(236)
(536)
(575)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، بعيديد، مدينة تريم، 13 شعبان 1445هـ بعنوان:
واجب التطهُّر والتنزُّه عن صفات المقت وموجبات الحرمان واغتنام موسم ليلة النصف من شعبان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الرحمن، الكريم المنان، العزيز الديّان، مُكّون الأكوان، وجامع الخلائق ليوم القصاص بين كل قاصٍ ودان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالم السر والإعلان بيده ملكوت كل شيء، وإليه مرجع كل شيء، وهو الذي استوى في علمه ما أبطن الناس وما أظهروا وما أسروا وما أجهروا، لا إله إلا هو خالق كل شيء وهو بكل شيء عليم وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير السراج المنير، الهادي إلى سبيل الإله العلي الكبير.
اللهم أدِم صلواتك على أكرم خلقك عليك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار في سيرهِ خير مسير، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادة أهل الفضل الكبير، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا من إليه المصير.
التطهر من الشرك بالله:
أما بعد…
عباد الله،، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، فاتقوا الله وتزوَّدوا في الليالي والأيام والمواسم المباركات بالتطهر في أنفسكم وأسركم ومجتمعاتكم عن صفات المقتِ وموجبات البعد والطرد والغضب، تلكم صفات الذين حكم الله عليهم بالشقاء والخيبة في يوم اللقاء، صفات يجب أن يتنزه عنها المؤمنون وأن يطهروا منها بيوتهم وأسرهم ومجتمعاتهم، صفات الشرك بالله -تبارك وتعالى- وإن لم يقع في المصلين الشرك الأكبر فليحذروا من الشرك الأصغر، وهو قصد غير الله -تبارك وتعالى- بشيء من الأعمال التي يُقصد بها وجه الله، وحسبنا ما حذَّرنا نبينا أن الذي يطلب علم الشرع المصون المُطهر ولكن نيته أن يُصيب به عرضاً من الدنيا فيصرفه لغير الله، أن يكون جزاءهُ أن لا يجد ريح الجنة "من طلب علماً مِمّا يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد ريح الجنة يوم القيامة" نعوذ بالله من غضب الله.
وكذلكم جميع الأعمال التي يُقصد بها وجه الله، لا يجوز أن يُدخل فيها شركة الجاه ولا المال ولا الأغراض المتنوِّعة الفانيات.
قطيعة الرحم:
ثم بعد ذلكم صفة القطيعة للرحم التي يقع أصحابها في لعنة الحي القيوم، والمنصوص عليها في القرآن المُنزل على النبي المعصوم -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22]
تطهر عن شحناء القلوب والكبر:
هذه الصفات التي ذكرها خاتم الرسالات أن أصحابها يُحرمون المغفرة، ولو ليلة النصف من شعبان، ولو في رمضان، مع أن الرحمن يتجلَّى ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب، كلب قبيلة كثيرة الأغنام فيغفر الله -تعالى- في تلك الليلة للمؤمنين لأكثر من عدد شعر تلك الأغنام، وكم في الغَنَمة الواحدة من شعر!! وكيف بجميع أغنام تلك القبيلة؟ ولكنه لا يغفر لمشرك ولا لمشاحن، وكم من الروايات ربطت المشاحن بالمشرك؛ مشرك أو مشاحن، مشرك أو مشاحن، جعل بعد الإشراك بالله شحناء قلوب المؤمنين على بعضهم البعض.
فطهِّر وصفِّ ونزِّه قلبك عن أن يتحامل على أحد وأن تكون فيه الشحناء لمن يقول "لا إله إلا الله" صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، لا تُبقي في القلب شحناء لمسلم، إن كنتَ تعرف فضل العمر وقيمته وغنيمته وفضل ليلة النصف من شعبان التي استقبلتك بعد موسم في حضرموت فيه الاجتماعات الكبيرة في زيارة نبي من أنبياء الله، ومجالس الذكر لله والتذكير بالله.
وجب أن تتطهّر القلوب والأفئدة والبيوت والمجتمعات عن صفات المقت وموجبات الغضب والطرد، إنها الصفات الذميمة القبيحة يدعو إليها إبليس وجنده ويُزيّنونها لعباد الله وهي القبائح، ويُحسِّنونها لعباد الله وهي المساوئ.
أيها المؤمنون بالله،، يجب أن نُلبّي نداء الله ونتنزّه عن الاستجابة لدعوة إبليس وجنده، فلا نُبقي في بيوتنا مُقاطع رحم، ولا ذا شحناء؛ لا أنت ولا زوجتك ولا ابنك ولا ابنتك ولا أحد ممن يعيش في البيت، لا ترضى أن تأتي ليلة نصف من شعبان وفي قلب أحد منهم شحناء، فإن المشاحن لا يُغفر له كالمشرك -والعياذ بالله تعالى- "إلا لمشرك أو مشاحن"
عقوق الوالدين يمنع الرحمة والمغفرة:
كما أن عقوق الوالدين من الصفات التي تمنع الرحمة وأن عاقَّ الوالدين يغضب عليه الجبار ولا يغفر له في ليلة النصف من شعبان ولا في رمضان، حتى يبرَّ والدَينِ جعل الله تعالى برَّهما مقروناً بتوحيده، وشكرهما مقرونا بشكره.
فقال: (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)
وقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
إنها المكارِم التي يجب أن يتسارع عليها المؤمنون؛ بِرُّ الآباء والأمهات وذلك إنصاف من هذا الإنسان أن عرف قدر الخالق الذي خلقه من العدم، وجعل واسطة بروزه إلى هذا الوجود أُماً وأباً، فيجب أن يعرف قدرهما وأن يرعى حُرمتهما وأن يعمل ما شرعه الجبار تعالى لهما، فقال سبحانه وتعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) تتذلل ولا تنطق بكلمة أُف، لا تتأفف في شيء من خدمتهم ولو رَفعت الأوساخ من تحتهم فقد رفعوها وأنت صغير من تحتك كثيرا، وربما قامت الأم من فوق طعامها وشرابها لتُغسلك وتُنظّفك من وسخك ولا تستثقل ذلك ولا تشمئِز من ذلك (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)
تلك المسالك التي يقوم عليها العُقلاء المنصفون وجاء بها دين الله من عهد آدم إلى أن بُعث بها الأمين المأمون -صلى الله عليه وآله وسلم-، حتى ولو كان الأب أو الأم في الشرك والكفر قال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لا تطعهما في الشرك، فلا طاعة لمخلوق، لا أب ولا أم ولا أستاذ ولا شيخ ولا مدير مؤسسة ولا مدير ناحية ولا محافظ ولا رئيس ولا رئيس وزراء ولا إنسي ولا جني ولا صغير ولا كبير؛ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق -جل جلاله- وتعالى في علاه.
ولكن مع ذلك وهما مشركان ويجتهدان عليك أن تشرك؛ صاحبهما في الدنيا معروفا (وصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وقالت أسماء بنت أبي بكر لرسول الله: إن أمي وفدت إلى المدينة راغبة -ما تريد الإسلام- هي مشركة، أفأصِلُها؟ قال نعم صِلي أمك وقومي ببرها، لا تطيعيها في كفر ولا معصية، ولكن لا تنسي حقها في الإكرام والاحترام والصلة والإحسان والخدمة والهدية، فكان هذا الحق لا يخرج عن أمٍّ كافرة ولا أبٍ كافر، فكيف بالأب المسلم؟ وكيف بالأم المسلمة؟
ولكن من سلّم زمامه لتُرّهات أهل الأباطيل وأقاويل أهل الأضاليل عكس الأمور، رأى المعروف منكراً والمنكر معروفاً -والعياذ بالله تعالى- واختبط عنده الميزان وخاب يوم وضع الميزان (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ)
الاعتداء على أموال الغير:
كذلك الاعتداء على أموال الغير بغير حق، مانعات للرحمة من الخالق ومانعات للمغفرة في ليلة النصف من شعبان، "فإن الله لا يغفره لعَشَّار" في تلك الليلة، وهو الذي يأخذ مال الناس بغير حق، ذلك من أسباب البعد والطرد والمقت.
عباد الله،، ومن استحلَّ مال أخيه المسلم أدخله الله النار، قالوا: يا رسول الله ولو كان ذلك يسيراً؟ قال: "ولو كان قضيبا مِن أراك" -نعوذ بالله من غضب الله،- فليحذر المؤمنون في شأن الأموال والأعراض والدماء، فقد قال عنها رسول رب السماء: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا" وهو في ذي الحجة في يوم النحر، "في بلدكم هذا" وهو في الحرم الممصون، "في شهركم هذا، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض".
الاستهانة بدماء المسلمين:
أيها المؤمنون بالله،، وقد جاء أيضًا أن قاتل النفس بغير حقٍّ لا يُغفر له في ليلة النصف من شعبان.
أيها المؤمنون،، والمصيبة لمن رضي قتل نفس مؤمنة بغير حق فهو شريك لصاحبها، ولو لم يكن حضرها ولا علِم بها إلا بعد سنوات لكنّه رضي ذلك، "ولو أن رجلا قُتِل بأقصى المشرق ظُلما فعلمه رجل في أقصى المغرب فرضي بذلك كان شريكا للقاتل".
أيها المؤمنون،، لا تستهينوا بدماء المسلمين فإن حُرمتها عند الله عظيمة.
تطهير القلوب عن الكبر:
أيها المؤمنون بالله،، ولا المُتكبر ينال نصيبًا من المغفرة ليلة النصف من شعبان، فطهِّروا الأفئدة و الدّيار والمنازل والمجتمعات عن وصف الكِبر الذّميم القبيح، الذي يخفض الله أصحابه "ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر" -نعوذ بالله من غضب الله-.
وكذلك الذي يتظاهر بمظاهر الكِبر كمُسبِل إزاره، فإن الله شرع للرجال أن يرفعوا أُزُرهم فوق الكعبين، وأكمله إلى نصف الساقين، وما أسفل من الكعبين فهو في النار -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وأباح للنساء أن يسدُلْن ثيابهن ولو أن تُسدِل شبراً، بل وجاء في الرواية عنه "ذراع لا يزِدن عليه"، مع أن الرجل لو تعرّضَ لذلك وعمله كان موسومًا بأن لا ينظر الله إليه ولا يغفر له في شعبان.
وليلة النصف من شعبان المُعظّمة الكثير الغفران فيها من الرحمن، لعباده المؤمنين، قامها سيد الأكوان محمد ﷺ. ومن هنا كان ابن عمر يقول: "خمس ليال لا تُرد فيهن الدعوة: ليلة الجمعة، و أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيدين".
أيها المؤمنون بالله -جل جلاله وتعالى في علاه- يجب أن نتنزّه ونتطهّر عن صفات المقت التي يدعو إليها إبليس وجنده، وحذّرنا الله ورسوله منها.
اللهم طهِّرنا من جميع أسباب المقت والطرد والبغض واللعنة والغضب، وارزقنا الاستقامة على منهج الصدق معك في الحسِّ والمعنى بحسن الأدب، يا حي يا قيوم يا رب.
والله يقول وقوله الحق المبين (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الأعراف:204]
وقال تبارك وتعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98]
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر:52-55]
وقال تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80]
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:17-18]
(إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية:29]
(فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف:49]
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبَّتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزْيهِ وعذابِهِ الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله السميع البصير، العليم القدير، اللطيف الخبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرَّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، حبيبهُ المختار، وصفْوته من بين الأخيار، نور الأنوار وسرّ الأسرار، اللهم أدِم صلواتك على صفوتك من بني نزار، سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن على منهاجهم سار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء المرسلين صفوة المقربين الأطهار، وعلى آله وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
المنان بالصدقة يحرم المغفرة:
أما بعد
عباد الله،، فإني أوصيكم وإيّاي بتقوى الله، فاتقوا الله واعمروا الأعمار بما يوجب رِضاه وتنزَّهوا عن صفاتِ المقتِ والغضب، واعلموا أنّ الربَّ -جلَّ جلاله- بيّن على لسان رسوله أنّه يحرِم المغفرة ليلة النصف من شعبان، منَّانٌ بالصدقة، يتصدّق ويمُنّ، وما أنفق الإنسان من خيرٍ -مِن واجب-على مثل النفقة على أهله، أو مسْنونٍ ومندوبٍ يجب أن يعلم أن المنَّة فيه لله، وأن الفضل فيه لله، ومن يمنُّ بعطائه ويقول: جئتُ لكم بكذا وعملتُ لكم كذا، وأنا أعطيتكم كذا، ولولاي ما حصلتم كذا، فهو المنَّان الذي يتخيَّلُ أنه يشرك الله في الإعطاء، ولا معطي إلا هو -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- يُحْرم المغفرة ويحلُّ عليه المقْتُ والغضب -والعياذ بالله تعالى- فلا تمُنّ على أهلك ولا أولادك بإنفاقٍ ولا بإحسان، ولا بشيء وفّقهُ الله لك من الخير فإنّ الفضل فيه لله الذي وفّقك وخلقك وأقدرك، ولولاه مافعلت شيئا (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
ويل لأرباب الفواحش والمسكرات:
أيها المؤمنون بالله -جل جلاله-،،
ولا يغفر الله تعالى للزُّناةِ وأرباب الفواحشِ في تلك الليلة التي يعْظُم فيها المغفرة، ولا يغفر سبحانه وتعالى في تلك الليلة لشَرَبةِ الخمورِ ومُتناولي المسكرات والمُخدّرات، فهم بعيدون عن مغفرة ربِّ الأرض والسماوات، وويلٌ لهم، ثمَّ ويلٌ لهم، ثم ويل لهم.
أتُنجيهم أنفسهم؟ أم ينْجيهم أصحابهم؟ أم تنْجيهم دولهم؟ أو تنْجيهم أحزابهم؟ من لهم؟ ويلٌ لهم ثم ويلٌ لهم، رضوا لأنفسهم بما يجب غضب الجبَّار الأعلى فمن لهم؟ من لهم؟ من لهم من الجبار الأعلى؟ من لهم؟ (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ)
موسم التطهير والصدق مع الله:
أيها المؤمنون بالله،، إنّها مواسم التطهير والتنْقية للظاهر والضمير، والصدقِ مع العليم الخبير، ومتابعة البشير النذير السراج المنير، صلوات ربي وسلامه عليه، وقد قام ليلة النصف من شعبان، وزار المقابر وانتصب في الصلاة وأطال السجود وأكثر الاستغفار والتضرع والدعاء، ونعم القدوة هو، ونعم الأسوة هو، رزقنا الله حُسن متابعته وحشرنا في زمرته.
أيها المؤمنون،، تهيأوا بالصدق مع الله لتطهير الأنفس والديار والمجتمعات عن موجبات المقت والغضب؛ يحلُّ عليكم رضا الرب ونصره وتأييده، ويرد عنكم مكْرُ من مكَر، واعتداء من اعتدى، وشرّ كل ذي شر من الإنس والجن أجمعين.
أيها المؤمنون بالله،، وأكثروا الصلاة والسلام على من به هُدينا، وعرَّفنا ربنا وخالقنا وبارينا -محمد المصطفى-، فإن من صلَّى عليه واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وإن أولى الناس به يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة، وإن رب العرش قال لنا في شأنه تعظيما وتفخيما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) يقولُ أهل التفسير نزلت الآية في شهر شعبان، فما أجدر أن يكثر المؤمن في شهر شعبان من الصلاة والسلام على حبيب الرحمن:
اللهم صلِّ وسلِّم على من أنزلتَ عليه القرآن، عبدك الهادي للحق والبيان، سيدنا محمد وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسهِ في الغار، مؤازره في حالة السعة والضيق خليفة رسول الله؛ سيدنا أبي بكر الصدّيق.
وعلى الذي نشر العدل في الآفاق فاشتهر، وكانت له الصفات العلِيَّات الغرر؛ أمير المؤمنين الفاروق سيدنا عمر.
وعلى مُحْيي الليالي بتلاوة القرآن، مُنفق الأموال في استرضاء المنَّان، من استحْيت منه ملائكة الرحمن؛ أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان.
وعلى أخِ النبي المصطفى وابن عمه ووليِّه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب؛ أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب
وعلى الحسين والحسين، سيدي شباب أهل الجنة في الجنة، وريحانتي نبيك بنص السُّنة، وعلى أمهما الحوراء -فاطمة البتول الزهراء- وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا وأمهات المؤمنين، والحمزة والعباس وأهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة الرضوان، وسائر الصحب الأكرمين وأهل البيت الطاهرين وعلى من والاهُمْ واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء:
اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أذِلَّ الشرك والمشركين، اللهم أعلِ كلمة المؤمنين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم لا تبلِّغهم مُرادًا فينا ولا في أحد من المسلمين، يا من أنعمت علينا بنصيب وافر من الخير والأمن والطمأنينةِ والبركة والحرية والاجتماعات على الخيرات، أدِمْ ما أنعمت به علينا وأتممه وضاعفه لنا حتى يتّصل بالفرج الكبير للأمة، يا كاشف الغمة، يا جالي الظُلمة، نشكو إليك ما حلَّ بأمة حبيبك المصطفى.
سيدنا وإلهنا، فينا من ظلم نفسه بالكِبر وبالعُجب وبالغرور وبالرياء وبالزنا وباللواطِ وبشرب الخمر وبقطيعة الرحمِ وبعقوق الوالدين إلى غير ذلك من المصائب والنوائب، فتُبْ عليهم ياتواب، وأخرجهم من هذه البلايا الصعاب، وموجبات الغضب في يوم الوقوف بين يديك يا رب الأرباب.
اللهم إنا نتوب إليك ونستغفرك فاغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
إلهنا،، وتسلّط عليهم من الكفار والفجار والأشرار من لعِب بهم لعباً، وزادهم هماً وتعبا، وخالف بينهم واستُعْبد لهم استعباداً، اللهم هذا حال أمة حبيبك فتدارك يا مُنقذ الغريق، ويا دافع البلاء ويا مفرج كل كرب وضيق.
يا حي يا قيوم، بحبيبك السيد المعصوم، ارفع اللهم أذى المعتدين الذين أظهروا العدوان ظلماً جهاراً عَياناً أمام الصغير والكبير في قتل النفوس في غزة، واستهداف المستشفيات والمساجد وقتل الأطفال والنساء، ويصرّون على ذلك ويعاندون في ذلك ويقوم معهم من يقوم من أهل الكفر وأهل النفاق.
اللهم يا خلاق هذه حالة أمة حبيبك عظيم الأخلاق، فتدارك وأنقذ وعِّجل الغارة من عندك والغياث، ورُدَّ كيد أهل الخبث والضلال يا سريع الغوث، يا حي يا قيوم يا قدير يا قوي يا متين يا الله.
أتمم اللهم الفرج والخير لأهل السودان وبقية أقطار المسلمين، وارفع كيد المفسدين واجعل الدائرة عليهم واشغلهم بأنفسهم، وأبعد عن المسلمين شرورهم ، وحوّل الأحوال إلى أحسنها، وانظر إلى يمننا وإلى شامنا وشرقنا وغربنا، وانصرنا واحفظنا وسدِّدنا وأيدّنا واسعدنا، ولا ترِنا في وجه مؤمن ذلة ولا في وجه كافر عزة ما أبقيتنا، ياعزيز ياكريم يامنَّان يارحمن يارحيم يا الله .
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)،
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
(رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله: إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فاذكروا الله العظيم؛ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
14 شَعبان 1445