ارتباط شئون الأمة بأحوال نبيها وعجيب نصيبها من أحوال الإسراء

للاستماع إلى المحاضرة

مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى ليلة الإثنين 27 رجب الأصب 1446هـ بعنوان: 

ارتباط شئون الأمة بأحوال نبيها وعجيب نصيبها من أحوال الإسراء

لمشاهدة المجلس كاملاً:

https://www.youtube.com/live/eRcP24eBKzs

نص المحاضرة:

الحمد لله مُكرِمنا بهذا الحبيب، ومُكرِمهِ بما لا ينتهي إليه عقلُ عاقلٍ في السماوات ولا في الأرض، ولا يُحيط به علم عالِمٍ في السماوات ولا في الأرض، ولا يزال الحق يُبدي من عجائب محبته لهذا الحبيب وتخصيصه إياه إلى يوم العرض، ويرى الناسُ في يوم العرض ما لم يكونوا يعرفون من شأنه ومقامه، وكذلك إلى الأبد؛ 

  • - لا يزال جميع أهل النار يُوقنون بأنه حبيب الواحد الأحد، ويتمنّون أن لو اتبعوه، ويزدادون معرفة بعظمة قدره وحسرة منهم على الإعراض عن أمره، 
  • - ولا يزال أهل الجنة يستجْلونَ مجالي قُربه من الله، ومحبة الرحمن له، وتخصيصه بالخصائص في كل ما يُنازلهم، على ممر الأيام بلا انقضاء، في دار الكرامة والهناء. 

فحمدًا لربٍّ خصَّنا بمحمد** 

الحمد لله الذي جعلنا من أمته عليه الصلاة والسلام

آثار ليلة الإسراء والمعراج على الامة

وكان من آثار ما حصل ليلة الإسراء والمعراج أقدار وأقضية قضاها الحق المقتدر سبحانه أحكم الحاكمين، رتَّبها على أفعال هذا النبي الأمين، تتعلّق بشأننا، تتعلّق بوضعنا في عُمق ديننا وفي أحوالنا وشؤوننا القريبة والبعيدة. 

ومن ذلك ما كان من شأن الدعَوات؛ دعوة عن اليمين، ودعوة عن اليسار، ودعوة تنادي من الخلف، ولم يلتفت إلى واحد من الثلاث الدعوات؛ 

  • - دعاه الداعي عن يمينه فلم يلتفت ولم يجب، 
  • - دعاه الداعي عن يساره فلم يلتفت ولم يجب، 
  • - دعاه الداعي من خلفه فلم يلتفت ولم يجب

فقال له جبريل: أتدري ما الداعي الذي دعاك عن اليمين؟ 

قال: لا، قال: ذاك داعي اليهودية، أما إنك لو أجبته لَتهوَّدت أمتك من بعدك، فبقي ثبات الثابتين على الدين القويم بثبات سيد المرسلين، وبعدم التفاتهِ إلى هذا الداعي.

وبذلك قام ما قام من ثبات أهل فلسطين في أيامكم، وما كان من ثبات قبل أو بعد، وما تثبُت به قلوب المؤمنين في شرق الأرض وغربها، ألّا تقبل كذب اليهود المعاندين المضادين المغتصبين، المُتحدِّين للإنسانية وللقيم وللشيم وللفضائل كلها، لا يجوز قبول ما يطرحون، ولا المسار مع ما ينشرون، ولا يجوز أن يُجاب داعيهم في وصف من الأوصاف، ولا فِكر من الأفكار، ولا خُلق من الأخلاق، معنا حبيب الخلَّاق محمد، عصمتنا وقدوتنا، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله﴾.

وقال: ودعاك عن اليسار داعي النصارى، أما إنك لو أجبتَ لتنصَّرت أمتك من بعدك. وكم بذل النصارى الذين حرَّفوا دينهم وخرجوا عن منهج عيسى بن مريم من أموال كثيرة ليُنَصِّروا الأمة، والإسلام يزداد في كل الأماكن، وكم من كنائس في الأرض تُحوَّل إلى مساجد.

وقال: ودعاك ذاك في الطريق بصورة العجوز؛ إنها الدنيا، أما إنك لو أجبتها لآثرتْ أمّتك الدنيا على الآخرة، ما بقي في أمتك زاهد، ولا بقي في أمتك مُؤْثر للحق، ولا مُؤْثر للدار الآخرة؛ ولكن كل هؤلاء في بركة هذا المصطفى، وفيما جرى في ليلة الإسراء والمعراج لهذا الحبيب الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فضل الصلوات الخمس

فنحنُ بحمد الله في حصن الإيمان به، زادنا الله إيمانًا، وحِصن التصديق بما جاء به عن الله سبحانه وتعالى، وكانت الهدية الكبيرة لنا من ربنا هذه الفرائض الخمس التي يجب أن نُقيمها على وجهها، وأن نُحْسن إقامتها في أولادنا وأهلينا، وأن نُحْسن نشر الدعوة إليها لكل من شهد؛ أن لا إله إلا الله، من العرب والعجم والحضر والبدو، ليقيموا أمر الصلاة ويُؤدّوها على وجهها، وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي التي تندفع بها البلايا والآفات، وهي التي بالجماعات فيها تُحَلّ العُقد للنوائب والمشكلات، الصلوات الخمس التي هي عماد دين الله.

وأوصيكَ بالخمس التي هُنّ يا أخي ** عماد لدين الله واسطة الأمرِ

وواظِب عليها في الجماعة دائمًا ** وحافظ عليها في العشاء وفي الفجرِ

فمن أقامهنَّ لمواقيتها وأحسن ركوعهن وسجودهن؛ كُنّ له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، وكان له عند الله عهد، حتى قال من قال من المُفسِّرين في قول ربنا جلّ جلاله: ﴿لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا﴾ قال: العهد هو الصلوات الخمس، قال عليه الصلاة والسلام: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة"، فتنال الشفاعة من قام بالصلوات الخمس، ومن حافظ على الصلوات الخمس، أعلى الله شأنها بيننا وثبّتنا عليها.

حال الأمة وعلاقتها بالدين

وكان يقول بعض هؤلاء اليهود: صحيح أنه يأتي وقت تُخرجوننا من هذا الظلم والغصب والعدوان عليكم، لكن حتى تكونوا في مساجدكم؛ ظُهركم مثل جُمَعكم، صلاة الفجر مثل الجمعة، إذا وصلتم الى هذا الحال مع الصلوات يأتي الوقت الذي ستخرجوننا فيه، وما دام علاقتكم بالدين ضعيفة لا نخاف منكم ولا أنتم الذين تخرجوننا، وإنما يختار الله تعالى من يختار لنصرته ولنصرة رسوله ولنصرة دينه جلّ جلاله. 

﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾، ثم قال له: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ثم قال له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ). 

ويقول: (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) 

الدعاء والختام

فالحمد لله على مِنَّة بعثة الحبيب المصطفى، أحيا الله قلوب أمته بِصدق الإيمان واليقين وقوته، والثبات على منهاجه وسنته، ونَصَرَهُم بذلك نصرًا مؤزَّرا باطنًا وظاهرًا. يا مُرسلهُ بالآيات البينات ويا من أراه الآية الكبرى، صلِّ عليه وآله وصحبه وأهل اتباعه وآبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك الذين صلوا خلفه في ليلة الإسراء والمعراج، وظهر تقَدُّمهُ على الجميع، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم، صلوات وتسليمات تكشِف بها الغُمّة عن الأمة، وترفع وتدفع بها الظلمة والنقمة، وتُحوّل بها الأحوال إلى أحسن حال، وتجعل بها كل حاضر معنا وسامع لنا ومُشاهِد لنا في دائرة قُربك وقربه، ممتلئًا بِحُبّك وحُبِّه.

اللهم وأسعِدنا بمرافقته في الفراديس العُلى، وألحقنا بجاهه في خيار الملأ، يا كريم يا حي يا قيوم يا ربنا الأعلى، لا إله إلا أنت سبحانك، أكرِمنا بما رجونا وفوق ذلك، يا من لا يَعظُم عليه عطاء، ويا مَن لم يزل أهل الجود والكرم والسخاء. 

يا الله، فرجك القريب، سترك الجميل، عفوَك عن الذنوب، تجاوزك عن الخطايا، سترك للعيوب، رفعك للبلايا، دفعك للرزايا. 

يا الله أغِث الأمة، يا الله أنقِذ الأمة، يا الله اجمع شمل الأمة، يا الله أصلِح شأن الأمة، يا الله اجعلنا في خيار الأمة، يا الله اجعلنا في أنفع الأمة للأمة وأبرك الأمة على الأمة، يا الله اكشف كل غُمّة، يا الله رُدّ كيد المعتدين الغاصبين الظالمين المُفترين المفسدين في ظهر الأرض، مَزِّقهم كل مُمزّق مزقتهُ أعداءك، انتصارًا لأنبيائك ورسلك وأوليائك، لا تُبلِّغهم مراد فينا ولا في أحد من أهل الإسلام، رُد كيدهم في نحورهم، واكف المسلمين جميع شرورهم.

يا حي يا قيوم يا قوي يا متين، حَوِّل الأحوال إلى أحسنها، واجعل شهر رجب شاهدًا لنا لا شاهدًا علينا، وحُجّة لنا لا حجة علينا، ولا تجعله آخر العهد منه، وأعِدنا إلى أمثاله، وبارك لنا وللأمة في شعبان، وما فيه من الخيرات الحِسان، وبلِّغنا جميعًا رمضان، واجعلنا عندك من خواصّ أهل رمضان، الظافرين فيه بأعلى الامتنان، وأجزل العطايا الرزان، من الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ومن رضوانك الأعلى ومعرفتك الخاصة ومحبتك الخالصة يا رحمن، يا أرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين.

 

العربية