شأن الأسر وتقويمه بالاتصال بالملأ الأعلى والصديقين

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المجلس الأول من مجالس الدعوة إلى الله في شعب النبي هود عليه السلام، ضمن محاور ( تقويم الإيمان وتقويم السلوك) ، ليلة الأربعاء 6 شعبان 1446هـ بعنوان: 

شأن الأسر وتقويمه بالاتصال بالملأ الأعلى والصديقين

لتحميل المحاضرة مكتوبة (نسخة إلكترونية pdf):

https://omr.to/dawah46-1-pdf

فوائد مكتوبة من المحاضرة:

https://omr.to/dawah46-1f

نص المحاضرة:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، جمعنا الله وإياكم في كل مقام كريم، ثبَّت قلوبنا وأقدامنا على صراطه المستقيم، إنه أكرم كريم وأرحم رحيم، إنه الله. 

الحمد لله الذي جمعنا نستمطر رحماته، ونتلقى عظيم إعطائه وإمداداته، مؤمنين به مُوَحِّدين له، ومتوجهين إليه بما أحبَّ وبمن أحب، بالإيمان واليقين والأعمال الصالحات، ومحبته ومحبة رسله وأنبيائه وملائكته، ومحبة الصالحين من عباده، محبة المؤمنين عامة وخاصتهم خاصة. توجهات إلى بارئ الأرض والسماوات، لولا تفضله علينا بتوجيهنا إليها ما توجَّهنا، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)، جل جلاله. 

فلك الحمد يا رب الأرضين ويا رب السماوات لما جمعتنا عليه من وجهة إليك مننت علينا بها، مؤمنين بأنبيائك ورسلك، وحدانا الإيمان؛ لأن نحب الأنبياء والرسل وأتباعهم، وأن نحضر هذا المحضر، وأن نزور هذا النبي المُقرّب الذي كرّرت ذكره على لسان نبيك فيما أوحيت إلى قلبه، وسميت في القرآن سورة باسمه، وسورة باسم الوادي الذي بعثته فيه، والموضع الذي أرسلته فيه، وقلت: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ).

اللهم أدم صلواتك على سيد الوجود عبدك محمد، من جاءنا منك بعظيم الألطاف، وكريم الإسعاف، والمشرب الهاني الصافي، وعلى آله وصحبه وأتباعه، وعلى النبي هود، وعلى آدم وشيث بن آدم، وإدريس ونوح وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومن بينهم من أنبيائك ورسلك، وآلهم وأصحابهم وتابعيهم، وعلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ومنكر ونكير ورقيب وعتيد ومالك ورضوان، وحملة العرش ومن حوله، وعلى ملائكتك المقربين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

معنى قيام الأسر على الصلاح

وكل من ذكرنا من الذين سألنا الحق أن يُصلي عليهم لهم اتصال بكل أسرة في بني آدم بل وفي المكلفين من الجن قامت على الصلاح، ومعنى قامت على الصلاح: وعت نداء الملك الفتّاح، وأصغت إلى نداء أصلح الصُّلّاح، سيد أهل الفلاح، وأيقنت وعملت وطبّقت ونفّذت، واستعدت للقاء وتهيأت.

أُسَر الصلاح هذه لرسول الله ﷺ بها صلة؛ من حيث دعوته، ومن حيث رسالته، ومن حيث اهتمامه، ومن حيث العرض عليه، ومن حيث ما يُرتجى من الورود على حوضه، حتى قال ﷺ: "تزوَّجوا الولود الودود فإني مُكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، صلاح أسركم مُتّصل بحوضي، والورود على حوضي، ومقام مكاثرة الأنبياء بالواردين على أحواضهم، فهو ﷺ حاضر مع كل أسرة صالحة بمعانٍ كثيرة، وهم -على قدر صلاحهم- حاضرون معه؛ في سننه وآدابه وتعليماته وتعلق قلوبهم به. 

حفظ الأسر من الدعوات الساقطة

ومن تعلقت قلوبهم بهذا الجناب صعب على الشيطان حرف قلوبهم للتعلق بالصور الخبيثة والوسائل الساقطة، والبرامج المنحطة والكلمات القبيحة السيئة، ودعوات أعداء الله وأعداء رسوله، التي يسمح بعض المسلمين -وهو يدّعي محبة الحبيب الأمين ﷺ- أن تدخل إلى بيته وإلى أسرته وإلى زوجته وإلى أبنائه وإلى بناته، في غفلة أو سكرة أو ذهول أو تراخٍ أو تغافل أو تكاسل أو إهمال أو تساهل، وبأي منها وصل السوء إلى محيطه فلا عذر له، وما كان ينبغي أن يُبرِّر لنفسه مُبرّرات يُضيع فيها حق الله في رعاية ما يدور في الأسرة، في رعاية ما يجري في الأسرة، في تقويم ما يكون بين الأسرة، فإنه لم يخلق هو الأسرة، ولم يخلقها له أرباب البرامج المُنحطة، ولم يَخْلُق أُسرته أَهلُ هذه الدعوات الساقطة. 

وسائل حماية البيوت من الشياطين

الخالق واحد اسمه الله! والله قال له مخاطبًا على لسان نبيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا..) احْمُوا وَاحْفَظُوا وَاحْرُسُوا (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) يعني بعض الأشياء التي تتساهلون بها تُدْخِل النار، فحامُوا على أُسركم من النار، حامُوا على أهليكم من النار، احرسوهم من النار، فكر الكفار يوصل إلى النار، الأخلاق المناقضة للمختار موصلة إلى النار، الإهمال للفرائض، الارتكاب للمُحرمات، الدوب على القطيعة؛ مصائب توصل إلى النار.

وخطاب الجبار الأعلى: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) والمعنى: يا من آمنتم بي: سُدُّوا قوى دُخُول الظُّلمات لعدوكم إبليس وجُنده من شياطين الإنس والجن عن حِمَى وحَرَم أسركم ودياركم؛ فإني أُرسِل إلى منازلكم ودياركم ملائكةً لي مُقرَّبين يُعينونكم على القيام بأمري إذا أطعتم واتّبعتم رسولي، بالسنة من سننه أكفّ عنكم كيد إبليس وجنده؛ إن أحدكم إذا ذكر اسمي عند دخول بيته مَنَعْتُ قرينه من الشياطين ومن معه أن يبيتوا تلك الليلة في ذلك البيت، ما كلّفتكم لحراسة بيتكم من هذا القرين إعداد قنابل ولا بناء خرسانات ولا قيام بشيء من الحواجز، اذكروني فقط، لا تغفلوا عن اسمي كما علمكم نبيي ﷺ، وإذا قرَّبتم عشاءكم فذكرتم اسمي منعت الشياطين أن يَمَسُّوا طعامكم، فكيف تغفلون عن هذه النعمة وتُمكِّنون أعداءكم من المبيت في بيوتكم والأكل من طعامكم؟ بتساهل، بغفلة، بإهمال، بعدم المبالاة؛ بأي نوع من الأنواع تخسرون، تخسرون أمرًا عظيمًا وشأنًا كبيرًا، أنا أحميكم وأحرسكم بِمُجرّد ذكر اسمي، فتبخلون على أنفسكم بذكر اسمي.

من جاء إلى البيت فقال: "بسم الله" قال الشيطان: لا مبيت لكم، القرين وجماعته يقولون اليوم ما نقدر نبيت وسط بيت الرجل هذا، فإذا قُدِّم العشاء فلم يقل بسم الله قال: تعشوا ولا مبيت، مدُّوا أيديكم، شاركوا في العشاء، واشردوا من بيت ذُكِر اسم الله عند دخوله، قال: فإذا لم يُذكر الله عند الدخول قال الشيطان: ثبَت المبيت، المبيت موجود هنا، أول خطوة، قال: فإذا قُرِّب العشاء فقال بسم الله قال الشيطان: ثبَت المبيت ولا عشاء لكم، لكن السرير اقعدوا فوقه وادخلوا، والغطاء تغطوا به وشاركوه في المبيت في بيته، فإذا دخل البيت فلم يَذكر اسم الله تبارك وتعالى وقُدِّم العشاء فلم يَذكر اسم الله قال الشيطان: ثَبَت المبيت والعشاء، الليلة الرجل مسعف لنا، تركنا نلعب ببيته ونلعب بأكله وعشائه، مقابل أنه نسي اسم ربه، بلَّغه حبيبه محمد ما اهتم! ما عظّم الأمر! ما قام بحقِّه، قال فإذا ذَكر اسم الله عند الدخول وذَكر اسم الله عند العشاء صاح الشيطان: لا مبيتَ ولا عشاء.

هذه الحروب أساس الحروب الظاهرة!

هذه الحروب التي هي أساسُ ما يجري من الحرب الظاهرة هذه، إنما حروبٌ بين الشر والخير، بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، وحروب تأتي من تلك الغفلات عن الله تبارك وتعالى، وإذا سمحنا للشياطين ووسَّعنا لهم المجال أن يحاربونا في أسرنا وفي تربيتنا لأسرنا، قَدَروا أن يبعثوا الحروب بيننا على التفاهات والمقاصد الساقطات الهابطات، وما كان يَشغل فُسَّاق القوم ومفسديهم على مدى القرون من جميع طغاتهم، شهوات وأهواء من أجلها فسدوا وأفسدوا، ضلُّوا وأضلُّوا، من أجلها قاتلوا وحاربوا. 

أول قتل وقع في بني آدم من قابيل لهابيل شهوة، شهوة وهوى! (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ)، هذه بداية القتل فينا، حتى لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلى يوم القيامة، إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ منها والعياذ بالله تعالى تبارك وتعالى؛ لأنه أول من سنَّ القتل! انظر في ماذا دهى نفسه بأي داهية هذا؟ دهى نفسه بأي داهية مسكين! اليوم تُقتل النفوس ظلمًا كل يوم، وكل يوم تسمعون.. ولذا قالوا اتفاق على عدم القتل أو رفع السلاح في غزة والقتل في الضفة الغربية! وفي غزة شوي شوي هكذا! لعب ونفس تُقتل ظلمًا كل يوم! ومسكين ذاك ابن آدم الأول، مثل إثمها مثل إثمها، إلى أين ودَّى نفسه في أي داهية؟ بشهوة، بهوى، بحسد، (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) والعياذ بالله تبارك وتعالى.

فكان بداية الفساد في الأسرة، ولكن الأسرة الطاهرة القائمة هرب، لم يستطع أن يجابه أباه ولا أن يقابل أباه ولا أمه بعد أن فعل الفعلة، والأسرة تنفي هذا الخبث ولا تُقِرُّه، فما استطاع إلا أن يرحل ويعيش وحيدًا بعيدًا فريدًا من مكان إلى مكان، حتى انقطع أثره من هذه الحياة وبقي إثمه الذي يُوصِل إليه الويل بعد الويل إلى آخر الزمان، والعياذ بالله تبارك وتعالى، (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

 

صلاح الأسرة بقدوتها

بوجود القرآن والذكر وسط البيوت يزداد الإيمان، وصِلة الملائكة تقوى بالأسرة، وصِلة الأنبياء كذلك، وصِلة من ذَكرنا من المقربين والصديقين، فكلهم يسرُّهم ويفرحهم أن تصلح أسرة، وأن يُذكر في البيت اسم الله ويتلى كتابه، ويُصلَّى على رسوله محمد ﷺ، ويُذكر النبيون فيه بالخير، وتقوم القدوات في أذهان الصغار والكبار أنهم أنبياء، والرسل سيدهم محمد ﷺ، وأنهم خُلفاء أنبياء فقط هم القدوة، لا شرقي ولا غربي، ولا عربي ولا عجمي، ولا إنسي ولا جني خالف الأنبياء لا قدوة له في فكر، لا يجوز الاقتداء به في خُلق، لا يجوز الاقتداء به في مشروع، لا يجوز الاقتداء به في أي شيء خالف فيه منهج النبوة، يكون من كان! القدوة للأنبياء وحدهم هذه أمانة خانها الكثير من أسر المسلمين، تعشعش في أذهان كثير من أبناء وبنات المسلمين أن القدوة واحد من الفُسَّاق، في أي جانب من جوانب الحياة، مُخالفًا فيه مناهج الحق تعالى وما أوحى إلى أنبيائه.

بل تسرب إلى أفكارهم - والعياذ بالله تعالى - ما لو صرَّحوا باعتقاده كان كفرًا، أن بعض نواحي الحياة لا دخل للأنبياء فيها، وليسوا بقدوات فيها وأنها هؤلاء أعرف بها! من المجرمين، من الفاسدين، من الفاسقين، أعوذ بغضب الله! أكان الله الذي خلق كل شيء يرسل الأنبياء ويجعلهم قدوات، ويجهل شيئًا، وينسى شيئًا، ويُخلِّف شيئًا؟ ماذا تقول أنت؟ بأي لسان تتكلم؟ أوحى إليك عدو الله هذا الوحي وقبلتَه! 

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) 

(وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) 

(مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله) 

 

نظام مُحكم كامل

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

ولسان النبوة تُنادي: "ما تركتُ بابًا من أبواب الخير إلا دللتُكم عليه وأمرتُكم به، ولا تركتُ بابًا من أبواب الشر إلا حذَّرتُكم منه ونهيتُكم عنه"، ونحن نشهد بذلك! كما نشهد للنبي هود أنه بلَّغ الرسالة بما أنزل الله على نبينا محمد وبلَّغنا؛ فنشهد أن نبينا محمدًا ما ترك بابًا من أبواب الخير إلا دلَّنا عليه وأمرنا به، ولا بابًا من أبواب الشر إلا حذَّرنا منه ونهانا عنه، في جميع المباحات وجميع المكروهات، وجميع المحرمات، وجميع الشبهات، وجميع السنن والمندوبات، وجميع الواجبات، ولا فعل يوجد في الأرض ولا سلوك إلا وهو تحت هذه الأحكام الخمسة: إما واجب مُجمَع عليه أو مختلَف فيه، وإما مسنون مُجمَع عليه أو مختلَف فيه، وإما مباح، وإما مكروه مُجمَع عليه أو مختلَف فيه، وإما حرام مُجمَع عليه أو مختلَف فيه، ولا شيء يشذُّ عن هذه الأحكام من جميع تصرفات المكلَّفين على هذه الأرض إنسًا وجنًّا، في الصناعات والزراعات، والطيران والبناء، والهندسة والكمبيوتر، وكل ما على هذه الأرض، ما شيء يخرج عن هذه النقاط الخمسة، ولا شيء، كله محكوم بشرع الله، إما واجب وإما مسنون مندوب، وإما مباح، وإما مكروه، وإما حرام؛ نظام شامل ونظام كامل، لا قصور فيه، ولا يستطيع أن يُدانيه فكر فرنسي ولا أمريكي ولا صيني ولا روسي، ولا شرقي ولا غربي، ولا عربي ولا عجمي. 

 

حماية حصون الأسر من عدوها

(قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ الله)، هذا الله هو الذي أرشدنا إلى حماية الأسر والمحافظة عليها، (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، وحذَّر تحذيرات واضحة في الكتاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ورغَّب أحسن الترغيب: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

فلا بد من القيام بهذه المحافظة على حصون الأسر، لا بد أن نحمي حصون الأسر من عدوها، وهو عدو الله، ومَن دخل في ركبه من شياطين الإنس والجن، بأفكارهم، بأخلاقهم، بصورهم، بكل ما يدعوننا إليه لننحطَّ ونخرج عن الدرجة القصوى العليا.

 

نتائج الشذوذ والخروج عن الطهارة

 رأيتم أنواع فشلهم في كل ما خالفوا فيه أمر الله، وحدّثوكم وعملوا ضجَّات وصجَّات في العالم، وحملات الدول الكبرى تحب توصلها إلى جميع الدول، فيما ذكروه من الخروج عن الفطرة مِن أصلها، من هذا اللواط والسحاق وأرادوا التقنين له، وبدأت آثار فشله في العالم الآن موجودة، يسكتون ساكتين والأمر ساقط، وكل ما خالف أمر الله لا بد يسقط، وضجَّات وكلام وحُريات ولا أدري أي شعارات يأتون بها؟ وبعد ذلك تضرُّ، تفسد، تُغيِّر، تُكدِّر حياة الناس، تُخرج بهم عن كل استقرار وعن كل معنى، ويفشلون فيها!

ولكن (وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).

فإذا جئتم ثُلَّةً مباركةً إلى الشعب المبارك تريدون تطهيرَ القلوب لكم ولأُسَرِكم ولمَن حواليكم، فقد قمتم بمهمةٍ في أمةِ النبي محمد ﷺ، تسألون الله تعالى ثباتكم على قدمِ الاستقامة بعيدًا عن مَن لم يُرِدِ الله أن يُطهِّرَ قلوبَهم، فلا يضرُّوكم ولا يغرُّوكم ولا يغوونكم! (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ). 

أسرار التربية في المربي الأكبر 

ألا قوموا بأمرِ الله وتجنَّدوا لله في مهمَّاتِكم في الأُسَر، وتربيتكم أنفسِكم وتربيةِ مَن حواليكم، وكما سمعتم، أسرار التربيةِ مكنوزةٌ في ذات المربِّي الأكبر الذي سمَّاه الله محمدًا ﷺ، ثم انتشرَت فما كان أعظم حظًّا منها مِن الأنبياء والمرسلين، فهم المؤتمَنون على التزكية من قِبَلِ الخلاق الذي يُزكِّي مَن يشاء، (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) على أيدي أنبيائه، ثم سَرَت من الأنبياء على يدَ وَرَثتِهم وعلى درجات، ولا بدَّ مِن الاتصال بهم لننال هذه التربيةِ وحقيقتِها، نوَّرَنا الله وربَّانا، وزكَّى قلوبَنا ونفوسَنا وطهَّرَها.

 

الدعاء بتصفية القلوب

يا ربِّ، انظُر إلى المجمَع ومَن لهم يسمَع، واجعَل كلَّ قلبٍ منهم مُنوَّرًا مطهَّرًا مصفًّى مُنقّى! فكم قد صفى قلب هناك لمذنب، في الساحة هذه كم من مذنب ورد وخرج من الساحة وقلبُه منوَّرٌ مُطهَّرٌ، بعيدٌ عن ظلماتِ الإثمِ والذنوبِ والسيِّئات، مُشرقٌ عليه نورُ الإنابةِ والطاعة والعناياتِ الربَّانيَّات.

فكم قد صفا قلبٌ هناك لمذنبٍ ** وكم زارَه حبر من الخلق الأولي

فيا ربِّ، وردنا مقتدين ومهتدين بهديِ نبيِّك الأمين وعبادِك الصالحين، مؤمنين موقنين مُوحِّدين، سائلين منك أن تنظرَ إلى هذه القلوب فتُطهِّرَها، في الآن والساعةَ، وقلوب مَن يسمعُنا، وقلوبَ مَن يواليِنا، وقلوبَ مَن في ديارِنا وديارِهم، ومَن في بيوتنا وبيوتهم، ومَن في قراباتنا وقراباتهم، ومَن في جيرتِنا وجيرتِهم.

