كلمة في ختام فعاليات موسم مؤتة 1447هـ

للاستماع إلى المحاضرة

كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في ختام فعاليات الدورة العلمية في موسم مؤتة في دار الأنوار، في العاصمة الأردنية عمان، ليلة الثلاثاء 6 جمادى الأولى 1447هـ.

 

نص المحاضرة مكتوب:

 

الحمد لله رب العالمين.. وسامحونا على طول الوقت وعلى التأخر عليكم..

ومع طول جود الله عليكم، وطول نظر الله إليكم، وطول إحسان الله إليكم، وكل شيء بحسابه، وفي القيامة تُستثنى من بكاء الحسرة والندامة ثلاث عيون؛ عين بكت من خشية الله، وعين سَهِرت في سبيل الله، وعين غضَّت عن محارم الله.

والله يجمع لكل عين من الحاضرين والسامعين هذه الثلاث الصفات كلها، الله يجمع في كل عين من أعيننا وأعينكم هذه الصفات كلها، الله يجمع في كل عين من أعيننا هذه الصفات كلها، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وطاب بينكم التواصل والتواصي بالحق والصبر، ورأينا آثار الحبيب ﷺ فيكم، وآثار همته، وما جاء أهل مؤتة إلا بهمته ﷺ، ولا قاموا ولا صدقوا ولا صبروا ولا ثبتوا إلا بهمته ﷺ، بحيث أن الخالق في ترتيبه الأسباب على المُسببات جعله السبب الأقوى لكل خير، صلوات ربي وسلامه عليه.

وقال لقادتنا وسادتنا من الأنصار: "ألم آتكم ضُلَّالًا فهداكم الله بي؟ ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي؟ ألم آتكم مخذولين فنصركم الله بي؟" ﷺ، قالوا: المنُّ لله ولرسوله.

وحرَّك فيهم هذه التربية وهذا التأديب؛ بما أُعطُوا مما تعلموا على يده في خلال السنوات، وهذا في أواخر السنوات في عام فتح مكة، بعد ما كان عندهم وبينهم ثمان سنوات..وهم يتلقون، ويترقون، وينظرون، ويأخذون، ويُعطيهم، والوحي يَنزِل عليهم، وقاموا في الغزوات، وانتهى الأمر إلى: "أمَا أن ترضوا أن يرجع الناس بالشاء والبعير إلى رحالهم وتنقلبون أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ فوالله لمَا تنقلبون به خيرٌ مما ينقلبون به"، قالوا: رضينا بالله ورسوله قَسَمًا يا رسول الله. قال: "وإنكم ستلقون أُثْرَةً من بعدي، فاصبروا حتى تَردِوا عليَّ الحوض، فإني منتظركم على الحوض"، ﷺ.

 وقلنا أنَّ هذا الانتظار منه لأولئك؛ هو كذلك في كل زمن ينتظر مَن يرد على الحوض مِن أهل ذاك الزمن، والله يجعلنا في أوائل أهل الورود وجميع الحاضرين.

وينفعكم بهذه الاجتماعات، وهذه السلسلة التي تتصل بالأسانيد الكبيرة الكريمة المنتشرة في شرق الأرض وغربها، لأئمة وأولياء وأصفياء وأخيار كبار، حتى يقول أحد شيوخنا الحبيب إبراهيم بن عمر بن عقيل بن يحيى -عليه رحمة الله-:

فجميع أهل الصدق والإخلاص *** من أشياخنا كانوا بأي بلادِ

نروي الشريعة والطريقة والحقيقة عنهمُ بالنَّقلِ والإسْنَادِ

وبذا قد اجتمعت لنا أسرارهم *** ولنا رجاء في وُصَالِ سُعادِ

وكتب: سُعَاد مُنتهى مراتب المعرفة بالله. هذه هي سعادِ.. ولنا رجاء في وُصَالِ سُعادِ.

والله يواصلكم أجمعين بهذه الوُصلات، ونُشهِدُ الله تعالى أننا نُحبه ونُحِبُّ رسوله، وآل بيته، وصحابته، والذين حملوا هذه الرايات من قبلنا، والموجودين في زماننا ممن عرفنا وممن لم نعرف، ومن أجله -سبحانه- نُحِب أيضا مَن يأتي ومن يولَد على ظهر الأرض ممن يَصدُق مع الله، ومن يأتي بعدنا ويدخل في صفوف سيدنا الإمام المهدي ويصطف مع سيدنا عيسى بن مريم وينصرون دين الله؛ من أجل الله نحبهم، اللهم فاحشرنا في زمرتهم ومع كبارهم وأخيارهم يا أرحم الراحمين.

ونُجَدِّد عهدنا مع الله -تبارك وتعالى-؛ بالتوبة إلى الله في خاتمة هذا الموسم لهؤلاء الشهداء الكرام، ومن حضر معهم من الغزوة العظيمة. وكلُّهم عِظَام، و: أصحابُ العظيم عِظَامُ. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وآل بيته ومن سار في دربه، وجعلنا وإياكم منهم.

فنتوب إلى ربنا -جل جلاله- المُطَّلِع على ضمائرنا وسرائرنا، توبةً نصوحًا، -إن شاء الله تبارك وتعالى- لا يُكتب بعدها ذنب، ولا تُكتب بعدها سيئة ولا خطيئة، ونقول جميعًا:

نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم، ونتوب إليه.

أستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم ونتوب إليه،

نستغفر الله العظيم، الذي لا إله إلا هو، الحي القيوم ونتوب إليه،

من جميع الذنوب، والمعاصي، والآثام، بيننا وبين الله، وبيننا وبين عباد الله، ومن جميع ما يعلمه الله.

تقبَّل يا كريم مِنَّا التوبة، واجعلها توبةً تلحقنا بها بالأحبة، وتَسقِينا من أحلى شَرْبَة، نصوحًا خلصاء، مقبولةً لديك، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين. واغفر بها ذنوب أهالينا، وأولادنا، ومن في ديارنا، ومن في أصلابنا، ومُنَّ بالمغفرة للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

يا حيُّ يا قيوم: مغفرةً نرى آثارها؛ في غزة، وفي الضفة الغربية، وأكناف بيت المقدس، وفي فلسطين، وفي الأردن، وفي سوريا، وفي لبنان، وجميع الشام، وفي اليمن، وجميع أقاليم المسلمين في المشارق والمغارب، نرى أثرها في السودان، ونرى أثرها في الصومال، ونرى أثرها في ليبيا، ونرى أثرها في العراق، ونرى أثرها في إندونيسيا، ونرى أثرها في آسيا كلها، وجميع القارات الخمس على ظهر الأرض.

يا حيُّ يا قيوم: إنْ توجَّه العباد يمنة ويسرة؛ فإليك توجُّهنا.. يا ربنا يا ربنا، وما شرعتَ لنا من الأخذ بالأسباب نبذُل ما في وسعنا، ولا اعتماد إلا عليك، ولا استناد إلا إليك..

رَبِّ عليك اعتمادي ***  كما إليك استنادي 

صِدْقًا وأقصى مرادي *** رضاؤك الدائم الحال

فارضَ عنَّا رضا لا سخط بعده أبدًا، ارضَ عنَّا رضًا لا سخط بعده أبدًا، ارضَ عنَّا رضا لا سخط بعده أبدًا..

وأدم في الأردن أمن وطمأنينة وسكينة، وخذ بيد الملك عبد الله ومن يعاونه على الخير إلى كل خير. وانظر إلى ولاة المسلمين وإلى شعوب المسلمين، أصلح الراعي والرعية، وادفع كل أذية، وأخرِج من قلوبنا إرادة غيرك ومحبة سواك؛ حتى تَنْتَزِع مِنَّا فَتِيل التنازع على ما لا يفيد وعلى ما يقطع عنك.

اللهم اجعل وجهتنا إليك، وإقبالنا بالصدق عليك، واجعل لكل واحد من أحبابنا هؤلاء فتحًا كبيرًا؛ ليقوموا به في أسرته وبيته وصحابته وقرابته وأهل بلده وفي المسلمين أجمعين.

يا صاحب الخزائن الملأى: كم خزنتَ لحبيبك محمد من خزائن! افتح لنا أكبرها، وافتح لنا أعظمها، وافتح لنا من عظيمها يا مولانا ما نرى به رايته منتشرة في جميع الأقطار، ومدفوعًا بها عنا الشر والأشرار، في حماية منك من جميع المضار والآفات.

يا أرحم الراحمين: لا تجعل فينا إلا مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وعُمَّ بذلك أهالينا ومن حوالينا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وها نحن معترفون بما كان مِنَّا، سائلين منك التوبة، وأنت الذي ناديت وقلت: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ..)، (لَوَجَدُوا اللَّهَ) بأي وصف؟! وبأي جلال وجمال؟ بجمال: (..تَوَّابًا رَّحِيمًا) [النساء:64].

يا حيُّ يا قيوم: نستغفرك، حَنِّن روح رسولك علينا ليستغفر لنا، وهو الذي قال: "وإن رأيتُ غير ذلك استغفرت لكم"، فارحمنا باستغفاره يا حيُّ يا قيوم.

وعهدنا بيننا وبينك في الإيمان نُجَدِّده؛ بأمره لنا وبتعليمه إيانا: "جَدِّدًوا إيمانكم"، قيل: كيف نُجَدِّد إيماننا؟ قال: "أكثروا من قول: لا إله إلا الله".

فقولوا جميعًا: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، في كل لحظة أبدًا، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

بحقّها اجعلنا من خواص أهلها عندك، المُتحققين بحقائقها، واجعلها آخر كلام كل واحد مِنَّا من هذه الدنيا برحمتك، والحمد لله رب العالمين.

 

تاريخ النشر الهجري

07 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

29 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية