منا، وحُجّة لنا لا حُجّة على أحد منا.

والعام المُقبل يا رب فيه اجبُر خواطر المنكسرين والمؤذَين والمظلومين، والذين فقدوا الأطفال وفقدوا النساء وفقدوا الكبار وفقدوا الصغار، وهُدِّمت ديارهم وهُدمت مستشفياتهم وهُدمت مساجدهم وهُدمت مصالحهم وهُدمت بناهم التحتية، في تَبَع مصالح قومٍ يرون أن مصلحتهم هي الإله وعبدوها من دون الله جل جلاله، ولا بالوا بدماء الشعوب ولا بأعراض الشعوب ولا بأموال الشعوب ولا ما إلى ذلك.

يا رب أنقذ الأمة، يا رب اجعل لنا في عامنا ما يُسَرّ  به قلب نبيك محمد، ويفرح به كل خاطر من خواطر أهل "لا إله إلا الله"، وردّ عنا كيد البُغاة والطُغاة والمُفرّقين والمشتّتين والمؤذين والمعتدين والظالمين، يا حيّ يا قيّوم.

ولا تُرِنا في وجه مؤمن ذلّة، لا تُرِنا في وجه مؤمن ذلّة، لا تُرِنا في وجه مؤمن ذلّة، ولا في وجه معتدٍ كافر عزّة أبداً ما أبقيتنا، يا أرحم الراحمين.

واجعله عام فرج وصلاح وفلاح ونجاح، والمجمع انظر إليه وإلى من فيه، وعُمّ بنفعه الحاضرين والغائبين والمؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، والأحياء والأموات، بفائض جودٍ يا جواد مِن عندك لا حدّ له ولا غاية، يا مُجيب الدعوات.

اغفر للمُتقدّمين معنا وارفع درجاتهم عدد كثير منهم، ومنهم من كان يتكلم في هذا الموطن مثل: الحبيب علي المشهور، مثل الحبيب عبد الله بن محمد بن علوي بن شهاب الدين، مثل الحبيب سالم بن عبد الله بن عمر الشاطري، مثل الحبيب حسين بن عيدروس عيديد، ومثل الحبيب أبو بكر بن علي بن أبي بكر بن علوي المشهور، وغيرهم. اللهم ارفع درجاتهم، اللهم اجمعنا بهم في أعلى الجنة، اللهم اجمعنا بهم في أعلى الجنة، اللهم اجمعنا بهم في أعلى الجنة من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب.

وانهض الهِمم في هذه القلوب، لتقتفي الدرب على خير مسلك تُحبّه في الشهادة والغيوب، نبلُغ به الأمل وفوق الأمل، مع صلاح القصد والعمل.

والحمد لله رب العالمين.

 

تاريخ النشر الهجري

01 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

26 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية