(363)
(535)
(339)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ ضمن سلسلة إرشادات السلوك في دار المصطفى، ليلة الجمعة 20 ربيع الأول 1447هـ، بعنوان:
نور الله وشموله ونصيب المؤمن منه في الدارين
الحمد لله جاعل الحياة القصيرة زاداً لحياة الأبد والدوام، لكل من أدرك الحقيقة ولبَّى نداء ذي الجلال والإكرام، فاقتدى. وما القدوة لهؤلاء الأنام إلا رسل الله الكرام، وكان خاتمهم وسيدهم -ونِعمَ الخِتام ونِعمَ الإمام- خير الأنام محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله. وبه عُزِّزتُم، وبه مُيّزتم، وبه رُفعتم، وبه توفَّر حظكم من رحمة ربِّ العرش العظيم وعطائه الفخيم في الدنيا ويوم القيامة، يقول نبينا صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة".
فحمدًا لربٍ خصَّنا بمحمدٍ *** وأخرجنا من ظلمةٍ وديَاجِرِ
إلى نور إسلامٍ وعلمٍ وحكمةٍ *** ويمنٍ وإيمانٍ وخير الأوامرِ
وطهَّرنا من فعل شركٍ وخُبثه *** وظُلمٍ وسوءٍ واقتحام الكبائرِ
فيَا ربِّ ثبِّتنا على الحق والهدى *** ويا ربِّ اقبضنا على خير ملَّةِ
و: ما الشجاعة إلا صبر ساعة. وما هي إلا أيام معدودة؛ الثابت فيها يَظْفَر، وقلبه وقبره يُنوَّر كلٌّ منهما، وله النور يوم القيامة (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
(رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
( رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
هذا النور العظيم الذي مركزه حبيب الله الرؤوف الرحيم صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله..
وأنت لمَّا وُلدتَ أشرقت *** الأرض وضاءت بنورك الأُفُقُ
ونحن في ذلك الضياء وذلك النـــــور وسبل الرَّشادِ نخترق
فضلاً من الله -تبارك وتعالى
هو النور المبين به اهتدينا *** هو الداعي لأقوم سبيلِ
أتانا داعيا بالحق يدعو *** إلى الإسلام بالقول الثقيل
فبادَرَ بالإجابة كل عبدٍ *** مطيعٍ للإله وللرسولِ
والله يجعلنا وأهلينا وأولادنا من المبادرين لطاعة الله والرسول، مجيبين ملبين لهذا النداء.
وأنكرَ كل ذي بغيٍ وكفرٍ *** وأعرضَ كل ختَّالٍ ضَلُولِ
وكلٌّ نال النتيجة..
ففاز المُقبِلون بكل خيرٍ *** وعُقباهم إلى الظلِّ الظليلِ
وخاب المُعرِضون وكان عُقبَى *** معاصيهم إلى الخزي الوبيلِ
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ) [طه:124-126]. أهل النور ما ينسون آيات ربهم، تدور على بالهم وأذهانهم، إن قاموا وإن قعدوا وإن مشوا وإن دخلوا وإن خرجوا، يتدبَّرون الآيات، ويقفون عندها، ويستنيرون بها (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:17-18].
وأهل هذا النور يطلبون الزيادة والإتمام، طول الأعمار، حتى تأتي الفائدة الكبيرة لهذا النور عند الخِتام، فيستمرون في طلب الاستزادة من هذا النور حتى في يوم القيامة، كما سمعتم في الآية يقول -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
وفَّرَ الله حظَّنا وإياكم من هذا النور.
قالوا لبعض المُحتَضرين الذين رأوه يتكلم معهم وإذا قالوا "لا إله إلا الله" يسكت، وإذ ضاق صدر بعض الحاضرين وقال: ما لك أنت؟ قل "لا إله إلا الله"! ما لك؟ قال: هذه الكلمة منعتني عنها نظرة حرام، ما أقدر أقولها، منعتني! أبعدَت من قلبه نورها! ولا عاد قدر ينطق بها عند الموت -والعياذ بالله تبارك وتعالى-! نظرة حرام! و: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس" المرجوم.
وهكذا الأسماع المنورة، وهكذا الألسن المنورة، وقد كانوا يقولون: كُلُّ كلام يخرج عليه كسوة القلب الذي منه برَز. تراها في كلماتِ المنوّر، في حروف كلماته ترى فيها النور (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35]. اللهم اهدنا لنورك، اللهم اهدنا لنورك.
نتوجَّه إلى الرحمن أن يُوَفِّر حظَّنا من هذا النور.. لا تدع أحداً في مجلسنا ولا من يسمعنا إلا نوَّرتَ قلبه يا الله، ونوَّرتَ عقله يا الله، نوَّرتَ فكره يا الله، ونوَّرتَ عينيه، ونوَّرتَ أذنيه، ونوَّرت يديه، ونوَّرت بطنه، ونوَّرت فرجه، ونوَّرت قدميه، ونوَّرت شعره، وبشره، ولحمه، ودمه، وعظمه، ونوَّرت لنا ولهم القبور، ونوَّرت لنا ولهم القبور، ونوَّرت لنا ولهم القبور، يا عزيزُ يا غفور، وفي يوم البعث والنشور وفّر حظنا من النور، واجعلنا في مرافقة وفي دائرة حبيبك المصطفى البَرِّ الشكور، يا بَرُّ يا شكور، يا عزيزُ يا غفور، يا من له الحُكْمُ والأمر يوم البعث والنشور، يا حيُّ يا قيوم يا قدير، يا سميع يا بصير يا لطيف يا خبير، يا عليُّ يا عظيم يا كبير.
يا الله: لا بات أحد مِنَّا إلا في نورك، ولا بقي باقي حياته إلا في زيادة من نورك، ولا لقيك في ساعة كتبت له أن يلقاك فيها إلا وهو في نورك، يحب لقاءك وأنت تحب لقاءه، يا كريم، يا رحمن يا رحيم، يا منَّان يا عظيم، يا ذا الفضل العظيم.
يا الله.. يا الله: نوراً من نورك تُنَوِّر به كل قلب من قلوبنا، وكل روحٍ من أرواحنا، وكل سِرٍّ من أسرارنا، حتى يَفِيض النور على دمائنا وعلى عظامنا وعلى لحومنا وعلى أبشارنا، وتُنَوِّر بالنور الكبير قبورنا.
يا الله.. يا الله.. يا الله: لا نور إلا نورك، ولا خيرَ إلا خيرُك، ولا هدى إلا هداك، ولا فضل إلا فضلك، فارحم عباداً أوقفتهم يا مولانا على أبواب كرمك، فمدُّوا أيديهم طمَعًا فيك وفيما عندك، متوجهين إليك بنور النور أن تُنَوِّرهم.. فنورنا، نور بصائرنا، ونور أبصارنا، ونوِّر أحوالنا، ونوِّر حالاتنا. إنك إذا أنعمتَ على عبدك بالنور فاض النور حتى على أثاثه ومتاعه ومسكنه، وحيثما يمضي وحيثما يمشي، فوفّر حظنا من النور يا نور، يا عزيز يا غفور، يا بَرُّ يا شكور.
يا الله.. يا الله.. يا الله: اجمع شمل المسلمين بعد الشتات، وجنِّبهم البلايا والآفات، ومن خُدِعَ فاتبع الأهواء والشهوات أنقذهم يا منقذ المتردِّين، يا مُدرِكَ الغريق في لُجَجِ البحار، أدرك أهل الإسلام في الشرق والغرب، أدرك أهل الإسلام واكشف عنهم كُلَّ كرب. يا الله: تدارك أهل غزة والضفة وأكناف بيت المقدس وفلسطين، وأهل الشام وأهل اليمن وأهل السودان وأهل العراق وأهل الصومال وأهل ليبيا وأهل المشارق وأهل المغارب من المؤمنين والمؤمنات، أغثهم يا مغيث بالغياث الحثيث، ورُدَّ عنهم شر كل خبيث، ونوِّرهم، وطهِّرهم، وقِهم الأسواء، وهبهم التقوى، وتولنا وإياهم في السِّر والنجوى.
يا الله.. يا الله: نسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود، والركع السجود، الموفين لك بالعهود، إنك تفعل ما تريد، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم، يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم اجعل في قبورنا نورا، وفي قلوبنا نورا، وفي أسماعنا نورا، وفي أبصارنا نورا، وفي شعورنا نورا، وفي لحومنا نورا، وفي دمائنا نورا، واجعل لنا نورا من بين أيدينا، ونورا من خلفنا، ونورا عن أيماننا ونورا عن شمائلنا، ونورا من فوقنا، ونورا من تحتنا، اللهم زدنا نورا، وأعطنا نورا، واجعل لنا نورا، واجعلنا نورا. يا الله.. يا الله.. يا الله، يا أرحم الراحمين..
ألا يالله بنظرةٍ من العين الرحيمة *** تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة
ألا يالله بنظرةٍ من العين الرحيمة *** تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة
23 ربيع الأول 1447