كلمة في الذكرى الثالثة لحولية الحبيب أبي بكر المشهور

كلمة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في الذكرى الثالثة لوفاة الحبيب أبي بكر العدني بن علي المشهور رحمه الله، في مسجد الإمام المهاجر، بمنطقة الحسيسة - وادي حضرموت، ليلة الأربعاء 29 ذو الحجة 1446هـ

لمشاهدة الذكرى الثالثة لحولية الحبيب أبي بكر المشهور ومقطع قصير (اضغط هنا) 

نص الكلمة :

 

مقدمة: عظمة الخلافة الإنسانية في الأرض

الحمد لله على امتداد وبقاء آثار التنوير والتطهير والتقريب والتحبيب، والربط بأسرار العبوديّة له، وإدراك معاني عظمة الربوبيّة والألوهيّة، فيما تقوم به مراتب الخلافة الإنسانية الآدميّة على ظهر الأرض إلى حينها الموقوت، والتي شأنها أعظم الشؤون، بحيث أنه لم يجرِ على ظهر هذه الأرض بتقدير خالق الأرض والسماء جلّ جلاله شيءٌ أجلّ عنده وأعظم منزلةً لديه من شأن هذه الخلافة الآدمية الإنسانية على ظهر الأرض، المنوَّه بها قبل بروزها وإيجادها (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).

وقامت الخلافة بالمنهاج الذي يقتضي لتطبيقه اتصافٌ بصفات باطنة، واتصافٌ بمعانٍ تملأ القلب وتفيض على الجوارح، ويقوم صاحبها بالأعمال المناسبة لتلك الصفات، فكان هذا بداية الخلافة على ظهر هذه الأرض، وقد جرى قبلها أنْ على ظهر الأرض مَن عاش قبل بني آدم (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ)، ولكن شأن هذه الخلافة الآدمية أعظم، والمكانة الإنسانية لدى الرب - جلّ جلاله وتعالى في علاه - أكبر.

ومضت أسرار هذه الخلافة في الأنبياء نبيًّا بعد نبي، وتجديدهم وتصديقهم لمن قبلهم، وتبشيرهم بمن يأتي من بعد، وقد اجتمع الكل على التبشير بسيدنا المصطفى محمد ﷺ، وقال سيدنا عيسى في رسالته (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) صلوات ربي وسلامه عليه.

وكَمُلَت وعَظُمَت وتمَّت أسرار الخلافة في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام، كما أشار إليها بقوله: "مَثَلي ومَثَل الأنبياء قبلي كمثل مَلِكٍ ابتنى دارًا فأحسن بناءها إلا موضع لَبِنَة، فجعل الناس يطوفون بها فيقولون: ما أحسنها لولا موضع هذه اللَّبِنَة!" قال نبينا: "فأنا موضع تلك اللَّبِنَة" صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.

تمَّت وكَمُلَت، ثم كانت في كمالها وتمامها تقوم أسرار هذه الخلافة على مراتب لأربابها في كمالهم، فكان مِن أكملهم وأعظمهم الخلفاء الراشدون الذين أظهرهم الله في خلال الثلاثين العام بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، "الخلافة بعدي ثلاثون عامًا". جمعوا أسرار الخلافة الظاهرة والباطنة، وخلافة العلم والحِكمة والتربية والنور، وخلافة الحُكم، فاستمرت في هذه المدة حتى انتهت بانتهاء خلافة سيدنا الحسن بن علي، الثلاثون العام.

فانحازت الخلافة بكمالها وعلوّها وذروتها وشرفها إلى العلم والحكمة والتربية والنور، والدلالة على الحق والدعوة إلى الله، والعِصمة من شرور الأنفُس وما يعرض في الحياة من أنواع الفتن التي يقودها إبليس ويتجنَّد لبثِّها جنده من شياطين الإنس والجن، في حقيقة تكلَّم عنها ربّ الخليقة: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ * أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا).

واستمرّت في الأمة هذه الخلافة ولا تزال كذلك، لا يؤذن باجتماعها مع خلافة الحُكم على الوجه العام في الأمة إلا عند ظهور الإمام المهدي، والخلافة كاملة ما ضَرَّها انفصال الحُكم عنها، ولا أنَّ من تولى الحُكم فقد نورية الاتصال بهذه الخلافة أو القيام بحقها أو تطبيقها أو تنفيذها، وهُم مع ذلك على مراتب مختلفة في معاداتها -معاداة الخلافة النبوية- أو في مساندتها بما يُستطاع هنا أو هناك، وهم على درجات في ذلك.

محبة الله الخالصة

ولكن هذه الخلافة في كمالها تبقى في سموِّها وعلوِّها خلافة نبوة، مُشارٌ إليها بقوله ﷺ: "اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، من خلفاؤك؟ قومٌ يأتون من بعدي يَرْوُون أحاديثي ويعلِّمونها عباد الله"، يَرْوُونها رواية الدراية والغوص على معانيها والقيام بِحقها، ويعلِّمونها تعليم مَن يأخذ بالقلوب إلى مُقَلِّبها، من يأخذ بالأرواح إلى أن تستقي راحة عبوديتها للرب جلَّ جلاله، بسِرِّ المحبة الخالصة التي تتضاءل أمامها ما تُشابُ به فطرة الإنسان من محبة المال أو الجاه أو المظاهر أو الشهوات وما إلى ذلك، فتقوى محبة الله جلَّ جلاله.

قال جلَّ جلاله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) -يعني كحبِّ الذين آمنوا لله- ولكن قال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ). كما أخذتهم أصنام الجاهات والوجاهات والحُكم وما يقوم عليهم من ظلم وما إلى ذلك، أخذتهم كُليّةً فأحبّوها وأعطوها كل ما عندهم.. قال الله: المؤمنون بي يحبونني أكثر من محبة هؤلاء لحكمهم، أكثر من محبة هؤلاء لرسمهم، أكثر من محبة هؤلاء لأموالهم وثرواتهم، أكثر من محبة هؤلاء لأصنامهم المختلفة، يحبونني أنا أكثر (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ).

ومَن لم تتمكَّن المحبة منه حتى يكون أحب لربه مِن محبة هؤلاء لدُنياهم، فما تحقَّق بالإيمان بعد، ما تحقَّق بالإيمان بعد! حتى يكون حبُّه لله أشدَّ مِن محبة أرباب الأصنام لأصنامهم، الأصنام المختلفة بما فيها: مظاهر السلطة وبما فيها مظاهر هذا المال. "لكل أمة عِجل، وعجل أمتي الدينار والدرهم". إن لم نحبَّ ربنا أكثر مما يحبُّ هؤلاء أموالهم وسلطاتهم وجاهاتهم، فما نحن بمؤمنين (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ) جلَّ جلاله وتعالى في علاه.

بل تحقّق الإيمان بأن يكون الله ورسوله أحبَّ للمؤمن مما سواهما، ثُم أن تقوم هذه العلائق والروابط الإيمانية التي سمعتم الحديث عنها، وأن يُحبَّ المرءُ لا يحبُّه إلا لله جلَّ جلاله وتعالى في علاه. هذا الذي ربطنا بالمهاجر، هذا الذي ربطنا بالماضين على سواء السبيل، هذا الذي ربطنا بصاحب الحولية وصاحب الذكرى عليه رحمة الله ورضوانه الأكبر، وجمعنا به في أعلى مستقرٍّ من غير سابقة عذابٍ ولا عتابٍ ولا فتنةٍ ولا حساب.

"وأن يُحِبَّ المرء لا يحبُّه إلا لله"، أي يُقيم ميزان الله في علاقته بأهل القوم، فيحبُّ الأصفياء ويحب الأولياء، ولا يبيع محبة قلبه لمبعود ولا لشقيٍّ ولا لمطرودٍ عن رحمة الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه، وليدخل في دائرة من ينصرون شرع المَصون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

بأسرار النبوة وإرث النبوة يبقى الخير في الأمة، حقيقة الخير، وتبقى السعادة، حقيقة السعادة، وتبقى حقائق الشرف والكرامة. ومِن دونها فلا فكرة ولا نظام ولا نظرية ولا دولة يمكن أن يقوم عليها لبني آدم شرفٌ ولا كرامة ولا عِزَّة ولا حقيقة سعادة، لا في الدنيا ولا في الآخرة، كل ما خالف هذا والله لا تقوم عليه حقائق سعادة ولا شرف لآدمي على ظهر الأرض إلا من خلال النبوة وإرث النبوة! (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ).

تسلسل أسانيد الرجال

فهذه هي الحقيقة، بسرّها رأينا ما أبدى الله سبحانه وتعالى وأحيا على يد هذا الحبيب من تجديدٍ لدين الله وخدمةٍ لحقائق الإسلام والإيمان والإحسان ومعانيها، وما اتصل بها وارتبط بها وذوقها، ووجودها في الأعماق والروح من منظور موروثٍ قائمٍ على أساسٍ من معدن النبوة تفرَّع، وكان كما سمعتم المقال فيه في عجيبٍ من الأسانيد الموجودة على ظهر الأرض إلى صاحب النبوة والرسالة، أن يتسلسل الأخذ والعلم من عند باب مدينة العلم إلى هؤلاء الشيوخ.

كما سمعتم في كلام الحبيب محمد المحضار لمّا يذكر الحبيب أحمد بن عبد الله المحضار الكعيتي عن الحبيب علي المشهور، قال: هذا عالم بن عالم بن عالم بن عالم، ورجال النسب كلهم سند، نسب وسند، بن عالم بن عالم بن عالم! إلى الفقيه المقدم، إلى المهاجر إلى الله، ابن عالم ابن عالم إلى علي زين العابدين، إلى الحسين بن علي، إلى باب مدينة العلم، ترى ما هذا السند الموجود في الوجود! 

أبٌ يتلقى عن أبيه وهكذا ** فيا لكَ من آباءٍ كرامٍ وأجدادِ

مسلسلة عنهم أسانيدُ أخذِهم ** إلى خير محمودٍ وأشرف حمّادِ

هذا الحصن الحصين الذي ما يُمكن لإبليس بجنده من أهل الشرق أو الغرب أن يخترقه ويدخل فيه ويلعب فيه، ولا يلوي بذيله فيه ولا يلبِّس فيه! مفاهيم الدين من غير هذه الطرق يمكن يلعب بها، يمكن تُسخَّر للأغراض وللمقاصد وللسياسات، يمكن لإبليس أن يتَّخذها.. لكن هذه المفاهيم من البيت المصون، تسلسلت واحد بعد الثاني، من أين يدخل إبليس؟ من أين يدخل بتلبيسه وتدليسه؟ وكل واحد منهم تربَّى على يد المربِّي الذي قبله، أخرج من قلبه حُبَّ الدنيا وحبَّ الرئاسة، وحبَّ الالتفات إلى غير الله كائنًا ما كان! 

فهُمُ القومُ الذين هُدُوا ** وبفضل الله قد سعدوا 

ولغير الله ما قصدوا ** ومع القرآن في قرنِ 

ربِّ فانفعنا ببركتهم ** واهدنا الحُسنى بحرمتهم 

وأمِتنا في طريقتهم ** ومعافاة من الفتنِ

تمَّ على يده أمرٌ عظيم خبَأه الله تعالى في سلسلة الوراثة والخلافة النبوية، وأعلى الله له درجاته، وجزاه عنا وعن الأمة خير الجزاء، إنه أكرم الأكرمين، وضاعف البركة والنور في أولاده، في تلامذته، في كتبه، في آثاره، في أربطته، في ما ترك بعده.

آثار الصالحين ودورهم في حفظ الدين

سمعتم في كلمة الدكتور جمال فاروق الإشارة إلى قول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ)، وآثار هؤلاء هي نور القرآن، هي نور السنة، هي نور الهَدي، هي إرث النبوة، هو الذي به تصلح القلوب، هو الذي به تُكشَف الكروب، هو الذي به يُسقى من أحلى مشروب، هو الذي يَنال به الإنسان في الدنيا التخلُّص بالإخلاص مِن شؤم قصد غير الله جلَّ جلاله، وينال به في الآخرة خالص الوداد عند لقاء المُخلَص له جلَّ جلاله وتعالى في علاه، مَن لم يشرب مِن هذه الكؤوس ما يفوز عند اللقاء!

وهذا الذي قامت عليه حقائق الخلافة النبوية على مدى القرون في شرق الأرض وغربها، وبه قامت مدارس أرباب الهدى والخير، وفي ضمنها كم مِن أمَّة! كما سمعتم في كلمة الدكتور، كم مِن أمَّة يوجد وسط تلك الأربطة، وسط ذلك الأزهر، وسط ذلك جامع الزيتونة، وسط تلك المعالم للدين في شرق الأرض وغربها، في مصر، في الشام، في المغرب، في عموم بلاد الإسلام التي انتشرت إليها حقائق "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

وتترجمت، تترجمت بعلمٍ وعملٍ وإخلاصٍ وورعٍ وخوفٍ من الحق جلَّ جلاله وتعالى في علاه. (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) عليهم رضوان ربنا جلَّ جلاله، ووصف: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)، مَن لم يحمل هذا الوصف ما يكون قدوة! مَن لم يحمل هذا الوصف ما يكون مُنقذ للناس ولا مجدِّد للدين! 

(إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ينفقون ويكابدون ويعطون ويجتهدون وقلوبهم وَجِلة (أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

فكان هذا من الآثار لهذا السيد، جمعنا اليوم وجمع معنا من العلماء من اليمن ومن خارج اليمن، مِن كثير من الأقطار، في ساعات نتذكَّر فيها هذا المضمار، وأنهُ لا حياة حقيقية إلا بمنهج المُحيي المميت خالق الموت والحياة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).

لمن الطاعة والتبعية

ومن غير هذا لا يُمنّونكم بحياة طيبة، ولا يكذبون عليكم! هذا قول ربي، ومَن قال لكم سيأتيكم حياة طيبة من غير هذا المآب والمضمار كذَّاب! يدعوكم لحياة الفسق، يدعوكم لحياة الظُّلم، يدعوكم لحياة الظُّلمة، يدعوكم لحياة الانقطاع عن الله تبارك وتعالى.. بكل ما يعرضون عليكم، (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).

والحقُّ تعالى يُحذِّرنا في القرآن من الطاعة والتبعيّة للكفار بالصنفين: عموم الكفار، وخصوص أهل الكتاب -يعني الذين انتموا إلى اليهودية أو إلى النصرانية وإن كانوا قد تخلَّوا عن حقائقها- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) سوَّلت لكم أنفسكم تقبلون طرحهم؟ تقبلون ما يملون عليكم؟ (إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ) ترجعون إلى الوراء، إلى الوراء، إلى الوراء! تتشتَّتون، تُستعبدون، يُلعب عليكم، تُنهب ثرواتكم، سترجعون إلى الوراء! (إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ).

وكيف الطريق يا رب؟ (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) فإن صدقتم معه فجموع الكفر هذه كلها (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا).

ويقول عن الصنف الآخر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) يردُّونكم كفَّار! خسرتم الدنيا والآخرة! ولا عاد يبقى لكم شيء! (إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ).

والحقّ يقول: عارٌ عليكم تصلون إلى هذا المستوى المُنحَط! (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) فينا رسوله بقرآنه وسنَّته وورثته وخلفائه والنائبين عنه، وفيكم رسوله! (وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، رزقنا الله الاعتصام به إنه أكرم الأكرمين.

 الدعاء

فالحمد لله الذي جمعكم على هذه المعاني الرفيعة الشريفة، وعلى ما يوجِب دخول القلوب في القلوب النظيفة، وعلى ما يوجِب وعي وحي الله تبارك وتعالى وإدراكه، للاستقامة بما يوجِب الشرف والكرامة في القيامة ودار المقامة.

اللهم لا تقطعنا عن ركب المحبوبين والمُقرّبين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليمًا.

 أعلِ درجات حبيبنا أبي بكر في الدرجات العُلا مع خيار الملأ، واجزه عنا خير الجزاء وعن الأمة، وبارك في أولاده وقرابته وطلابه وتلامذته وكتبه وآثاره وأربطته ومدارسه، بركاتٍ متناميات متزايدات بلا غير نهاية.

اللهم وخذ بأيدينا، وأصلح ظواهرنا وخوافينا، وانظر إلى الأمة من عندك، وانظر إلى الأمة من عندك. 

نظرةً تزيل العَناء ** عنا وتُدني المُنى

 منا وكل الهناء ** نُعطاه في كل حينٍ 

برحمتك يا أرحم الراحمين، زدنا من فضلك ما أنت أهله، واختم عامنا بخير، واجعل العام المُقبل من أبرك الأعوام على أمة خير الأنام، في كل خاصٍّ وعام، يا ذا الجلال والإكرام، والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

29 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

25 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية