أسرار وكنوز العلم بأن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شعب النبي هود عليه السلام، ليلة الإثنين 5 محرم 1447هـ بعنوان: 

أسرار وكنوز العلم بأن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً

نص المحاضرة:

سبحان الحيُّ القيّوم، الذي بيده ملكوت كلّ شيء، وإليه مرجع كلّ شيء، وهو خالق كلّ شيء، لا إله إلا هو كُلّ شيءٍ هالكٌ إلا وجهه، له الحُكم وإليه تُرجعون. 

خلق جميع الكائنات مِن عدم، فلم يكن عرشٌ ولا كرسيّ، ولا سماءٌ ولا أرض، ولا جنّةٌ ولا نار، ولا مَلَكٌ ولا إنسان، ولا جنّ ولا نبات، ولا حيوان ولا جماد، ولا شيءٌ من هذه الكائنات، كان الله ولم يكن معه شيء، كان الله ولم يكن معه غيره، وهو الآن على ما عليه كان.

لا إله إلا هو الفعَّال لما يريد، المُقدّم المُؤخّر، الرافع الخافض، المُعطي المانع، القويّ المتين، العليّ العظيم، الواحد الأحد، الفرد الصمد. لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قدير.

شاء أن يُكوِّن الكون ويُوجد الوجود، وابتدأ الخلق بإيجاد نور محمدٍ المحمود، وبرز نور رسول الله مِن نور الحقّ جلّ جلاله، وتجلّى عليه وتفضَّل عليه، وأكرمه وعلّمه، قبل أن يكون شيء، قبل أن يكون عرشٌ ولا كرسيّ، ولا جنّةٌ ولا نار، ولا إنسٌ ولا جنّ، ولا ملائكة ولا أرض ولا سماء، كان المُتجلّي الواحد يتجلّى على عبده الواحد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

خلق من نوره الأنبياء، وخلق العرش والكرسيّ واللوح والقلم، وكوَّن الكائنات جلّ جلاله وتعالى في علاه، وخلق الخلق لحكمةٍ وطوى عليها علمه.

الحكمة من الخلق ومراتب التوحيد

ومِمّا أبرز لنا مِن علمه جلّ جلاله أنَّ الغاية ترجع إلى أن يفوز مِن هؤلاء المُكلّفين من يفوز بعلم التوحيد وحقائق التوحيد.

 يقول جلّ جلاله وتعالى في علاه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) وجاءت الغاية والحكمة العظيمة: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا). وهذا رأس العلم الذي حملهُ الأنبياء إلى أُممهم وأقوامهم، وجاءنا به سيّد الأنبياء محمد.

واختلفت درجات الناس في العِلم: أنّه على كلّ شيءٍ قدير، وأنّهُ قد أحاط بكلّ شيءٍ علماً، ورسخت أقدام أهل السوابق مِن خيار الخلائق، فأحسَنوا التوجُّه إلى الخالق، وأفردوا القصد للخالق جلّ جلاله وتعالى في علاه.

قومٌ هُمُومُهُم بالله قد عَلِقَتْ ** فما لهم هِمَمٌ تسمو إلى أحدِ

فمطلب القوم مولاهم وسيّدهم ** يا حُسن مطلبهم للواحد الصّمدِ

جلّ جلاله وتعالى في علاه، واختلفت درجاتهم في إدراك هذا العِلم الذي إذا تمكَّن من القلب أخرج من القلب ما سِوى الله، وأخرج من القلب ما عدا الله، وبقي العبد واحداً لواحد، يرقى المراقي في أعلى المشاهد، ليتحقّق بحقائق لا إله إلا الله، بمعنى لا معبود إلا الله، بأقاصي ذلك المعنى من جميع جوانبه، ثمّ بمعاني لا مقصود إلا الله، ويُكرَم بأن يُخرَج من قلبه أيّ قصدٍ لغير الله تعالى في علاه بكلّ المعاني، ثمّ بمعنى لا موجود إلا الله، إذ كلّ موجودٍ صنعته، وكلّ موجودٍ مخلوقٌ له، وكلّ موجودٍ في قبضته، وكلّ موجودٍ تحت قهره، وكلّ موجودٍ تحت أمره.

لا فرق في هذا بين أوّلٍ ولا أخير، ولا صغيرٍ ولا كبير، ولا مأمورٍ ولا أمير، ولا ظاهرٍ ولا باطن، ولا مؤمنٍ ولا كافر، ولا مَلَكٍ ولا إنسيٍّ ولا جنّي، الكلّ في قبضته، الكلّ تحت حُكمه، الكلّ تحت قهره، الكلّ تحت أمره، إنّه الله، (وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ).

ثمّ مِمّا علّمنا سبحانه وتعالى مِن حِكمته أنّه جعل في هذا الترقِّي في هذا العلم لأهل سابقة السعادة مراتب، ترتّبت عليها الدرجات العُلى في دارٍ خلقها وحكم بإبقائها وبإدامتها، (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)، اللهمّ اجعلنا من أهلها.

وخلق الأزمان وجعلها أشهراً وأسابيع وأعواماً وقروناً، واختاركم في هذا القرن ثمّ في هذا العام، وصلتم إلى رأسه، بارك الله لنا ولكم وللأُمّة فيه. ودعتكم الدواعي بتقديره وسابق إرادته، جُعِلتم في أُمّة محمدٍ خير الأنبياء، فعُددتم من خير الأُمم.

نصيب الحاضرين والمتعلقين

ثمّ ساق إلى قلوبكم ما توجّهتُم به إلى الحضور؛ وفيكم الحاضر في هذا المحضر ومقصوده الله، ومراده الله، ووِجهته إلى الله، فله منا التهنئة بأحسن المُهاناة، ونقول له: تهيّأ لأصفى المُصافاة من قِبَل ربّ العرش العظيم.

وفيكم من اختلطت مقاصده بأنواعٍ من الدوافع، وفيكم من انحطَّ مقصده وجاء لغرضٍ مُنحطّ، ومع ذلك فإذا لم تسبق الشّقاوة، فالمجلس مجلس إسعاد، ومجلس تقريبٍ بعد إبعاد، ومجلس هدايةٍ من خير هاد، والله يعمّ الحاضرين ومَن تعلّق بهم.

وقلوبٌ خَلُصَت وأخلصت وتنقَّت في شرق الأرض ومغربها، صبّاب سحائب المجلس عليها كثير الصَّبّ، يهبط هبطاً كثيراً، عرباً وعجماً، إنساً وجنّاً، وربّما فاق الواحد منهم حاضراً فيما بيننا.

اعتبر نحن قسمنا بينهم ** تلقَهُ حقّاً وبالحقّ نزلْ

وها أنتم في المجمع، والربّ العرش لكم ينظر ويسمع، وينظر ما في بواطنكم مِن مقاصد ومطمع، وهو يعلم من يطلبه ومن يطلب غيره، ويعلم فيمن يطلب غيره من يطلب ما أحبّه واصطفاه وارتضاه، ومن يطلب شيئاً غير ذلك.

هذا المُحيط بكم في مجمعكم، وإليه وجهتنا وأيادي فقرنا وذلّتنا.

يا ربّ الأرض والسماء، يا ربّ العرش العظيم، يا مُطّلعاً على سرائرنا وقلوبنا، اجعل حظّنا وحظّ كلّ حاضرٍ معنا وسامعٍ لنا ومشاهدٍ لنا ومتعلّقٍ بنا مِن علم أنّك على كلّ شيءٍ قدير وأنّك قد أحطتَ بكلّ شيءٍ عِلماً حَظّاً وافياً وقِسماً سامياً ونصيباً عظيماً.

ما أطيَب كرمك!

يا الله، يا الله، يا الله، يا مَن ليس لنا إلهٌ سواه، يا من ليس لنا ربٌّ عداه، يا الله، يا الله، يا الله، ما أطيَب اسمك! ما أطيَب كرمك! ما أطيَب تجلِّيك! جمعتنا بفضلك هذا الجمع، في جمعٍ مُتّصلٍ بسلاسل أهل الرفع، مِمّن رفعتهم وأشهرتهم في السماوات والأرض، من أنبيائك وخاصّة أصفيائك من الصِّدّيقين والمُقرّبين.

فلك الحمد، ولك الحمد، ولك الحمد، مهما امتلأنا بمعاني حمدك فما يكون حمدنا؟ أنت أكبر من ذلك! نعمك أكبر، فكيف بك؟ فضلك أكبر من أن نمتلأ بالحمد بمعانيه، فكيف بك؟ جودك أكبر مِن حمدنا وحمد الحامدين، فكيف بك! يا جواد، يا منعم، يا مُتفضّل.

طلب نور معرفة الله ومحبّته

يا ناظراً إلى قلوبنا، ها نحن بين يديك والأكفّ مرتفعة إليك، نسألك وحدك لا نسأل سواك، ونرجوك وحدك لا نرجو سواك، أن تنظر إلى قلوبنا، يا ربّ هذا العلم الشريف الطاهر الأقدس وفِّر حظّنا منه، ولا تصرف منّا أحداً إلا وقلبه محشوٌّ بنور عِلم أنّك على كلّ شيءٍ قدير، وأنّك قد أحطتَ بكلّ شيءٍ علماً.

فلا أحد قطُّ أحقّ أن يُخافَ قبلك ولا أكثر منك، ولا أحد قطّ يحقّ أن يُرجى قبلك ولا أعظم منك، يا الله، بل لا يحقّ أن يُخاف غيرك كائناً من كان، ولا أن يُرجى غيرك كائناً من كان، فيا من هو رجاؤنا وخوفنا، ويا من هو عُدّتنا وثقتنا، ويا من هو ربّنا ومولانا، نظرةً من نظراتك إلى جمعنا. يا ربّنا، يا ربّنا، يا ربّنا، يا ربّنا، يا ربّنا، يا الله.

اسقِ هذه القلوب كأس محبّتك، وزدنا بزيادة معرفتك. ولا يعرفك إلا من تعرّفت إليه سبحانك! أنت الذي لا يُماثله شيء، ولا يُشابهه شيء، ولم يكن له كفواً أحد، (وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). لا يعرفك إلا من تعرّفتَ إليه.

يا ربّنا، بين يديك والحال لا يخفى عليك، أكُفّ السؤال بك توجّهتْ إليك، متوسّلة بأحبابك المنظورين منك المحظوظين بالمنزلة عندك، أن تُكرِم أهل جمعنا بنور المعرفة. تعرَّف إلينا حتى نعرفك، وارزقنا نصيباً واسعاً من هذه المعرفة حتى ترسخ أقدامنا في حبّك.

اجعلنا محبوبين لك ولحبيبك محمد، ومن كان محبوباً لك ولحبيبك فهو محبوبٌ لأهل الحضيرة القدسيّة، وهو محبوبٌ لأهل مقعد الصدق، وهو محبوبٌ للنبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وهو محبوبٌ للملائكة المُقرّبين.

الدعاء لوجهة القلوب وتسليمها لله

فيا ربّ كلّ شيء، ما أعظم أن تُطلَب محبّتك! فيا من جمعتنا ووفّقتنا لطلبها لا تحرمنا، لا تقطعنا، لا تحجبنا، لا تؤخِّرنا، يا الله، لا تحرمنا خير ما عندك لشرّ ما عندنا يا الله، سُقتَ القلوب حتى أُوقِفَت بين يديك وطُرِحت عليك.

يا إلهي، يا إلهي، يا عالماً بسرِّي وظاهري وباطني، يا مُطَّلعاً على سريرتي، يا من هو أعلم بي مِنّي، يا من هو حسبي، يا من هو ملجأي، يا من أحاط علماً بكلّ شيء وهو على كلّ شيءٍ قدير.

 ارحم هذه القلوب، يا ربّ، يا ربّ، لا ترمِ بشيءٍ منها إلى قذارة المعصية، يا ربّ، يا ربّ، يا ربّ، لا ترمِ بشيءٍ منها إلى غفلة القسوة، يا ربّ، لا ترمِ بشيءٍ منها أن يتسلّط عليها عدوّك، أو يتسلّط عليها هوى أو دنيا أو شيطان أو نفس.

يا مُقلِّب القلوب، يا مُقلِّب القلوب، يا مُقلِّب القلوب، اقبل هذه القلوب، واجعل وِجهتها إليك في تبعيَّة إمام المتوجّهين إليك، حبيبك محمد، سيّد من قال بالحقّ وأحقّ من تحقَّق بحقيقة: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ).

ومِن ذرّةٍ مِن سرّ توجّهه قال الإمام العارف بالله الحسن بن صالح البحر: "وإذا قُلتَ: وجّهتُ وجهي للذي فطر السماوات والأرض، لم يبقَ لك مطلبٌ في الأرض ولا في السماوات"، توجّهت لفاطر السماوات والأرض، ماذا بقي لك في الأرض والسماوات؟ أنت فوقها!

(وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ) قال سيّدنا: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

ونحن أسلَمنا بعدك، وأسلَمنا وراءك، وأسلمنا بواسطتك لله ربّ العالمين، (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ)، يا سيّدنا، إنّنا من أتباعه، يا إلهنا، جعلتنا فيمن يعشق اتّباعه، وفيمن يرغب في اتّباعه، اللهمّ اجعلنا من أهل اتّباعه حقيقة.

اللهمّ واجعل هذه الوجوه يأخذ بها بيده الكريمة فيُسلِمها إليك، (قُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) أي: وجه كل من اتّبعني أسلمته لله! وإذا حمل الأمين وجهك فأسلمه لربّك ما أسعدك! ما أسعدك! سعادة لا حدّ لها ولا غاية، ولا فناء لها ولا نهاية، تزداد أبد الآباد وأمد الآماد، من غير انقطاعٍ ولا نفاد.

فمن يُكرَم في هذه الليلة والمائدة مبسوطة أن يُقبَل فيُسلَم وجهه، من قِبَل يد الأطهر ويد الأنور ويد الأكبر ويد الأنظر ويد الحبيب الأكبر ﷺ، فيُسلِم وجهه لله. والصِّنف الأوّل الذي ذكرناهم من الذين حضروا مُخلصين القصد له جلّ جلاله، لوجه أولى أن يُستلَم منهم الوجوه لهذه اليد فيُسلَموا لله، ومن حصل له ذلك ما أهناه! ما أطيَب عيشه في دنياه وعند الوفاة، وفي البرزخ وفي مواقف القيامة وفي دار الكرامة، وفي ساحة النظر إلى وجه الله الكريم!

نداء لإدراك عطايا الله

عن ماذا تُحدَّثون؟ بماذا تُذكَّرون؟ أيّها الحاضرون؟ هل أنتم هنا؟ هل قلوبكم هنا؟ هل أرواحكم هنا؟ أيّ أبوابٍ تُفتَح؟ أيّ موائد تُبسط؟ أيّ خزائن تُفتَح؟ خُزِنَت لمحمد وتُفتَح في مجامعنا، وتُفتَح في مجالسنا، الفتّاح يفتحها، بالفضل والإحسان من حضرته!

أين تغيب؟ أين تنقطع؟ أين ترمي بنفسك؟ كيف تُحرم نفسك؟! هذه العطايا، هذه المزايا، هذه المِنَح! سارَ من قبلكم على مدى القرون للظفر بمثل هذه الساعة مسيرة أسابيع وأشهر، بل مسيرة سنوات، حتى يُدرِكوا مثل هذه الساعة.. تأتيكم صَفحاً عَفواً، كيف يغفل قلب أحدكم؟ كيف يغفل قلب أحدكم؟ كيف يفتُر وِجهة أحدكم وعزم أحدكم؟! 

إلى الله، إلى الله! (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ). فرّوا من هذه الأقفاص، فرّوا من هذه الأحباس، فرّوا من هذا الضيق، فرّوا من هذا القفص الكونيّ الخَلقي، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).

(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ). يا الله، يا الله، بارك لنا في هذا الذهاب، (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

يا ربّ، عليها نحيا وعليها نموت وعليها نُبعث إن شاء الله، يا ربّ، لعبت بنا نفوسنا في ماضي أعمارنا، فاجعلنا من هذه الليلة وفي هذا العام وما بعده صادقين معك، محفوظين من أن تُلبِّس وتُدلِّس علينا نفوسنا أو شياطين الإنس والجنّ، أو رونق وخضرة الحياة الدنيا! لا نغترّ بشيءٍ من ذلك يا ربّ، ولا نلتفت لشيءٍ من ذلك. 

دعاء وتضرع إلى الله

يا مُقلِّب القلوب، يا مُقلِّب القلوب، يا مُقلِّب القلوب، هذه القلوب بين يديك، والحال لا يخفى عليك، ربّ وما المتكلّم إلا العبد الأقلّ الأضعف، المسكين الأحقر، المذنب المُقصِّر، وجودك وكرمك جعل المجمع وقيادته بيد الأكابر إلى أعظمهم فلك الحمد! لك الحمد، لك الحمد، وما يكون حمدنا! وما يكون حمدنا عند واحدةٍ من نعمك؟ فكيف بنعمك كلّها؟ فكيف بك أنت المُنعِم؟ فكيف بك أنت المُنعِم؟ يا الله، يا الله، لك الحمد ولك الحمد، واحمد نفسك عنّا، واحمد نفسك عنّا بما أنت أهله، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

اجتمع الأرض والسماء والبرزخ والحياة، والظاهر والباطن والغيب والشهادة، في ساعةٍ مباركة، يُدخَل فيها من يُدخَل إلى دائرة الاقتراب، وَجُود الله السكّاب وعطاء الرحمن الوهّاب الذي يُعطي ولا يُبالي بغير حساب.

إنّه الله، إنّه الله، إنّه الله يا أحبابي، إنّه الله يا أصحابي، إنّه الله يا من يسمعني، إنّه الله! (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

إنّه الله، إنّه الله، إنّه الله!

الدعاء بالنصرة

يا الله، اجعلني وجميع الحاضرين والسامعين جنداً لك، موفين بعهدك، ظافرين بمحبّتك وودّك، ننصرك وننصر رسولك بأرواحنا وأموالنا وأعضائنا وقواتنا وكلّ ما آتيتنا، على خير الوجوه وأكمل الوجوه وأحسن الوجوه، وأحبّها إليك وإلى رسولك.

يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، حتى يكون كُلٌّ منّا مفتاحاً للخير مغلاقاً للشرّ، سبباً لخير الأُمّة، سبباً لكشف الغُمّة، سبباً لانبساط الرحمة، سبباً لدفع النقمة، يا الله. 

مَن تدعون؟ مَن ترجون؟ مَن تُنادون؟ مَن تسألون؟ الله! سعِدتم بالله! فُزتم بالله! الله! ولولا فضله ما قدرتم تسألونه، ولا قدرتم تدعونه، ولا قدرتم ترجونه، ولا قدرتم تتضرّعون إليه، هو أعطاكم كلّ ذلك.

فيا منَ أعطانا كلّ ذلك أتمِم نعمتك علينا، واجعل ربطنا بحبيبك محمد لا ينحلُّ أبداً، يَقوَى في كلّ نَفَسٍ سرمداً يا الله، يا الله، يا الله، وعَجِّل بالفرج، وارفع الضيق والحرج، وقَوِّم كلّ مِعوَج، وافتح في الخير كلّ بابٍ مُرتج، يا الله، يا الله، يا الله.

طلب توجّه القلوب

توجَّهوا بالقلوب، عسى أن تتَّصل بقلوب، متّصلةٍ بقلوبٍ، في أعلى مراتب القُرب من علّام الغيوب، مُنزَّهة عن جميع العيوب، مقدامهم سيّدهم وإمامهم. 

وإنّ رسول الله من غير ريبة ** إمامٌ على الإطلاق في كلّ حضرةِ

وجيهٌ لدى الرحمن في كلّ موطن ** وصدر صدور العارفين الأئمةِ

فبما بينك وبينه يا الله انظر إلينا في مجمعنا، انظر إلينا في ساعتنا هذه. 

يا ربّ صفِّ هذه القلوب. يا ربّ نقِّ هذه القلوب، يا ربّ طهِّر هذه القلوب، يا مُقلّب القلوب والأبصار، ثبِّت قلوبنا على دينك.

بارِك لنا في مجمعنا يا من يسمعنا، بارك لنا في مسألتنا يا من ينظر إلينا، بارك لنا في دعائنا يا محيطاً بنا، يا من هو على كلّ شيءٍ قدير وقد أحاط بكلّ شيءٍ علماً، يا الله.

الدعاء للأمة

مَن فقدناهم مِمّن حضروا معنا الأعوام الماضية، اجعل اللهمّ لهم رفيع المراتب وجزيل المواهب، واربطهم بأطيَب الأطايب، وهَب لهم منك ما أنت أهله يا خير واهب. يا الله، وانظر إلى أهاليهم وأولادهم وقراباتهم، وسر بهم في خير سبيلٍ مع الأطايب.

يا الله، ومَن قضيت أجله في عامنا فأحسن له خاتمته، يا الله، وأطِل أعمارنا في طاعتك، واجعل كُلّ شهرٍ من أشهر هذا العام خيراً لنا من الشهر الذي قبله، وكلَّ أسبوعٍ من أسابيعه خيراً لنا من الأسبوع الذي قبله، وكلّ يومٍ من أيّامه خيراً لنا من اليوم الذي قبله، وكلّ ليلةٍ من لياليه خيراً لنا من الليلة التي قبلها، كُلّ ساعةٍ من ساعاته خيراً لنا من الساعة التي قبلها، وكلّ نَفَسٍ من أنفاسه خيراً لنا من النَفَس الذي قبله، يا الله.

وأرِنا أثر ذلك في صلاح الأُمّة، وفي كشف الغُمّة، أرِنا يا ربّنا في أُمّة حبيبك محمد في عامنا هذا ما تقرّ به عين حبيبك محمد، أرِنا يا ربّنا في أُمّة حبيبك محمد، في عامنا هذا ما يُسرّ به قلب نبيّك محمد، اللهمّ اجعله من أبرك الأعوام علينا وعلى جميع أهل الإسلام، يا ذا الجلال والإكرام.

وتُب على كلّ حاضرٍ منّا، وكلّ سامعٍ لنا، وكلّ مشاهدٍ لنا، وكلّ مُوالٍ لنا فيك، يا أرحم الراحمين، انظر إلى القلوب المُقبِلة عليك في المشرق والمغرب فاقبلها يا الله، واشركنا في إقبالها وقبولها، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين.

صُبَّ سحائب الجود الواسع يا كريم يا سامع، صبّاً يربطنا بالحبيب الشافع، تجتمع لنا به المنافع، ونرقى به إلى المقام الرافع، يا الله، يا الله. 

قولوا يا الله

قولوا: يا الله، ألِحّوا على الله، اسألوا الله، توجّهوا إلى الله، قولوا: يا الله، فهو يسمعكم، وهو ينظركم، وهو يرحمكم، وهو يتفضّل عليكم، وهو يجود عليكم، وهو يتجلّى عليكم، إنّه الله، إنّه الله، فقولوا: يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله، يا الله يا الله!

حَقِّقنا بحقائق معيّتك في كلّ حال، وأمتِعنا بالصالحين أهل الرعايات والعنايات والكمال، ووفِّر حظّنا من إمدادهم في جميع الأحوال، وبارك لنا في جميع الأيّام والليال، ولا تصرِف منّا أحداً إلا مقبولاً، وقد جعلت نصيبه من فيض عفوك ومغفرتك وإحسانك جزيلاً.

يا الله، يا الله، يا خير من يُدعى وأكرم من يُرتجى، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، فرِّج على المسلمين، يا أرحم الراحمين، وتوجَّهوا إليه جميعاً:

يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** يا أرحم الراحمين ** فرِّج على المسلمين

 

تاريخ النشر الهجري

05 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

30 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية