ميزان العمل للمؤمن في مرور الزمان والتزود في شعبان
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الإيمان، بحارة الإيمان، عيديد، مدينة تريم، 1 شعبان 1446هـ بعنوان:
ميزان العمل للمؤمن في مرور الزمان والتزود في شعبان
فوائد مكتوبة من الخطبة:
لتحميل الخطبة (نسخة إلكترونية pdf):
نص الخطبة :
الحمد لله، الحمد لله الملك المعبود الديان، الحي القيوم الصمد الذي استوى عنده السر والإعلان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جامع الأولين والآخرين ليوم يقضي فيه بين الناس، وينتهي الحكم إلى خلود المكلّفين إما في الجنان وإما في النيران.
وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، جاءنا بأحسن البيان، وخَصَّه الله تبارك وتعالى بالقرآن، وجعله خاتماً للنبيين ورحمة للعالمين، تميّزت أمته عن الأمم في جميع الأزمان.
اللهم أدِم صلواتك على عبدك المُجتبى المختار القدوة سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن سار على دربهم بالصدق والإيقان، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم بإحسان، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين في كل آن، وعلينا معهم وفيهم يا كريم يا منان.
بهذا تبتنى درجات الجنة أو دركات النار! :
أما بعد،،،
عباد الله، فإني أوصيكم وإياي بتقوى الله، تقوى الله التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يُثيب إلا عليها.
يا من تمرُّ بهم الأزمان يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وعاماً بعد عام، أنتم عُرضة من خلال هذا الزمن لنيل الرضوان من العلي الأعلى، وحيازة الدرجات العُلا، واللُّحوق بخير الملأ، كما أنكم عُرضة من خلال هذا الزمن ومرور الأيام نفسها للبُعد والطرد والحجاب والتهيؤ للعذاب -والعياذ بالله تبارك وتعالى- وسوء المصير وشدة الحسرة يوم الحساب.
أيها المؤمنون، من خلال ما تنوُون وما تقصُدون وما تقولون وما تفعلون وما تسمعون وما تنظُرون وما تتحركون وما تسكُنون، تُبتنى الدرجات في الجنة أو تُعد الدركات في النار.
فيا من نظرته محسوبة، وكلمته محسوبة، وحركته محسوبة، ونيّته محسوبة؛ تهيأ ليوم الحساب، وحاسب نفسك قبل الخيْبَة في يوم المآب، وراقب رب الأرباب.
إذا مضى عليك شهر رجب بما فيه، وأقبل عليك شعبان وقد غيّب رجب من غَيب من ذويكَ و من جماعتك من بني الإنسان، كذلك يفعل شعبان ورمضان، وهي سُنة الله أمام الأعين، ليتذكر من يتذكر، وكفى بالموت واعظاً وبالقرآن.
عرض الأعمال في شعبان واطلاع الرحمن :
أيها المؤمن بالله ﷻ ، كيف تستقبل الشهر الذي اعتنى به نبيك محمد وأكثر فيه الصيام؟
وأخبر أنه شهرٌ يغَفل عنه أكثر الناس، يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان.
وأخبرنا أنه تُعرض فيه الأعمال على الله، وهذا عرضٌ خاص غير عرض الأعمال في اليوم والليلة، وغير عرض الأعمال في كل أسبوع في الإثنين والخميس، فأعمالُك معروضة في اليوم والليلة وفي كل أسبوع وفي محطات في العام، منها محطة شعبان الذي استقبلك.
وقد علِم الرحمن فيه من أول ليلة وأول يوم أنت فيه:
ما يكنه ضميرك،
وما ينطوي عليه سرُّك،
وما تنويه في باطنك،
وما تعزم عليه من الأقوال والأفعال والمعاملات بينك وبينه، وبينك وبين أبويك إن كان لك أبوان، وبينك وبين إخوانك إن كان لك إخوان، وبينك وبين أرحامك إن كان لك أرحام، وما بينك وبين جيرانك، وما بينك وما بين أصدقائك،
وما تريد أن تعمل وتقول في الخلوة أو في الجلوة، يطلع الرحمن عليه ﷻ .
ما نياتك في شعبان ؟ :
وإن النية لمؤثرةٌ في جلبِ التوفيق أو الخذلان، وكان يقول صلحاء الأمة:
من فتح على نفسه باب نية حسنة فتح الله له سبعين باباً من أبواب التوفيق، ومن فتح على نفسه باب نية سيئة فتح الله عليه سبعين باباً من أبواب الخذلان -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
فما نياتك في استقبال الشهر وأنت في أوله؟
كيف تعامل الرحمن؟
كيف تعامل عباده؟
كيف تتعامل في نفسك وما آتاك من قلب وأعضاء؟
ألا إن مُقلّب القلوب المُطَّلع عليها يرقُب ما في قلبي وما في قلبك، فاستعد لنظر ربك الآن ولقائه بعد قليل، فسوف يلقاه منا الصغير والكبير والذكر والأنثى، والصحيح والسقيم والأمير والمأمور، سوف يلقاه ﷻ ، وعند لقاء الحق تكون سعادة الأبد أو شقاء الأبد، وفوز الأبد أو خسران الأبد.
تعرَّض للمغفرة في النصف من شعبان :
يا من آمن بالله -تبارك وتعالى-، استعد في استقبال الشهر الكريم لما يرضي إلهك العظيم، ولما تُدرِك به المغفرة في ليالي الشهر وأيامه، وخصوصاً ليلة النصف منه، فإنه جاء فيها عن نبيك أخبار، وجاء أن بعض الأعمال تحجُب أصحابها عن أن يَغفرَ لهم الغفار، فيُحرمون ويُغفر لبقية المؤمنين وعامة المسلمين،
-
إلا أرباب الشحناء،
-
إلا أرباب الخمور والمُسكرات،
-
إلا أرباب الكِبر والتعالي،
-
إلا مُسبل الإزار كبرياء،
-
إلا منَّان يمن بصدقته أو بنفقته،
-
إلا صاحب أخذ للمال من غير حلِّه من مكّاس، ومن قائم في قطع الطريق لعباد الله
وأمثال هؤلاء أعمالهم حاجبة بينهم وبين أن يغفر الله لهم.
ومن لم يُغفر له في رجب فتظهر عليه آثار المغفرة في شعبان بطُهر الجَنان والمسارعة إلى طاعة الرحمن، في نفسه وأسرته وأهله وانشراح الصدر بالتلاوة للقرآن والعمل بالصالحات، ثم لم يُغفر له في شعبان ولم تظهر عليه آثار المغفرة في استقبال رمضان حتى يمر عليه وهو مُتّصف؛ إما بشحناء لأحد من المسلمين، أو بقطيعة لأحد من الأرحام، أو بعقوق لوالدين، أو بشربِ المسكرات -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
فيخرج عليه رمضان، فمن كان هذا وصفه من ذَكر أو أنثى من المسلمين فويلٌ له ثم ويل له، ثم ويل له، إن لم يغفر له فيه فمتى؟ قال -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-.
أيقظ قلبك في هذا الشهر :
أيها المؤمنون، وفي الآيات وما تدعونا إليه وأحاديث نبينا ﷺ وما يدلّ عليه والحوادث الحادثة في زماننا في مختلف الجهات كفاية للاتّعاظ وللادّكار وللاعتبار، ولحسن النظر وللتأمل وللتدبر وللمحاسبة للنفس ولتدارك الأمر.
يكفي ما نازلنا وحلّ بنا، من آيات في الكون مع آيات القرآن الكريم وبلاغ السنة المطهرة على لسان خاتم النبيين محمد ﷺ.
فيا ويل من لم ينهضه قرآن ولا سنة ولا حوادث تمر عليه منطوية في معاني: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾،
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾،
﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾،
﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾، -جل جلاله وتعالى في علاه-.
أيها المؤمنون، من كان يأتيه مثلُ هذا الشهر ولا يقظة لقلبه لترك موجبات غضب ربه من نظراتٍ محرماتٍ، أو كلماتٍ قبيحاتٍ أو مقاطعاتٍ للأرحام أو أذى لجارٍ أو مسلم، أو انطواء الباطن على أحد يقول لا إله إلا الله، فكأنه لم يدري من خلقه ولا لماذا خلقه، ولم يبالي بوحيه ولا بإنزاله ولا بتذكيره بمرور الأيام، ولا بالحوادث الجسام بين المسلمين في واقعهم وأحوالهم.
يا عباد الله (ذلك وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.
فهل تجدون فيمن لهم التعاسة وضلال الأعمال قدوة؟ تجدون فيهم قدوة؟ (فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾!
أترجعون أمركم إليهم؟ أم تغترّون بأقاويلهم؟ (فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾!
انصر الله على نفسك الأمارة :
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾..
انصر الله على نفسك الأمارة، إلى متى وأنت شهراً بعد شهر تنصُر نفسك على أمر الله؟
تنصر نفسك على شرع الله؟
تنصر نفسك ضد منهج الله وسنة رسوله؟
تكتسب الإثم بعد الإثم!
انصر الله على نفسك الأمارة وقيِّدها واقهرها وجاهدها ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾.
إن الذين يعيشون مهملين لأنفسهم وأسرهم في هذه الحياة، ويلهثون وراء المال أو وراء المخدرات وما إلى ذلك، أسباب بلاء على الأمة، مُتعرّضون لغضب الجبار الأعلى ثم لا يغنيهم صديق ولا مال ولا لعب ولا لهو ولا شيء من شؤونهم.
ويلٌ لمن فقد الله، وأي شيء يجد من فَقد الله؟
من غضب عليه الله ﷻ؟
ماذا يُغنيه أبيت أم سيارة أم مُرتب أم وزارة أم حزب أم جماعة؟
ما الذي يغنيه وما الذي يفيد؟ ومن ذا له؟! ويلٌ لمن فقد الله، ويل لمن غضب عليه الله ﷻ .
اتخذ من شعبان سلما للرقي:
أيها المؤمنون، يجب على الأفراد مِنا والأسر، أن يعلموا قيمة العمر ومرور الأشهر عليهم ليقيموا وسط الديار أمر الله ومنهج الله كما يُحب، ويُخلِّصوا الديار والمنازل من الغيبة والنميمة ونظر الحرام، ومن القطيعة ومن الكذب ومن الغش ومن الغل ومن الخيانة، ويُحرِّروا بذلك معاملاتهم وأماكن أعمالهم ومؤسساتهم، حتى يدخلون في دائرة تقوى الله والإيمان به،
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
يا من آمن برب السماء والأرض، اصدُق معه وتهيأ ليوم العرض، واتَّخذ من شعبان سُلّماً ترتقي به إلى رضوانه، وتستقبل رمضان بحالٍ جميل ووصف حسن حميد، تسعد به مع كل سعيد.
خاتمة الخطبة الأولى :
اللهم املأ قلوبنا بالإيمان واجعلنا في أهل الصدق والإيقان وأهل الإخلاص والإحسان، وتولنا في كل شأن، وأصلح لنا كل شأن، يا مصلح شؤون الصالحين، عاملنا بفضلك وعجل بالفرج لأمة نبيك، واكشف الشدائد عنهم وارفعهم من الورطات التي وقعوا فيها بتسلط الأعداء وإلقائهم الزمام إليهم، واجعل هواهم تبعاً لما جاء به نبيك لتعزهم بعزك الأكبر في الدنيا ويوم المحشر ودار الأُخر، يا كريم يا بر يا أرحم الراحمين.
والله يقول وقوله الحق المبين:
﴿فَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقال تبارك وتعالى:
﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا * وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا * وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا * مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خِزيه وعذابه الأليم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً به القلوب تتنبَّه، وإلى ربها تتوجه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه الذي خضع لجلاله وأحبَّه وبه توله، اللهم صل وسلم على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن على منهاجهم انتهج وإلى الله توجَّه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا من عنت الوجوه له.
أما بعد،،،
عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله في مرور الليالي والأيام، وتفقّد أحوالكم في ساعات الليل والنهار ومراقبتكم للكريم الغفار، وانتهاجكم في نهج حبيبه محمد في السر والإجهار، تظفرون بمحبته وتفوزون برضوانه وقربه ومودته ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
من تتبع وبمن تقتدي؟ :
أخرِجوا من قلوبكم وقلوب أهليكم وأولادكم وإخوانكم محبة الاقتداء بالفُسّاق والمجرمين والساقطين الهابطين من الضالين الغافلين، فقد سيطر ذلكم على قلوب كثيرين من الرجال والنساء، وبه انتشرت مفاسد في الأخلاق والمعاملات، بل في الفكر والتصوّر والحال مع الله ومع رسوله.
ويلٌ لمن اتخذَ قدوةً مُنحطاً عند الله سبحانه وتعالى، لم ينظر الرحمن إليه منذ خلقه، وأعده لجهنم.
كيف يكون قدوة لمسلم في قول أو فعل أو نظام أو حركة أو سكون؟
أفضل الأعمال في شعبان :
أيها المؤمنون، اتقوا الله في أحوالكم في ليالي شعبان، وأيام شعبان، إنه شهرُ العرضِ على الرحمن، وشهر الاستعداد لرمضان.
تقرّبوا إلى الله بكل ما استطعتم من القُرَب والخيرات التي من أعظم مظاهرها:
-
تدبر وإدراك القرآن وتأمل معانيه.
-
والمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة.
-
تكبيرة الإحرام مع الإمام.
-
وصلة الرحم.
-
وبر الوالدين.
-
وحسن النظر في شأن الأولاد والأسرة وتقويمهم على ما يرضى به الحق الأعلى ﷻ.
-
وحضور مجالس العلم والخير والذكر.
فإنها من أعلى الغنائم وأعظم المواسم التي تكون في عمر ابن آدم.
غنيمة مجالس الذكر :
سُئل نبينا ﷺ، ما غنيمة مجالس الذكر؟
فأجاب رسول الله ﷺ وقال :
"غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْجَنَّةُ" ، غنيمته مجالس الذكر الجنة.
وقال: "إذا مررتم برياضِ الجنةِ فارتعوا، قيل : يا رسولَ اللهِ وما هي رياضُ الجنةِ؟ قال : حلَقُ الذكرِ"،
قال حِلَقُ الذكر، وتأملوا قول الله لحبيبه ﷺ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
وإذا حصل جمعٌ للمؤمنين على الطاعة والبر والذكر والتذكير فقدرتََ أن تحضُر فلا تتخلّف ولا تبتعِد.
ولقد كان يقول سيدنا داود نبي الله: "إلهي إن وجدتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى غيرهم فاكسر رجلي دونهم حتى لا أتجاوزهم".
قال الله لحبيبه ﷺ: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
تجنب موجبات الشقاء :
أيها المؤمنون، وتجنّبوا مُوجبات الخزي والشقاء، ومن أظهرِها :
-
القطيعة للرحم.
-
والحقوق للوالدين.
-
واستعمال المخدرات والمسكرات.
-
والكبر على عباد الله.
-
وانطواء الباطن على الشحناء لأحد من خلق الله.
ألا بهذا الصفاء وهذا النقاء والتُقى، استقبلوا شهر شعبان استعداداً لليلة النصف منه واستعداداً لدخول رمضان وليكون كُلٌّ منا مُنادى بنداء يا باغي الخير أقبل.
اللهم لا تحرمنا خيرَ ما عندك لشرِّ ما عندنا، ولا تصرِفنا من جُمعتنا إلا بالصدق والإخلاص واليقين والعزائم التي تحبها وترضاها فيما نستقبل به أيامنا وليالينا، واعمر أعمارنا بخير ما يرضيك عنا، واختمها لنا بأكمل الحسنى.
الدعاء والصلاة على النبي ﷺ :
وإنّ من أعلى القُربات والأذكار صلاتُنا على النبي المختار، وفي مثل هذا الشهر نزلت الآية الجامعة الكريمة التي ابتدأ الله فيها بنفسه وثنى بملائكته وأيّه بالمؤمنين، فقال مخبراً وآمراً لهم تكريماً:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صلِّ وسلِّم على رحمتك الكبرى ومنتك العظمى، خير الخلائق سيدنا محمد،
وعلى الخليفة من بعده المختار، وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازِره في حاليّ السعة والضيق؛ خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق،
وعلى الناطق بالصواب شهيد المحراب؛ أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب،
وعلى من استحيت منه ملائكة الرحمن محيي الليالي بتلاوة القرآن؛ أمير المؤمنين ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان،
وعلى أخ النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة علمه، إمام أهل المشارق والمغارب أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب،
وعلى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحانتي نبيك بنص السنة، وعلى أمهما الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرضا، وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهرتهم من الدنس والأرجاس،
وعلى أهل بدر وأهل أحد وأهل بيعة العقبة وأهل بيعة الرضوان، وسائر أصحاب نبيك الكريم وأهل بيته الطاهرين وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وأصحابهم ومتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
الدعاء للأمة :
اللهم تدارك أمة نبيك محمد وفرج كروبهم، اللهم اغفر ذنوبهم وأصلح قلوبهم، اللهم اجمع شملهم وألف ذات بينهم، اللهم انزع من قلوبهم ظلمات الالتفات إلى الأغيار، وظلمات الاقتداء بالكفار والأشرار، واجعل اللهم مقتداهم من ارتضيته لهم قدوة، حبيبك المختار.
اللهم تدارك الأمة فيما نازلها وحلَّ بها، وحوِّل أحوالها إلى أحسن الأحوال، رُد كيد الماكرين والطاغين والباغين والمجرمين والمفسدين والملحدين وناشري الفساد وأهل الظلم والاعتداء، اللهم اجعل الدائرة عليهم واشغلهم بأنفسهم، واكف المسلمين جميع شرورهم وبلاياهم.
يا حي يا قيوم تدارك الأمة، واكشف الغمة، وأنزل على حزب الإجرام والإفساد ونشر الضلال والاعتداء على الناس بغير حق، أنزِل مقتك وغضبك عليهم، يا هازم الأحزاب منزل الكتاب سريع الحساب مجري السحاب، اهزمهم وزلزلهم ادفع شرهم عن أهل لا إله إلا الله.
اللهم بارك لنا في شعبان ولياليه، وبلِّغ الكل منا فوق ما يطلبه من الخير ويرتجيه، وأصلح ظاهره وخافيه، وبلغنا رمضان في عون منك على صيام صالح حَسن مقبول، وقيام صالح حَسن مقبول، إيمانا واحتسابا نريد وجهك يا حي يا قيوم.
اللهم واغفر لوالدينا ومشايخنا وذوي الحقوق علينا، وآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا ومن واليناه فيك، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أحياؤهم والأموات بمغفرتك الواسعة يا غافر الذنوب والخطيئات.
واختم لنا بأكمل الحسنى وأنت راضٍ عنا يا مجيب الدعوات،
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
ولا تصرف أحدا من جُمعتنا إلا وقلبه عليك مقبل وإليك متوجه، وبوحيك وخبر رسولك متنبه، مستعدا للقاء، داخلا في أهل التقى، يا حي يا قيوم يا أكرم الأكرمين أكرمنا وزدنا وكن لنا بما أنت أهل، حيث ما كنا وأين ما كنا، إنّا في قبضتك حيث ما كنا، فلاحظنا بعين عنايتك حيث ما كنا، اللهم إنا في قبضتك حيث ما كنا وأين ما كنا فاجعلنا في رحمتك وعنايتك وتوفيقك حيث ما كنا وأين ما كنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أرحم الرحمين.
نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عباد الله، إن الله أمر بثلاث ونهى عن ثلاث، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر.
05 شَعبان 1446