شمول حقائق ومعاني الشهادتين وأحكام الشرع المصون لجميع مجالات وشئون الحياة

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المولد السنوي في سوق تريم، ليلة الأربعاء 18 ربيع الأول 1447هـ بعنوان :

شمول حقائق ومعاني الشهادتين وأحكام الشرع المصون لجميع مجالات وشئون الحياة


 نص المحاضرة:

الحمد لله، وبتوفيقه اجتمعتم، وبجوده القديم الواسع احتفلتُم، اتصالاً به وبأكرم الخلق عليه، عبده المصطفى محمد، الذي كتب على جميع المكلَّفين من الإنس والجن أن يؤمنوا به، ولا يقبل مَن ادَّعى شهادة لا إله إلا الله حتى يشهد أن محمداً رسول الله، صلوات ربي وسلامه عليه.

فهي مفتاح الدخول إلى دائرة الرضا الرباني والقرب من الله، كما أنها مفتاح الجنة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه.

أثر الشهادتين في حياة المسلم

شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، تصبغ مَن شهِدها شهادة الصدق والحق صبغةً لا يبقى فيه ذرة مِن أجزائه وكلياته، ولا من قلبه وقالبه وجسمه وبدنه وجسده، ولا أقواله ولا أفعاله؛ إلا انصبغت بها على قدرِ تحققه بحقيقة شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

ولهذا، كل التصوير الذي يُوضع على الناس في فصل شيء من شؤون الحياة ومجاريها وأحداثها عن الصلة بالله، عن الدين، عن القدوة النبوية، تصوير باطل وخاطئ وضال وخارج عن الحقيقة. بل شهادة أن لا إله إلا الله لها نورانية تُلاحقك حتى في قضاء حاجاتك الضرورية، لتكون متصلاً بها.

لذا يقضي المسلم حاجته لا كما يقضي الكافر حاجته، والمسلم يأخذ بآداب النبي ﷺ في دخول الخلاء، وفي كيفية جلوسه لقضاء الحاجة، وفي استبرائه من البول ومن الغائط، وفي قيامه بواجب الاستنجاء، ولا يغفل قلبه عن الذكر مع منع لسانه أن يذكر في مثل هذا الموطن تعظيماً للمذكور.

حقيقة التحرر

فيصير الحال كما قالت بعض الواعيات من النساء اللاتي هُنَّ حقيقة التحرر في الفكر والوعي، كان عندهن تحرر من العبودية لغيره: وليس التحرر الذي فيه تبدّل بنفسها وتُظهر محاسنها للرجال ولا تكشف بدنها؟ أهذا هو التحرر؟ هذا نوع من تبرج الجاهلية الأولى، ساقط على صاحبه، الرب يكون فيه ساخطاً على صاحبه والعياذ بالله تبارك وتعالى.

قال لخير نساء الأمة وهن أمهات المؤمنين زوجات المصطفى محمد: (وَقِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) الأحزاب 33.  (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا). الأحزاب 32.

قُلن قولاً معروفاً: لا شيء من خضوع بالقول، فلا لين في الصوت عند مخاطبة الرجال، ولا لفظة تُنبِئ عن شيء من تحريك ما حرَّم الله تعالى من الشهوات. (وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، ( وَ قِرْنَ في بيوتكن ) وفي قراءة (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) الأحزاب 33.

ومن هؤلاء المتحررات نساءٌ صالحات من كانت تُرّبي أبناءها بهذه الثقافة العالية والوعي لأسرار الحياة، قَولها لابنيها: "لو واظبتما على آداب دخول الخلاء، لظهر وسطع على وجوهكما نور العلم". تشير لهم أن دين الله ومنهجه جاء كاملاً شاملاً لحياتكم كلها.

شمولية الدين في جميع جوانب الحياة

لا ينفصل هذا الدين في سوق، ولا في مقهى، ولا في ملعب، ولا في مشرب، ولا في طائرة، ولا في مِهنة، ولا في حرفة من الحرف. فلا يغيب الدين، حاضر حيثما كنت، وأينما كنت.

إلى حد ما ذكر رسول الله ﷺ في مجيء الرجل أهله حيثما ما أحلَّ الله له. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في الحرام، ألا يكون عليه وزر؟" قالوا: بلى. قال: "كذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".

فصارت العبادة ملازمة لهذا الإنسان، وإن كانت درجات الناس فيها تختلف من حيث النية ومن حيث حضور القلب.

كان بعض كبار علماء مصر، الشيخ عبد الوهاب بن علي الشعراني عليه رحمة الله، يقول: "إن الحالة التي آتي عليها أهلي - هي الحالة التي أدخل بها في الصلاة، نفس الحالة التي أدخل بها في الصلاة من حضوري مع الله وتعظيمه، موجودة حتى عند مجيئي لأهلي"، وهذه درجة في الدين قوية. 

ونقصد من هذا الكلام أن حقائق صلتنا بالله ومعاني دين الله لا يجوز أن تنفصل في شيء من شؤون حياتنا، الحياة كلها لواحد، والمؤمن بهذا الإله الواحد يقول: (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ) الأنعام 162.

أي حياتي كلها لله، حتى إن أكلت، حتى إن شربت، "إن الله يحب من عبده، - وفي لفظ: يرضى عن عبده - أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها". 

لذا عندما يتناول الإنسان الماء:

  •  ينظر إلى الماء فتُكتب له حسنة بعشر أمثالها، كل واحدة من هذه العشر لها في الآخرة نعيم لا يبيد ولا يفنى ولا ينفد، هذا فقط لمجرد النظر، 
  • فإذا تناول باليد اليمنى: حسنة ثانية بعشر أمثالها، كل واحدة نعيمها ما ينفد. 
  • فإن قال "بسم الله": حسنة بعشر أمثالها، كل واحدة منها لها لذة ما تنفد في الآخرة.
  •  شَرِب في ثلاث أنفاس:  له حسنة بعشر أمثالها، كل واحدة من العشر لها لذة في الآخرة ما تنقضي. 
  • تنفَّس خارج الإناء، أبعد الإناء عنه، لا يتنفَّس فيه: له حسنة بعشر أمثالها، كل واحدة من العشر نعيمها ما ينتهي. 
  • أكمل الشرب، حَمِد الله: له عشر حسنات، كل واحدة من هذه العشر نعيمها ولذتها وحلاوتها لا تنقضي في الآخرة.

قوله بسم الله وفي شربة ماء، وهذا فقط في الشرب، كم حصّل من الحسنات؟ وكذلك الأكلة، دين عظيم، دين عجيب!

و كذلك يجب أن يكون حاضراً معنا، حتى في ألعابنا، إذا احتجنا للألعاب، كل لعب غير محرَّم لابد أن تحضر فيه نية صالحة، وينقاد والنيات مؤثرة فيه.

حتى قال صلى الله عليه وسلم لجماعة كانوا معه في السفر، في الطريق تقدموا. ثم قال : "يا عائشة، سابقيني". نتسابق أنا وإياكِ حتى نقرب من القوم، وأنما أمرهم يتقدموا لأنه لا يليق بالمرأة أن تجري أمام الرجال، فجعلهم يتقدموا، ثم قال لها: "نتسابق أنا وإياكِ".وكان رحمها في المرة الأولى، شفقةً بها تركها تسبقه، ففرحت، إذ كانت  صغيرة السن رضوان الله عليها.

لما كان بعد مدة، قال: "تعالي نتسابق". سابقها فسبقها، فكأنها تأثرت، فقال: "يا عائشة، هذه بتلك". كل مرة تودي أن  تتقدمي!، هذه بتلك، صلى الله وسلم عليه وعلى آله.

قالوا: وكان من أفكه الناس مع أهله ومع الأطفال ﷺ، غاية في التواضع وفي الرحمة، ودينه شامل، دينه شامل لكل هذا، صلوات ربي وسلامه عليه.

حرص الصحابة على اتباع النبي ﷺ

ولذا وجدنا الصحابة يحرصون على متابعته حتى في المباحات والأشياء غير العبادات، ويحبون متابعته، يحبون مشابهته فيها، فقد كان سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب إذا أراد يسافر، يتذكر سفرة من السفرات التي رافق الحبيب فيها، يتذكر أنه خرج معه في يوم كذا، في ساعة كم، يخرج في هذا المكان. بعد ذلك جلس أين؟ تغدَّى أين؟ توضأ أين؟ يجي للأماكن نفسها التي نزلها النبي، يتبُّع المواضع نفسها، يتغدى حيث تغدى، ويصلي حيث صلى، ويتوضأ حيث توضأ صلى الله وسلم عليه وعلى آله.

وهذا مِن تعلُّق قلوبهم به صلى الله عليه وسلم ، هذا مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله.

نهاية أفكار أهل الشر وظلمهم

إن أرادوا أن يشتروا منا مشاعرنا وأحاسيسنا، يأخذونها بخدعة، بشيء مما لا يُذكر، لنُمجدهم ونُعظمهم وننسى الإله المجيد، وأمجاد أهل قُربه وأهل حضرته من النبيين وأهل التوحيد، هم الذين يحقَّ لنا أن نُمجدهم.

ونحن إذا صدقنا في الإيمان بربنا، ما تذهب مشاعرنا لتمجيد كافر، ولا تمجيد شرير، لأجل أجهزة من الأجهزات، ولا لأجل سلاح من الأسلحة، التي صارت الآن مصرَّح بها في غاية عقولهم ونهاية أفكارهم وقمّة حضارتهم، أنهم قائمون على قهر خلق الله بوجود الأسلحة الفتّاكة، والتي لا يريدون أحداً يسابقهم فيها ولا يقرُب منهم فيها.

وإذا واحد سيعمل شيئاً من الأسلحة هذه، قالوا: ممنوع! هذا حقي وحق فلان وفلان. فقط! هذا التقدم، وهذا التطور، هذه التسوية بين الناس، وهذه الحريات، فرضٌ وبالقوة وممنوعات، وبعد ذلك استُخدمت في ماذا؟ انتهى استخدامها في نهاية الثقافة والحضارة والتطور إلى ما تسمعونه اليوم من قتل النساء وقتل الأطفال.

والذي يتجدّد وتطوروا إلى هد البيوت والعمارات الكبيرة بمن فيها، ويكون من يكون 

و القصد؟ قولوا سوف نأخذ هذه الأرض، لماذا؟ لأن نحن أردنا، نحن نريدها، لكن نحن أهلها! أنتم ما مكانكم بها، حقنا! وإن كان حقكم، ملكنا! وإن كان ملككم، نحن آباؤنا وأجدادنا من ألف سنة هنا، يقول لك أنا أريدها فقط دعني و أبعد! 

هذه الحضارة، هذا التقدم، هذا التطور، ويُحمى وبقوة الأسلحة هذه الخبيثة، هذا التصرف والقتل والسَّفَك كل يوم، في بعض الأوقات دفنوا ناساً أحياء! والاستهداف صار يجيء في محل القوت من أجل شدة الجوع فيهم، وأيضاً إن كان أحد أسرة في خيمة وغيرها، القوي والقادر فيهم يبعثونه ويذهب يحضر لهم قوت، وإذا هم يستهدفونه هناك ويدقونه في المحل، يأتي يستلم مساعدة، طعام، تغذية، في تجويع شديد، ويقصفونه في ذاك المكان، وهكذا.

ويفتخرون - والعياذ بالله - بذلك، حتى إلى حد أنه ما بقي من الإنسانية تحرّكت نفوس كفار بحكم الإنسانية وحدها ورَقَّت، وقلوب  بعض الذين يدَّعون الإسلام ما هي معوَّلة ولا هي مبالية - والعياذ بالله تبارك وتعالى.

يصير من العار أنه يعجزون عن إيصال دواء وعن إيصال غذاء إلى إخوانهم في القريب، والعجيب التبجُّح أيضاً بعد ذلك! كما كنا نسمع التبجح بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك..

يقول: لا، إلا ونقصف ونضرر، لأجل الناس من ذلك يفرُّون، ويقولون: لا، هم بأنفسهم بيخرجون، إذا ما ضربتهم سيخرجون؟ من قال لك سيخرجون؟ اضطررتهم بالخروج بهذا الضرب وهذا الدمار، وتركت أماكن ما تصلح للسكن، وبعدها تقول: لا، هم باختيارهم، نحن ما نُكرِه أحد، ما نُكره أحد!

والذي تقتل كل يوم: مائتين وثلاثمائة وألف وعشرين ومائتين وخمسمائة وأربعمائة في اليوم الواحد! ما هذا هو؟ أنتم تعطوا الناس حرية؟ لعبة! تشدُّق بالكلام، يقولون هكذا! 

أمور في غاية الغرابة، ومن بَعُد عن الله ماذا تنتظر منه؟ ماذا تنتظر من عقله؟ ماذا تنتظر من تفكيره؟ سكروا بمحبة الدنيا، وقالوا: نحن شعب الله المختار، ونحن الذين لنا، ونحن ونحن ونحن.. ولا مبالاة بقيم، ولا بدين، ولا بأطفال، ولا بنساء، ولا بمساجد، ولا بمستشفيات.

فاقتحموا المستشفيات، دخلوا في بعض الأيام، وقال بعض الذين كانوا هناك موجودين من الدكاترة، إلى مستشفى قد عملوا ما عملوا فيها، وهم بمسدساتهم يجيئون للأجهزة الخاصة بالتنفس والقلب، ودقُّوا الأجهزة وخرجوا من المستشفى!

ما معنى هذا؟ ومع ذلك يقولون: نحن أصحاب الحقوق، ونحن مظلومين! ويقولون بهذا المنطق، هذا الذي يبيِّن غفلة  الذين ادَّعوا الثقافة من الأمة في خلال قرن مضى، مجَّدوهم وعظَّموهم وليسوا بشيء، واستهانوا بكلام الله وكلام رسوله، وربما استحقروا أولياء وصالحين ذوي منزلة عند ربهم.

إحياء ذكرى المولد النبوي

نحن وهم والعالم ومن فيه، إن لم نرجع إلى قيادة محمد، فلا سعادة في دنيا ولا في آخرة. رب الدنيا والآخرة خلق هذا المصطفى وختم به النبوة والرسالة، وجعله المقتدى، وجعل الخير كله في اتباعه، والسلام، غير هذا فلا! (فَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

ولذا كان من واجب المؤمنين يعوا هذه القضية، ويجعلوا ذكر نبيهم في ليلهم ونهارهم، ومثل ذكرى مولده ونحوها يجب أن تكون، كان كثير من أهل الحرص من المؤمنين ما يترك غرفة من غرف بيته في هذا الشهر إلا وقرأ فيها سيرة النبي محمد ﷺ، صلَّى فيها على النبي محمد ﷺ. فوق ذلك كله، الدوافع لهذا والنتائج: الدوافع إيمان ومحبة ومشاعر غالية، ما سُلِّمت لشرقي ولا لغربي بمقابل حالة في فكر تُدَّعى أنها التطور وأنها العبقرية وأنها الحرية، لا بخداع ولا رغبة في مال ولا في سلطة. مشاعر محفوظة عرفت ربها من هو، وتحب ربها، ولا تصرف محبتها لغيره، ولا تحب أحداً من خلقه إلا ما يحبه.

"نُحِب بحبك الناس، ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك". فلا يحبون إلا من أحب الله، مشاعر محمية، محفوظة، عزيزة، ما بيعت بخديعة ولا بضحك ولا لمال ولا لشيء من هذا من السلطة ولا غيرها.

هذه المشاعر المحفوظة عند هؤلاء المؤمنين، لذلك نقول: شكر الله سعي الذين يعقدون مثل هذا المجلس، ليظهر صوت أرباب المحلات والحِرَف في ميدان الفرح بالله ورسوله، في ميدان الولاء، إعلان الولاء لله ورسوله، وتعظيم رسوله ﷺ.

ماذا يحمل من الإيمان من كان يكره ذكر النبي؟ من كان يكره الاحتفال؟ وما في الوجود أحد أحقّ أن يُحتفى به من زين الوجود!

و النبي أقره على هذا الكلام، ما قال له لا ليس نور الولادة وإنما المقصود بالنور نور القرآن والوحي، والقرآن والوحي جاء بعد الولادة!

فسيدنا العباس قال له: من نورك، هو نور الولادة، نحن في هذا النور ﷺ. والنبي سمعه وأقرَّه ودعا له، قال: "لا يَفضَض الله فاك". جاوز الثمانين ولم يسقط له سن، أسنانه بقيت قوية. "لا يَفضَض الله فاك".

إئذن لي أن أمتدحك بشعر، قال: "قل لا يَفضَض الله فاك". قال:

ما قَبْلَها طِبْتَ في الظِّلالِ وفي ** مُستَودَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ

نظِم مولد سيدنا العباس، "من قبلها طبت في الظلال"، أول كانت روحك في الجنة قبل النزول للأرض، قبل ما يهبط آدم للأرض،" وفي مستودع حيث يُخصف الورق". أي لما أكل من الشجرة آدم وحواء (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ).

من قبلها طبت في الظلال ** وفي مستودع حيث يُخصف الورقُ

ثم هبطت البلاد، فنزلت روحك مع نزول آدم.

لا بَشَرٌ أنتَ ولا مُضْغَةٌ ولا عَلَقُ

 بل نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السفين - أي سفينة نوح - 

وقد ألجم نسراً وأهلُه الغَرَقُ. 

أي الطوفان حقَّهم وأهله قد غرقوا كلهم، ذهبوا، وبقي نوح ومن معه في السفينة من المؤمنين.

وَرَدْتَ نارَ الخَلِيلِ مُكْتَتِماً ** في صُلْبِهِ أَنْتَ كَيْفَ يحْتَرِقُ

تُنقَّل مِنْ صَالِبٍ إلى رَحِمٍ ** إذا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ

حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ ** خِنْدِفَ عَلْيَاءَ دُونَها النُّطُقُ

وأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ ** الأَرْضُ وَضَاءَتْ بِنُورِكَ الأُفُقُ

المولد ماذا  يُقال فيه ، أليس من  هذا الكلام، المولد! هذا الكلام، والنبي سمعه وفرح من صاحبه ودعا له، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.

سوق المسلمين كمُصلى المصلين

يجب أن تحيا هذه المشاعر وتبقى، ونعرف أن ديننا ما هو محصور لا في مسجد ولا في نوع من العبادة، ديننا في ما نأكل، ديننا في ما نشرب، ديننا في ما نبيع، ديننا في ما نشتري.

وأنتم سمعتم قول سيدنا عمر: "من لم يتفقَّه في ديننا فلا يبِع في سوقنا". سوقنا مبني على نور، و على لا إله إلا الله.

سمعتم أنه كان يمرُّ على الأسواق، وجاء عند بائع طعام، من فوق رأى الطعام الحسن منه، فأدخل النبي يده ووجد من الأسفل مبلَّل. "ما هذا؟" قال: أصابته السماء، يعني مطر. قال: "فهلاَّ جعلته من فوق؟" توهم الذي بيشتري أنه كله حسن. "من غشَّنا فليس منا، من غشَّنا فليس منا".

لهذا قال سيدنا علي: "سوق المسلمين كمُصلَّى المصلِّين". يعني في عبادة وفي ذكر وفي التطبيق للشريعة، سوق المسلمين كمُصلَّى المصلِّين، لا فيه الغش، ولا فيه الغِل، ولا فيه الخديعة، ولا فيه الكذب، ولا فيه اليمين الكاذبة، ولا فيه النظر الحرام، ولا فيه نساء يخضعن بالقول.

هذه أسواق المسلمين، هذه أسواق المسلمين، تكون بهذه الصورة، بهذه الحالة.

الدعاء

شكر الله السعي للقائمين على هذا، ورحم الله المتقدمين. كان يحضر معنا الحبيب حسين بن عبد الرحمن بن شهاب، عليه رحمة الله تعالى في هذا المكان. وكان الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن باحرمي، كان معكم في العام الماضي كذلك، والمساعدين والمساهمين، أمثال هذه المجالس وما فيها يجنون ثمرها وهم في البرازخ، وأمامهم القيامة والجنة، أكثر ما يُستلَذُّ فيها بالطاعات الجنة، أكثر لذيذ الطاعات هناك تُذاق، نعيم الجنة عبارة عن الحسنات التي قدَّمتها في الدار الدنيا، وعلى قدرها وقدر معرفتك بالله تتلذَّذ بما في الجنة من نعيم.

جعلنا الله من أهل جناته، وغفر للمتقدمين، وبارك فينا، ورزقنا التعاون على البر والتقوى، وإحياء سُنن نبينا فينا وشريعته في جميع أحوالنا، في ظواهرنا وخوافينا.

اللهم أحيِ في أسواقنا ما كان في أسواق الأخيار والأبرار من عهد النبي المختار، ومن على منهجه سار على ممر الأعصار، من الخيرات والأنوار. وادفع عنا تقليد الكفار والفجار والأشرار، والغش والرِّبا والخيانة والضُّر والأذى والكذب، ونزِّهنا عن كل ذلك، واسلك بنا أشرف المسالك، وبارك لنا في ذلك، وادفع عنا كل سوء أحاط به علمك، برحمتك.

والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

06 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

27 سبتمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية