الطرق الصوفية نشأتها وأصلها ومهماتها

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في ديوان معالي جمال الصرايرة، في الكرك، الأردن، ليلة الأحد 4 جمادى الأولى 1447هـ بعنوان:

الطرق الصوفية نشأتها وأصلها ومهماتها

لتحميل نسخة PDF (اضغط هنا)

نص المحاضرة:

الحمد لله، الحقِّ الخالقِ، المُبدئ المُعيد، الفعَّالِ لما يريد، الحميدِ المجيد، الذي بيده ملكوتُ كل شيءٍ وإليه يرجع كل شيء. نشهدُ أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له.

كانت ارتقاءات الذين آمنوا في حقائق معانيها وشريف مراقيها، والاطلاع على أسرارها وما فيها، مِن أولهم إلى آخرهم، وسيد مَن قالها هادي الجميع، الحبيب الشفيع.

فنشهدُ أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، ومأمونُهُ على أسراره في خلقه وإرشاد خلقه، بل الذي جعله السبب الذي كوَّن به ومنه كل كائن، فنور هذا الحبيب أول مخلوق برز في العالم، ومِنه تفرَّع الوجود خَلْقاً بعد خَلْقٍ فيما حدث وما تقادم.

صلِّ اللهم وسلم وبارِك على خاتم النبيين وسيد المرسلين، حبيبك المُجتبى الأمين، الذي جاءنا مُصدِّقاً لما بعثت به جميع النبيين، وهو الشاهد لهم في يوم الدين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.

وقد أتانا خاتمُ الرسالة ** بكل ما جاءوا به من حاله

فعمَّ كل الخلق بالدلالة ** وأشرقت مناهج الكمالِ

فكلُّهُ فضلًا أتى ورحمة ** وكلُّهُ حُكمُ هدى وحكمة

وهو إمام كل ذي مُهِمّة ** وقُدوةٌ في سائر الخصالِ

وهو بِحَقِّ الشكر ما أولاه ** إذ قام حتى ورمت رجلاهُ

وواصل الصوم وقد أولاهُ ** مولاه أولى الفضل والإفضالِ

وأسوةٌ لِمعسرٍ مسكينِ ** إذ صحَّ لم يشبع ولا يومينِ

وقد أبى جبالها مِنْ عينِ ** زُهدًا ومن جوعٍ طوال ليالٍِ 

وأسوة المكروب في اصطبارِ ** في كل ما لاقى من الكفارِ

حتى رُمي بالفَرْثِ والأحجارِ ** وما دعا إلا على رجالِ

ولم يزل للحقّ في اجتهاد ** وبعد فرض الغزو والجهادِ

ما قرَّ في ظلٍ ولا بلادِ ** إلا على الكفار في قتالِ

وما مضى حتى أقام الدين ** وصار سهلًا واضحًا مبينا

فلم تخف أمته فتونا ** بل عُصِموا في الجمع عن ضلالِ

والخلفاء بعده والعِترة ** بهم مع القرآن مستمرة

مِلّتهُ محفوظة من فترة ** على الهدى دأباً بلا انفصالِ

وصحبه فيهم لهم نجوم ** منه عليهم فاضت العلومُ 

كلٌّ له مقدَّرٌ مقسومُ ** من ظاهرٍ أو باطنٍ أو حالِ

صلى الله وسلم وبارك وكرَّم في كل حين وحال، عليه وعلى آله خير آل، وصحبٍ خير صحب، وعلى أمته خير أمة، ومن أحسن الاتباع له وسار في دربه، خصوصًا منهم الهداة الأئمة، ومن دخل في دوائرهم مِمن أصابته الرحمة. 

وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ذكرى شهداء مؤتة

أما بعد:

فشكر الله هذا المسعى للمُوفّق المبارك، معالي الشيخ رئيس المجلس الصوفي، الشيخ جمال الصرايرة، وما يُسهِم به في هذا الموسم الكريم، موسم ذكرى مؤتة وشهداء مؤتة، وما كان لهذه الغزوة في حياة النبي ﷺ مِن مكانةٍ ومنزلةٍ، وما كانت مفتاحًا له مِن أبواب الفتوح على ما تتلاحق الزمن، وبعدها زمنًا بعد زمن.

وكان من كريم المساهمات جمعنا هذا الرائق المبارك في هذه الزيارة، يوم نزور سيدنا الإمام جعفر بن أبي طالب، وسيدنا زيد بن حارثة، وسيدنا عبد الله بن رواحة، الأمراء الذين عيَّنهُم خير الورى ﷺ في أداء هذه المهمة الكبيرة، وحمل هذه الأمانة العظيمة. جزاهم الله عنا وعنكم وعن أهل الشام واليمن والشرق والغرب، وعن أمة الحبيب محمد، وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ومن معهم من الذين جاهدوا في سبيل الله، نِعْمَ الثلاثة آلاف الذين قابلوا المائتي ألف.

ثم لم يُستشهد إلا نحو الأحد عشر، ورجع الباقون إلى المدينة المنورة، وقد سجلوا وفتحوا باب الفتوح للأمة، وانتشار دين رسول الله ﷺ وما جاء به عن الله تبارك وتعالى.

 

مشايخ التربية والتزكية

فنجتمع بحمد الله في هذا البيت، حيَّا الله هذا الرجل وهذه العشيرة، عشيرة الصرايرة، وجعل الله لهم من خيراته المتكاثرة، الباطنة والظاهرة، ما به يرقون في مراقي الفوز في الدنيا والآخرة، صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم.

 وحيَّا الله عشائر هذا الوطن الغالي المبارك، وأعانهم على القيام بأسرار هذه المُهمة، والتَّتويج الذي تَوّجَهُمُ اللهُ به مِن قيام هذه الغزوة المنظورة الكبيرة الأثر في واقع الأمة وفي تاريخها، وفي ما جاء بعدها مِن فتوحات على أيدي الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى وعنا معهم.

وتميَّزَ في هذا العام جمعنا، بأن جمع لنا أيضاً عددًا مِن الذين أُكرِموا بالخدمة في مجال التزكية والتربية والتنقية، مِن مشايخ هذه الطرق التي هي عبارة عن كيفية التطبيق للشرع المَصون، وهدي الأمين المأمون، والعمل بالكتاب والسنة على وجه الإحسان في الفعل والترك، في فعل المأمورات من الواجبات ثم المندوبات والمسنونات والمُستحبات، والتولُّع بذكر الله، ودوام الوقوف على بابه، بما تتِمّ به التصفية من جميع الأكدار والأقذار، وتَخلُص به العبودية عن الرِّقِّ والتبعية لسوى الحق جل جلاله، في ائتمامٍ تامٍ بخير الأنام صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه.

يخلُصُ منها الجوهر الإنساني عن ظلمات الطبع والأكوانِ، ويستقِرُّ في معاني الشهود للملك المعبود جل جلاله. 

فتزيَّنَ المجلس بوصول أحبابنا هؤلاء من المشايخ لهذه الطرُق في هذه البلدة، مرحباً بهم، وزادهم الله توفيقاً وخيراً ونوراً، وحيَّا الله الأحباب الواصلين من أهل العلم، ومن أهل الإنابة، ومن أهل الخير، ومن أهل الهدى، ومن أهل الصلاح، ومن أهل الرغبة في الخيرات، من عدد من الأقطار المجاورة للأردن وغيرها، من الشام ومن اليمن ومما بينها من الدول، بارك الله فيهم وفي وصولهم وفي حضورهم.

 مراتب الدين: الإسلام والإيمان والإحسان

وإذ قد اجتمعنا في هذه الذكرى والليلةِ المباركةِ، فإنه يجب أن نُدرِك حقائق الأمانات التي وُضِعَت على أعناقنا عموماً، من شؤون الإيمان والتوحيد، وشؤون الإسلام وُصولاً إلى الإحسان، وخصوصاً فيما يتعلق بهذا المقام الأعلى، مقام الإحسان، الذي لا يُصعد إليه إلا بسلم الإسلام والإيمان.

ومقام الإحسان الذي سمعتم فيه من هذه الكلمة الترحيبية ما ذكر ذلك العارف ابن عليوة، عليه رحمة الله تعالى ورضوانه - في بيان أنّ هذا الإسلام ومعانيه والعمل به تبلَّج وتبهْرَج، وظهر وبرز في هذه الأمة من الصحابة والتابعين، حتى كان في القرن الثاني شؤون هذا الإسلام والعمل بأحكامه بارزةٍ في اجتهادات هؤلاء الأئمة الأربعة، الذين خُصِّصوا من بين المجتهدين في زمنهم وقبلهم وبعدهم بظهور اجتهادهم ونشره بين البرية وأهل السنة.

فكان التحقُّق بحقائق الإسلام في أتباع الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، مُتحققون بحقائق الإسلام، الواصلين فيه إلى الذُّرى من العمل بالأحكام والاستسلام والانقياد التام، إلى التحقُّق بحقائق: "المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده".

 وكان فيهم من أمثال هؤلاء الأئمة الأربعة، وفيهم ممن ظهر من أئمة الإيمان وأئمة الإحسان أيضًا، من يمر عمره ما تسمع منه كلمة سوء على قريبٍ ولا بعيد، من المؤمنين أحياهم وموتاهم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى. سلم المسلمون من ألسنتهم ومن أيديهم، أحياهم وموتاهم، تحقُّق بحقائق الإسلام، ارتقوا به إلى الذروة في الإيمان.

 

أئمة عقيدة أهل السنة (الإمام الأشعري والماتريدي)

وعَلِمنا أن هذا الإيمان في المعتقدات التي جاءنا بها خير الأنام ﷺ من حقائق التوحيد للملك المجيد جل جلاله، تلقاها الصحابة والتابعون، واتّسعت دائرة الأمة المحمدية، ودخل فيها الأعراب ودخل فيها الأعجام، ودخل فيها مَن كانت لهم نظرات في اعتقادات مختلفة. 

وحُوفِظَ وحُرست هذه العقيدة الموروثة عن محمد وأصحابه وآل بيته، وكان الذي أبرزهم الله في مجال الحراسة لها والخدمة لها وتبيينها، الإمامان العظيمان: أبو الحسن الأشعري، الذي هو حفيد سيدنا الإمام أبي موسى الأشعري، الصحابي الجليل الذي عند وروده إلى المدينة مع قومه من تهامة اليمن، قال ﷺ عنهم كما في صحيح البخاري: "أتاكم أهل اليمن، أرقُّ أفئدةً وألينُ قلوباً، الإيمانُ يمانٍ، والفقهُ يمانٍ، والحكمةُ يمانيةٌ". 

وذكر عن الإيمان يمان، ومِن نسل الوافد عليه أبو موسى الأشعري مَنْ حافظ على علوم الإيمان وقام بهذه العقيدة الأشعرية، التي هي عبارة عن موروث رسول الله وصحابته وآل بيته والتابعين، مُصفَّاة من الشوائب ومن الابتداعات ومن كل ما خالف ما جاء به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

في ذلك يقول الإمام الحداد:

وكن أشعريًا في اعتقادك إنهُ ** هو المنهج الصافي عن الزيغ والكفرِ

وقد حرر القطب الإمام ملاذنا ** عقيدتهُ فهي الشفاء من الضُّرِّ -يعني الغزالي - 

وأعني به من ليس يُنعَتُ غيرهُ ** بـ "حُجّة إسلامٍ" فيالك من فخرِ

بين علماء السنة لم يُنعَت ويوصَف بـ "حُجة الإسلام" إلا الإمام أبو حامد الغزالي عليه رضوان الله تبارك وتعالى، فما أحد من علماء السنة اشتهر بلقب "حُجة الإسلام" إلا هذا الإمام عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

الذي يقول سيدنا أبو الحسن الشاذلي: أني في ليلة رأيت أني دخلت بيت المقدس - طهَّره الله وصفَّاه وحماه وحفظه مِن شر المعتدين والظالمين والغاصبين، وخلَّصهُ من جميع الظلم والآفات والعاهات يا حي يا قيوم - قال: فرأيتُ أني دخلت بيت المقدس، وإذا بالأنبياء مصفوفين، ورسول الله ﷺ جالس بينهم على تَخْتٍ وهُم مِن حواليه، قال: وأقبلت عليهم وجلستُ بينهم، فسمعتُ سيدنا موسى، وكان بجانبه عيسى بن مريم، وسيدنا موسى يقول لرسول الله: يا رسول الله، قُلتَ في حديثك: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فهل ترينا واحدًا من علماء أمتك الذين هم كالأنبياء فينا؟ قال: فالتفت ﷺ يقول: "أين أبو حامد الغزالي؟.

قال: فجيء بالإمام، أقبل، فلما وصل إلى عنده، قال لموسى: هذا، قال: فسأله النبي موسى: ما اسمك يا إمام؟ قال: فقال له: محمد بن محمد بن محمد الغزالي. قال: يا إمام، سألتك عن اسمك فأتيت لي باسم أبيك وجدك وقبيلتك! فهل هذا من الأدب؟ أنا سألتك فقط عن اسمك وأنت أسهبتَ وجئتَ بكلامٍ كثيرٍ، هل هذا من الأدب؟

قال: فقال الإمام الغزالي، والتفت إلى رسول الله محمد ﷺ، قال: يا رسول الله، أُجيبُ على كليم الله أم أتأدب معه؟ قال: بل أَجِبْهُ، قال: يا كليم الله! أنت لما خاطبك ربك وقال: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ)؟ قلتَ: (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ). وهو إنما سألك: (مَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ) فقط، وأنت استرسلتَ في الكلام والله أعلم بكل ما تقول.

قال: فقال سيدنا موسى عَجب! والتفت إلى النبي محمد ﷺ، قال: صدقت يا رسول الله، العلماء في أمتك يشبهون الأنبياء فينا، فالتفت رسول الله إلى موسى وعيسى قال: هل في أمتكما حَبْرٌ كهذا؟ فقالا: لا، لا ما في أمتنا حَبْرٌ كهذا.

عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

والحُجّة الحبرُ الذي باهى به ** أهل النبوة خير كل مُشفّعِ

وبوضعه (الإحياء) فاقَ فيا لهُ ** من فائقٍ وكمثله لم يوضَعِ

والإمام الثاني: الإمام أبو منصور الماتريدي، الذي حُفِظَتْ به العقيدة في بلاد ما وراء النهر، ما وُرِث عن رسول الله ﷺ والصحابة وأهل البيت الطاهر. فكان الماتريدية والأشاعرة هم الذين يُمثّلون المحافظة على الإيمان والاعتقاد الموروث عن سيد الأكوان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

حقيقة التصوف: العمل بالإحسان وتزكية النفس

وفي مجال الإحسان، قامت التجديدات على أيدي الأئمة الكبار، بداية من عهد التابعين: سيدنا علي زين العابدين بن الحسين عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وسيدنا الحسن البصري، وسيدنا سعيد بن المسيِّب، ومن معهم من أولئك الذين غاصوا على حقائق الإحسان عليهم الرضوان. 

وورثها عنهم مَن ورثهم، حتى أبرز الله سبحانه وتعالى الحارث المحاسبي، إلى أن أبرز الله تعالى أيضًا الإمام الجُنيد بن محمد، وأبرز الله أبا طالب المكي، وأبرز الله مَن أبرز مِن تلك الطائفة المباركة، والذين اشتهروا في الأمة بـ "الصوفية" لاعتنائهم بشأن الصفاء والصدق مع الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.

ومنهم تفرَّعت هذه الطُّرق التي أساسها واحد، كما أنّ أساس المذاهب في أحكام الإسلام العملية الظاهرية واحد، ومرجعها إلى الكتاب والسنة، فكذلك قامت هذه الطرق التي لا معنى لطريقة منها من أولها إلى آخرها إلا العمل والتطبيق للشرع المَصون على وجه الإحسان، على وجه مخصوص، اتباع الكتاب والسنة على وجه مخصوص، واتباع المنصوص على وجه مخصوص.

هذا الوجه المخصوص هو الذي غاص أئمته فيه على رُتبة الإحسان في الامتثال والانزجار، في الفعل والترك، في فعل المأمورات وترك المنهيات، والتحرز عن الشبهات والمكروهات، والإكثار من الأعمال الصالحات. 

والذين يُترجِم عنهم الحديث القُدسي في صحيح البخاري: ما تقرَّب إليَّ المُتقرِّبون بشيءٍ أحبَّ إليَّ من أداء ما افترضتُ عليهم، ولا يزالُ العبد يتقربُ إليَّ بالنوافلِ بعد أداء الفرائض حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الذي يسمعُ بهِ، وبصرَهُ الذي يُبصِرُ بهِ، ورِجلَهُ التي يمشي بها، ويدَهُ التي يَبطِشُ بها، ولسانه الذي ينطق به، ولئن سألني لأُعطِيَنَّهُ، ولئن استعاذني لأُعيذَنَّهُ.

وفي المعاني في هذا الحديث أخذ الإمام الشوكاني يتأمّل، فألَّف كتابًا مُستقلًا سماه: "قَطْر الولي على حديث الولي". "قَطْر الولي" أي المطر، من أسماء المطر : الولي، على حديث الولي، حديث البخاري، وأخذه يذكرُ الأقوال لأئمة الدين في المعاني الكريمة لهذا الحديث الشريف والذي جاء في روايات، فيه: "فبي يسمع وبي يبصر.." إلى غير ذلك.

فحفظ الله تعالى معاني الإحسان على الأمة بواسطة هذه الطرق، فعلِمنا أنهُ لا يصِل إلى حقيقتها إلا من قام بحق الإسلام، وقام بحق الإيمان، فانتهى إلى رتبة الإحسان، وفيها وعليها تدور هذه الطرق، مع رعايتها لعموم المؤمنين في تقريبهم إلى الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.

أما مسألة الأئمة فيها، فشأنهم فخيم وعظيم، ما منهم من أحدٍ إلا وقد جمع بين علوم الشريعة والطريقة والحقيقة جمعًا بيِّنًا ظاهرًا، بل غاص على الأعماق في كل ذلك، حتى أبرزهم الله هُداةً مهتدين، يدلّون على الله ويوصلون إلى الله، انتُزِعَت من قلوبهم كل الالتفاتات إلى الكائنات العلوية والسفلية، ولم يبقَ لهم غرضٌ ولا قصدٌ إلا ربُّ البرية جل جلاله.

فأبرز الله على أيديهم هذه المسالك، وكل ما ظهر منهم عارف مُتمكِّن ونفع الله تعالى به، قامت به طريقة: أي ترجمة للشرع المصون في كيفية العمل به، وكيفية تطبيقه والترقي بمراقيه.

والارتقاء بِسُلَّم الإسلام والإيمان إلى التحقق بالإحسان. والتحقق بالإحسان هو مفتاح نيل المعرفة الخاصة، فهو مؤدٍّ إلى دائرة الإحسان ودائرة العرفان، ودائرة العرفان هذه كما أنها خاتمة لما قبلها - وهي نتيجة الإحسان - لكنها أُولَى لما بعدها، أُولَى لما بعدها، فإن شؤون المعرفة لا تتناهى، وهي بحور زاخرةٌ بالمعاني الكبيرة.

نرجع ونقول إن شؤون هذه الطرق مسؤولياتٌ كبيرة على جميع الأمة وعلى جميع المُنتمين إليها، والتي لا تتِم إلا بعلم الشرع المَصون والقيام بِحَقّه وحسن العمل به، والارتقاء بحسن العمل هذا في نقاء القلب وتنقيتهِ إلى الشهودِ الذي عبَّر عنه ﷺ بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

 دور الشيخ المربي وأخلاق العارفين (الإمام الرفاعي نموذجاً)

ثم كان من بعد أولئك الأئمة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، مَن وصل إلى الله على أيديهم، وتنقّى عن شوائبه وأكداره كلها، وكانوا مأمونون بعد ذلك ينظرون مَا كان، سواءً من أولادهم أو مِمن انتسب إليهم من أهل الخير، مَن رأوه أهلًا وَلَّوهُ القِيَامَ بشأن هذه التربية وشأن هذه التزكية، في أمانة من الأمائن. 

حتى إن من مشايخ الطرق مَن لم يجد من تأهّل وتهيّأ لحق المشيخة، وترك الأمر لله سبحانه وتعالى يختار الله من يختار، ولكن عامة هذه الطرق تسلسل فيها الأخذ والتلقّي والترقّي بها.

ولكن على مراتب في فهم حقائقها، والارتقاء بطرائقها في مراقيها ومعارجها، هو الأمر راجع إلى أصل واحد كما ذكرنا، والتفاوت فيه بحسب اختيار كيفية التهذيب والتنقية للنفس والتزكية لها، وإنما يكون الخَدَمة لها كثير، والمشايخ القائمون بالتربية هم القليل الذين هيأهم الله لهذا المقام، ومع ذلك فالمُهيّأون لهذا المقام ما يشهدون في أنفسهم المشيخة. 

وكان مِن أكابرهم وأعظمهم، سيدنا الإمام أحمد الرفاعي عليه رحمة الله تبارك وتعالى الحسيني، كان يقول: لستُ بشيخٍ، أنا مساعد لكم في تهذيب أنفسكم وسَيركم لله بالأمانة التي وصلت إليَّ، ولو اعتقدت أني شيخ فأنا محروم من شفاعة رسول الله ﷺ، لا تنالني يوم القيامة إن اعتقدت أني شيخاً! وهو شيخ من أعظم الشيوخ وأكبر أرباب الرسوخ عليه رضوان الله تبارك وتعالى، حتى كانت له المنازل والدرجات الرفيعة، بصدقه وإخلاصه في ترجمته لهذه المعاني، عليه رضوان الله تبارك وتعالى. 

استقبله مرَّةً بعض الجُفاة من الفقهاء وقالوا: أنت الذي تدّعي وتدّعي، وتصرف الناس عن حقائق الشرع، وفعلك وتركك... معه جماعة من الذين يُربّيهم، فأرادوا أن يتكلمون، هابوا الشيخ وسكتوا، فلما أنهوا كلامهم وسبَّهم، أكبَّ الشيخ على أرجلهم يُقبلها، وقال: أنتم أئمتنا، سادة الشريعة والطريقة، ونحن من ورائكم، تُهذِّبوننا وتُؤدِّبوننا، وإنما نأخذ عنكم.. فخجلوا على أنفسهم من أخلاق هذا الشيخ وتولَّوا.

والتفت لأصحابه، قال: هؤلاء يخدمون جانبًا من جوانب الشرع المصون، ويجب تعظيمهم مِن أجل ذلك، ونحن إن كنا صادقين ومُترقّين إلى مرتبة الإحسان، نحن أولى باستيعابهم من غيرنا من الأمة، فنحن أولى بأن نأخذ غضبهم ونُمكِّنهم من أداء أدوارهم في قيامهم بأمر هذه الشريعة وأمر هذا الدين.

هذه نظرته وهذا حاله، فاستحقّ ما استحق - عليه رضوان الله - من المقام الأعلى، على ذلك الحال كان سيدنا أبو الحسن الشاذلي، وكان سيدنا الإمام أحمد البدوي، وكان سيدنا الإمام عبد القادر الجيلاني عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، وغيرهم من أولئكم الأئمة الكبار العظماء.

 مسؤولية أهل الطرق في الزمن المعاصر

إذا علمنا ذلك، فنعلم أنه مع المسؤولية العامة على المؤمنين في الإيمان، والمخصوصة على الذين لهم اتصال بمراتب الإحسان أو التربية، فإن أحبابنا من أهل الطرق في هذا الزمان الذي نعيشه، في هذا العصر، في هذه المملكة الأردنية، توجَّهتْ عليهم مسؤولية أخص.

لأن الله تبارك وتعالى هيَّأ لهم فَسح المجال، وهيَّأ لهم سبحانه وتعالى أن يقوموا بمهامّهم الثقالَ الكبيرة العظيمة، مؤيَّدين من أهل الظاهر ومن أهل الباطن، ومن الدولة ومِمَّن أراد الله تبارك وتعالى مِن الرعيّة والقيام.. فصارت المسؤولية أكبر، وصارت الأمانة أخطر علينا في القيام بهذه الأمة، في وقتٍ علمنا ما وصلت إليه الأمة من تفكُّك وتمزُّق، ودخول منشورات أعداء الرحمن جل جلاله وخططهم التي داهمت بيوتنا، وسط عُقْرِ ديارنا، ووسط أبنائنا وبناتنا وشبابنا وناشئتِنا، بمختلف الوسائل وبمختلف من الصور.

وأين مكان أهلِ الطرق في كل هذا؟ والله ما أعظم مسؤوليتهم وما أكبرها! وما أجلَّ قدر من قام بحقِّها خاضعًا خاشعًا متواضعًا صادقًا مع الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.

فكما هيَّأ الله لكم هذا السبيل، فإن من شكرنا لله تبارك وتعالى أن نصدُق في خدمة هذه المناهج التي يترتب عليها معارج إلى أوجِ ذرى القُربِ من الإله الحق جل جلاله، ونحن مأمونون على خدمة هذه الشريعة وهذا الدين، وحُسن علاقتنا بعموم المؤمنين عامة وخاصتهم خاصة، من علماء ومن أصفياء، أحياهم وموتاهم. 

ونحن على مسؤولية في تقريب الخلق إلى الحق جل جلاله، وتهذيب هذه النفوس وتزكيتها، فنحتاج إلى حُسن التأمل في هذه الشؤون.

قديمًا قد جاء الإمام الشعراني عليه رحمة الله تبارك وتعالى، ولاحظ أن كثيرًا من المنتمين إلى التصوف لا يعرفون حقيقة التصوف ولا يقومون بحقه، ومنهم أيضًا من انتصب كأنه إمام من أئمة التصوف أو شيخ من شيوخ التصوف، وألَّف كتابه "تنبيه المغترِّين"، ونصح من نصح منهم، وانتصح من انتصح، وكابر من كابر، وحرر مثل هذا الكتاب بحقائق ما جاء في السنة والكتاب، وما ورث عن العاملين بها من الأطياب الذين مضوا في تلك القرون.

ثم لا توجد طريقة من الطرق إلا وفي كلام أئمتها ومَن مضى من شيوخها ما يحتاج إليه من يأتي بعدهم إلى تأمُّله وتدبره والتحقق به والعمل بمُفتضاه.

فالمسؤولية كبيرة، والمسؤولية عظيمة، وهي خدمة لروح هذا الدين، وخدمة لحقائق الربط بالحق سبحانه وتعالى والاتصال به وبرسوله الأمين محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.

 تحتاج منا تجرد، وتحتاج منا بذل، وتحتاج منا تضحية، وإنّ أهل هذه المسالك أبعد الناس عن التكالب على الدنيا والتكاثر بها أو الالتفات إلى مظاهرها وإلى صورها.

وإذا كانوا يقولون عن طالب العلم: لا يسمى طالب علم من ليس له قيام بالليل، ولا يسمى طالب علم من لا يحافظ على الضُّحى ومن لا يحافظ على الرواتب، هذا طالب العلم، فكيف يكون عالم؟ فكيف يكون شيخ من الشيوخ إذا لم تتأصل فيه هذه الأصول في صِلته بالرب الحق الوَصول جل جلاله، وسيدنا الرسول المصطفى محمد ﷺ، مِن حرصه على آدابه وعلى سننه وعلى الاقتداء به.

وهكذا، إنما نحن أتباع لأشياخ أهل رسوخ، نحب أن يُحقِّق الله لنا وعلى أيدينا خدمة مناهجهم وطرقهم، وما وصل إليهم من أمانة الكتاب والسنة، وأمانة العمل بهما، وأمانة السير بهما إلى الله تبارك وتعالى. 

نحب أن نكون خَدَمة في ذلك، ونكون مؤدِّين لما يُرضي الحق سبحانه وتعالى عنا في هذه الشريعة وهذا الدين، عبر ما ورَّثوه لنا وتركوه فينا من هذه الشؤون العظيمة، فما أحوجنا لأن نقوم بحق هذه الأمانة وحفظ هذه الصيانة!

ولابدّ من شيخٍ تسير بسيرهِ ** إلى الله من أهل النفوس الزكيةِ

من العلماء العارفين بربهم ** فإن لم تجد فالصدق خير مَطيةِ

فإنّ الصادق يجمعه الله بمن يوصل إليه ويدل عليه. 

ونحن خُدّام هذه الطرق يجب أن نعرف حق هذه الخدمة، وأن نُحسن التعاون على بيان هذا الأمر العظيم، في وقت الفُرقة ووقت الشتات، ووقت انتشار الشهوات والشبهات، والدعوة إلى الإلحاد، والدعوة إلى الكفر، والدعوة إلى الابتداع في الدين، والدعوة إلى التكفير، والدعوة إلى اتباع الشهوات والأهواء، والدعوة إلى السُّكْرِ برغبة السلطة ورغبة المال والجاه - والعياذ بالله تبارك وتعالى - وأعداؤنا من خلال هذه الأوصاف دخلوا فينا ولعبوا بالكثير منا.

فما مُهمتنا وحال الأمة هكذا، يا معشر من انتمى إلى المُزكّين والمُربّين والمُنقّين والمصطفين من أصفياء الله تبارك وتعالى؟

إنها أمانة كبيرة وواجب عظيم، يجب أن نقوم بحقه، وأن نقرأ مثل هذا الكتاب للإمام الشعراني، ونرجع كلنا إلى كلام أئمتنا ومؤسسي طُرُقنا ومن خلفهم، ونتأمّل ما قالوا ونتأمّل ما أشاروا. فكلهم مرجعهم إلى الأصل الواحد، وأتباعهم يحتاجون إلى التحقّق بحقائق ما ورَّثوا وبحقائق ما خلّفوا، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

فهم كذا الرسل بنو علاتِ ** طريقهم واحدة في الذاتِ

تعدّدت في الرسم والهيئاتِ ** في كل تفصيلٍ بلا انفصالِ

افترقوا في ظاهر الأحكامِ ** وافترقوا في شُعَبِ الإسلامِ

واتّفقوا في القصد والمرامِ ** وقصدِ وجهِ الله ذي الجلالِ

واتفقوا في القصد والمرامِ ** وقصدِ وجهِ الله ذي الجلالِ! 

عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

 أدب الاختلاف: أخلاق الأئمة الأربعة والصحابة

ولهذا، ما رأينا من الآداب بين الصحابة، ثم التابعين، ثم بين الأئمة الأربعة هؤلاء في الفقه، هو موجود بين شيوخ التصوف ومشايخهم، بل أقوى وأجل وأجمل وأوضح.

حتى كان يقول سيدنا الإمام الشافعي: كل الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

 وهو الذي لما صلى بجوار قبره، أسرَّ بالبسملة والقنوت في صلاة الصبح، فسُئِل الإمامَ: هل تغير اجتهادكم؟ فقال: لا، لا يزال الدليل عندي قائم على سُنية الجهر بالبسملة والقنوت، قالوا: في اليوم هذا ما سمعنا منك بسملة؟ قال: إنما فعلت ذلك أدبًا مع هذا الإمام، أنا أصلي قريبًا من مرقده ومن قبره، واجتهاده هو الذي أوصله إلى كذا، فأنا لأدبي معه أفعل هذا، عليهم رضوان الله. 

وهو ما أدركه، توفي أبو حنيفة في السنة التي وُلِدَ فيها الإمام الشافعي، بل في بعض التواريخ أنه اليوم نفسه الذي مات فيه أبو حنيفة وُلِدَ الإمام الشافعي، حتى قالوا: توفي إمام ووُلِدَ إمام في نفس اليوم، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

وكان يقول: إذا ذُكر العلماء فمالِك النجم، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول، عليه رضوان الله: لي عشرون سنة ما صليتُ صلاةً إلا دعوتُ لمحمد بن إدريس الشافعي، وقال له بعض أولاده: من هذا الشافعي الذي تدعو له هذا الدعاء وتذكره هذا الذكر كله؟ قال: يا ولدي، الشافعي كان كالشمس للدنيا، والعافية للأبدان، فهل ترى لهذين من عِوَض؟ فهل ترى لهذين من عِوَضٍ؟!  عليهم رحمة الله. 

قالوا للإمام الشافعي الأيام التي قضاها في بغداد مع الإمام أحمد بن حنبل: ما أكثر ما تزور الإمام أحمد وما أكثر ما يزورك! قال:

قالوا يزورك أحمد وتزورهُ ** قلت الفضائل لا تفارق منزلهْ

إن زرتهُ فلفضله أو زارني ** فبفضلهِ فالفضل في الحالين لهْ

وهذا مع تلميذه وشعوره، شعوره مع تلميذه وأدبه مع تلميذه، وهو تلميذه، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

ومرض مرة أيام كان الفترة التي قضاها الإمام الشافعي في بغداد، مرض الإمام أحمد فجاء يعوده، ثم إن الإمام الشافعي مرض، فجاء الإمام أحمد يعوده، فبرئ الإمام الشافعي وأنشأ بيتين، قال:

مَرِضَ الحبيب فعدتُهُ ** فمرضتُ من أسفي عليهْ

فأتى الحبيب يعودني ** فبرئتُ من نظري إليهْ

برئت: ذهب عني المرض! عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

هذه الأخلاق وهذه التربية هي كانت أيضاً مع الأصفياء من الصحب الأكرمين، الذين هم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، عليهم رضوان الله. 

كان سيدنا علي على المنبر يبكي، يذكر الذين توفّوا ومضوا قبله من الصحابة، ويقول: وا شوقاه إليهم وإلى رؤيتهم، ويبكي على منبره، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

 

خاتمة ودعاء

وهكذا كان شأن أولئك الأكابر من بعدهم، وأئمة هذه الطرق على وجه الخصوص، وصلت إليكم المسؤولية، فما أعظم ما وصل إليكم! أمانات الحق ورسوله عبر الأئمة الكبار الكرام وصلت إليكم، فجِدُّكم واجتهادُكم في مهمتكم هذه العظيمة، في هذا الحال الذي وصلت إليه الأمة وتردَّت إليه الأمة.

فاللهم أيقظ قلوبنا، وأعِن أحبابنا هؤلاء ومشايخ الطرق على حسن الاقتداء والاهتداء، والقيام بهذا الأمر العظيم، وبالهَدي الكريم، والصراط المستقيم، والدعوة إلى ذلك الصراط، بلا عِلّة ولا اختباط.

 اللهم فوفِّقنا وإياهم، وخذ بأيدينا وأيديهم، وزدهم من كل خير أعطيتهم، ونقِّنا وإياهم عن جميع الشوائب من حيث أحاط بها علمك، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

وخُذ بيد ملك هذه البلاد ومن معه من المُعينين على الخير إلى كل خير، وإلى كل ما فيه نصرك ونصر رسولك ونصرة شريعتك المطهرة، وبارك في الراعي والرعية.

وبارك اللهم في هؤلاء المشايخ وهذه الطرق، واجعلها اللهم أعلام دلالة عليك وإيصال إليك، في صفاء ونقاء، وصفاء ووفاء، في ارتقاءٍ في حُسن الاتباع للحبيب المصطفى، اللهم أيِّدهم بهذا المسلك الرشيد، وكن لنا ولهم بما أنت أهله يا مبدئ يا معيد، يا فعال لما يريد.

وفرج كروب الأمة في المشارق والمغارب، واجزِ اللهم عشيرة الصرايرة بخير الجزاء، وبارك في عشائرنا المباركة في هذا البلد الميمون، واجعلهم على البر متعاونين والتقوى، محفوظين في السر والنجوى من كل آفة وزيغ وبلوى.

وجميع الحاضرين وأهاليهم وأهل بلدانهم، انظر إليهم يا كريم النظر، واعف عنا وعنهم يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، وثبِّتنا وإياهم على ما تحبه، وأدخلنا فيمن تحبه، واجعل كل ذلك في عافية. 

وأرنا في الأمة ما تقر به عين نبيك ﷺ، وما يسر به قلبه وقلوب أئمة هذه الطرق الذين أسسوها، سُرَّ أرواحهم بما تُحدِث على أيدي المنتمين إليهم من الاهتداء بهديهم، والسير على منوالهم، والخدمة لهذه الأمة ولهذه الشريعة، ولهذا الدين ولهذا العلم، ولهذا الموروث الكبير.

اللهم ثبِّتنا على الاستقامة، وألحقنا بالكرامة. واجعلها ليلة من خير الليالي وأسعد الليالي، تجلّيك على شهداء مؤتة ومن حضر مؤتة، الذين شهد لهم المختار بأنهم الكُرَّار. 

اللهم أعد علينا عوائدَ مِن هممهم وصدق إقبالهم عليك وعنايتك بهم، عوداً نَنالُ به تحقيق الصدق معك في جميع الشؤون، في الظهور وفي البطون، حتى تُثبِت كلًا منا فيمن يهدون بالحق وبه يعدلون.

اللهم وانشر بهؤلاء المشايخ الألفة والمحبة بين المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ارزقنا وإياهم التنقي عن جميع الأهواء وعن جميع الأسواء، وعن جميع الالتفات إلى ما سواك والتعلُْق بمن عداك، نزًِّه قلوبِنا عن التعلُّق بمن دونك، واجعلنا من قوم تحبهم ويحبونك.

اللهم أعِنا على ما تحبه منا وترضى به منا، ووفِّقنا له واقبله منا، وزدنا من فضلك ما أنت أهله ظاهراً وباطناً.

بسر الفاتحة، إلى أرواح شهداء مؤتة خاصة، ولمن حضر غزوة مؤتة، وعلى أرواح أهل بيعة العقبة، وأهل بدر، وأهل أُحُد، وأهل بيعة الرضوان، وأهل البيت الطاهرين، ووالدينا، وأهل هذه المناسبة خاصة، وذوي الحقوق علينا وعليهم، وموتانا وموتى المسلمين وأحياهم إلى يوم الدين عامة، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ، الفاتحة.

تاريخ النشر الهجري

23 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

14 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية