(575)
(536)
(235)
خطبة الجمعة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جامع الروضة، حارة الروضة، بعيديد، مدينة تريم، 27 ذو القعدة 1444هـ بعنوان:
مهمة وخطر العمر، ومسالك اغتنامه، ومكانة الليالي العشر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، الحمد لله ذي الجلال والإكرام وذي الطَّول والإنعام، شرع لنا اغتنام الليالي والأيام، والمبادرة فيها إلى ما يُوجِبُ الفوز والسعادة في الدنيا ويوم القيامِ ودار المُقام.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فضّّلَ بعض الليالي على بعض الليالي وبعض الأيام على بعض الأيام، لِيَهبَ من عطاياهُ الجسام ومِننهُ الفِخام من استوى وأقبلَ واستقام.
وأشهدُ أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، خير جميع الأنام، مَن رفع الله له القدر والمقام، وجعله في كل خير وهُدى أكرم إمام، اللهم صلِّ وسلم أفضل الصلاة والسلام على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكِرام، وعلى من والاهم فيك واتّبعهم بإحسان إلى يوم القيام، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل المراتب العِظام، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
أما بعدُ عباد الله، فإني أوصيكم وإيّايَ بتقوى الله، فاتّقوا الله عباد الله وأحسنوا يرحمكم الله، إن رحمة الله قريبٌ من المحسنين.
يا من بُسِطَ لهم بساط العمر لِيربحوا ويتَّجِروا، ويستعِدوا للقاء الجبّار العظيم الغفّار الذي يُنبِّئهم بما قدّموا وما أخّروا، ويجزيهم على ما نوَوا وقصدوا وقالوا وفعلوا مِما أبطنوا ومِما أظهروا، وقد استوى في علمهِ جميعاً ما أعلنوا وما أسرُّوا، لا إله إلا هو إليه المصير، له الملك وله الحمد يُحيي ويُميت وهو حيٌّ لا يموت، بِيَدهِ الخير وهو على كل شيء قدير.
تبصَّروا مرور الأيام عليكم والليالي؛ فإنها عُدَّتكم لِحُسنِ لُقيا الكبير المُتعالي، وهي سبب الفوز لِمن اغتنمها، وهي محلّ الندامة والحسرة لِمن حُرِم ما فيها من الخير.
أيها المؤمنون بالله: جعل الله الأعمار وسيلةً للرُّقِيّ إلى عليِّ المراقي، والدخولَ في دوائر أهل التقوى من كُلِّ راقي، والسلامة من الشرور والآفات والمحذور، في الدنيا والبرزخ ويوم النشور؛ وذلكم لِمن عرف قدر الليالي والأيام واغتنمها؛ وقام بِحقِّها وقدَّمَ فيها ما يوجِب له السعادة ونيل الحسنى وزيادة (وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعۡیَهُۥ سَوۡفَ یُرَىٰ * ثُمَّ یُجۡزَىٰهُ ٱلۡجَزَاۤءَ ٱلۡأَوۡفَىٰ * وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ) [النجم:39-42] ومرجع الجميع إليه، فيُثيبُ من أطاعه بِعظيمِ ما لديه.
ويا خَيبة المُعرضين عنه، وما أشد ذِلَّتهم عند الوقوف بين يديه، (وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَاۤ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12] هذه عاقبة ونهاية المجرمين كائنين من كانوا؛ عَرباً وعجماً، جِناً وإنساً، في أيِّ قرن عاشوا، وفي أي زمان وفي أي بلد كانوا، كلُّ من أجرم بفعلِ المُنكرات والاعتداء على حقوق الغير وفعل المعاصي والسيئات ينكِّسُ رأسهُ ذليلاً مُهاناً عند ربه، لأنه لا رجوع إلا لِمن منه المبتدأ والخلق والإيجاد جل جلاله، ولا رجوع إلى هيئات ولا أحزاب ولا حكومات ولا دول ولا صغار ولا كبار؛ بل رجوع الكل إلى من ابتدأ الكل وخلق الكل وأوجدَ الكل رب العالمين، الذي أنزل الكتب وأرسل الرسل لِيكونوا حُجّة على العباد، (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].
أيها المؤمنون بالله: وإنكم لتُوَدِّعون شهر ذا القعدة الحرام، شهرٌ حرام ومن أشهر الحج العظيم، جعله اللهُ شاهداً لنا لا شاهداً علينا، وحُجّةً لنا لا حُجة علينا، وإنكم لتستقبلون أياماً قال فيها صاحب الرسالة: "أعظم أيام الدنيا أيام العشر" عشر ذي الحجة، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر (وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَيَالٍ عَشۡرٖ * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ) [الفجر:1-3] الشفعُ: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة، ولقد تعددت الرِّوايات عن خاتِم الرسالات في بيان مكانة هذه الليالي والأيام الكريمات المُقبِلة عليكم، جعلها الله لنا سُلّم ارتقاء إلى أعلى المراقي، وسقانا فيها في المعرفة والمحبة والقُربِ والرِّضا من أحلى السواقي.
أيها المؤمنون بالله: فمنها ما قال نبيُّكم: "ما من أيام أعظم عند الله وأحبّ إليه فيهِنّ العمل من أيام العشر"، ومنها ما قال نبيّكم: "أزكى أيام الدنيا أيام العشر، وأحبُّ الأعمال إلى الله وخير ما كان في أيام العشر"، ومِنه ما تردّد سؤاله وقد ذكر أنّ العبادة أيام العشر أفضل العبادات عند الله وأعظمها درجة، فسُئِل: "ولا الجهاد سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج يُخاطر بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء"، وفي رواية: "إلا من عُقر جواده وأُهريق دمه"، إلى غير ذلك من الروايات المُبيّنة فضل هذه الأيام المُقبلة عليكم؛ المُقسم بها في كتاب ربكم من قِبَل إلهكم جل جلاله وتعالى في علاه.
قال صلى الله عليه وسلم: "فأكثروا فيهنّ من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل"، ولقد قال لنا: "يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة غير عرفة، وإنّ صوم يوم عرفة يعدل صيام سنتين، ويعدل قيام كل ليلة منها بِقيامِ ليلة القدر".
فدونكمُ الأيام التي كان شعارها ظاهراً بين المسلمين لأنها من شعائر الله، قال جل جلاله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج:28] والأيام المعلومات هي: أيام عشر للحجة، وقال جل جلاله: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ [البقرة:203] وهي: أيام التشريق وأيام مِنى، فهذه الأيام المعلومات والأيام المعدودات أُمِرنا فيها بِذكر عالم الظواهر والخفيات، فإنه بالمِرصاد؛ يرقبُ من آمن به وأطاعه لِيزيدهُ من فضله ويؤتيه رزقاً ما له من نفاد، ويرقبُ أهل الزيغ والكفر والعناد والمعصية والضر والفساد؛ حتى يُوصلهم إلى العذاب المهين الغليظ الشديد في دار المعاد، ويجعل مأواهم جهنم وبئس المهاد.
أيها المؤمنون بالله: هذه حقائق الإيمان تُنادينا أن نُسارِع إلى ما يُرضي ربنا، وتبيَّض وجوهنا في يوم لقائه في دار المعاد، (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ) [آل عمران:106-108].
فتعساً وبُؤساً وويلٌ للذين تمرُّ بهم الأيام لا يُدركون خطر مرورها، وهيبةَ إقدامهم على مُقابلةِ موجدها وموجدهم، ومنشئها ومنشئهم ثم إليه ترجعون! (أَفحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقَنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115].
ولقد جاء القَسَمُ بـ (وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَيَالٍ عَشۡرٖ * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ *وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ) [الفجر1-3] وفيه القَسمُ لذوي الحِجر أي:العقل.
وأمرنا الله أن نتذكّر مصير مَن مضى على ظهر الأرض قبلنا؛ أفراداً وشعوبا ودول وأمماً كثيرة، فيهم الذين كفروا وكذّبوا وألحَدوا وجحدوا، فواللهِ ما غنموا إلا همّا وغمًّا ونَكدًا في الحياة الدنيا وعذابًا شديدًا في الآخرة، (فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ) [الحاقة:8]، (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:45-46].
قصَّ الله علينا أخبار الأمم السابقة، ثم قال في البيان العظيم الشافي الكافي (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر:14] وحذّرنا أن نُصدِّق الوهم والخيال؛ أنّ مدار الإكرام أو الفضل أو السعادة كثرة الأموال، وتيسُّر أسباب المعيشة والزينة في الحياة الدنيا، أو نظُنَّ أن الإهانة أو الذِلّة في قِلّة المال وفقر اليد؛ فذلك ظنٌّ ووهمٌ باطل، "إن الله يُعطي الدنيا من يُحّب ومن لا يُحِب ولا يُعطي الدين إلا من أحب"، وقال لنا أن الإنسان إذا ما اختُبِرَ فأُكرِمَ ونُعِّم بالنعيم الظاهر قال: (رَبِّي أَكْرَمَنِ)، وإذا اختُبِرَ فضُيِّقَ عليه في الرزق الظاهر قال: (رَبِّي أَهَانَنِ ..) قال الله: (كَلَّا..) ! [الفجر15-16-17] ليست الإهانة بِقلة المال، ولا الكرامة بوَفرة الأموال (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) [الزخرف:33-35] فاطرقوا الفوزَ الأكبر باقتِفاءِ أثر خير البشر، واغتنامِ العمر القصير في طاعةِ العليِّ الكبير.
ولقد أمر بالتشبُّهِ بالحُجاج من أراد أن يُضحّي لعظيم فضل الأضحية؛ لِكُل من قدر عليها؛ وقال: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يُضحّي، فليمسك عنه شعرِه وظفرِه"، وفي لفظٍ "فلا يمسّنَّ ظفراً ولا شعراً" فيستعد لذلك قبل دخول شهر ذي الحجة؛ ويقصّ أظفاره وشعره حتى لا يمسّ شيئاً في أيام العشر، مُتشبهاً بالمحرمين بحجِّ وعمرة؛ وهكذا جاء: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يُضحِّي، فلا يمسَّنَّ من ظفره وشعره شيئاً"، ألا فاغنموا الليالي والأيام، وأقبلوا على مولاكم ذي الجلال والإكرام.
يا من تُقبل الليالي العشر وفي بيوتهم عادة التفرُّج على المناظر المُحرّمة حرِّروا أنفسكم، حرِّروا أنفسكم! قبل أن يحلَّ بكم الهم والغم الشديد والعذاب الأليم، قبل أن تتعرّضوا للحسرات! "ألا إن النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس" قال الله: "من تركها من مخافةً أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه".
يا من تدخل عليهم ليالي العشر وهم في قطيعة لأحد من الأرحام؛ ما أبعدكم عن الوعيِ وإدراك الوحي؛ ما أبعدكم عن مُهِماتكم في الحياة، ما أبعدكم عن الاستعداد للوفاة، يا خيبتكم إن أصررتم على الأمر الذي يغضبُ عليه الله (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ) [محمد 22-23].
يا من تعتاد بيوتهم السَّب والشتم والغِيبة بدِّلوه! بدِّلوه بالذكر والقرآن والكلم الطِّيب، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10] (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚأَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات:12].
اغنموا الصدقة في هذه الأيام، واغنموا ما تيسَّر لكم من صيام وقيام، واغنموا التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح لِربكم ذي الجلال والإكرام.
اللهم وفِّقنا واجعلها علينا من أبرك الأيام وأسعد الأيام، ولا تكِلنا فيها إلى أنفُسٍ، ولا تُسلِّط علينا فيها شيطاناً ولا نفساً ولا هوىً ولا أحداً من الفَسقة اللِّئام، اللهم اجعل هوانا تبعاً لما جاء به خير الأنام، وارزقنا شرف وكرامة هذه الليالي والأيام، يا ذا الطَّول والإنعام يا أرحم الراحمين.
والله يقول وقوله الحق المبين: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
وقال تبارك وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
(وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَيَالٍ عَشۡرٖ * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ * وَٱلَّيۡلِ إِذَا يَسۡرِ * هَلۡ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٞ لِّذِي حِجۡرٍ * أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ * وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ * فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ * فَأَمَّا ٱلۡإِنسَٰنُ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكۡرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَكۡرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَيۡهِ رِزۡقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّيٓ أَهَٰنَنِ * كَلَّاۖ بَل لَّا تُكۡرِمُونَ ٱلۡيَتِيمَ * وَلَا تَحَٰٓضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ * وَتَأۡكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكۡلٗا لَّمّٗا * وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا * كَلَّآۖ إِذَا دُكَّتِ ٱلۡأَرۡضُ دَكّٗا دَكّٗا * وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ صَفّٗا صَفّٗا * وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ * يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي قَدَّمۡتُ لِحَيَاتِي * فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥٓ أَحَدٞ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ * يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ * ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةٗ مَّرۡضِيَّةٗ * فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي * وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي) [سورة الفجر].
باركَ الله لكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وثبّتنا على الصراط المستقيم وأجارنا من خِزيهِوعذابه الأليم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الحمدُ لله مِنه المُبتدئ وإليه المرجع،
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فازَ مَن لِوَحيهِ يتَّبِع، وأشهدُ أن سيدنا ونبينا وقُرة أعيننا ونور قلوبنا محمداً عبده ورسوله، أكرم خلق الله على الله، وأعظمهم منزلة لديه تعالى في عُلاه، صلّ وسلم وبارك وكرِّم عليه يا ربنا وعلى آله وصحبه الهداة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوقوف بين يديك يا من له تَخِرُّ الجِباه،
وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات كل مُنيبٍ أوّاه، وآلهم وصحبهم وتابعيهم وملائكتك المُقرّبين وعبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا الله.
أما بعد عباد الله.. فإنّي أوصيكم ونفسيَ بِتقوى الله، فاتّقوا الله في خاتمة شهركم وإقبال ليالي العشر عليكم والموسم؛ الذي يَرِدُ فيه الواردون ويفِدُ الوافدون من الأمة نيابة عن بقية الأمة على بيت ربهم جل جلاله، وساحات إكرامهِ وإنعامه ومشاعره وشعائره التي تعظيمها من تقوى القلوب، وعلى نبيّه المصطفى محمد ومدينته وحرمهِ وروضته،
فينوبون عن الأمة بالتوجُّهِ إلى الله والتضرُّع إليه سبحانه وتعالى، قَبِلهم الله وأعانهم وحفظهم وأعادهم إلى أوطانهم سالمين غانمين، وأشركنا فيما يتجلّى به عليهم ويُكرِمهم من الخير.
أيها المؤمنون: أعدّوا العُدّة (إِنَّ رَبَّكُمْ لَبِالْمِرْصَادِ) فاتركوا الْأَوْهَامَ وَالْخَيَالَاتِ
وَاتِّبَاعَ أَهْلِ الْضَّلَالَاتِ كَائِنِينَ مَنْ كَانُوا (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) [الأنعام:116] وَعَظِّمُوا الْأَيَّامَ وَالْلَّيَالِ الَّتِي عَظَّمَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَعَالَى فِي علاه، وَأَعُدُّوا الْأُضْحِيَةَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَتَهَيَّؤُوا لِلْعِيدِ وَنَيْلِ الْمَزيد، بِاتِّبَاعِ الْحَبِيبِ الرَّحْمَن السيِّدِ الْمَجِيدِ، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله.
وأكثروا الصلاة والسلام عليه؛ فهي ذِكرٌ لله وذِكر لرسوله؛ وهي موجبة لِرحمة الله لمن يُصلي عليه بالواحدة عشر مرات وعشر صلوات من رب الأرض والسماوات، وأولى الناس بالنبي يوم القيامة أكثرهم عليه صلاة.
وقد قال ربنا مُبتدِءًا بنفسهِ ومثنِّيًا بالملائكة ومُأيهًا بالمؤمنين تعظيمًا وتكريماً: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلِّم على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة؛ السراج المنير البشير النذير، عبدك المصطفى سيدنا محمد، وعلى الخليفة من بعده المختار وصاحبه وأنيسه في الغار، مؤازرهِ في حاليي السَّعَة والضيق خليفة رسول الله سيدنا أبي بكر الصديق، وعلى الناطق بالصواب حليف المحراب، المُنيب الأواب أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب، وعلى مُحيي الليالي بتلاوة القرآن من استحيَت منه ملائكة الرحمن، مُنفق الأموال لوجه الرحمن في السر والإعلان، أمير ذي النورين سيدنا عثمان بن عفان، وعلى أخي النبي المصطفى وابن عمه، ووليه وباب مدينة عِلمه؛ إمام أهل المشارق والمغارب أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب، وعلى الحسن والحُسين سيدي شباب أهل الجنة في الجنة وريحانتي نبيك بِنَصِّ السُّنّة، وعلى أمهم الحوراء فاطمة البتول الزهراء، وعلى خديجة الكبرى وعائشة الرِّضا، وعلى الحمزة والعباس وسائر أهل بيت نبيك الذين طهّرتهُم من الدَّنَس والأرجاس، وعلى أهل بيعة العقبة وأهل بدر وأهل أحد، وأهل بيعة الرضوان، وعلى سائر الصحب الأكرمين وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزّ الإسلام وانصر المسلمين، أذِلّ الشرك والمشركين، وأعلِ كلمة المؤمنين، ودمِّر أعداء الدين، اللهم ارفع البلايا عن أهل لا إله إلا الله وأصلح أحوالهم في ظاهرِ الأمر وخفاياه، اللهم ارفع عنهم سُلطة الأعداء وعُضال الداء.
اللهم بارِك لنا وللأمة في الليالي العشر، وما فيها من الثواب والأجر، وأصلح لنا السر والجهر، وكفِّر عنا السيئات والوزر، وتولَّنا بما أنت أهله يا حي يا قيوم.
اللهم تقبل الحجاج والعُمّار والزوار ووفدك ووفد رسولك، وبلِّغهم فوق آمالهم من الخيرات، وادفع عنا وعنهم وعن الأمة جميع البلايا والآفات في الظواهر والخفيات؛ يا ربّ الأرضين والسماوات، يا حيُّ يا قيوم يا الله.
اللهم اصرِفنا من جمعتنا بقلوبٍ عليك مجموعة، ودعواتٍ لديك مسموعة، وأعمال صالحة مرضِية مقبولة مرفوعة، يا حيُّ يا قيوم، يا عليُّ يا عظيم، يا منان يا كريم، يا واحدُ يا أحد، يا فرد يا صمد، ادفع البلايا عنا وعن أمة نبيك سيدنا محمد، واغفِر لنا ووالدينا ومشايخنا وذَوي الحقوق علينا، والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، أحياهم وموتاهم إلى يوم الميقات يا مجيب الدعوات.
اللهم بارِك في أعمارنا، وارزقنا حُسن اغتنامها وصرفِها فيما يُرضيك، واختمها لنا بأكمل الحُسنى وأنت راض عنا يا حي يا قيوم.
اللهم إنا نسألك لنا وللأمة من خير ما سألك عبدك ونبيك سيدنا محمد، ونعوذ بك مما استعاذك منه عبدك ونبيك سيدنا محمد، وأنت المُستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
عِباد الله: إن الله أمر بِثلاثٍ ونهى عن ثلاث: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]
فاذكروا الله العظيم؛ يذكركم واشكروهُ على نِعَمهِ يزِدكُم، ولذِكر الله أكبر.
28 ذو القِعدة 1444