يا مُقلِّبَ القلوب، يا ناظرًا إلى القلوب، يا مُتصرِّفًا في القلوب، يا مَن بيدِه أمر القلوب، قلوبُنا بين يديك، نقِّها يا منقِّيَ القلوب، طهِّرها يا مطهِّرَ القلوب، نوِّرها يا منوِّرَ القلوب، يا مقلِّبَ القلوبِ والأبصار ثبِّت قلوبَنا على طاعتِك، ثبِّت قلوبَنا على دينِك، ثبِّت قلوبَنا على محبَّتِك، ثبِّت قلوبَنا على محبَّةِ رسولِك وأنبيائِك ورسلِك، ثبِّت قلوبَنا على محبَّةِ مَن حبُّه يقرِّبُنا إليك وما حبُّه يقرِّبُنا إليك، نحبُّ بحبِّك النَّاس ونعادي بعداوتك مَن خالفَك مِن خلقِك، واجعَل كلَّ واحدٍ منَّا ومنهم جنديًّا لك، موفيًا بعهدِك، قائمًا بحقِّ العبوديَّةِ لك يا الله يا الله.

إدراك حقائق المجالس

ساعةَ الحضور في هذه المجامِع والمجالِس، والوجهةُ فيها إلى الله، لن تُدرِكوا حقائقَها إلا تبدو لكم أوائلها عند الغرغرةِ وما بعدَ ذلك، وإن أدركَت قلوبٌ شيئًا مِن شوارق خيراتِ الله فيها فذلك مقدِّمات، ولا تبدو بداياتُها إلا من عند كشفِ الستارة.

فيا ربِّ بارِك في مجمَعِنا، وانفَعنا بما جمعتَنا، ونوِّر قلوبَنا وطهِّرها، اجعل كلَّ واحدٍ منَّا قائمًا بحقِّك في أسرتِه وفي أولادِه، وفي نفسِه وذاتِه. يا حيُّ وفِّقنا لما تحبُّ، واجعَلنا ممَّن تحبُّ. يا قيُّوم أقِم فينا حقائقَ الدين، وارزُقنا إحياءَ سنَّةِ سيِّدِ المرسلين يا أكرمَ الأكرمين يا الله. 

إحياء القلوب ثمرة المجلس

عملٌ يسيرٌ، جئنا ونتوجَّه إليه سبحانه وتعالى، وكلُّه بتوفيقِه، ومع ذلك يُحيِي به كم من قلبٍ في الشرق والغرب، ومِن الإنس والجنِّ، له الحمدُ، له الحمدُ، الفضلُ فضلُه والأمرُ أمرُه، والحاضرين ربِّ لا تحرِم أحدًا منهم، يا ربِّ لا تقطَع أحدًا منهم، يا ربِّ لا تحُل بين أحدٍ منهم وبين عطائِك الوافرِ ومنِّك المتكاثِر، يا كريم يا غافر، اغفِر لنا ما مضى واحفَظنا فيما بقي، اغفِر لنا ما مضى واحفَظنا فيما بقي، حتى يطيبَ اللقي، نلقاك وأنت أنت أنت راضيًا عنَّا، نلقاك وأنت أنت أنت راضيًا عنَّا.

وزِد عبدَك محسن بن أحمد السري رضوانا وزِده وآمنه، وأحبابَنا ومَن انتقلوا إلى رحمتِك في أيامِنا هذه وليالينا أدخِل عليهم رَوحا منك وسلاما مِنا عليهم مع المصطفى والنبي هود والأنبياء سلام الله ورحمته وبركاته، وهيِّئ لهم شريفَ اللقاء في المنازلِ العلية، وفي يومِ القيامةِ في ظلِّ العرش، وعلى الحوضِ المَورود، وتحت لواءِ الحمد، وفي دارِ الكرامة ومستقرِّ الرحمة، يا أرحمَ الراحمين، وانظُر إلى أهالِيهم وأولادِهم وذُرِّيَّاتِهم، ونوِّر قلوبَهم وطهِّرها تطهيرًا، وانظُر إلى جميعِ مَن والانا فيك.

 

امتداد الأيدي بالدعاء

يا خيرَ مسؤول، يا أكرمَ مأمول، يا برُّ يا وصول، يا مرسِلَ الرسول، يا مجيبَ الدعاء، يا مَن لا يُخيِّبُ الرجاء، يا ربَّ الأرضِ والسماء، أيدي الفقراء وأنت الغنيُّ، أيدي الضعفاء وأنت القويُّ، أيدي العاجزين وأنت القادر، أيدي العبيد وأنت الإله السيِّد، أيدي الراجين وأنت المرجوُّ، أيدي السائلين وأنت خيرُ مسؤول، وعزَّتِك ما امتدَّت إلا بمنِّك وتوفيقِك وفضلِك، وبعدَ أن منَنتَ عليها بهذا لا تحرِمها الإجابة، وأن تعطيها فوقَ ما سألَت، وفوقَ ما أمَّلَت، وفوقَ ما طلبَت.

وقد مددت يدي بالذلِّ مفتقرًا ** إليك يا خيرَ مَن مُدَّت إليه يدُ

فلا تردَّنّها يا ربِّ خائبةً ** فبحر جودِك يروي كلَّ مَن يَرِدُ

 

نداء الله والتوجه إليه

يا الله، ومِن قلوبِكم توجَّهوا بالصدقِ إليه، وقولوا له وهو يراكم ويسمعُكم: يا الله، يا الله، يا الله، إنه إلهُكم، إنه ربُّكم، إنه خالقُكم، إنه المنعِمُ عليكم، إنه الناظرُ إليكم، إنه المحيطُ بكم، إنه المتجلِّي عليكم، إنه المحسِنُ إليكم، إنه الفاتحُ أبوابَ الرحمةِ لكم، إنه الله، إنه الله، إنه الله، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

أنتم بين يدَيه، وحالُكم لا يخفى عليه، فتوجَّهوا إليه، وتذلَّلوا بين يدَيه، وارغبوا في ما عنده، واطلبوا محبَّتَه وودَّه، وقولوا: يا الله، ما أعجبَها وما أطيبَها، تنادون بها مَن؟ وتخاطبون بها مَن؟ وتدعون بها مَن؟ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). 

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، أقرب إليَّ من حبلِ وريدي وأقربُ إليك من حبلِ وريدِك، قُربٌ مقدَّسٌ منزَّه، أكبرُ من كلِّ ما تتصوَّر، قُربُ الله! فإني قريبٌ، هو يقولُ لك هكذا ليُذَوِّقَك، ليُعلِمَك، ليكشفَ الحجابَ عنك، فإني قريب! قال لك: فإني قريبٌ. 

(فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) لا تجعَل فينا إلا مستجيبًا لك يا ربِّ، بالجمعِ ومَن فيه ارحَم جميعَ الحاضرين، واجعَلهم مجيبين لندائِك، ملبِّين لك يا الله، مجيبين لدعائِك، ملبِّين لندائِك يا الله.

(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) ارزُقنا من الإيمانِ بك ما يزدادُ في كلِّ لمحةٍ ونَفَس، حتى نرقى أعلى أعلى أعلى ذُرى علمِ اليقين وعينِ اليقين وحقِّ اليقين، يا أكرمَ الأكرمين، (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فاجعَلنا من الراشدين، وزدنا من فضلِك ما أنت أهلُه يا أكرمَ الأكرمين في لطفٍ وعافية.

 

تاريخ النشر الهجري

08 شَعبان 1446

تاريخ النشر الميلادي

06 فبراير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية