عجائب تصريف الأقدار وأنموذج القرن الخامس عشر وشرف إرادة القلوب وجه الإله العظيم

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة الداعية العلامة الحبيب عمر بن حفيظ، ضمن سلسلة إرشادات السلوك، ليلة الجمعة 23 ربيع الأنوار 1443هـ في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى بتريم، بعنوان:

 عجائب تصريف الأقدار وأنموذج القرن الخامس عشر وشرف إرادة القلوب وجه الإله العظيم.

 

نص المحاضرة:

 

بسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيم 

الحمد لله على إشراقاتِ أنوارِ طه صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن والاهم صلوات دائمات لا تتناهى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل النهى، وآلهم وأصحابهم ومَن تبعهم فائتمَر بأمرهم وعن نهيِهم انتهى، وعلى ملائكةِ الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ونسأله أن يباركَ لنا في خاتمةِ شهر ذكرى ميلاد نبيِّه المصطفى وحبيبه المجتبى "محمد بن عبدالله" الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير البشير النذير.. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه؛ بركةً يدفع بها الآفات عنَّا وعن الأمة، ويكشف بها عنَّا وعنهم كُلَّ غُمَّة، ويبسط لنا بساط الجود والرحمة، ويهيئ مِنَّا القلوب لتعِي سِرَّ خطابه؛ فتقتدي بحبيبه، وتتخلَّق بأخلاقه، وتتأدب بآدابه، وتدخل في دائرته ورحابه..

وهل مِن دخولٍ إلى الرحمن إلا مِن بابه؟ صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأهل حضرة اقترابه من أحبابه..

وهذه البركة المسؤولة مِن الحق -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه- التي ننتظر سَنَاهَا وإشراق ضِيَاهَا ومعانيها تَبرُز في وجهاتِنا ونيَّاتنا، وفي أقوالِنا وأفعالِنا، وفي أحوالِ أهالينا وأسرِنا، وفي شؤون معاملاتنا مع الحقِّ ومع الخَلْق؛ حتى تتطَهَّر بطهارة القلوب الأجهزة والأجساد والدواليب والمسموعات والمنظورات.. تتطهَّر الديار، وتتطهَّر الأُسَر من تبعيات الفُسَّاق والفُجَّار وأنواع الظلمات القاطعة عن إدراك وعي الخطاب وفهم سِرِّ الكتاب وبلاغ عالي الجناب صلوات ربي وسلامه عليه.

وهذه القواطع التي تقطع عن إدراكِ هذه الشؤون الرفيعة العليَّة التي بها اعتلى السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وبها اعتلى أتباع الأنبياء من قَبلهم مِن آلهم وصحابتهم،وبها اعتلى وارتفع شأنُ عترةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبها اعتلى وارتفع شأنُ العلماءِ العاملين والعارفين المقرَّبين الصدِّيقين؛ مِن أسرار خطاب الله ووحيه، من أسرار بلاغِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وتعليمِه وإرشاده؛ لمَّا انفتحَت لها صدورهم ووعَتها عقولُهم وأدركتها قلوبُهم وتروَّحت بها أرواحُهم وتَصَفَّت بها أسرارُهم نالوا وحازوا ما كُتِبَ لهم مِن مراتبِ الشرفِ الأفخرِ الدائمِ الخالد المؤبَّد؛ شرف رضوانِ الرحمن، شرف القرب منه، شرف المعرفة بالإله -تعالى في علاه-، شرف المحبة منه والمحبة له -جَلَّ جلاله وتعالى في عظمته-..

سبحانَه مِن إلهٍ كريم، سبحانَه مِن رَبٍّ عظيم، سبحانَه مِن رحمنٍ رحيم.. أحبَّ محمدًا محبةً أوجَبَت وقَضَت ببقاء أنوارِه متلألئةً في القلوب، على قرونٍ متوالية ومتتالية قرناً بعد قرنٍ إلى أن جاءنا القرن الخامس عشر من هجرة خير البشر صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله..

وها نحن في القُربِ على انتصافِ هذا القرن من قرون هجرةِ مَن أُنزِلَ عليه القرآن محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وفي كُلِّ ما جرى مِن أول هذا القرن إلى الآن نرى حكمةَ الدَّيَّان والرحمن فيما يَجرِي من شؤون العباد؛ شؤون يُبديها في خَلْقِهِ ولا يبتديها قد سبَقَ بها القضاء والكتاب، وتأتي على ما قدَّرَ رَبُّ الأرباب ومُسَبِّبُ الأسباب -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-. وفي طَيِّ ذلك عجائب وغرائب وقَعَت فيما ظهر من أفكار، وفيما ظهر من اتجاهات، وفيما ظهر من أقوال ومقالات نُشِرَت هنا وهناك وفيها كثير كفرٌ وإلحادٌ وفسوقٌ وعصيانٌ، وفيما انتشر من حروب، وفيما انتشر من كروب، وفيما حَدَثَ مِن زلزلات ومِن فيضانات، وغرائب وقَعَت في كُلِّ ذلك في أنحاء العالم -والعالم كلُّه محكومٌ بحُكمِ الحيِّ القيُّوم سبحانه وتعالى، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم-

وفي كُلِّ ذلك نرى مِن أول القرن إلى الآن الأديانَ المختلفة في العالَم أكثرها ازديادا الإسلام، وأكثرها انتشاراً الإسلام، وأقواها صلابةً وأركاناً الإسلام، وتتنوَّر قلوب وتخرج من الكفر إلى الإسلام، وتُنِيبُ قلوبٌ من قلوبِ المسلمينَ المُصَابَة بالغفلات والجَهَالات والضلالات والصفات المذمومات فتعودُ إلى طلب صفائها ونقائها عن غِشِّها وكدورتها وظُلُماتها -وهذا حاصلٌ هنا وهناك-

هذا الأمر الحاصل أسبابه الظاهرة قليلة ووسائله البارزة يسيرة.. فمن وراء هذا؟

فمن وراء هذا؟

وبقيَّةُ الأشياء التي ذكرناها وسائلُها كثيرة، وأسبابُها قوية، ووراءها خِطَط وأفكار وبذل وتضحيات كثيرة لنشرِ أنواع الفساد، نشرِ أنواع الضُّر، نشر أنواع الظُّلمَة فِكرَاً واعتقاداً وسلوكاً، وتصوُّرَاً عن الأشياء، ومعاملة، وراءها ما بين مؤسسات ومنظمات ووزارات ومؤتمرات واتجاهات وحركات من ذا ومن ذاك..

لكن هذا الانتشار إلى الإسلام وظهوره وبروزه وعودة القلوب لطلبِ صفائها مِن الرَّب.. مَن وراءه؟

{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}

ومع ذلك فإنه تعالى رتَّبَ ذلك على ما ذكرنا من أسباب قليلة ووسائل يسيرة؛ لكنها قلوبٌ حازَت معرفةً بالإله، وتذلَّلَت لعظمته، وهبَّت للوفاء بعهده، وامتلأت رحمةً وأَلَمَاً وحسرةً على الأمة، وبذلَت ما في وسعِها، ونادَت مُقَلِّبُ القلوب؛ فبارَك فيها ومسعاها، ونسبَ هذه الخيرات إلى أهلها..

(...فطوبى للغرباء الذين يحيُون ما أمات الناس من سُنَّتِي)، و: (طوبى لعبدٍ جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر)، و: (لا تزال طائفةٌ مِن أمتي ظاهرين على الحق لا يضرُّهم مَن ناوأهم حتى يأتي أمرُ الله وهم ظاهرون)

ولِيَلحَق بالرَّكبِ المبارك مَن سبَقَت له سابقةُ السعادة ومَن أراد اللهُ أن يكون مآلُه الحسنى وزيادة، وليَنفَض يدَيه مِن أنواع دعواتِ الشَّرِّ -بأصنافها- كُفرَاً وفسوقاً وعصياناً وتطاولاً وعنادا، وانقطاعاً في فهمِ الكتاب والسنة عن السَّنَدِ السديد والمنهج الرشيد والأساس القويِّ الذي به يُفهَم خطابُ الحق ويُدرَك معاني بلاغات عبدِه الأصدق سيدِنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.

بل ينبغي أن نُعِدَّ لذلك ونُهيئ أسرَنا وأهلَنا وأولادَنا لإجابةِ دعوةِ الله ودعوة رسوله، ولا نكون أقلَّ هِمَّةً وعَزْمَاً وحُسنَ بلاغٍ بيقينٍ من الجنِّ الذين استمعوا ما قرأ رسولُ الله مِن وحيِ الله فرجعوا إلى قومِهم منذرين {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ}

ولنُنَادِي أنفسَنا وأهالينا وأسرَنا وأصحابَنا: {أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}.

فأنتم على مقربهِ زمانِ المخاضِ للأحداث في العالم تُحَوِّلُ مَن في العالم إلى معسكرين اثنين لا ثالث لهما؛ فسطاطان كما ذكر سيدُ الأكوان؛ فسطاطٌ كلُّه إيمان لا نفاقَ فيه، وفسطاطٌ كلُّه كفرٌ لا إيمانَ فيه.. كلُّه نفاق، ستُقبِلَ على الناس هذه المرحلة، وبحسب التهيؤ ستكون الأُسَر والأولاد  في احدى الفسطاطين..

ولكن مِن أوجب ما يجب الحذرُ منه: أن تترك أسبابَ ووسائلَ تتحوَّل بها زوجتُك وأولادُك إلى الفسطاط الخبيث! إلى فسطاط الكفر! بشيءٍ مِن كدرِ الفكرِ واعوجاجِه، وبشيء من سوء الاعتقاد، أو بشيء من استحلاء محرمات حرَّمها الجبَّار -جَلَّ جلاله-، أو بفسحِ المجال بسوء ظَنٍّ في القلب لأصفياءَ لهم عند الرَّبِّ منزلة؛ فسوء الاعتقاد فيهم مِن أقوى أسباب الوقوع في الكفر والبُعد عن الهدى -والعياذ بالله تبارك وتعالى-

فاحذر مِن هذه الأسباب في كُلِّ فردٍ مِن أسرتِك وأصحابِك وأصدقائك، وأعلم أنَّ الله ناصِرٌ محمداً ومُظهِرٌ ما أرسلَه به من الهدى على رغمِ كلِّ مَن كفَرَ وجحدَ وعانَدَ وكذَب واعتدى -كائنا مَن كان-. إبليس وجنده إنهم لن يعدو قدرَهم، وإنَّ لهم حدوداً فيها ضلالُهم وكفرُهم ولن يتعدَّوها، وإنه لا زال القرآنُ بيننا فلا يحلم عدوُّ الله ومَن دخل في صِّفه أن يقطعوا عنَّا حقائقَ الاتصال بالله وأن يتحوَّل عمومُ المسلمين إلى كفار أو أن يعبدوا غيرَ الله -جَلَّ جلاله وتعالى في علاه-

وإنَّ بينهم وبين مَن يبقى على ظهر الأرض كفار لا إسلام فيهم، لوعد جبَّارِ قهَّارِ يَقصِم ظهورَهم، ولن يستطيعوا دفعَه، ولا يمكنهم أن يمنعوا وقوعَه بكُلِّ ما عندهم..

هل تعرف بكُلِّ ما عندهم؟

يا صاحب الهيبة من الطيارات يا صاحب الهيبة من الأسلحة، يا صاحب الهيبة من الخِطَط: كُلَّ ما عندهم لا يستطيعون على دفعِ هذا المُقَرَّر المُقَدَّر من قِبَلِ العليِّ الأكبر.

وإن بينكم وبين ذلك لزماناً سيظهر فيه مهديُّ الأمة وينزل فيه عيسى بن مريم. وإنَّ بينكم وبين هذا وقتاً لا يبقى بيتٌ من بيوت الأرض إلا ودينُ محمدٍ داخلُه وحاصِلٌ فيه -على الإطلاق- من شرقِ الأرض إلى غربها. وجميع خططِكم لا تستطيع أن تُوقِفَ هذا الواقع ولا أن تمنعَه ولا أن تقطعَه ولا أن تُبَدِّله ولا أن تُغيّره؛ من وعد وقول مَن لا يُبَدَّل القول لديه وما هو بظلام للعبيد -جَلَّ جلاله-

فيَا مَن بَقِيَ في قلبه مثاقيل ذرٍّ من إيمان: اِنهَض وقُمْ، واغنم أن تدخلَ في ميدان جُندِيَّةٍ للرحمن لتكون وأسرتُك ومَن معك إذا انقسمَ الناس إلى فسطاطين في فسطاطِ إيمان لا نفاقَ فيه ولا كفر فيه أبدا.

فإننا قبل ذلك الوقت وفي السنوات التي مضت علينا -سواء في هذا القرن أو مِن أواخر القرن الذي قبله- اختلطت الأوراقُ بالناس، واشتبهت كثيرٌ من الأحوال والقضايا والمسائل، ودخل هذا في هذا وهذا في هذا، وافتُرِق ميدان هذا وميدان هذا، وصاح الناسُ بأنواعٍ من الهِتَافات.. ولكن كُلُّ هذه الفوضى ستنتهي وسيُشرِق نورُ الإسلام، ويبقى معسكر وفسطاط إيمان خالص بشهادة أصدقِ مخلوقٍ نَطَقَ بالحق، قال عنه ربُّه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

فلتأخذوا زادَكم مِن شهر ربيع الأول وخواتيمِه بـــوجهاتٍ صادقة إلى عالمِ السرِّ وأخفى، المُطَّلِع على سرائركم ومستكنِّ ضمائرِكم وما يخفى في بواطنِكم -جَلَّ جلاله- مِن إرادةِ وجهِه.

تعلَّموا شريفَ هذه الإرادة في مثلِ هذه المجامع التي فيها مَن أشار الحقُّ إليهم في عهدِ نبيِّه أن يُجالسَهم وقال له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}

يا مؤمن: استحضرِ الإراداتِ في العالم.. وماذا تريد قلوبُ الناس؟ وأكثرُهم في الحطام وأكثرهم في الحقيرات والفانيات.. التي تريد الأموالَ كثير، التي تريد الملكَ كثير، والتي تريد الفسادَ كثير، والتي تريد الشهواتِ كثير، والتي تريدُ المباني كثير، والتي تريد السياراتِ كثير، والتي تريد الطائرات كثير.. لكن القلوب التي شَرُفَت وعَظُمَت واعتلَت فصارت تريد "وجهَ ربِّ العرش العظيم" الرحمن الرحيم مالك المُلك مَن بيده الملك -تريد وجهَه- جليلة.. جليلة وإن كان تعدادُها قليلة؛ لكنها الجليلة، ولكنها الشريفة الرفيعة العزيزة، وسيضمُّ الله إليها قلوبًا ليجعلَهم جنوداً له وأنصارا للمهديِّ وأنصاراً لعيسى بن مريم (ليجدنَّ ابن مريم في أمتي قوما مثل حوارييه وخيرا من حوارييه).

فالسِّباق..!

إن كان هناك مسابقات تُعرَض في العالم فلن يستطيع حكومة ولا هيئات ولا أحزاب ولا وزارات أن تَعرِض عليكم أشرف من هذه المسابقة ولا أغلى.. قَطُّ قَطّ، والله العظيم كلُّ مسابقاتِهم دون وأكثرها هون!

ومَن أراد أن يُسَابِق فالسِّباق..

{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}

فالله ينظر إلى قلوبنا، ويجعلها في هذه الميادين الرفيعة مُسَابِقِة وبأهل السَّبقِ والقُربِ لاحقة، وللطغيان والكفر والظلمات مَاحِقَة.

يا الله.. لا تدع قلباً في مجمعِنا ولا قلباً ممَّن يسمعُنا إلا جُدتَ عليه ونظرتَ إليه وأكرمتَه بسَبَبِيَّةِ اللحاقِ بذاك الفسطاطِ الكريم والدخولِ مع محبوبيك مِن المقرَّبين إليك أهلِ الحَظِّ العظيم يا عظيم.. يا الله ..

اسألوا الله، وألحِّوا إلى الله، واطلبوا الله، وتذلَّلوا لله، ونادوه -تعالى في علاه- وقولوا للرحمن: يا رحمنُ لا تُخَلِّف مِنَّا أحدا، واجعلنا في خواصِّ أهلِ الهدى.

يا كريم نشرتَ لنا بيعتَك العجيبة في كتابك: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ} فمَن نجد خيراً منك نبيعُه أو يشتري مِنَّا!

وسبحانك! نَسَبْتَ شِراءً مِنَّا وأنت خالقُنا ومالكُنا ومالكُ أموالنا ومالكُ أرواحِنا وأنفسِنا وقلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} وهم وأنفسهم وأموالهم ملكُك! ولكن تنزُّلك، وتفضُّلك، وتطوُّلك؛ جعلتَهم بائعين -وماذا عندهم؟ هم مِن جملة مُلكِك!- وقَبِلتَ منهم، ووعدتَهم بثمنٍ لا يُبلَغُ مَدَاه، وأبيتَ أن تُحِيطَ بما فيه مِن نعيمِك نَفْسٌ لِمَلَكٍ أو إنسي أو جني أبدا وقلت {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم} لسرٍّ واحد أنك أنت الذي أخفيتَه أنت الذي أعددتَه وأخفيتَه لهم فمن يطَّلِعُ عليه!

{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

اللهم اجعلنا منهم، وأدخِلنا فيهم يا الله..

يا ربَّنا: في ليلة الجمعة هذه -وربما بقيت في آخر ليلة الجمعة الآتية- لا تنصرفان عنَّا إلا وكل قلبٍ منك أكرمتَه بإرادةِ وجهِك، بإرادة وجهِك، بإرادة وجهِك.. يا الله.. يا الله

والذي على بيِّنة من ربِّه وجاءنا أمرُه الله أن يعلنَها بينَنا وأن يقول -وهو أوجه مَن توجَّه وأصدق مَن توجَّه-: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ..} سيدنا يقول لنا {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} وهو والله أول المسلمين.. قبل ما أحد يُخلَق حتى يُسلم غيره هو أول المسلمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.

ونحن مِن بعده نقول ونحن مِن المسلمين، وأنا من المسلمين..

 حَقِّقنا بحقائق الإسلام..

ربِّ: عَطِيَّة مِن عطياك لا يبقى به قلبٌ مِنَّا إلا أكرمتَه بإرادةِ وجهِك، صادقاً، مخلِصَاً، موقِناً، مُقبِلاً، مقبولا، بالعفوِ مشمولا، يا حيُّ يا قيوم.. يا الله، محمولا إلى حظائر قُربِك، محفوفاً بعنايتِك وحُبِّك.. يا الله.. يا الله..

يا أيُّها الإنس والجن: لو سعيت ما سعيتَ لتدرك ساعة تُطَلَبُ لك بهذه الدعوة من قِبَلِ الرحمن ويُتوجَّه بك إلى الرحمن لكان ما سعيتَ من أبعد الأماكن وما بذلتَ من كُلِّ الغاليات قليلٌ ورخيصٌ أمام هذه الدعوة.. فلعله أن يقبَل..!

فَوَعزِّتِهِ إن قبلَها فيك ما أسعدك! وما أكرم مكانَك! وما أعظم شأنَك! لا بنفسك ولكن بتفضُّلِه، وبكرمِه هو -جَلَّ جلاله-

اللهم لا تحرِمْنا هذه الخيرات ولا تحُل بينَنا وبين هذه العطيات الربانيات الرحمَانِيَّات بوجاهةِ خيرِ الوجاهات؛ بالوجاهة المُحَمَّدِيَّةِ الأَحْمَدِيَّةِ المُصطَفَوِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ الرَّسُولِيَّةِ؛ وجاهةِ عبدِك المصطفى وحبيبِك المنتقى، وشفيعِك المبتغَى، سيدِ أهلِ الأرض وسيدِ أهل السماء.. صلِّ وسلِّم عليه صلاةً تُجيبُ بها دعاءَنا، وتُحَقِّق بها رجاءَنا، وتُصلِح بها شأنَنا، وتُشَيِّد بها بتقواك بُنيَانَا، وتدفع بها البلاءَ عن يمنِنا وشامِنا وشرقِنا وغربِنا، وتُحَوِّل الأحوال إلى أحسنِها يا محوِّل الأحوال..

يا الله .. يا الله ..

رُدَّ عنَّا ما أراد أعداؤك مِن مكرٍ وزيغٍ وإضلالٍ وإفسادٍ وشَرٍّ وإهلاكٍ بقوَّتِك يا قويّ، وقدرتِك يا قادر، ورحمتِك يا رحمن.

يا الله نسترحمُك فارحمنا، نستهديك فاهدِنا، نسألكَ فلا ترد مسألتَنا، نرجوك فلا خيَّبتَ رجاءنا..

يا الله..

بحبيبِك وبما بينَك وبينه اجعل الدعوةَ مُجابة في كُلِّ قلبٍ مِنَّا، وقلوبِ أهلينا ومَن في ديارِنا، ومَن يسمعُنا ومَن في ديارهم.. يا الله أكرِمها بأن تصدقَ في إرادةِ وجهِك.. يا الله، يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين..

يا الله.. يا الله .. يا الله

يا توَّاب تُبْ علينا ** وارحمنا وانظر إلينا

للاستماع إلى المحاضرة:

للمشاهدة:  

العربية